بعض العادات الارترية المشابهة لعادات عربية
بقلم المناضل الأستاذ: محمد سعيد ناود
عادة حلق الشعر عند النساء عندما يموت عزيز لديهن هي عادة عربية قديمة. وهذه العادة معروفه لدى بعض القبائل الإرترية.
قال الشاعر لبيد بن ربيعه عندما تقدم به العمر وحضرته الوفاة مخاطباً ابنتيه:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
فإن حان يوماً أن يموت أبوكما
فلا تخمشا وجهاً ولاتحلقا شعر
وقولا هو المرء الذي لاحليفه
أضاع ولاخان الصديق ولاغدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبكِِ حولاً كاملاً فقد أعتذر
• عادة المناحة والذفن عند الوفاة كانت شائعة في الجزيرة العربية، وكان ابن سريج والغريض قد اتقنا تلك الصنعة واشتهرا بها. وفي أجزاء واسعة من إرتريا فإن هذه العادة معروفه وشائعة، حيث تمارسها النساء عند وفاة عزيز لديهن.
• في بعض أجزاء ارتريا تقوم قريبات المتوفى بارتداء ملابسه والقيام بالرقص وهن يرفعن سيفه وترسه وينشدن الأغاني التي تكرمه وتعظمه. وهذه عادة عربيه كانت معروفة بالجزيرة العربية.
• المرأة الإرترية تتمتع بموهبة ارتجال الشعر، وهي ترتجله في المناسبات ألعامه كما في بيتها، للاحتفال بمناسبة مفرحة أو للندب في حالات الحزن والموت.وفي هذا فهي شبيهه بالمرأة العربية التي خلفت تراثاً كبيراً من الشعر العربي في شتى المناسبات، وأبرز مثال على ذلك الخنساء التي خلدت بشعرها شقيقيها صخر عند مقتله.
وهنا يمكن العودة لكتابات (فرديناندو مارتيني) رئيس لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الشيوخ الإيطالي قبل مائة عام، حيث قام بجولة لشتى انحا ء ارتريا وقام بتسجيل الكثير من مشاهداته وملاحظاته، ومما ذكره عن موهبة المرأة الإرترية في ارتجال الشعر، هو الأبيات التالية والتي يقال أن الآباء العزاريين الفرنسيين قاموا بترجمتها للكولونيل (بارتييري) في كرن:
ابن القوي كالقافلة والآخرة
السيد الذي كان يحكمنا، لاتستطيع لمسه
كالسهل الذي يغطيه الشوك
سيد المدن الثلاث مات
القوي سقط انقطعت السلاسل المتينة
التاج الذي كان سيدي يضع على رأسه
جاءه من أبناء الملك
والقصيدة طويلة وان فطنة القارئ تدرك أن ترجمتها إلى الفرنسية ثم إلى الإيطالية،وأخيرا إلى العربية أفقدها الكثير من الصور الجمالية، وان احتفظت بالمعاني والوصف والكلمات.
• تكريم الميت بذبح المواشي بأنواعها وإقامة المأتم والأيام الطويلة بعد الوفاة، كلها من العادات المنتشرة في المجتمع العربي وفي كل أنحاء ارتريا يمكن ملاحظة تلك العادات.
• جاء في كتاب الأغاني ـ الجزء التاسع صفحة (97) الآتي: (حدثني محمد قال حدثنا محمد بن عباد المهلبي قال لما مات أبو عيسى بن الرشد دخلت إلى المأمون وعمامتي علي، فخلعت عمامتي ونبذتها وراء ظهري. والخلفاء لاتعزى في العمائم)
إن عادة حل العمائم ووضعها فوق الرأس كغطاء عادي ونبذها وراء الظهر، توجد لدى بعض القبائل في مكان المأتم في ارتريا، خاصة لدى بعض قبائل الساحل الشمالي من ارتريا.
• التطير ـ ألطيره: الفأل السيئ بمعنى التشاؤم، وحسبما هو موجود في مناطق كثيرة من ارتريا، فقد كانت العرب أيضاً تتطير من الغراب وأسمه، ولذا كانوا يسمونه الأعور بدلا من نطق أسمه. وكانوا يزجرون الغراب كلما شاهدوه لارتباط اسمه بالغربة والاغتراب والغريب.
• النقار: وهو المفاخرة بين شخصين وقبيلتين، ويحاول كل منهما أن يرفع من شأن نفسه ويحط من شأن خصمه. وقد يفاخر بحسبه ونسبه وشجاعته وكرمه وأمجاد أبيه وأجداده ويطعن في خصمه في كل ذلك.
وفي ارتريا كانت هذه العادة ولاتزال موجودة. وبلغة التجري يطلقون عليها تسمية
(قدبو) أو (واردو). ومن أراد معرفة المزيد من النقار يمكنه الرجوع إلى كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ـ الجزء (15) بالصفحات (52) وما بعدها. وسيجد سرداً مفصلاً عن النقار الذي جرى بين عامر بن الطفيل بن مالك وبين علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص.
• العلاج بالحجامة والكي بالنار: واستعمال العقاقير البلدية مثل السنا والصبر والشبرم وغيرها من الأعشاب التي كانت العلاج الوحيد وذلك قبل ظهور الطب الحديث. وهذه من الموروثات العربية الأصيلة. وهي شائعة في ارتريا حتى اليوم، وان السنا والصبر والشبرم تحمل نفس الأسماء بلغة التجري.
• لبس التمائم والتعاويذ التي تكتب بآيات من القرآن الكريم وتفاديا للشرور بأنواعها ولطرد الشياطين واتقاء العين والحسد.
• الإيمان بالأحلام لمعرفة المستقبل.
• تقديم القهوة للضيف كإكرام له. وحتى اليوم فإن كل دول الخليج والجزيرة العربية وكثير من الدول العربية أول مايقدمونه للضيف هو فنجان القهوة. وعندنا في ارتريا تعتبر القهوة المشروب المفضل حيث يتحلقون حوله، والضيف الذي لاتقدم له القهوة أولاً وقبل كل شيء يعتبر وكأنك لم تكرمه.
• جاء في كتاب الأغاني، الجزء السابع ـ صفحة (39): (قال محمد بن سلام رأيت أعرابياً من بني أسد أعجبني ظرفه وروايته فقلت له: أيهما عندكم أشعر ؟ قال:
بيوت الشعر أربعه، فخر، ومديح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير.
قال في الفخر:
إذا غضبت عليك بنو تميم
حسبت الناس كلهم غضابا
والمديح:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
والهجاء:
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
والنسيب:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وبصرف النظر عن تحيز هذا الأعرابي لجرير فقد برعت في الجزيرة العربية أعداد لاحصر لها من الشعراء سواء كان ذلك في الجاهلية أو بعد ظهور الإسلام، خاضت في الأغراض الأربعة المذكورة وغيرها من وصف الديار والبكاء على الأطلال والرثاء والحماسة، وخلفوا درراً من التراث الشعري.
أشرت إلى هذا الموضوع بحكم التشابه الذي نجده في التراث الإرتري وبمختلف اللغات الأرتريه بالشعر المحلي الذي يخوض في كل تلك الأغراض الشعرية التي أشرنا إليها.
• الاهتمام بالأنساب: المعروف عن الإرتريين الاهتمام بأنسابهم من ناحية الأب والأم، وهناك أسر تحتفظ بنسبتها المكتوبة إلى العشرات من أجدادها، وهذه عادة عربيه أصيله.
قال الله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.
وفي الحديث الشريف: تعلموا من النسب ماتعرفون به أحسابكم، وتصلون به أرحامكم.
قال عمر بن الخطاب: تعلموا النسب ولا تكونوا كنبيط السواد إذا سئل أحدهم عن أصله قال: من قرية كذا وكذا.
• عادة الثأر للقتيل: هي عادة عربيه أصيله ومعروفه. وفي ارتريا فإن الثأر للقتيل عادة شائعة. وفي القبور فإن الشخص الذي يموت ميتة طبيعيه فإن قبره يغطى بالحجار البيضاء. أما الذي قتل فقبره يغطى بالحجار السوداء لحين الأخذ بثأره.
عادة هجران النساء والدهن وعدم حلق شعر العانة والرأس حتى الأخذ بالثأر. ورد في كتاب العقد الفريد بالجزء الخامس: (يوم الفيفاء.. لسليم على كنانه.. قال أبو عبيده: (ثم إن بني الشريد حرموا على أنفسهم النساء والدهن، حتى يدركوا بثأرهم من بني كنانه، فغزا عمرو بن خالد بن صخر حتى أغار على بن فراس، فقتل منهم نفراً، وسبى سبياً فيهم ابنة مكدم أخت ربيعه بن مكدم.
هذه العادة كانت معروفه في أجزاء من ارتريا، وأبرز مايروى عنها إن كنتيباي الحباب في حربه ضد أبناء عمومته (عد تكليس) في معركة (شتقيرا) الشهيرة قد حرم على نفسه وعلى جيشه الاقتراب من النساء واستعمال الدهن وعدم حلق شعر العانة والرأس، وبعد دخولهم معركة شنقيرا وانتصارهم فيها والأخذ بثأرهم وإعادة النقارة (النحاس) حلقوا شعورهم وعادوا لنسائهم.
• من العادات المتشابهة ظاهرة إشعال النار أمام المنازل بالريف عند حلول الظلام سواء كان لإرشاد عابر الطريق ليهتدي بها لاستضافته أو لإبعاد بعض الحيوانات المفترسة التي تخشى النار وتبتعد عنها، وفي ارتريا فإنهم يتفاءلون بذلك بل ويتشاءمون من أن يكون الظلام أم منزلهم عند حلول الليل.
وحتى البعض من المنحدرين من الريف ممن سكن المدن وأصبح يستعمل الكهرباء فلا يزال متأثراً بتلك العادة حيث يقوم بإضاءة كل غرف المنزل عند حلول الليل، وبعد فترة يقوم بإطفاء الشمعات التي لاتلزمه.
• هناك ظاهرة ضرب الأمثال: فالمعروف عن اللغة العربية أنها غنية بالأمثال وفي شتى المناسبات حتى أن العربي قلما يطرق موضوعا في حديثه دون أن يذكر مثلاً لتأكيد صحة قوله.
وهذه الظاهرة نجدها في كل اللغات الإرترية الغنية بالأمثال. وبالكثير من الأمثال الأرتريه متطابقة في مضمونها مع الأمثال العربية. كما أن المجالس في ارتريا تتخللها الأمثال من قبل المتحدثين، ولا يخلوا مجلس إلا وتقال فيه الكثير من الأمثال حول الموضوع الذي تتم مناقشته.