أسمرا الصغيرة السودانية
بقلم الأستاذة: آمال أرأيا غبري
أريد اليوم ان احدثكم عن بعض المناطق التي يقيم فيها الإرتريين في العاصمة السودانية المثلثة،
وسوف أركز على الإرتريين فقط. كما هو معلوم ليست هناك منطقة في العاصمة لم تطاءاها قدم ارتري، سواءا أن كان كعامل أو كساكن، ولكن هناك بعض المناطق التي استأثرت دون غيرها على تفضيلهم، وهي:-
• الجريف غرب الشيطة،
• الصحافتين،
• والديوم (الديم).
سوف أتحدث عن اشهر هذه المناطق الثلاثة التي اختارها شعبنا لإستقراره، وهو يقيم فيها بكثافة أعلى في الوقت الحالي، وهو حي الجريف غرب الشيطة أو كما يدعوه أهلنا جريف شطة. ليس لدي علما بتاريخ توافد الإرتريين الى هذا الحي، ولكن على حسب اقوال بعض المقيمين فيه من سنين طويلة، بان الاحتمال الأكبر هو أبان الإستعمار الإثيوبي لإرتريا وفي فترة حكم الرئيس جعفر نميري للسودان، وبعد الانقسامات والفتن التي طالت التنظيم الارتري الأم، ثم قيام تلك التنظيمات بفتح مكاتبها في مختلف حواري الحي لقربه من قلب العاصمة.
مما لاشك فيه أن تلك المكاتب وأن اختلفت اجندتها السياسية عن بعضها بعضا، فإن هدفها كان واحد وهو تحرير إرتريا من الإستعمار، ووجودها معا في تلك الدائرة الضيقة المميزة كان عامل جذب لا يستهان به، بالإضافة إلى ترحيب سكان المنطقة من السودانيين بهم بحفاوة.
وقد عرفت تلك المكاتب بنشاطاتها التعليمية، الترفيهية، الاجتماعية، الرياضية، واجتماعاتها وسمناراتها الدورية بقصد التوعية الوطنية، الحث على الدعم والتشجيع، التبرع المادي والتطوع للإلتحاق بركب النضال المسلح. ثم تطورت فاقامت المدارس، العيادات واستأجرت النوادي.
حاليا وبعد 28 عاما من تحرير ارتريا، تغيرت ملامح الحي العريق، حيث اختفت مكاتب التنظيمات السياسية القديمة، واحتل مقر الجالية الإرترية مكانه في الحارة الرابعة المدارس (ليس بعيدا عن موقع مكتب الجبهة الشعبية قبل التحرير)، وتحول حي الجريف غرب إلى مكان يتميز بتوفر المرافق الصحية لأطباء ارتريين والتعليمية (بالمنهجين الإرتري والإثيوبي).
كما نجد ان الشباب الارتري في الحي يغطي جميع مجالات العمل التجاري، الحرفي، والترفيهي، مثل امتلاك أو العمل في بوتيكات الملابس الراقية والتراثية، محلات العطارة، محلات تفصيل وخياطة الملابس، مقاهي الإنترنت، صالونات الحلاقة والكوافير، المطاعم، محلات تصليح الموبايلات والسيارات والأدوات الكهربائية، النجارة وقيادة سيارات الأجرة.. وغيرها، وقد أطلقوا على محلاتهم التجارية مسميات تدل على هويتهم، وعملوا على تحويل المنطقة التي تطل على الشارع الرئيسي بين محطتي المدارس والسينما، بما يتناسب وهويتهم، وأضحت ملامح الحي تشبه إلى حد كبير بعضا من ملامح مدننا الصغيرة.
استحق الجريف غرب بحق اسم (أسمرا الصغيرة) وليس للشكل الهندسي علاقة بإطلاق هذا الاسم عليه، بل تحببا من قاطنيه، الذين استطاعوا على مر السنين تغيير النمط الثقافي للحي، حيث أصبح معظم السودانيين فيه من محبي كل ما هو ارتري من طعام، شراب، لبس تراثي، روائح بخور، رقص وموسيقى، وحتى لهجاتنا، لقد اتقن بعضها العديد منهم.
هذا الحي الشعبي اللطيف تتحول ميادينه وساحاته المطلة على الشارع الرئيسي في الفترات المسائية من كل يوم، وايام العطلات والمناسبات العامة إلى مكان مفضل لإلتقاء الإرتريين من الجنسين.
نجد المحلات التجارية ذات اليافطات المضيئة بألوان قوس قزح تحيط بالطريق الرئيسي من الجانبين بالإضافة إلى بائعات الشاي والجبنة الجالسات قرب بعضهن بعضا، واللآتي يغطين المنطقة الواقعة بين المحلات التجارية والطريق الرئيسي، حيث تنتشر الكراسي والمنابر والطاولات وتختلط ببعضها بعضا.
في الفترات المسائية معظم شبابنا يتانقون ويخرجون من منازلهم وهم في أبهى مظهرهم في طريقهم إلى ذلك المنتزة الخارجي، لعل وعسي رائحة قلي البن المالوفة الممزوجة برائحة البخور التي يحركها النسيم المسائي المنعش تحمل القليل من عبق الوطن، وتمسح بعضا من ألم فراق الأهل والاحباء، وقد يحالف الحظ بعضهم فيصادفون بعضا من معارفهم بين الجالسين في كراسي ستات الشاي، أو الذين بتمشون الهوينة جيئا وذهابا وكأنهم يتنزهون في شارع كمبشتاتو اسمرا.
كما لعب هذا الحي العريق أبان الكفاح المسلح دورا لا يستهان به في إيواء واحتضان شعبنا ومكاتبنا السياسية، نجده وبعد 28 عاما من تحرير وطننا الحبيب، وبالرغم من البطالة، غلاء ايجار المنازل، التضخم وإرتفاع مستوى المعيشة وكثرت الكشات المتفشية فيه، ما زال ملاذا آمنا للكثير من الوافدين، ليس فقط بالنسبة للإرتريين الذين ارتبطوأ به وجدانيا، بل وللعديد من الأفارقة والعرب البسطاء والمستثمرين، الذين اختاروا السودان ملجاءا لهم، وإستطاعوا في فترة وجيزة ان يكتتشفوا الثروة الإقتصادية الكامنة في هذا الحي، والمتمثلة في توفر الزبائن الواعدين والأيدي العاملة الشابة.
ومازال سكان حي الجريف غرب من السودانييت كما عهدناهم دائما يتصفون بحسن معاملة الغرباء، الضيافة والكرم ويعيشون مع المهاجرين في توافق ليس لمثله نظير.