مدينة مصوع
بقلم الأستاذ: عثمان عبداللطيف
تقع مدينة مصوع Massawa في إقليم سمهر، وهو أحد أقاليم أريتريا على البحر الأحمر،
وتعد أقدم مدينة أريترية والميناء الرئيسي للبلاد، وقد كانت موقعاً تجارياً منذ القدم، فضلاً عن أنها تشكل منفذاً طبيعياً للمحاصيل التي تجلب من المناطق الداخلية؛ لتُصدّر عن طريق البحر الأحمر.
احتل الأتراك مدينة مصوّع وسواحل البحر الأحمر في عام 1557م إثر صراع مسلح مع البرتغاليين الذين سبقوهم إلى احتلال هذه المدينة سنة 1520م عقب وصول بعثة دي ليما De Lima.
استمرت السيطرة الاسمية لتركيا حتى عام 1866م حين أحالها السلطان العثماني إلى الخديوية المصرية، وانتهى الحكم المصري عام 1885م عندما احتلت إيطاليا مصوّع بتشجيع من بريطانيا التي أعلنت مصوّع مستعمرة إيطالية في مطلع عام 1890م، وقد استخدمت إيطاليا ميناء مصوّع قاعدة لغزو المناطق الداخلية من أريتريا أولاً ثم أثيوبيا ثانياً، إذ احتلتها عام 1935م، لكن بريطانيا دحرت الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية، وأنشأت إدارة عسكرية حكمت بها كل أريتريا، ومن ضمنها مدينة مصوّع، وفي سنة 1950 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً أصبحت بموجبه أريتريا جزءاً من أثيوبيا، وفي سنة 1961 أعلنت أثيوبيا أن أريتريا أصبحت ولاية أثيوبية، ولكن الثوار الأريتريون استطاعوا انتزاع استقلالهم من أثيوبيا في 24 أيار/مايو سنة 1993.
تتكون مدينة مصوَّع من جزيرتي باضع وطوالوت الواقعتين في خليج دهلك Dahlak الأريتري الذي نزل فيه الصحابة؛ وهم في طريقهم إلى النجاشي ملك الحبشة عندما أرسلهم إليه النبي محمد.
ولاتزال مصوَّع في الوقت الحاضر أحد أهم الموانئ على البحر الأحمر الذي يستغله الحجاج الأفارقة للوصول إلى مكة المكرمة، إضافة لكونها ما زالت تحظى بأهمية إقليمية وعالمية، فعدا عن كونها ميناءً رئيسياً فهي مركز تجاري تلجأ إليه السفن المحملة بالبضائع القادمة من عدن أو الذاهبة إليها، وقد تُفرغ فيها بضائعها للتجارة مع الداخل الإفريقي أو للانتقال بها براً إلى مصر، ويقوم ميناء مصوَّع بدور كبير صلة وصل بين شبه جزيرة العرب والمناطق الداخلية، وهو في الوقت ذاته مركز مهم يسهم بربط المحيط الهندي وأقطار الشرق الأقصى بالبحر المتوسط وأوربا عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
تضم مصوَّع العديد من الأحياء الممتدة على طول الشاطئ، مثل: عاقا، وختمية وأماتري Amatere وحطملوا Hatamloa وأمكلو. وإلى الشمال منها هناك جزيرتان هما قرار وعبد القادر جيلاني اللتان تحيطان بأحواض السفن، وعلى مقربة من المدينة توجد محطة كهرباء حرقيقو Harkiku التي أصبحت اليوم ضمن ضواحي المدينة.
إن موقع مدينة مصوَّع على الساحل الشرقي لأريتريا يقع في منطقة سهلية لا يزيد ارتفاعها على 45م فوق مستوى سطح البحر، ولا يهطل فيها من الأمطار أكثر من 130مم سنوياً؛ مما جعل الزراعة في محيطها قليلة جداً، ومن أجل إرواء سهل زولا Zola عمدت الحكومة الأريترية إلى بناء السدود على وادي بنفدي وقرب مدينة فندع Fandaa من أجل إرواء مزارع اللوز والفاكهة والخضر بين أسمره ومصوَّع، وقد جُربت زراعة الموز بالقرب من مدينة مصوَّع، ومن المتوقع أن يكون لهذه الزراعة مستقبل زاهر، إضافة لزراعة القطن والتبغ ونباتات الألياف التي لها شأن كبير في اقتصاد البلاد.
بلغ تعداد السكان في مدينة مصوَّع نحو 40 ألف نسمة حسب تقديرات 2005م، ومصوَّع في الأصل هي إحدى الجزر ذات الصخور المرجانية التي يبلغ طولها كيلومتراً واحداً وعرضها نحو 350 متراً، وتشير المصادر التاريخية إلى أن قبيلة «أدَّة» Addath هي أول من سكن مدينة مصوع، وكان الساهو يطلقون اسم «مَنْدَرْ» على مصوّع، ويذكر أن مدينة مصوّع الحديثة بدأت تمتد من حي حرقيقو الذي كان يسمى «دَكْنُو» Daknou إشارة إلى اسمها القديم؛ ويعني الأفيال، فقد كانت تشتهر بكثرة الأفيال حولها.
إن مدينة مصوّع عاصمة محافظة البحر الأحمر، إحدى محافظات أريتريا التسع، يعمل أهلها بالتجارة وصيد الأسماك، حيث يصطادون سمك التونة، وقد أُنشئ مصنع قرب مصوَّع لتصنيع هذا النوع إضافة إلى أسماك القرش التي تحظى بأهمية خاصة في تعليب الأسماك، كما يصطاد الصيادون أنواعاً أخرى تستخدم في صناعة مسحوق السمك.
إن قلة الموارد والإمكانات المادية إضافة إلى الجفاف وقلة هطل الأمطار أدى إلى فقر السكان وتأخر الأوضاع الصحية وسوء التغذية، هذا إضافة إلى انعدام ظروف العناية الصحية ونقص الأطباء. وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأريترية، مثل لامركزية العناية الصحية وتوسيع مراكز التعليم الصحي ووضع برامج الوقاية من الأمراض ومراكز رعاية الأمومة… وغيرها، فإن كل ذلك لم يؤد إلى تحسن ملموس، ومازالت الأمراض تنتشر بكثرة هناك خاصة أمراض الملاريا والسل الرئوي والجدري والحمى الصفراء حيث يُصاب بهذه الأمراض نحو 22% من السكان.
تعد مدينة مصوَّع الحالية مركزاً تاريخياً قديماً، يوجد بها مسجدان يحظيان باهتمام متميز، وهما مسجد الإمام الشافعي الذي تأسس منذ 800 عام، ومسجد الشيخ حمالي الذي بني في القرن السادس عشر. وقد شهدت المدينة نفوذاً كبيراً للعرب في صدر الإسلام تَمَثَّل في الإمارات والسلطنات الإسلامية التي قامت في بلاد الساحل الإفريقي.
ميناء مصوع:
يعد ميناء مصوَّع من أقدم الموانئ من حيث التجارة البحرية، كما أنه يعد الأهم بين الموانئ، ولعله لهذا السبب سمي بلؤلؤة البحر الأحمر، ويعد الجزء الممتد من مدينة مصوّع والقائم على جزيرة طوالوت مركزاً إدارياً في المقام الأول، وفي هذا الجزء من المدينة توجد الفنادق ومواقع السكن الجميلة التي تحيط بها أشجار النخيل والفلفل الكاذب والدفلى، وعلى الطرف الشمالي من هذه الجزيرة ينتصب قصر الحاكم الذي بُني منذ 130سنة، وهذا القصر لم يَسْلم من مآسي الحرب التي دارت بين أثيوبيا وأريتريا في عام 1990، مثله مثل مسجد الشيخ حمالي في جزيرة باضع حيث دُمر تدميراً شاملاً.
إن ما يشد المرء في مدينة مصوّع المباني الأثرية التي ما تزال قائمة حتى اليوم، مثل المسجد الحنفي الذي يزيد عمره على 500 عام؛ الذي يتميز بأعمال ترميم مذهلة لدقتها وجمالها؛ إضافة إلى الثريا المصنوعة من الكريستال المنفوخ؛ والتي تتوسط سقفه.
توجد أمام مرفأ مصوّع ساحة تضم مجموعة من البيوت المصنوعة من الحجر المرجاني الذي طوعه الأريتريون لبناء مبان جميلة وصلبة جداً.
وتمتلك مصوّع واحداً من أروع الشواطئ في العالم يدعى شاطئ قرقسم، رماله بيضاء خلابة، ومياهه زرقاء ولازوردية، وليس بعيداً عنه جزر دهلك التي يصل تعدادها إلى 360 جزيرة، وبإمكان المرء أن يقوم برحلة بحرية قصيرة إليها.