تنت وأدواتها ثفال و شمت

حاورتها الأستاذة: سهير قندفل - كاتبه وناشطة سياسية ارترية

هنالك الكثير من عاداتنا وتقاليدنا الجميلة التي مازالت تلفت الأنظار لما فيها من روح ومواكبة

تَنَّتْ

لعجلة الحياة تدور اِينما دارات، ومنها طقوس وممارسات تجميلية تقوم بها المرأة الأرترية حفاظاً على جمالها ونضارتها، خاصة عند الزواج مثل التنت ولها أدوات معينة مثل الثفال والشِمت.

والتنت أو ما يعرف بالدخان أو حفرة الدخان وهو طقس وتقليد متبع تخضع له العروس قبل الزواج بفترة (2–3 شهور)، وتبدأ عملية التنت بتجهيز حفرة عميقة تملس بالطين من الداخل، ويوضع بها أعواد من أشجار الطلح والشاف ذات النكهة الخاصة، وتشعل فيه نار هادئة ثم يبسط على الحفرة الثفال الذي تجلس عليه العروس ثم تلف وتدثر بالشمت، وتتراوح مدة الجلسة من ساعتين الى ثلاث، ولا تقوم من هذه الحفرة حتى يتصبب منها العرق، وبعد الزواج تصبح هذه العادة ملازمة للمراة المتزوجة ولكنه محظورة لغير المتزوجات.

والتنت تماثل حمام البخار عند العرب، لكنها بدون ماء تعمل على دخان الحطب فقط. وبالرغم أن الهدف منها هو اِعطاء العروس لونا فاتحاً وجلداً ناعماً؛ الِا أن لها فوائد اُخرى منها تخلص الجسم من كميات كبيرة من الماء والأملاح عبر التعرق، وقتل الجراثيم، وهي علاج طبيعي للروماتيزم والام الظهر والمفاصل والقدمين فضلا عن معالجتها التهابات ونزلات البرد.

وكلمة تنت هي بلغة التقرايت، (1) وتعرف في السودان بالدخان، اما في اللغة العربية فكلمة نت القدر اي غلى ماءه وتصاعد بخاره، وقد يكون نفس المعني في اللغتين اي تصاعد الدخان وتصاعد البخار، اما اليوم وفي عالم التجميل تعني كلمة (تنت) اسم تركيبة مائية مصطبغة تطبق على الخدود وتمنح الجلد لونا خفيفا وطبيعيا، تعود صناعة هذه التركيبة (تنت) الى كوريا واليابان، ويتم فيها اِستخدام مكونات طبيعية في أغلب الاحيان، حيث يعد البنجر، والرمان، والتوت، والكرز، بالِاضافة الى زيت جوز الهند من ابرز المكونات، التي تخلط مع بعضها البعض مكونه مادة صبغية تعطي الجلد لونا جميلا، وهو نفس نتائج التنت التي تتكون هي ايضا من أعواد طبيعية لتعطي الجلد لونا جميلا باهيا.

وللتنت شروط وتفاصيل دقيقة خاصة للعروس مثل: عدم التعرض للهواء، والاستحمام بالماء فقط وتحديد زمن الاكل ونوعه وغيرها من التعليمات التي تشرف عليها صديقة العروس أو ما تسمى بالوزيرة، كل هذه التفاصيل وغيرها تنشر الفرحه وتثير روح الحماسة في المكان.

ومن ادوات التنت الثفال وهو عبارة عن قطعة دائرية مصنوعة من السعف "الواح مستخرجة من جريد النخل أو الدوم"، يصنع محليا، يوضع على الحفرة وبه فتحة دائرية في الوسط تسمح بخروج الدخان، تستخدمه النساء كمقعد أو فرشه تجلس عليها اثناء التنت، والثفال كلمة بلغة التغري ويعرف في السودان باسم "البرش"، وهو عبارة عن حصيرة من سعف نخيل الدوم، أما عربيا فقد وردت كلمة "ثفال" في معلقة عمربن كلثوم حيث يقول في وصف المعركة:

يكون ثفالها شرقي نجد * ولهوتها قضاعة اجمعينا

الثفال في اللغة العربية هو خرقة أو جلدة تبسط تحت الرحى، لتقع عليها الحبوب بعد طحنها (الدقيق)، اما اللهوة القبضة من الحب تلقى في فم الرحى، والرحى الة بدائية من الحجر الخشن الثقيل تستعمل لجرش الحبوب وطحنها. فالشاعر اِستعار كلمة الثفال بدلا عن ارض المعركة (شرقي نجد) و قبيلة قضاعة (القتلى) بدلا عن الحبوب ليشاكل الرحى والطحين، ونلاحظ هنا تطابق في المعنى.

اما الشِمت التي تتغطي بها العروس أو المراة أثناء التنت فهي قطعة أو غطاء يصنع ويحاك محليا من الصوف أو الشعر وتعرف في السودان باسم "الشملة".

وتأتي بنفس المعني في اللغة العربية ويقال شمت السيف (2) اذا أغمدته وقد قال الفرذدق:

بأيدي رجالِ لم يشيموا سيوفهم ولم يكثروا القتلى بها يوم سلت

أراد: لم يغمدوا سيوفهم حتى كثرت القتلى، اي لم تدخل السيوف في جرابها بمعنى لم تغطى، والشمت هي ايضا غطاء وأن اختلف الاستعمال.

اما اذا كان اصلها (شم) وجذعها (شم)، فهي تعني الرائحة الطيبة، والشمامات ما يتشمم من الروائح الطيبة، وبما أن الحطب والأعواد المستخدمة طيبة الرائحة فأنه يترك اثره على الشمت فتصبح هي ايضا رائحتها طيبة وذكية وقد جاء في الأغنية: (وكابهيني كم شمالا لدرووي تنتا) جاتني كالهواء رائحة دخانها الطيبة، فطغت الحالة على الأسم.

(1) لغة التغري تنبثق من لغة الجئز التي تنتمي الى مجموعة اللغات السامية الجنوبية.

(2) الاضداد - ابوبكر الانباري.

(3) معجم الوسيط.

Top
X

Right Click

No Right Click