مشكلتنا في ارتريا دور الثقافة في الخلاف - الجزء الاول

بقلم الأستاذإبراهيم عمر - كاتب ارتري

سياية فرق تسد وأثرها علي الوحدة: تفكيك المجتمعات هى إحدي سياسات الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة

دور الثقافة في الخلاف

وتعتبر من أشدها فتكا واكثرها نجاحا من حيث الفاعلية إحداث الشقاق و إضعاف تماسك المجتمعات وتحويلها الي بؤر متصارعة فيما بينها حتي لا تتمكن الشعوب من العمل كقوة منتظمة ضد الظلم والإستبداد ومن ثم ضمان العيش بحرية و إستعادة حقوقها. يقول الكاتب بهلبي مالك مدير برامج إعادة التأهيل بعد الحرب في الشراكة الكندية لإعادة الإعمار والتنمية (CPRD) (Bahlbi Y. Malk) "إن الحكام الديكتاتوريين ليسوا ​​سواء. قد يستخدمون أدوات مختلفة من القمع والبقاء. لكن "فرق تسد" هي واحدة من أقدم استراتيجياتهم وأكثرها استخدامًا وفعالية".(١)

لهذا يلجأ اليها كل من يطمع للسيطرة علي مجتمع محدد حتي وإن كان مجتمع صغير في دولة او قطر معين لأن بقاء الشعوب موحد يعتبر أكبر عائق يحول دون السيطرة عليها، وبنفس الكيفية عمل المحتل الإنجليزي في إرتريا علي إستهداف وحدة المجتمع للقضاء علي مراكز القوة في تلك الفترة ومن بعده تبني الحزب الحاكم نفس السياسة وسار علي ذات النهج و الهدف تشتيت قوة المجتمع الداخلي والخارجي من أجل إضعافه للحيلولة دون وحدة الكلمة والصف، وهذا ديدن الأنظمة الدكتاتورية الشمولية بغرض إحكام السيطرة علي مفاصل الحكم والبقاء لأطول فترة ممكنة.

ويضيف نفس الكاتب عن هذه السياسة القذرة انها " تساعد على ضمان عدم اندماج أي حركة موحدة للإطاحة بنظام ديكتاتوري. من سياد برى (Siad Barre) من الصومال إلى جوفينال هابريمانا (Juvenal Habryimana) من رواندا، موبوتو سيسوكو ومن زائير، واخرون..، فإن القارة الأفريقية مليئة بأمثلة الديكتاتورين الذين حصلوا أو احتفظوا بالسلطة من خلال هذه التكتيكات الخلافية".(٢)

والأدوات المستخدمة لتنفيذ هذه السياسة كثيرة و لكن هناك وسائل تعتبر اكثرها شيوعا ويمكن تطبيقها في اغلب المجتمعات و هي الانقسامات وزرع الشك وإنعدام الثقة وبث سموم العداء بين الطوائف الإثنية والفصائل الدينية وتعزيز روح الإنقسامات بناء علي المناطق او الإقاليم. هذه نماذج لبعض الطرق الأكثر إستخداما في إيطار سياسة فرق تسد وسنتطرق اليها في الحلقات القادمة بأذن الله تعالي مع بعض الأمثلة من التاريخ والواقع الحالي.

وبالعودة الي التاريخ الإرتري سنجد ان هذه السياسة ليست حديثة وتعتبر من الطرق القديمة لضرب المجتمعات ومن يجيد استخدامها بكفائة تكون له الغلبة وإحكام السيطرة و يعتبر المحتل الإنجليزي اكثر من استخدمها بكفاءة في تمزيق الشعوت التي استعمروها وبفضلها تمكنوا من بناء امبراطورية قوية مترامية الأطراف عرفت "بالإمبراطورية التي لاتغيب الشمس عنها" نسبتا لمساحتها الشاسعة التي إمتدت من اقصي الشرق الي اقصي الغرب. هكذا نجحوا وبأقل مجهود في إخضاع ملايين البشر ونهب ثرواتهم من دون اغفال استخدامهم المفرط للقوة العسكرية عند الضرورة اي في حال لم تفلح سياسة فرق تسد وبالأخص في جانب قمع الثورات.

وقبل الخوض في التفاصيل تعريف بسيط لمعني الوحدة ومن خلال هذا التوضيح البسيط للدكتور على شريعتي يمكننا ان ندرك اهمية الوحدة في حياتنا والدور الذي تعلبه في ازالة الحواجز وتقريب وجهاة نظر الاطراف المختلفة مهما كانت العوائق وكيف ان الوحدة تعمل علي توحيد الناس حول الفكرة او تعمل علي التفاف الناس جوهر الموضوع برغم إختلاف مشاربهم.

يقول د.علي شريعتي "الوحدة لاتعني بأن الإنسان يتخلى عن مذهبه بل تعني الإلتقاء على الخطوط العريضة المشتركة والتفاهم على القضايا المختلف فيها". تعريف اخر "الوحدة هي مجموعة من الأشخاص المختلفين في الجنسية أو العرق أو الدين أو العمر أو الطائفة على رأى أو شيء واحد بهدف تحقيق مصلحة أو منفعة كبري حيث تهدف الوحدة إلى تخطي الأهداف والمصالح والأهتمامات الشخصية بهدف تحقيق المصالح العامة والمجتمعية".

لذلك تعتبر سياسة فرق تسد نقيض للوحدة وإحدى ادوات الأنظمة الدكتاتورية للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة. اما سبب التماسك في كل كيان يعود الي الثقافة التي تلعب دورا محوريا في الحفاظ علي اي كيان من التشتت ومن خلاله تدار شؤون المجموعة المنضوية تحت هذا التنظيم. هذه الممارسات مجتمعة هي بمثابة الدستورا او المرجع الذي يساعد علي فرض النظام ويحفظ القيم و الاعراف ويضبط الحياة الإجتماعية داخل القبيلة، وكمدخل لمعرفة الأسباب التي ادت الي إستهدافهم للقبيلة و التي هي بمثابة النواة للمجتمع اولًا وجب علينا ان نُعرِّف معني "الثقافة" واثرها في تماسك المجتمع.

أهمية الثقافة ودورها في تماسك المجتمعات:

تتجلي أهمية الثقافة في حياتنا اليومية في سلوك الفرد فنجدها تلعب دورا رئيسيا في تشكيل شخصية الإنسان و ظهور الحضارات واندثارها. فهي بمثابة فصيلة الدم في جسم الانسان الذي يتميز به كل شخص عن الاخر هكذا وصفها لنا المفكر نور الدين بن عبيدي فيما معناه ان تفضيل بنوك الدم لفصيلة معينة من الدم علي فصيلة اخري يعود لأهميتها العظمي في الحفاظ علي صحة الجسم وكذلك الثقافة تلعب دورا في الحفاظ علي الحضارات "ولماذا نوعيّة فصيلة الدّم المرغوبة فيها أكثر من فصائل الدّم الأخرى لدى بنوك الدّم...؟ وللأجابة علي هذا السؤال يضيف نور الدين تتجلى الأهميّة العظمى على صِحَّةِ الإنْسَان هي كذلك أهمية عظمى للثقافة على صِحَّةِ الحَضَارة".

هكذا وصفها المفكر نور الدين بن عبيدي، ومن هنا يأتي دور الثقافة في تماسك المجتمع وقبل البدء في الموضوع يجب ان نقوم بتعريف الثقافة اولا لكي يتضح لنا معني الثاقفة ودورها في تماسك المجتمعات، "الثقافة هي عبارة عن كتلة منتظمة من الممارسات تمثل جوهر حياة الإنسان اذ بها تنتظم اموره اليومية من دين وعادات و تقاليد وعلاقات مع الاخرين من حسن الجوار والعهود والمواثيق ومراسم تنصيب القادة ...الخ. و يصفها المفكر الإيراني علي شريعتي بالوطن ويقول "فإن الوطن الحقيقي لكل إنسان ليس مسقط رأسه، بل ثقافته".

ويضيف المفكر نور الدين بن عبيدي "إنّ الثقافة هي مجموعة مِن الخصائِصِ الخُلقيّة والتعليميّة والقيّم الإجتماعيّة في محيطه الإجتماعيّ: اللِّسَانُ / المَلابِسُ / طريقة المَعِيشَة / السُّلُوكَيّات / التَعْليم بأطْيَافه... مِن لحظة ولادته إلى وفَاتِه، فكلّ جزء مِن جزئياتنا يتشكَلُ في محيطِنَا هو جزء مِنْ كَوْمَةِ ثَّقَافَاتِنا". فمن خلالها يحتفظ الانسان بمكانته التاريخية وسط الشعوب والحضارات المجاورة فهي نتاج البيئة المحيطة بالفرد والإنسان بطبيعة الحال ابن بيئته. وحتي نشخص المسئلة بطريقة صحيحة لا بد من دراسة ثقافة المجتمع فى تلك الفترة لأنها مصدر سلوك الفرد.

ففي هذه البيئة يتكون فكر وسلوك الإنسان وبها يتأثر ويؤثر وتتكون شخصيته، والحاضنة الثقافية لهذه الممارسات تتمحور فى (القبيلة) التي هي عبارة عن نواة الثقافية او الوعاء الذي يحفظ هذه الممارسات فى حياة البادية ومصدر الأعراف والتقاليد، ومنها يتكون المجتمع. فنجد ان الممالك والحضارات في الأصل كانت عبارة عن تجمع قبائل ترئتسها قبيلة او اسرة، ومنها ظهرت ممالك حكمت مناطق شاسعة تركت بصمتها في تاريخ البشرية مثل اسرة الهابسبرج التي أسست مملكة النمسا والأسرة العثمانية التي اسست الخلافة العثمانية.

نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المصادر:

١. Maintaining Power by Breaking up Society: Eritrea Under Isaias Afwerki / By: Bahlbi Y. Malk

٢. نفس المصدر السابق

Top
X

Right Click

No Right Click