قصة قصيرة - رايت
بقلم الأستاذ: أبو البشر
(رايت) اسم لها سمفيونية ذات موسيقي خاصة تطربني... وادندن بها في حالة صفائي ويعذب صداها بذاكرتي...
ورايت بدوية بسيطة حلمها ان تعيش للناس وبين الناس كواحدة منهم... يتملكها نازع غريب لمشاهدة إشراقة شمس نور الصباح الباهي وتعالي ضجيج حركة الكائنات بخطي متسارعة تتأهب ليوم جديد... لوحة يتمنى الكثيرون مشاهدتنا بهدوء تام ولكنهم جريا وراء الحياة ينسربون مع ضجيجها... ورايت كل يوم تتلهف لتتأمل لترى لوحة الصباح من نوافذ بيتها المشرفة بالقرب من السوق ولكنها في الغالب تقف امام نافذتها الصغيرة وهي تتأمل في هذه اللوحة التشكيلية الرائعة والشمس ترسل على نافذتها اطلالة الصباح... وكعادتها ذات صباح فتحت حجب النافذة وجالت تلمح مشهد الصورة وحركة الناس آملة بنظراتها تسجيل توقيع حب للحياة علي دفتر السماء الغائمة... ليتسع املها بقدر ترامي الافق ولتعبر عن أملها بتحيلها وتمردها علي واقعها المطوق بالذل والمآسي والذي يتمدد وجع المه يوما بعد يوم وهي تتجاسر مكابرة دون الركون له كعادتها... رغم ان دواخلها والعالمين باسرارها يفتون في عزمها ويرددون في مسامها أنها مهما حاولت الفرار وتحلقت بجناحيها المجروحتان لن تتمكن من التحلق بعيدا عن سربها... الحياة هنا لها صورة واحدة لايمكن تغيرها كل شئ هنا متجمد والجميع صامتون تكممت الشفاه بالخوف... الصمت... الموت بغتة... الصورة مأتومة حتي الجماد اسودة قاتما من هول القساوة تفتت (الصخور برغم ضخامتها وفقدت الاشجار نضرتها) لم تكن الحياة كما العالم فيها يمرحون ويتسابقون ويتنافسون ويتبادلون فيها التحايا ويتسوقون ويتمتعون بهوائها وربيعها وخريفها والشتاء... ومضاف عليه عند (رايت) نصيب من الحرمان الاجتماعي - لا تتأملي... لا تحلمي - فكل شئ هنا ممارسته حرام أو حوله (...)
يالها من اعجوبة ترجو نوعا ما لو منحتها الحياة فرصة لسماع صوت عناق الطل مع أوراق الشجر ليكتمل لحن الربيع بتجولها في أنحاء بيتها ومشاهدة صور متنوعة للصباح ...لكن شروط المجتمع كانت غير مواتية لتمنحها الفرصة وتكتمل لها هذه اللوحة التشكيلية و لا سيما أن (رايت) زهرة خجولة في ريعان شبابها لا تحلم سوي رؤية الحياة الجميلة... هم مشاهدت الصباح من زوايا مختلفة وأوامر المنع المحيطة بها سرقتة النضرة من جمالها وتركتها شاحبة ذات قوام متهالك... الناظر اليها يعرف ان بها عناء المرض... رغم أنها تحاول ان تخفى ألمها خلف بقية الجمال الساحر والابتسامة الخجولة التي تتمتع بها... وتحاول كل صباح ان تشاهد اشراقة الشمس حتى اكتمال حدود النافذة ثم تنسرب في خيال عميق لتكمل انتشار الشمس على بقية البيوت المجاور هنا ترسم على الجدار المائل ظلا مائلا... وهنا تغرق المكان باشعتها وهنا عبر كوة صغيرة في ناحية الخيمة المتهالكة تدخل لبيت جيرانها ضوء خافتا له معنى عنهم ودائما ماتسمعهم يوقتون به وقت الذهاب الى المدرسة... وبينما هي كعادتها تتحولق في فضاء الخيال ثمة صرخة تحطم كل فيزيائية الكون تسللت عبر نافذتها لتطرق قلبها... ما هذا الذي على مقربة من نافذتها... فوجمة متثلجة يبللها العرق واسرعت راكضة ولهفة الحنان تسبقها... اغلقت النافذة... زادت نبضاتها قوة بين النبضة والاخري، قطرات دموع ونشيج غير مسموع بح صوته، وبدأ الخوف يملأ أرجاء دارها من الخطر القادم غريب ان تسمع صوت كهذا ارتجفت قدماها وتثلجت ظلت واقفة دون حراك برهة... ثم حولقت نظراتها في كل مكان وفي جميع اطراف بيتها المتهالكة والتي لا تنجو كبقية الاكواخ هناك من زمهرير الشمس ورفعت كفيها وهي ترتجف اللهم استرني وثبتني... وبعناء ومجاهدة تحركت نحو نافذتها لتري ان كان صاحب هذا الصوت والصرخة مايزال واقفا تحت النافذة... تسابقت نظارتهما نحو البعض التقت عيناهما وكان عندها الخوف وللآخر الامل... تبخرت منها الحروف وتحجرت العبارات في دواخلها من هول المنظر طفل شاحب قتله الرهق وطول الطريق يرتدي ثياب بالية مزقته شوك الاشجار وسط الغابات كان جاهدا بالهروب اسرعت نحو الباب ثم بلهفة شديدة ودموعها تسبق ذراعيها النحيفتان لتأخذ بالطفل علي حضنها واخذت تمسح علي رأسه وتقبله بكت عليه بمرارة وتعاتب أم الطفل وما تدري الاقدار قد اخذ اغلي ما كان عنده (امه) في ظل غياب الانسانية وموت الضمائر وهو هرب بنفسه اثناء انشغالهم بتحضير امه الي مثواها الاخير لم يتحمل الموقف وما كان ليقوي علي التحمل ويشتد بالصبر عاش صغيرا بين احضان امه ولم تصفح عنه يد القدر ليكون ضمن قائمة المحرومين من حنان الامومة... سألته بعد ان اطعمته واخذ راحته فأخذ الطفل يحكي حكاية تشيب الرأس مررات من طيات هذا الزمن الحاضر وحكاية من عنوان مسلسل الهروب المر ان استطعت... شعار مارسه هذا الطفل بكل ذكاء وإلهام يالها من اعجوبة كيف فكر الهروب ومن من أسئلة اجتماعية معقدة ترسم الكثير من المظاهر والمآسي... وبينما الطفل يحكي شردت بذهنها حول هذا الكون الواسع وهي من قبل كانت تسمع بمثل هذه الحكايات ولم تكن تصدق وما استطاعة ان تربط هذه الصور من مشهد الماضي ومر الحاضر والصورة الماثلة امامها... ولكن اليوم هي جزء من الصورة وشاهد الحكاية... وهي التي ستنقل الصورة و تقصها للناس... بعبرات مخنوقة رددت ما هذا العالم الذي نعيش فيه... أهل هؤلاء يصلهم نور الصباح... وأسرعت بالطفل الى النافذة رغم انحسار الشمس في كبد السماء... تعال شاهد وهما يحدقان الي الامل حتي ولو بصيصاً حلمهم الوحيد العودة الي حياة الناس ليتنعموا كما هم في نعمة ويستنشقوا عبير الحرية ولو ليوم واحد.