باحث جزائري يحتفي بالأدب العربي في أريتريا
بقلم الأستاذ: أزراج عمر المصدر: ميدل ايست أونلاين
'مرايا الصوت' أنطولوجيا أدبية يقدم من خلالها محمود أبو بكر صورة تقريبية للإبداع الأدبي الأريتري باللغة العربية. الأدب الإريتري
معزول عن امتداده الحضاري. من المعروف أن أدب القارة الأفريقية بشكل عام، وأدب البلدان التي يكتب فيها جزء من أدبها باللغة العربية مثل دول منطقة القرن الأفريقي بشكل خاص، قليل الانتشار في بلداننا من المحيط إلى الخليج، ويعد هذا نقصا فادحا في حياتنا الثقافية وفي إطار المساهمة في فك العزلة عن الأدب العربي الإريتري صدرت بالجزائر مؤخراً من إعداد الأديب والإعلامي الإريتري محمد أبوبكر تضم مختارات شعرية وقصصية وروائية أريترية تحمل عنوان "مرايا الصوت".
تصدرت أنطولوجيا "مرايا الصوت" مجموعة من الاسماء الشعرية منها محمد محمود الشيخ، ومحمد عثمان كجراي، وعبد الرحمان سكاب، وأحمد عمر شيخ، وعبد الحكيم محمود الشيخ، وأحمد محمد سعد، أما في مجال القصة القصيرة فقد ضمَت كلاَ من القصاصين عبد القادر حكيم وعبد الجليل سليمان عبّي، والغالي صالح، وعبد الرحيم شنقب، وخالد محمد طه، وفي مجال الرواية نقرأ لجمال عثمان همد وأحمد عمر شيخ، وأبوبكر كمال وعبد الوهاب حامد.
فك العزلة:
ففي مقدمته لهذه الأنطولوجيا الأدبية المكتوبة باللغة العربية أكد الكاتب محمود أبو بكر بأن مختاراته تضم أسماءً ونصوصاً "متفرقة في أنماطها ومدارسها وأعمارها"، ويعترف أنها غير شاملة وإنما هي محاولة أولى "لتقديم بعض من النماذج التي يجهلها القارئ العربي لعوامل مختلفة".
يوضح محمود أبو بكر بأن الأدب الأريتري متعدد اللغات واللهجات المحلية مثل "التجرى والتغرينية، والبلين، والساهو، والعفر، إلى جانب اللغة العربية التي تعد لغة رسمية ووطنية بأرتيريا". يشير محمود أبو بكر أيضا إلى وجود الإصدارات الأدبية "المكتوبة باللغات الأجنبية" مثل الإنكليزية والإيطالية في مشهد الأدب الاريتري المعاصر.
إن أنطولوجيا "مرايا الصوت" تقدم صورة تقريبية للإبداع الشعري والقصصي والروائي الأريتري باللغة العربية الذي يعد رافدا من روافد الأدب العربي المعاصر. في هذا السياق يلمح محمود أبوبكر بما يشبه العتاب إلى سيطرة الأدب العربي المنجز في المركز العربي المشرقي ومحيطه المغاربي بشكل خاص على البلدان الأخرى التي ينظر إليها كهوامش منها إريتريا، ويعني بذلك أن اهتمام النقاد العرب مشرقا ومغاربيا بالأدب الأريتري المكتوب باللغة العربية مفقود كما أن المنظومات التعليمية في هذه المناطق التي تعد محورية كما أن دور النشر فيها نادرا ما تفتح أبوابها لأدباء القرن الأفريقي بشكل عام والإريتري بشكل خاص.
بهذا الصدد فإن محمود أبو بكر يشكو من العزلة المفروضة على أدب بلاده رغم أن اللغة العربية هي إحدى المكونات الأساسية للثقافة الأريترية، وامتدادها الحضاري والإنساني فضلا عن كونها اللسان الفصيح لإحدى التشكيلات البشرية القومية الأريترية، بالإضافة إلى اعتبارها منذ بدايات الحركة الوطنية الأريترية منذ منتصف القرن الماضي إحدى اللغات الرسمية لأرتيريا المستقلة".
إن هذا التهميش والإقصاء الذي يمارس على منطقة القرن الإفريقي الناطق باللغة العربية ظاهرة غير صحية وعامل من عوامل التجزئة والإهمال غير المبرر للأبعاد الحضارية الثقافية في واقع للثقافة العربية بتنوعاتها الجغرافية والإثنية، وتعددية الخصوصيات والتلوين الفني في امتداداتها العميقة.
الاتجاه الحداثي:
إنه من حق أدباء القرن الإفريقي أن يجدوا الآذان الصاغية في المشرق العربي وفي المنطقة المغاربية، وقد تكون هذه الأنطولوجيا بداية للتعريف بالأدب العربي الإريتري ولتوطيد العلاقات بين أدباء اللغة العربية حيثما كانوا من أجل المساهمة في كسر الحدود والسدود الفاصلة وإضاءة الطريق نحو التكامل الثقافي والإبداعي.
يلاحظ أن القصائد التي تضمها الأنطولوجيا تتراوح من حيث البناء الموسيقي بين النمط الشعري النثري والنمط الحر الملتزم بالتفعيلة، والنمط التقليدي الذي يعد من خصائص القصيدة العربية الكلاسيكية من حيث استخدام الشكل الموسيقي. أما من حيث استخدام التشكيل اللغوي فإن الكثير من قصائد هذه الأنطولوجيا تعتمد على التركيب الذي يولد الصور المعبرة عن الذات وعلاقتها بالطبيعة وحياة الناس.
هناك خصوصية أخرى لدى معظم هؤلاء الشعراء الإريتريين وتتمثل في عكسهم للعناصر المشكلة لهوية إريتريا في بعدها الثقافي والحضاري الأفريقي – العربي، كما أن معظم هذه القصائد التي تضمها هذه الأنطولوجيا مطبوعة بأثر وصعوبات سنوات الكفاح من أجل الاستقلال عن أثيوبيا وفي الوقت نفسه فإنها مسكونة بهاجس الحرية ومناهضة مختلف أشكال القمع الاجتماعي والسياسي.
من بين القصائد التي تستوقف القارئ قصيدة عبد الحكيم محمود الشيخ التي تحمل عنوان "البحر" التي جاء فيها: "في البدء كان الشعر / أيها الساكن فينا / سمَيتك الوطن / صوت أم الشهيد يقاسمني العوز والأرصفة"، وكذلك هذا المقطع من قصيدة "مرسى" لأحمد عمر شيخ: "تصحو... تفتش ظلها / يبدو المدى نقشا محاه الغيب والتذكار".