اغتيال البطل الشهيد محمد داؤد عبدالله ركا

بقلم الأستاذ: صالح عبدالله عجيل - كاتب وناشط سياسي إرتري 

أشعر بألم في داخلي وبالاختناق تتقطع أنفاسي من جراء الظلم الممنهج تخطيطاً وتنفيذاً ضد شعبنا

محمد داؤد عبدالله ركا 2

الأبي وآماله فرداً فرداً وجماعة.

إننا، في إرتريا، أيها الأحبة نفتقد كل يوم مناضلاً شجاعاً وأباً عزيزاً وأخاً كريماً وأم حنون، بسبب مزاج حاكم عنصري ظالم لا يطيق سماع كلمة الحق والحقوق.

ونحن (فئة المظلومين) سبحان الله، لا نستطيع الرد بحجم الحدث والمناسبة! شيء مؤلم. وما أكثرهم شهداء الغدر والخيانة مع سبق الإصرار والترصد. والحالة مستمرة بدون رد مناسب أو الخوف من ردع القانون الدولي والمبادئ اِلأساسية لحقوق الإنسان.

اللهم أرحم شهداءنا جميعاً واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء. وانتقم اللهم من المجرمين المعتدين ممن سفكوا الدماء وعاثوا في الأرض فسادا بهزيمة أبدية نكراء وأنعم بلادنا بالسلام والاستقرار. اللهم آمين.

يصادف اليوم، 7 مارس 2019م الذكرى السنوية العاشر لإحدى أبشع الاغتيالات السياسية بعد الاستقلال التي نفذتها العصابة الحاكمة في ظلام ليلة السبت 7 مارس 2009م بحق المناضل الشهيد الأستاذ محمد داؤد عبدالله ركا، لإسكات صوته القوي بإرادته والعظيم بوعيه وإدراكه المتقدم والرافض علناً لكل سياسات وممارسات الإذلال التي تمارسها الطغمة الطائفية، مواصلاً نضاله المشروع بشجاعة نادرة لإقامة العدل والمساواة في ربوع الدولة الوليدة للصالح العام. وفاءً للشهداء وتقديراً للمناضلين. فعلا إنها ذكرى أليمة ولكنها كفيلة بتجديد عزيمة الأحرار لهزيمة الظالمين وانتزاع الحقوق وبناء دولة العدالة والمؤسسات.

في الوقت الذي نكرر فيه إدانة ذلك العمل الإرهابي وما سبقه وما بعده من إرهاب، نؤكد أن النظام الطائفي ورئيسه المجرم زائل لا محالة والتغيير الجذري سيتحقق ولا مكان لهم بفضل الوعي الجماهيري المتزايد الرافض للهيمنة القومية. وبهذا تكون إريتريا خالية من العصابة الشيفونية. حيث أن الدماء الزكية التي سالت ولا تزال مهراً للاستقلال والعدالة ثمارها عظيمة ولن تضيع مادام لدينا مناضلين شرفاء.

وأن شروق رابطة أبناء المنخفضات الإرترية هي إحدى الدلائل الدامغة لعزيمة الشعب الإرتري الأبي الذي لن يستسلم للظالم مهما بلغ من قوة. أو هكذا تعلمنا من الآباء الكرام والتجارب !

بهذا المنطق، كان أبو عبد الله، رحمه الله يفهم الأمور ويعمل بإخلاص ووفاء (مع من لا وفاء لهم !) ولم يتزحزح عن مبادئه السامية رغم الإغراءات للصمت، مفضلاً أن يكون قدوة حسنة لشعبه. قتلوه جسدياً وسيظل حياً وخالداً في وجدان المهمشين.. ورمزاً ملهماً للأحرار الباحثين عن الحقوق والعدل والمساواة الحقيقية.

ولهذا لم ولن ننساه وندعو له ولكل شهيد دوماً بالرحمة والمغفرة. وللنظام العنصري ما يستحق من الدمار الشامل. اللهم ارحمه وارحم جميع شهداءنا الأبرار ومن فقدناهم وسالت دموع أعيننا عند فراقهم وبكت قلوبنا حزنا عليهم. اللهم تقبل دعائي، راجياً منك يا الله العلي القدير أن تغفر للشهيد أبو عبد الله وترحمه وتكرم نزله وتوسع مرقده وتبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وتغسله بالماء والثلج والبرد وتنقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. وأن تجعل البركة والصلاح في عائلته الصغيرة والصبر والسلوان لأهله وأصدقائه. إنا لله وإنا إليه راجعون

فيما يلي نص المقال الذي كتبته عند سماعي الخبر الأليم قبل 7 سنوات ونشر في حينه:

كلمة وفاء بحق الشهيد/ محمد داؤد عبدالله ركا:

لا شك أن عملية الاغتيال النكراء بحق الأستاذ الشهيد محمد داؤد عبدالله ركا الذي وجد مقتولاً صباح يوم الأحد 2009/3/8م في أسمرا أمام منزله كانت صدمة كبرى على كل الوطنيين الشرفاء ولكن لا بد من تقبل الحدث الأليم بقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره وذلك على الرغم من المرارة والغضب والحزن والأسى في النفوس لفقدانه الجلل ولطريقة قتله التي أثارت غضباً وسخطاً شديدين. إن فاعلي العملية المدانة أكدوا مجدداً بما لا يدع مجالاً للشك بأنهم مجرمين بامتياز حيث أن كافة الشعب الإرتري لديه القناعة التامة بأن الرواية التي صدرت من بعض أجهزة النظام والتي تمثل بطريقة غير مباشرة وجهة النظر الرسمية للنظام القاتل، والتي تفيد بأن الشهيد قد سقط من البلكونة التابعة لشقته في الدور الخامس، ربما أثناء تعديله الصحن الفضائي (الدش)، أو ربما محاولاً الوصول إلى شقته بسبب انكسار مفتاح الشقة وعدم صلاحية المفتاح لفتح الشقة مجدداً.

كل تلك الروايات عارية تماماً عن الصحة، خاصة من رجل مثل الشهيد الذي كان يتمتع بالرصانة والحكمة، وهي روايات ملفقة ومردودة على أصحابها مثلها في ذلك مثل كافة القصص التي يتم فبركتها وإشاعتها بعد كل حادث اغتيال أليم، هذا بالإضافة إلى أن سجل النظام القاتل في إرتريا حافل للأسف بالاغتيالات الغامضة لأصحاب الرأي المخالف لسياسته. ولكن إن المؤسف في الأمر أكثر هو مرور كل حادث اغتيال بشكل عادي دون التصدي له بالرد المناسب على غرار العين بالعين والسن بالسن مما شجع القتلة على ارتكاب المزيد من عمليات التصفية المدروسة التي تتم باختيار دقيق بحق الرموز الوطنية والمثقفين والكوادر النشطة ورجال الأعمال سواء كان في عهد الكفاح المسلح بالميدان والسودان أو الآن في أسمرا بعد الاستقلال المشئوم!! ولكن بالتأكيد سوف لن تستمر الأمور بهذه البرودة دون أي رد فعل على الاغتيالات التي تمر بها الساحة الإرترية عامة والمسلمين منهم على وجه الخصوص حيث أن من المؤكد دماء المناضلين الشرفاء ستنفجر يوماً كالبركان ليس انتقاماً عشوائياً مما يحصل من اغتيالات لشخصيات وطنية مختارة وإنما لوضع حد للمجرمين ولمحاكمة القتلة الذين يتلاعبون بدماء الأبرياء التي تسيل في غير محلها كل يوم والتي لا تجلب السلام ولا الاستقرار المنشود لشعب إرتريا.

تعرفت على الشهيد، إن شاء الله، في مدينة أغردات الصامدة المعطاءة في عام 1995م عندما قمت بأول زيارة لي بعد الاستقلال، وكان الشهيد يعمل في وزارة التعليم في أغردات، ثم قابلته عدة مرات في العاصمة أسمرا وكان الشهيد مديراً لمدرسة الأمل النموذجية (الجالية العربية سابقاً). كنت أشعر في لقاءاتي معه وكأنني أعرفه معرفة شخصية منذ سنوات طويلة. كان، رحمه الله، مولعاً بحب إريتريا وملتزماً بقضايا شعبه وتطلعاته ووفياً لالتزاماته ومثقفاً واسع المعرفة والاطلاع وعنيداً في مواقفه المبدئية دون أن يجرح مشاعر الآخرين. كما وجدته أيضاً مستمعاً جيداً ومتحاوراً لبقاً ومهذباً في حواراته السياسية وأميناً في صداقاته الشخصية.

كنت أخشى على الشهيد كثيراً لأن المناضلين الشرفاء الذين يتميزون بصفات الشجاعة والخلق القويم غير مرغوب فيهم لدى النظام القاتل في أسمرا حيث أن النظام لا يثق ويحتوي إلا عديمي الضمير لضمان استمراره في الحكم ولتنفيذ مخططاته الإجرامية بدون قلق أو أية تساؤلات. أما الشرفاء الذين يفرضون الاحترام المتبادل، واضعين مصلحة شعبهم فوق كل الاعتبارات، لا مكان لهم في جدول النظام سوى التهميش ويواجهون باستمرار الصعاب والمراقبة في عملهم وحياتهم وتحركاتهم إلى أن تتم تصفيتهم في الوقت الذي يراه النظام القاتل مناسباً!!

وهنا ربما من المفيد أخذ هذه الفئة الثانية مزيد من الحيطة والحذر، حتى يتم الفرج من النظام الفرعوني الديكتاتوري القاتل، بزيادة الحرص واليقظة في كل الأوقات قبل أن تصلهم أيادي القتلة، ولو أن الأعمار بيد الله. أما بشأن موضوع الشهيد فإنه كان يرفض بشدة مغادرة إرتريا على الرغم من العديد من النصائح التي وجهت له للمغادرة وكان يرى بأن النظام يريدنا أن نترك إرتريا.. ولكنني لن أترك وطني وسوف أحيا فيه عزيزا أو أموت وأنا أذود عنه كلامه هذا كان من حيث المبدأ على الرغم من أنه كان ممنوعاً من مغادرة أسمرا حتى إلى مدينته أغردات وإذا سمح له نادراً بالسفر يتم ذلك بالتنسيق بين أجهزة أمن النظام في كل من أسمرا وأغردات لمتابعته!!

أما فيما يتعلق بظروف عمله، كان الشهيد وفياً وشفافاً في تسيير شؤون عمله حيث قام بأداء واجباته بشكل رائع ومقدر طوال فترة عمله في وزارة التعليم وخاصة عندما كان نائباً ثم مديراً لمدرسة الأمل النموذجية مما رفع من سمعة المدرسة ومستوى التحصيل العلمي للدارسين فيها والذي لاقى بدوره التقدير والاحترام من الآباء والطلاب على حدٍ سواء، ولكنه كان يعاني في الوقت نفسه من تدخلات العناصر المجرمة في أجهزة الأمن ووزارة التعليم في شؤون مدرسته وشؤونه الخاصة حتى تم نقله من المدرسة إلى وزارة التعليم ليشغل منصب مسئول قسم الثقافة للإقليم الأوسط في أسمرا.

لقد عانى الشهيد، رحمه الله، كثيراً من المضايقات والمداهمات والمتابعات الدقيقة في العمل والمنزل وحتى في المقهى العام الذي كان يرتاده أحياناً وذلك بسبب سلسلة مقالاته وآرائه الجريئة التي كتبها في عام 2001م في الجريدة الحكومية الرسمية إرتريا الحديثة التي تصدر باللغة العربية وكذلك بسبب اتهامه بالتعاطف مع أطروحات المجموعة الإصلاحية (G15)، التي كانت تضم بعض الوزراء والنواب والسفراء ومسئولين كبار من الجيش والحزب الحاكم، والتي كانت تطالب بالإصلاحات السياسية الشاملة وفتح باب الحريات العامة والكف عن التدخلات في شؤون الدول المجاورة وحل الصراعات مع دول الجوار بالطرق السلمية. وأيضاً بسبب مواجهاته لعناصر النظام في وزارة التعليم في الندوات والاجتماعات الرسمية، خاصة بشأن دستورية اللغة العربية والتدريس بها، حيث كان واضحاً، في كل الندوات والاجتماعات التي عقدت، في خلافه ورفضه لسياسة الهيمنة والتهميش التي يتبعها النظام القاتل في أسمرا.
ففي مجال التعليم مثلاً كان للشهيد موقفاً صارماً ضد ما يسمى التعليم بلغة الأم حيث كان يرى فيه ضياعاً للوقت وتخلفاً للأجيال الصاعدة حيث أن لغة الأم للهجات في إرتريا ليست الوسيلة الجيدة للتعليم ولا لتحقيق الفائدة المرجوة لأن كافة اللهجات في إرتريا لا تصلح للتحصيل العلمي السليم ولا لبناء الشخصية الذاتية ولنيل الأساس التعليمي القوي خلال فترة الطفولة. هذا بالإضافة إلى قناعة الشهيد المبدئية التامة بأن سياسة ما يسمى التعليم بلغة الأم المقصود منها أصلاً هو تهميش وقتل دور ومكانة اللغة العربية الغنية بالمفردات والقواعد والمتفق عليها من قبل كافة المسلمين في إرتريا نظراً لكونها تمثل أولاً لغة دينهم، القرآن الكريم، وثانياً هي اللغة المفضلة لديهم للتواصل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وأن تهميشها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالتأكيد يشكل خرقاً واضحاً وصريحاً للدستور وخطراً على العيش المشترك والسلم الأهلي.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الشهيد محمد داؤد عبدالله ركا هو الأخ الأصغر للشهيد عبدالله داوود ركا، عضو المجلس المركزي والقيادي البارز في الجبهة الشعبية، والذي كان لفترة طويلة أحد المسئولين الأساسيين في الأمانة العامة للجبهة الشعبية والذي وجد مقتولاً أيضاً في ظروف غامضة مماثلة لظروف مقتل أخيه محمد!! وذلك عشية يوم إعلان نتيجة الاستفتاء في 24 مايو 1993م في أسمرا والتي أفسدت فرحة الشعب الكبرى بالاستقلال، ولكن إن تلك العملية لم تكن إلا البداية الأولى لحلقات مسلسل الاغتيالات الذي نشاهد بقية حلقات اغتيالاته اليوم بروايات متنوعة وأساليب مختلفة للأسف والفاعل ربما يكون واحد.

كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن كافة المعلومات المتداولة بين المهتمين والمتابعين للشأن الإرتري العام تشير إلى أن الشهيد عبدالله ركا كان رجلاً ودوداً، لطيفاً، طيب المعشر ووفياً لوطنه وعنيداً في مواقفه المبدئية تماماً مثل أخيه محمد، كما كان الشهيد يعمل مخلصاً ليرى وطناً تحكمه المصلحة العامة التي ناضل من أجلها طويلاً بعد أن ترك دراسته في جامعة أديس أبابا ليلتحق بالجبهة الشعبية في عام 1974م وقد عمل على هذا المبدأ داخل مصلحة العمل التي كان يديرها قبل استشهاده خاصة في شؤون التوظيف العام وتخطيط الموارد البشرية لموظفي الدولة الوليدة.

ويشهد له أيضاً مساعيه المقدرة لتوظيف أكبر عدد ممكن من المؤهلات الوطنية وقد نصح في هذا الصدد الكثيرين لاستقطاب الكفاءات الوطنية المتخصصة لرفع مستوى وإنتاجية مؤسسات الدولة الحديثة، خاصة خريجي الجامعات والمعاهد العربية، حتى تكون الفرص المتاحة متكافئة في الدوائر الرسمية والتي كانت ولا تزال بحاجة ماسة لخدمات الجميع إلا أنه يبدو أن خطط التوظيف والتطوير الوظيفي السرية للنظام كانت مختلفة عن نظرة الشهيد ومبادئه مما عكس بوضوح بأن أفكاره وخططه غير مرحب بها من قبل النظام، ويبدو أن الشهيد لم يرضى أن يكون أداة خلافا لمبادئه ضد مصلحة أمته فقد عجل ذلك لأن يكون هدفاً مبكراً للقتلة حسب الإخراج المثير الذي أحيطت به العملية كما هو حال كل العمليات التي تم تنفيذها حتى اليوم!!

خسارة الأخوين الشهيدين كانت مفجعة جداً على مستوى الوطن الذي ضحوا وأعطوا كثيراً من أجله، ولكن إصرارهم ومثابرتهم وتضحياتهم من أجل الاستقلال ضد الاستعمار الإثيوبي ثم من أجل العدالة والمساواة ستزيد من إصرار ومثابرة وتضحيات جميع المناضلين الشرفاء الحادبين على مصلحة إرتريا كوطن يحتضن الجميع وستزيد أيضاً من قوافل الأجيال المتتالية إلى مزيد من الصمود والنضال من أجل الحرية الحقيقية والعدالة والمساواة المتمثلة في ضمان الأمن الشخصي ودستورية اللغة والتعليم الحر وفرص العمل وحق إعادة الممتلكات إلى أصحابها، الخ.. ولا يسعني في هذه اللحظات الأليمة إلا أن أتوجه صادقاً إلى العلي القدير راجياً أن يتغمد الأخوين الشهيدين وكافة شهداء الوطن الأبرار بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنهم جميعاً فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وأن يلهم أهلهم الصبر وحسن العزاء.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

التعليقات  

نصر الدين خيار
#نصر الدين خيار2022-05-12 14:06

السؤال و الايجابة علي كل صاحب قضية دفع ضريبته و لا يشقي من بعده و الشموع تزيح الظلام.
و لكنه ليس عدلا ان نورث من مات مضحيا ارث الضعف و الانحراف و المرفوض اصلا لدي الراحل فليس انصافا ان يكون تنظيم مناطقي مشوش الفكر بديلا لارث تنظيم طائفي حصر الشعب الارتري بين خوفين.
رد
Top
X

Right Click

No Right Click