المناضل أحمد طاهر بادوري

بقلم الأستاذ: محمد عمر انصرا - كاتب ارترى

قصة خالدة في مسيرة التضحيات لأجل إرتريا المناضل الثائر والسياسي الصلب

والإعلامي المخضرم والدبلوماسي المحنك السفير الشهيد أحمد طاهر بادوري.

أيها المناضل الثوري الراحل نتذكرك اليوم في الذكرى الأربعين على فراقك ليس لتجديد الحزن أو إحيائه في النفوس وإنما لرثاء الجميل فيك وسيرة العطاء والوفاء للثورة التى ناضلت فيها من أجل الوطن و كنت ركنا من أركانها القيادية في عهد الثورة والدولة مع رفاقك المناضلين الأبطال في فجر يوم 30 يناير 2024 رحلت أنت وبقيت عطاياك وأفعالك تنبئ عنك وتشهد لك وتترحم عليك بعد مسيرة نضالية لأكثر من 54 عاماً من النضال التحقت برفاقك الشهداء الذين رووا تراب الوطن بدمائهم الطاهرة لتبقى إرتريا دولة مستقلة شامخة بلا مقدمات وبلا وداع وأكتفيت بأن تحمل معك تاريخاً ومشوارا من النضال المرير والشرس للثورة الارترية الذي دام لمدة 30 عاماً وتوج بالنصر لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعته عزائم المناضلين الأبطال بدماء قوافل من الشهداء والجرحى والمفقودين وانتزع الشعب الارتري من خلاله حريته واستقلاله من بين أنياب الجيش المستعمر الإثيوبي المتهالك في صبيحة 24 من مايو 1991م ودخلت ألوية مقاتلين جيشنا الشعبي الباسل العاصمة أسمرا بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا وقائدها المناضل الأخ فخامة الرئيس اسياس فورقي قائد الحرية والدولة وحامل راية الثورة وخاتم مسيرة نضال الشعب الارتري الطويل والمرير التى انطلقت في الفاتح من سبتمبر من عام 1961م بقيادة القائد الشهيد حامد إدريس عواتي مفجر ثورة سبتمبر المجيدة من عام1961م من جبل ادال ضد أعتى قوة استعمارية في القارة الافريقية.

النشأة والأسرة:

الشهيد احمد طاهر بادوري سليل عائلة مناضلة ولد في يوم 23 من أكتوبر من العام 1946 بقرية حرقيقو في اقليم شمال البحر الأحمر فوالده المرحوم طاهر عمر بادوري حارب الاستعمار الاثيوبي وبقايا الطليان الفاشيست سارقين خيرات الوطن امثال السارق دانا داي.

والد الشهيد كان من ضمن أعضاء الخلايا السرية التي كان يقودها المغفور له المناضل صالح عبدالقادر بشير مع رفاقه الابطال ومهام هذه الخلايا السرية كان الدعم للثورة الارترية بجلب المدد باشكاله المختلفة من الخارج عبر البحر ومن الداخل تعبئة الجماهير وتشجيع الشباب وحثهم للالتحاق بالميدان وهذه الخلايا السرية كانت منتشرة أنتشار واسع النطاق في كل ربوع الوطن الارتري.

في أوائل السبعينات تم اعتقال والد الشهيد مع عدد كبير من أولياء الأمور الذين التحقوا ابنائهم بركب الثورة وزج بهم المحتل الاثيوبي الغاصب في أقبية سجون الظلم والظلام المعتمة حيث لا يميز المعتقل بين الليل والنهار وتحت سياط السجانين والتعذيب الجسدي والترهيب النفسي وساعات طويلة من الاستجوابات لسحب الاعترافات منهم.

والدته المرحومة أم الشهداء زهرة عثمان يمني وهي من حرائر الوطن الشجاعات الصامدات المتحديات أمهات المناضلين الأبطال سند لأزواجهن وأم الشهيد واخوانه لها بصمات لا تمحى من الذاكرة وإن غابت تفاصيلها بدقة.

عندما اعتقل العم المغفور له طاهر بادوري قامت أم الشهداء مع بعض أمهات المناضلين الذين اعتقلوا آبائهم بعمل بطولي غير مسبوق بتنظيم وقفة احتجاجية اعتراضًا على اعتقال أزواجهن واخترقوا الحواجز الأمنية المتشددة قرب قصر الهالك هيلا سيلاسي في مدينة مصوع وهذه المعجزة البطولية احدثت توتر أمني شديد في مقر اقامة الهالك وعندما عرف الهالك أمر بالسماح لهن بالدخول حيث سلموه رسالة يطالبن فيها بالإفراج عن أزواجهن المعتقلين واعجب الهالك هيلا سيلاسي بمواقفهن وتضحياتهن اعجابا شديدا واصدر مرسوماً بمنح عفواً عاماً عن جميع السجناء الذين اعتقلهم الجيش المستعمر الاثيوبي في قرية حرقيقو خرجوا المعتقلين واستشهد معتقل واحد داخل السجن وهو المغفور له العم محمد خليفة والد المناضل المرحوم محجوب محمد خليفة.

عائلة المرحوم طاهر بادوري مثلها مثل جميع العوائل الارترية صنعوا تاريخ مشرف لعائلتهم و وطنهم وقدموا فلذات أكبادهم قرابين في سبيل الدفاع عن الوطن.

واسرة بادوري قدمت ثلاثة من ابنائهم شهداء فداء للوطن وهم:-

1. الشهيد/ احمد طاهر بادوري قاطع الدراسة في سوريا عام 1970م والتحق بركب الثورة

2. الشهيد/ ناجي طاهر بادوري قاطع الدراسة في ليبيا عام 1976 م والتحق بركب الثورة

3. الشهيد/ محمود طاهر بادورى قائد اللواء الذي خاض أشرس المعارك مع رفاقه وجنوده وحرروا دقمحراي من فلول الهاربة المتهالكة من الجيش المستعمر الاثيوبي ومعركة دقمحراي كانت آخر معركة مع العدو قبل تحرير عاصمتنا سمرا أم المدائن التحق الشهيد بركب الثورة من داخل الوطن.

المناضل احمد بادوري تزوج في الميدان في نهاية السبعينيات بعد الانسحاب الاستراتيجي من المناضلة آمنة حسن محمد نائب ولديه اثنين من الأبناء ولد اسمه سويرا تخليد لجبل امباء سويرا مكان ولادته في الميدان وبنت زهرة احمد الاعلاميه ومذيعة نشرة الاخبار باللغة الإنجليزية على الفضائية الارترية.

الشهيد له ثلاثة اخوان و ثلاثة اخوات وهم:-

1. المرحوم السيد/ عمر طاهر بادوري.

2. الشهيد/ ناجي طاهر بادوري.

3. الشهيد/ محمود طاهر بادوري.

4. المرحومة السيدة/ مريم طاهر بادوري أم الأخ المهندس زبوي ادريس زبوي كبير المهندسين في شركة كهرباء حرقيقو المحطه الرئيسية لتوليد الكهرباء ارتريا.

5. المرحومة السيدة أمنة طاهر بادوري أم الأخ حجي شيخ عمر.

6. المرحومة السيدة عايشة طاهر بادوري أم الأخ ابراهيم عمر سراج.

المراحل التعليمية:

قبل السن التعليم الابتدائي درس القرآن الكريم على يد المغفور له فضيلة شيخنا الجليل شيخ إدريس رحمه الله ثم التحق بمدرسة الباشا كيكيا في مسقط راسه حرقيقو واكمل المرحلة الابتدائية ودرس المرحلة الإعدادية وجزء من المرحلة الثانوية في مدرسة كمبوني في العاصمة اسمرا قاطع الدراسة في المرحلة الثانوية بسبب نشاطه الثوري في المدرسة تعرض لمضايقات والمتابعة من قبل المستعمر.

سافر إلى جمهورية مصر العربية واكمل دراسته الثانوية في مدرسة الإلهام بمدينة القاهرة وبعد إكمال المرحلة الثانوية في القاهرة سافر إلى الجمهوريه العربيه السوريه والتحق بجامعة حلب بكلية الطب البشري وعندما اندلعت حرب 1967م بين سوريا و إسرائيل قاطع الدراسة والتحق مع المتطوعين في قوات الصاعقة للدفاع عن سوريا الشقيقة قلب العروبة النابض.

في عام 1970م التحق الشهيد بركب الثورة الارترية وقبل التحاقه كان كادر ثوري نشط في الحركة الطلابية الارترية في داخل ارض الوطن وخارجه.

مسيرة فقيد الوطن ذاخرة بالنضال من المهد إلى اللحد وتاريخ حافل بالبطولات و يمكن وصفه هنا بأنه قامة وطنية بكل ما تحمل الكلمة من معنى رجل تتجسد فيه قيم النبل والشجاعة والنزاهة نقي السريرة منذ الطفولة صادق مع نفسه ومع الناس صاحب مسار لا تشوبه شائبة كان يؤمن إيماناً جازماً لا يخالطه ريب ولا يمازجه شك بأن شعار الكرامة والحرية لا مساومة فيه عاش مناضلاً جسوراً وطودا في ساحات الوغى حنونا مع مع رفاقه عفيف اليد واللسان كان الشهيد ابو طاهر مثالاً للانضباط والسلوك ملتزماً بمبادي الثورة مدافعاً عن القرار الوطني لتحرير ارتريا من دنس الاستعمار الاثيوبي البغيض وخدم ثورته ووطنه منذ نعومة أظفاره عندما كان ناشط في الحركة الطلابية في مدرسة المغفور له الباشا كيكيا في مسقط راسه في حرقيقو.

لم يكن الشهيد أحمد طاهر بادوري إلا واحداً من المناضلين الأبطال الذين قدموا أرواحهم رخيصة من أجل حرية الوطن وكرامة المواطن الارتري.

الشهيد عمل بما يؤمن به في سبيل وطنه وثورته من أجل تحرير تراب وطنه الطاهر من دنس الإستعمار الاثيوبي البغيض وسجل تاريخيه المجيد يفتخر به كل أبناء الشعب الارتري المناضل ورصيد نضاله الوطني سوف يخلده التاريخ.

عاش حياته أنساناً متواضعاً بسيطاً ترك مباهج الدنيا واغرائتها فعاش وطنياً محباً لوطنه إرتريا مخلصاً حتى النخاع لكل قضايا الوطن وأمنه واستقراره حاملاً همومه وتطلعاته بكل صدق ونزاهة في كل مواقفه في مختلف الظروف والمتغيرات الصعبة التي عاشها الوطن الارتري فكان فقيد الوطن يتمتع بشخصية كاريزمية من الطراز الأول يمتلك فيه الكثير من الحكمة ورجاحة العقل وسداد الرأي وقوة الحجة بسرعة الإقناع والصراحة ووضوح الموقف
وكان مقاتلاً شرساً مقدام قاتل بكل شجاعة في مختلف ساحات الوغى وإسهاماته النضالية بالبندقية والقلم والصوت المزلزل عبر أثير إذاعة صوت الجماهير الذي أرعب جيش العدو الإثيوبي الجبان وقيادته المتهالكة المتهاوية وطمن الشعب الأرتري المتماسك كالبنيان المرصوص ورفع مستوى الوعي والمد الثوري المتصاعد وانضمام الآلاف من الشباب والشابات الأرتريين من داخل ربوع الوطن و دول المهجر القريبة والبعيدة إلى ركب الثورة و يعتبر أبو طاهر من أبرز رجال السياسة المخضرمين المؤمنين بأن العمل الدبلوماسي مسئولية أمام امانة الشهداء والوطن وهو التزام نبيل ونزيه في أهدافه ومقاصده المختلفة فهي أمانة كان يحملها بنزاهة وصدق واقتدار بعيداً عن أساليب الابتزاز المادي والسياسي لتحقيق الإرباح السريعة على حساب الشعب والوطن وخيانة امانة الشهداء.

المهمات والواجبات الوطنية التي أسندت إليه:

تقلد فقيد الوطن العديد من المهمات الوطنية وكان خلال كل عمل تسنمها مثالاً للوطني الفذ والدبلوماسي المحنك ورجل الثورة والدولة المشهود له بالكفاءة والاخلاص والتفاني في تحمل المسؤولية داخل الوطن و خارجه وقد تجلى ذلك في خدمته ممثل الثورة الارترية والدولة الارترية لدى العديد من الدول:- 

• من 1973 إلى 1974 كان ممثلا لقوات التحرير الشعبية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

• من عام 1975 إلى عام 1976 كان نائبا لرئيس مكتب قوات التحرير الشعبية في الكويت.

• من 1977 إلى 1984 عمل بكفاءة في قسم الاعلام بالميدان.

• في عام 1977 عمل في برنامج الثورة بإذاعة أم درمان وهو أول مذيع افتتح البث عبر اذاعة أم درمان السودانية بجملة الشهيرة "هنا ارتريا" وكانت من أولى الكلمات التى انطلقت عبر الإذاعة أم درمان فى افتتاحها عام 1977م قبل انطلاق اذاعة صوت الجماهير من داخل الأراضي المحررة ويُعد من الإعلاميين البارزين في عهد الثورة والدولة وأحد مؤسسي اذاعة صوت الجماهير و وزارة الإعلام لدولة ارتريا.

• رئيس تحرير مجلة النشرة الارترية باللغتين العربية والإنجليزية ببيروت وفرنسا.

• 1985 إلى 1986 كان ممثل لمكتب الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا في السودان بعد توفيع اتفاقية 20 أكتوبر بين جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا برعاية السودان في عهد الرئيس جعفر محمد النميري.

• عضوا في اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في الفترة من 1987 إلى 1991.

• عضوا في سكرتارية دائرة العلاقات الخارجية في الميدان.

• 1992 إلى 1993 مفوض مفوضية شؤون اللاجئين الإرتريين.

• عضوا في المجلس الوطني.

• شغل منصب وكيل وزارة الإعلام.

• شغل وكيل وزارة التجارة.

• وزارة الخارجية.

• مفوض مركز الاستثمار الإرتري.

• شارك المرحوم بادوري قبل وبعد الاستقلال في العديد من الاجتماعات والاتصالات في مختلف الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا والنرويج والسويد وغيرها من الدول.

• ألف العديد من الكتب والروايات والمقالات التي تعد من أبرز ما كتب عن مرحلة الكفاح المسلح ومن اهم الكتب كتاب باسم إرتريا رحلة في الذاكرة باللغة العربية وترجمه إلى اللغة التغرينية.

• عقد سلسلة واسعة ومتنوعة من اللقاءات التوعوية والتثقيفية للجماهير الارترية في الداخل والخارج.

• مثل وطنه كمندوب إرتريا الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك بين عامي 2001م إلى 2005م.

إن أبطال التاريخ هم أفراد يضحون من أجل قضايا الثابتون على مبادئهم لا تهزهم الهزايز يبذلون حياتهم في شتى ميادين الواجب والعمل الوطني من أجل رفعة الوطن الغالي وإعلاء رايته ومكانته بين الأمم يذكرهم التاريخ باعتزاز في وطنهم يحيون وفيها يموتون و تراب وطنهم يحتضنهم وبكل فخر والاعتزاز يودعهم رفاقهم وشعبهم بموكب جنائزي رهيب يشيع جثمانهم الطاهرة ليوارى الثرى في مقابر الشهداء.

في فجر يوم الثلاثاء الموافق 30 يناير 2024 انتقل المغفور له الشهيد ابو طاهر إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالنضال والعطاء وعشق الوطن وبوفاته تكون ارتريا قد خسرت واحداً من خيرة ابناءها الأوفياء ووطنياً مخلصا ممن وهبوا حياتهم لخدمة الوطن وأثبت في كل المواقف والظروف التي مرت بها ارتريا بأنه من المخلصين الشرفاء الذين جسدوا أصدق أيات الوطنية في عهد الثورة والدولة.

رحم الله المناضل احمد طاهر بادوري، رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح الجنان وجَنَّة الرضوان.

خالص العزاء وصادق المواساة لأسرة الشهيد ورفاقه ومحبيه.

إنا لله و إنا إليه راجعون
المجد والخلود لشهدائنا الابرار
النصر للجماهير
حفظ الله وطننا الشامخ وأدام عليه نعمة الأمن والأمان

Top
X

Right Click

No Right Click