بقلم الأستاذ: أحمد نافع - مستشار إعلامي وكاتب محتوى

بسبب عامل القرابة الأسرية وفي خريف بداية التسعينيات قرّر والدي ووالدتي

السفر من إحدى معسكرات اللاجئيين متوجّهين إلي معسكر آخر من معسكرات اللاجئيين بعيد جداً عنا يسمّي معسكر ”سبعة“ ضمن معسكرات ومقرّات اللاجئيين بوسط السودان؛ حيث كان يقيم بها أعمامي الكرام ومعهم وحولهم الحاضنة الكبرى لأهلنا الطّيبين وكان المعسكر هذا فيه ”أدمغة أهلنا“ من حيث الحكمة والعلم والنور والسمات الاجتماعية الرّاقية.. وكانت ابنة عمي الفاضلة في تلك الفترة علي موعد وزفاف من ”أستاذ جامعي“ محترم ذاع صيته وكان له مكانته وهيبته؛ ولم يكن هو الآخر غريباً عنا بل هو أيضاً يُعتبر بن عم لي وقريب العائلة نسباً وعشرةً، وألفةً ضاربة في الجذور معنىً ومبنىً…

وبحكم أن العريس ”الأستاذ“ كان يقيم بحي الملك في مدينة القضارف السودانية بشرق السّودان وقريب من منطقتي فإنني ولمعزّتي له وللفضول الشديد لحضور الزفاف قرّرت أن أذهب لمدينة القضارف في غياب سلطة الأبويين اللذين سبقاني للسفر إلي منطقة الزّفاف ”أهل العروس“.

وصلتُ إلي منزل الأستاذ العريس بمدينة القضارف بشرق السودان ورحّبوا بي جميعاً وأكرموني أيّما إكرام.. وكان الكل يتأهّب حينها إستعداداً للسفر صباح الغد لجلب العروس من مسافة تبعد تقريباً ألف كيلوا عن مدينة القضارف (معسكر سبعة بالسّوكي).. ورغم أنهم كانوا قد استأجروا بوكس صغير لا يسع إلاّ لـعدد محدود من الركّاب؛ إلا أن العريس بسعة صدره وجد لي فرصة للمشاركة… وأتذكّر أنه وفي نفس المساء وكانت ليلة مقمرة إذا بالعريس وبحسّه الاخوي المرهف ومشاعره الفيّاضة يناديني ويقترب مني تاركاً ضيوفه الأعزّاء في مجلسهم ولم يكترث بصغر سني وناداني بكل حنان ورفق ومحبة وقال لي: أبو حميد هل جئت تشاركني زواجي أنا أم جئت لأجل أن تشارك بنت عمك أفراحها وتريد أن تسافر معنا وتلحق بأهلك اللذين سبقوك للمشاركة في المناسبة الأسرية الجليلة؟

فقلت له بعفوية: حضوري هنا لمدينة القضارف يُعتبر مشاركة لك وذهابي معكم إلي حيث أعمامي ووالديّ سيسعدني أيّما سعادة لأن أحضر أيضاً زواج بنت عمي هناك وأقابل أهلي وألحق بأمي وأبي اللذين سبقوني إلي هناك... فابتسم إبتسامة عريضة تحمل دفء المودة والتوافق - ولا زلت أذكرها حتي اللحظة - ثم لكي يزيد من إيماني وثقتي بمرافقتهم في الرّحلة تصرّف بتلقائية فيها الكثير من ”الخلق الرّفيع“ ونادى على أحد أقاربه وقال له أن الأسرة تحتاجك في مدينة القضارف للقيام بالمهام الكثيرة للزواج حين عودتنا لترتّب أمور الضيوف، ولذلك فإنك لن تصاحبنا في رحلة الغد وستترك مقعدك لأبو حميد - وعلّق باسماً: كذلك لا تنسى يا قريبي أن أبو حميد هذا هو أبو النسب وأن عروستي هي بنت عمه.. وبينما يقول هذا الكلام مرّر يده الحانية ليضمني إليه بحنان الأخ الأكبر العطوف - فقد كان الأستاذ قلباً رحيماً نابضاً يمشى علي الأرض بما أكتسبه من ثقافة جامعية ومن تربية أسرية دينية راسخة - ولم يكتف بذلك ولكنه ذهب إلي دولاب ملابسه وحاول أن يجد أفضل ما لديه من ملابس مريحة لأنام تلك الليلة الهادئة في دارهم العامر دوماً بالإيمان والذّكر وبلا شك زاد عليه بهاءً تلك الليلة فرح المناسبة.

انطلقنا في الصباح الباكر والبوكس الصغير يملأه دفء المشاعر والمحبة، والجميع سعيد برحلة الأحلام، وكانت تعلو قسمات وجوه المرافقين الضحكات والابتسامات، وخلال الرحلة مرَرنا بقرى كثيرة ومررنا بغابة منطقة ”الدّنْدر“ الجميلة ومتّعنا أبصارنا بالطيور ذات الألوان الزّاهية التي كانت تشاركنا أفراحنا… وبيننا كذلك العريس الأستاذ يشعل الرحلة بين الفينة والأخرى مرحَاً وفرَحاً بروحه المرحة وإيجابيته اللامحدودة… وكنت أنا بينهم أصغر ركّاب تلك الرّحلة البهيجة وطبعاً كنتُ محسوباً على ”أهل العريس وأهل العروس“ في آن معاً… وكانوا كلما أرادوا الشباب الحديث عن العروس والمزاح عن قضايا الزواج مع العريس كان يبادرهم العريس وهو يقول لهم ”يا جماعة معانا واحد من أهل العروس“ إكراماً لمشاعري وفي ذات الوقت مداعبةً منه معي… ثم بعدها كان يدفع هذا التعليق أحدهم ليؤكد بأنني لست فقط من أهل البنت بل أنا أيضاً من أهل العريس ويذكر تفاصيل النسب بين أسرتينا.. وكل هذا الحديث كان يثلج صدري ويقرّبني نفسياً من أخينا الأستاذ العريس المحتفي به آنذاك.

وأخيراً بعد يوم كامل من رحلة شاقة وصلنا إلي قرية ”سبعة“ بالإقليم الأوسط بمنطقة ”السُّوكِي“ والفرحة تعمّني للقاء أهلي وأعمامي وفي ذات الوقت لا أنسى دهشة أبي وأمي لحضوري للزفاف ومغامرتي دون إذنهم وإصراري للمشاركة في هذا اليوم الأسري النبيل - وكعادتي كنت مغامراً سريع الحركة مِقداماً علي كل شئ دون أية حسابات للمآلات.

عموماً إنتهت مراسيم الزواج وكلنا في حبور لا يوصف من الفرح والسرور… ووقفتُ في اليوم التالي لأودّع الرّكب والعريس يعلّق كعادته.. يا أبو حميد لماذا لا ترجع معنا لمدينة القضارف؟ ويستمر قائلاً: يعني أنت يا أبو حميد خدعتنا بأنك من أهل العريس ولكن ببقاءك الآن في معسكر السّوكي فإنك تثبت أنك من أهل العروس وفقط كنت تجاملنا وتضحك علينا… وبينما ترنوا الإبتسامات علي مُحيّا الحاضرين… وقفتُ قريباً من البوكس وسط الضحكات والأفراح وودّعتهم ضمن إخواني وأبناء أعمامي الكبار وودّعت العريس والعروس متمنياً لهم حياة ملئها السعادة والهناء... غير أنه كان للقدر صفحة مغيّبة عنّا بأن هذه الزيجة ستكون مباركة من ناحية حيث رُزقا منها بأجمل ما يكون من أبناء ”طفل وطفلة“ مباركَين أضفوا علي حياة والديهم السعادة البالغة... ولكنا كبشر بالتأكيد في الوقت ذاته لم نكن لنعلم ما يخبّئه القدر والغيب وما كنّا ندرك ما ستتخلل حياتهم من امتحانات وابتلاءات.. وكما يقول حجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي ”إن لله أموراً يُبديها ولا يبتديها“… فكان المقدور حاصلاً وواقعاً في علم الله حينها ولكننا لم نكن لنستطيع رؤية تلك المشاهد المقدّرة الحاصلة حتى أبداها لنا الله في عام 1994 الكئيب.

ولا تزال المقادير تخبّى الأهوال

ففي بداية عام 1994م كنتُ من أوائل اللذين شدّو رحالهم إلي مدينة الجمال الوادعة ”مدينة أسمرا“ قادماً من مناطق اللجوء التي كنا نعيش فيها في شرق السودان.. وهناك سعدتُ أيّما سعادة حين وجدت كم كبير من الشباب الإريتري الخرّيجين الجامعيين القادمين من السودان ومن الجماهيرية الليبية ومن سوريا ومن مصر ومعظم البلاد العربية كخرّيجين جاؤا للمساهمة في النهضة الوطنية بإريتريا وكلٌ منهم يحلم بوطن كامل السيادة يتنفّس فيه الصعداء بعد سنوات عجاف من الذل واللجوء، والتشرّد والمعاناة وغربة الأوطان، والإحساس بالدونية لفقدان الوطن، والعيش في كل بقاع الأرض تحت بند ”لاجئ“ حاملين بطاقة اللجوء التي أصبحت منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي هوية شبه ماركة لا تفارق شعبنا المغلوب على أمره؛ وكان لأي ملاحظ أن يستشف - بلا أدني مشقة من الدّقة أو التركيز - نفوس هؤلاء الفتية وهم سعداء في وطنهم وعودتهم لأوطانهم بعد مدلهمّات الغربة والتشرّد، ويمكنك كذلك ملاحظة تزاحم الآمال العِراض في وجدانيات الجميع من خلال حوارتهم ومبادراتهم وآرائهم المفعمة بالحيوية والجديّة والحماس.

وقد كان لي من بين هؤلاء الكوكبة أقرباء بالنسب ومعارف قادمين من ليبيا ومصر وكنت في مجلسهم كالنجم الصغير بين الأقمار والقامات العلمية المتميّزة - وحينها كنت خرّيجاً من الثانوية السودانية بتفوق منقطع النظير؛ ولكن لظروف متعدّدة لم تُتح لي الفرصة للالتحاق بالجامعة في تلك الفترة - وهذه قصة أخري شائكة - ولذلك جئت أبحث عن فرص ”منح تعليمية للخارج“ من بلادي إريتريا وهو ما تحقّق فعلاً بحصولي لاحقاً علي منحة تعليمية جامعية إلي جمهورية مصر العربية في أواسط التسعينيات... كنت بين الفينة والأخرى أجالس هؤلاء الأساتذة واشاركهم أحاديثهم الجاذبة وهم يحكون عن ذكرياتهم هنا وهناك في البلاد التي أتوا منها وكلّي أمل أن أحصل على فرصة مثل فرصهم لمواصلة تعليمي بالخارج حيث كنت شغوفاً بالتعليم والتحصيل الأكاديمي... وكانت تلك الجلسات المتكرّرة في مقاهي أسمرا المغلقة منها والمفتوحة علي الهواء الطلق؛ في تلك المدينة السّاحرة الجميلة والمتناثرة مقاهيها التاريخية في مناطق متفرقة حول المدينة لتشكل لوحة بارعة؛ وكأنها اللّآلئ المتراخية والمتدلّية من عنق الحسناء في خِدْرها؛ فكانت الجلسات غاية في الروعة والبهاء.

ورغم تقديري لجميع الكوكبة من المعلمين والمثقفين، وانبهاري بهم وبمستوياتهم وبلغتهم الأكاديمية الجزلة والآثِرة... غير أنه كان من محاسن الصُّدَف وجمالها أن وجدتُ من بين الحضور مثقفاً آخر، رجل جامعي ذو ثقافة عالية وبمرجعية دينية؛ حيث تنشئته الإجتماعية الرّائعة في بيت العلم والورَعِ والتقوى… أتدرون من يكون ذلك المثقّف المبهر؟… إنه بن عمنا الودود ذلك العريس الذي افتتحنا هذه الذكريات والخواطر عبره، ذلك الرجل ”طيب القلب نقي السّريرة“؛ وحينها لم تسعْني الفرحة العارمة بلقاءه خاصةً بعدما علمتُ أنه يقيم مع زوجته - إبنة عمي في أسمرا - وأنه قد إستأجر شقّة في منطقة تُسمى ”عدّي سُقدو Addi Sogdo“ على الأطراف الغربية لمدينة أسمرا وعلى بُعد نصف ساعة بالدرّاجة من وسط المدينة... كان أستاذنا هذا يشدّني حديثه دوماً بابتسامته التي لا تفارق، وكذلك بروحه المرحة، وقدرته الفائقة علي الإقناع والتحليل، وإمكاناته الكبيرة في التوصيف الدقيق لتقديرات الموقف في الآراء المتعددة السياسية والثقافية والفكرية التي كانوا يناقشونها معاً في هدوء العلماء والمفكّرين… ويشهد الله أنها كانت في مجملها كلام ثقافي وفكري، وتبادل للهموم الوطنية والتنموية التي كانت تبدوا منتظمة في البلاد - كان الرجل القدير في قصّتنا هذه يتمتّع ببنية جسدية قوية كرياضي محترف حائز على أحزمة متعددة من الدرجة الأولى في رياضة الدفاع عن النفس (الكاراتيه)، وفي مهارات وسائل الدفاع والرّدع الجسدي؛ وقبل ذلك كان يتمتع بذهنٍ متّقد، تتخلل سلوكه روح الدُعابة الانتقائية التي تزيد الجلسات معه دوماً عَماراً ورونقاً وجمالاً وبهاءَ.

ولكن كما يُقال (علي قدْرِ أهل العزْم تأتي العزائم) هذا الرجل العملاق نُبلاً وأخلاقاً وثقافةً؛ والذي كانت لنا معه ذكريات جميلة لا تُنسى رغم فارق السّن والمكانة… هو الأستاذ الأديب/ محمد طاهر إدريس موسى - خرّيج من جامعة أفريقيا العالمية بتقديرات عالية ومعتبرة... لقد كان الأستاذ الخلوق/ محمد طاهر في شخصه ذو همّة عالية ونَفَس طويل، متأثّراً في ذلك كله على تربيته في أسرة دينية جليلة، فأبوه كان رجل صلاح وتقوى مشهود له من الجميع؛ حيث كان ملازماً للمسجد طيلة حياته كمؤذّن في حي الملك بمدينة القضارف… وإن المُجَالس لأخينا المعتقَل/ أستاذ محمد طاهر كان يشعر بأنه أمام طاقة إيجابية جبّارة وأمام إنسان كامل وسليم الصّدر تكسو وجهه دوماً إبتسامة محفّزة وروح أخوية صادقة؛ كان أنيقاً من غير كِبر، متواضعاً من غير إسفاف، بسيطاً في معشره، وكان قوي الشكيمة صادحاً بالحق في وجه الظلم والظالمين… إنه حقاً كان من مدرسة الصالحي، وكان أخلاقاً وإيماناً يمشي علي الأرض.

وبينما كان يمارس عمله التربوي الجليل في معهد تدريب المعلمين بمدينة أسمرا بكل اقتدار، وتحفّ مسيرته المهنية إشادات من حوله من الزملاء خُلقاً وعلماً وإلتزاماً… إلاّ أن ذلك لم يكن ليشفع له لدي سجّانيه؛ ففي ذات يوم أسود في 1994/12/4 خرج من بيته في الصباح الباكر مستغلاً درّاجته وعليها مذكّراته وفي باب الدار تخاطبه زوجته قائلةً يا بن العم: ”اليوم لا يوجد عندنا شئ في الثلاّجة فنحتاج حاجيات ومدّت له قائمة بالضّروريات والحاجيات وتنبّهه كذلك أن لا يتأخر عنهم“ فقال لها مبتسماً ”لن أتأخر اليوم يا سيدتي كالعادة؛ فإنا اليوم لدي حصّة واحدة فقط في المعهد وسأعود مسرعاً وسيكون يوماً سعيداً بإذن الله“.. ودّعها وودّع طفله وطفلته وبدا وكأنه يهم بمغادرة المنزل متوكلاً على الله؛ وبينما نظرات زوجته ترقُبه وقلبها يدعو له بالتوفيق والسداد كان عليل أسمرا البارد يداعب شعره النّاعم ويهب على صدره ليسقط القلم من جيبه العلوي فينحني لتناول قلمه؛ ذلك القلم الذي خاف الطغاة من بأسه وقوّته فالصراع كان ”صراع النور والظلام“.. ثم تتحرك درّاجة المربّي ومعلّم المعلّمين، وينطلق هو مسرعاً نحو عمله، وريداً رويداً تتلاشى خطاه من ناظِرَي زوجته.. ذلك ”التلاشي“ الذي أصبح فيما بعد عنواناً للأسير وللزوجة إلي يومنا هذا، بل أصبح عنواناً وتوصيفاً مطابقاً للمعنى والمضمون لحال كل الإريتريين المشتّتين في أصقاع الدنيا… كان هذا المشهد بين الزّوج والزوجة طبيعياً جداً؛ إلاّ أنه كان للقدر كلمة أخرى في علم الغيب لا يعلم كُنهها إلا علاّم الغيوب... وكانت تلك اللحظة هي آخر تبادل للنظرات بين الزوجين، وكان هذا الموقف آخر لقاء بين الزّوجين البريئيين اللذَين كانا يمثّلان نموذجاً للمواطَنَة الصّالحة، فلم يكونا ممن يسرق ثروات البلاد ولا من أولئك اللذين يسعون في الأرض الفساد؛ كانت تلك آخر الخُطى، ونهاية التدفّق الدافئ للحنان الأبوي والرعاية الصالحة التي كان يحفّ بها عائلته الصّغيرة والكبيرة علي السّواء.. كانت حقاً لحظات سعيدة - لكن إذا ما نظرنا إليها الآن بأثر رجعي - فهي حقاً كانت مشهداً بائساً حين نشاهد السجين واقفاً لآخر مرة إلي جانب وجوار منزله بالعزّة والأمان.

مرّت السّاعات والزّوجة تنتظر زوجها ليجلب لهم المقاضي والحاجيات.. تترقّب قدومه من النّافذة بقلبها الحائر علي تأخّره.. تتردّد بين باب الدّار وبين منعطف الطريق حول المنزل - وكأني بها تمارس نفس طقوس السيدة هاجر - عليها السلام - وهي تبحث عن الماء بين الصفا والمروة وتتزاحم الهواجس المخيفة في عقلها ووجدانها… لم يخطر ببالها أن مكروهاً ما قد حصل لزوجها وكانت حتي بعد منتصف الظهيرة يراودها الشعور الإيجابي وهي تظن أنه ربما طارئاً ما في عمله هو الذي قد عطّل قدومه حتى تلك اللحظة… لكن ما إن تأخّر الوقت ومرّت الساعات ثقيلة، وكاد الظّلام أن يعمّ الأرجاء حتي بدأ قلب الزوجة المسكينة المكروبة هذه يخفق بقوة غير مسبوقة حتى يكاد أن يخرج من بين أضلعها - وكانت حينها شابة صغيرة السّن لا تعرف حتي حسن التّصرّف، كما أن الشعور الذي زاد من خفقان قلبها وكاد أن يهدّ كيانها هو أنها كانت لا تعرف ولا تحسن لغة جيرانها لتكلّمهم على الأقل بحالها وبكربها، كما أنها في ذات الوقت كانت لا تزال ضيفة في المدينة وتسكن وسط الغُرباء.

ظلّت مخدّرة في مكانها والهواجس تملأ فؤادها… وبينما هي تنتظر خبراً عن تأخّره؛ فإذا بها تلمح قدوم ثلاثة أشخاص بعد مغيب الشّمس وهي لا تعرفهم ولم ترهم من قبل هذا مع زوجها وهم يُحضرون معهم الدرّاجة للمنزل ويقولون لها بلغة عربية تفهمها: يا أختي نحن من معارف الأستاذ طاهر، والرجل أعتقد قد حصلت له مشكلة في الصباح عند خروجه من العمل بمعهد تدريب المعلمين في الحادية عشرة صباحاً؛ حيث شاهد أحد حرّاس المعهد بأن هذه الدرّاجة ملقية لفترة طويلة عند بوابة المعهد… وأخبرَنا ”الخفير“ بأنه قد سأل الزملاء عن الشخص الذي خرج من المعلمين في هذا الصباح - لأنه لم يعرف بسبب أنها لم تكن نوبته في العمل؟

فحينها عرفوا من خلال درّاجته بأن المعلّم الوحيد الذي خرج من المعهد كان الأستاذ محمد طاهر.. ثم أردف قائلاً: وتناهى بعد ذلك إلي سمْعنا من خلال شاهد مجهول عابر بالطريق بأنه قد شُوهدت سيارة حكومية ليس لها لوحة معروفة قد اقتادته مُعتقلاً لوجهة غير معلومة بعد حدوث مناوشات بينهم.. بينما تحبس الزّوجة أنفاسها استمر المتكلّم: ونحن يا أخت سوف نرى هذا الأمر في الصّباح وإن شاء الله يصير خير وهذه دراجة الأستاذ وبعض مذكّراته... غادر الشبّان الثلاثة تاركين كلماتهم كالرّصاصات في قلب الزّوجة ولم يُظهروا حينها أية تعاطف يُذكر معها؛ ولعلهم كانوا فاعلي خير حسب زعمهم، ولعلهم كانوا مخبرين أو عملاء مُرسلين من قِبَل من إرتكب جريمة الاختطاف والإعتقال.. أما هي ومن هول الصّدمة فقد انعقد لسانها فوراً وجفّ ريق حلقها، وأحسّت وكأن الأرض تدور من تحت قدميها.

ووقعت كلمات هؤلاء الغُرباء كالصّاعقة على قلبها وفؤادها… وبعد برهة من الزّمن أتاها هاتف داخلي مزعج زاد من اضطرابها، وحاولت أن تستدعي على الفور بعض المواقف التي كانت تسمعها من زوجها وتشير إلي وجود حساسية بعض المسؤولين تجاهه لبعض قراراته الانفرادية - فالرجل كان قوي الشخصية - وكذلك كان له الشجاعة الكافية لفرْض حرّيته الشخصية في إختيار نوع الطعام، وتجنّبه في كثير من الأحيان المشاركة في الأطعمة ذات المصدر الحيواني الغير مذبوحة من المسلمين والتي كان يتحفّظ بل لا يستسيغ أكلها وفقاً لمعتقده وحرّيته الشخصية خاصةً مع زملاءه في العمل.. وكذلك حرصه الشديد على أداء صلواته التي لطالما رافق أباه لأجل آدائها إلي المساجد صباحَ مساء ليؤديها في وقتها الموقوت كما تربّي وترعرَع وكما كان يحافظ عليها في هجير السودان الحار وزمهريره القارس... كذلك حاولت الزّوجة إسترجاع ما سمعته قبل هذا من حدوث موجة إعتقالات في بداية التسعينات، وهناك مواقف أخرى سمعتها أيضاً من زوجها وهو أنه وبعض زملائه كانوا يحرصون دوماً علي لقاءاتهم المتكررة مع بعضهم ويتذاكرون في أمور آخرتهم ويتدارسونه بالتناوب ابتغاء مرضات الله عزّ وجل؛ وفي ذات يوم كان قد أُستدعي وطُلب منه بأن لا يمارسون أي تجمّع وعظي ديني بدون تصريح مسبق… كل هذه المؤشّرات والمواقف استدعتها الزّوجة المكلومة فوراً وعرفت أن مصير زوجها حسب المعلومات التي أدلى بها ”سفراء التّعاسة والشّقاء“ في تلك الأمسية… علمت بأنه ومن هذه الليلة فهو في علم الغيب وأن ليالي طويلة كالحة وأيام عِجاف تنتظرها وزوجها وعليهم الاستعداد لتحمّلها.

لم يكن أمامها في ذلك الليل البهيم إلا أن تحاول احتضان طفليها والهواجس والمخاوف الجمّة تملأ دارها.. وظلّت طوال الليل تناجي وتبكي وحيدةً بعد أن غطّي وأرخى الليل سُدُوله، وغلب النّوم براءة الطفولة مما جعلهم يستكينوا خلوداً للنوم بعد أن يئسوا من حضن أبيهم الدافئ… انتظرت الزوجة شروق الشمس دون أن يغمض لها جفن، وأحسّت بالدوار والغثيان من شدة القلق والخوف والفوبيا والمصير المجهول، داهمتها حالة لا تعرفها من (الهلع النّفسي Panic Attacks) أكثر من مرّة كادت أن تفقد معها صوابها وعقلها… والآن وبعد مرور قرابة الثلاثة عقود إلا قليلا تحكي لنا هذه الزوجة المكلومة بأن طول تلك الليلة لا تعدلها - في مرارتها وشدّتها وهولها - حتى كل مدة فراقهما وحتي اللحظة.

هكذا فقَدَ أستاذنا محمد طاهر حرّيته في زنازين وأقبية النظام الإريتري الشمولي منذ الرّابع من ديسمبر عام 1994م، ضمن الحملة الجنونية المسعورة والتعسّفية، والاعتقالات الغير مبرّرة - والمضلّلة في كثير من الأحيان - والتي خلطت الحابل بالنّابل فيما يخص علاقتها بإجراءات (الأمن الوطني) ضد المشروع الحضاري لثورة الإنقاذ آنذاك… ويا أسفاه.. قد ذهب زميلنا واخينا الكريم ضحية تلك الحملات التي تتنافى تماماً مع فقه القوانين العرفية؛ بل وحتى الأعراف النظامية والدولية، وتتعارض كذلك مع أنظمة الثواب والعقاب التي تعرفها البشرية منذ وجودها؛ تلك الحملة التي عمّت للأسف البلاد شرقاً وغرباً بُعيد أفراح الاستقلال مباشرةً أو قبلها بقليل وكانت بمثابة شهادة ”فشل أخلاقي“ ووصمة عار على جبيننا نحن الإريتريين اللذين يفخر الآخرون بإنجازاتنا وبطولاتنا كأصحاب أروع تجربة ثورية ونضالية عرفتها البشرية من أجل الحرية والانعتاق طيلة ثلاثة عقود من الأزمان.

سيرورة الحياة مع الألم… ونهر الحياة لابد له أن يجري

نهضت الزّوجة من سريرها وهي تحاول أن تسترجع ملامح الرجال الثلاثة؛ ولربما ”الأشرار الثلاثة“ وتحاول في الوقت ذاته استعادة ما سمعته منهم.. تهمس بكلماتهم.. تُقطّع الجمل التي نطقوا بها ولا تستطيع إكمالها وكأن عقلها الباطن كان لا يطاوعها حتي أن تقوم بتكرار توصيف المشهد كما سمعته، وكان فؤادها يرفض تكوين تلك الجمل التي كانت ”جمل صحيحة“.. نعم إنها ربما تكون جُمل صحيحة ومستقيمة في المبنى؛ ولكنها حتماً تتجاوز مجرّد أصوات ونغمات وتتحوّل إلي غصة أشبه ما تكون بمثابة السّم الزُعاف حتي لمن يستمع إليها أو يتخيّلها.. حاولت بكل قواها أن تقوم بواجبها تجاه أطفالها الرضّع.. ونسيت زوجها وفقط تعلّق قلبها وعقلها حول ”المعلومة“ تلك التي تُعتبر لُغظاً محيّراً في ثقافة الدولة والنظام الحاكم حيث السرّية هي شعار كل شئ… رددّت الزوجة الملهوفة الحزينة المعلومات التي نطق بها الرجال - ولم تشك لحظة أنها ”غير صحيحة“ - ولكن ماذا عساها أن تفعل ففي هذه البلاد ”المعلومات شحيحة“ وأن كل شئ خاضع لحالة ”الطواري الطارئة“… إنه حقاً أمرٌ مرير أن لا تعرف ”معلومة“ حول ظروف إعتقاله واللحظات الأخيرة من حياته في مواجهة البغي والباطل وجحافل الظّلم.

حاولت وهي تجرّ قدميها متجهة نحو أقرب محطة لتذهب إلي إحدى قريباتها لا لتواسيها ولكن علي الأقل لعلها تجد عندها ”الحل“ الذي يبحث عنه كل الإريتريين وهي ”العدالة“... مشت وهي تهدهد روحها الحزينة وتحبس دموعها وسط ركاب الحافلة حتي وصلت منهكة لوسط المدينة للقاء قريبتها…
إنتشر إختفاء الرجل بين الأقارب والمعارف ولا زال قلب الزّوجة متعلّقاً بخبرٍ ما يأتيها من السماء أو من تحت الأرض عن زوجها المختفي منذ أطول ليلة عاشتها في حياتها على الإطلاق… لكن كانت كل آمالها وتخيّلاتها وكل بارقة أمل تلوح في الأفق تنتهي دوماً إلي سراب… وكل أفكارها ووعود أقربائها ومعارفها ومساعيهم وسؤالهم عنه كان يزيدها يأساً إلي يأسها... وبعد يومين مرّ أستاذان فاضلان إلي منزلها ليخبراها بأن هذه هي حملة إعتقالات طالت معظم المعلّمين في مدرسة الجالية العربية في أسمرا وفي مدن أخرى.. وقالوا لها إطمئناناً لا تقلقي فالكرب عام ولستِ وحدك في هذا المحنة ولعله خير.. وقاموا بتسكينها وتشجيعها بأن هذه امتحانات وسوف تنتهي قريباً وأنهم سوف يحاولون الاستفسار أكثر لمعرفة مكانه… وأخيراً إقتنعت الزوجة أن عليها أياماً طويلة لانتظار الفرج، وأنها يجب عليها أن تكون على مستوى وقدر التحدّي المفروض عليها قهراً وعدواناً؛ واستسلمت المسكينة للمكتوب دون حول ولا قوة وعرفت أنها ضحية ظلم حل عليهم لحكمة ما يعلمها رب العالمين... كان كل شئ أمام الزوجة المكلومة في الأشهر والسنين الأولي يبدوا وكأنه عبارة عن ”ظُلمات بعضها فوق بعض“، فهي في ”لحظة سكون دائم“ تشعر أحياناً أن الزّمن قد توقّف عندها فهي لا تعي ولا تفهم، ولا تتذكّر، ولا تستوعب أي شئ… ورغم كُلوح الدنيا في ناظِريها وفؤادها؛ لكن كان هناك شعوراً عابراً من السكينة الحذرة يزورها بين الحين والآخر ليتهادى بسببه فؤادها بين الرّجاء والأمل.

أما بخصوص الأسرة ”الوالدين والإخوان“ فقد تلقّوا الخبر في السودان كالهول العظيم ولم يكن أمامهم إلاّ أن تحملوا أقدارهم بشجاعة بالغة وبإيمان وصبر كغيرهم من ذوي المُختَفين قسرياً.. انتقلت الأم المسنّة إلي رحمة الله في فبراير 2014 بعد أن كانت تكفكف دموعها السخينة الحارة علي خدودها… دموع تنساب بلا فواصل وتتحاور مع العين تارةً ومع الوجه الشاحب تارةً أخرى وتتساءل حائرة وهي تقف في منتصف الطريق بين العين واللسان اللاهج بالألم حيناً وبالأمل أحياناً أخرى.. فلمّا تستعصي الإجابة وتشعر بانكسار صاحبها تواصل الدموع طريقها بانحدار شديد معلنة الحسرة والغُصة الأليمة.

بهذه اللوحة المأساوية كلنا يتذكّر الخالة التي إنتقلت إلي رحمة الله ورضوانه بعد ليالي طويلة من السُّهاد الذي لا يعرف الرّاحة، وبعد حياة خالية من أي طعم سوى ذلك النور الإلهي الذي كان يشع بقلبها الحزين باعثاً وميض الأمل والرجاء في رحمة الله.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أما الأب الثمانيني المسن أيضاً والذي ظلّ يكابد الآمه وأحزانه حتى قبل العام الماضي فقد توفي رحمه الله في سبتمبر 2019؛ ذلك المؤمن التقي النقي المؤذّن الصالح الشيخ/ إدريس موسى؛ وكلُ من يعرفه في حي الملك بمدينة القضارف يعرف سمته وحسن معشره وطول تأملات العارفين بالله في مُحيّاه… هذا المؤمن الذي كان يصدح بصوته الباكي مؤذناً.. مات وقلبه يتمزّق علي فراق ولده ولكنه كان متقبّلاً للأقدار ومسلّماً أمره لبارئه؛ ولكن في أحيانٍ عديدة كلما حاول إسكات اللّوعة على الفراق كانت تنتابه موجة من طيف إبنه لتكسر حاجز الصبر، لكنه كان يُجابهها بقوة الإيمان فتجده وهو يردّد ”إنما أشكو بثّي وحزني إلي الله“ حتى يُبكي من حوله؛ وكيف له أن ينجو من ولع الفراق وقبله من الأنبياء والرّسُل لم يسلم منه أحد، وهاهو سيدنا يعقوب وهو النبي التّقي النّقي ابيضّت عيناه من الحزن لفراق إبنه سيدنا يوسف عليهما السلام… وكان عمنا شيخ إدريس موسى يجاهد نفسه ليتعبّد بعبادة خفية يغفل عنها الكثيرين وهي عبادة (التسليم والرضا) كلما هاجت المشاعر وثقلت عليه المواجع… وكأني والله كنت أراه وهو يتمثّل قول الفيلسوف الفرنسي رينوفيه وهو في الثمانين من عمره: سأترك الدنيا قبل أن أقول كلمتي النهائية فيها؛ لأن ما أريد قوله لن يتسع له العمر للأسف… وهذا لعمري أشد أحزان الحياة اثارةً للشجن!.

وبعد عناءٍ مع أمراض الشيخوخة وكبر السن، ومع أوجاع قلبٍ جريح متقلّب بين ضلوع شاكية ضامرة .. أخيراً لبّي والد السجين نداء ربّه وفاضت روحه إلي بارئها تنتظر السجّان يوم العدالة الأكبر ”وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ“يوم ينادي المنادي ”وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ“.. وليس غير الحق في عدالة السماء من ميزان.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أما الحديث عن زوجة المغدور والمُعتَقل جوراً وعدواناً وكذلك طفليه الذين حُرما من رائحة أبيهم ومن همساته ومداعباته حديث يطول ويطول ولا تنتهي تفاصيله؛ فحالهم كان أقرب إلي مشهد الأمواج في بحر ”التعاسة والحاجة والانكسار“… فإبنة العم التي هي زوجة الأسير - تلك الزّوجة المكلومة الأسيفة - لم يكن أمامها من مفر إلاّ أن لملمت بقايا ضروراتهم المنزلية تهم بمغادرة البلاد التي سلبت حريتهم وسعادتهم وما تبقّي من كرامتهم هي ومعها طفلين يحبوان في طرقات أسمرا التي سلبت نسمات أبيهم وهم بحكم طفولتهم لا يأبهون بشئ مما يجري لأنهم لا يعلمون حقيقة الواقع... ومن الذكريات الأليمة والمريرة التي لا تُنسى كان مشهد مغادرة الأسرة البلاد (أم الأسير والزّوجة والطفل والطفلة) إلي وطن آخر بديل ولسان حالهم يجسّد مشهد سيدنا موسى في قوله تعالى ”وخرج منها خائفاً يترقّب“.. وكم هو عجيب أن تكون مظلوماً وفي نفس الوقت أن تخاف بلا جرم ليجتمع عليك شرّ الظلم وأهوال الخوف… ويمكنني وصف ذلك المشهد - الذي وقعت عليه عيني ووقفتُ عليه - وهم يقطعون شوارع أسمرا في حالة هي أقرب إلي ”القفز في الظلام“… لا أحد منهم يدري المصير المحتوم وما تخبئه لهم الأقدار، ولا ما سيقابل الأسرة في قابل الأيام.

أما والدة الأسير/ الأستاذ محمد طاهر؛ فقبل وفاتها بسنوات وعندما قدِمت إلي أسمرا بعد سماعها الأخبار مباشرةً وهي تنتظر قدوم إبنها الأسير كان حالها وكأن جبال ”رَضوَى“ علي صدرها من هول المصيبة والضّيق والحسرة والألم…لكن ما كان يخفف المشهد هو براءة الطفولة التي تلهو وتلعب… وكان الطفلين هما الآخر مغيّبَين مثل والدهم .. ولكن تغيّبهم كان عن شهود وإدراك تلكم اللحظات التعيسة على حال ومصير الأسرة المجهول… وهذه المفارقات القَدرية لحال الصبية كان وقعها علي الطفلين في ظنّي من محاسن أقدار الله عليهم لعدم إدراكهم هول الكارثة.

مرّت الأيام والشهور والسنين العجاف وتحمّلت فيه الزوجة أقدارها بصبرٍ وإيمان .. وكافحت دون استسلام لكي تربّي الطفلين في ظل ضعف الحاضنة الاجتماعية رغم دورها المحدود في الشحن العاطفي والدعم النفسي المتقطّع في ظل غياب كيان يرعى أسر المعتقلين ويواسيهم وكأن الشّعب الإريتري الحالي غير ذلك الشّعب الذي تكاتف وناضل وصنع المعجزات.. لكن هي شهادة حق لتلك المرأة الحديدية - زوجة الأسير - إبنة ”هزَمُو“ التي سبق وتربّت في حياة ريفية زراعية ورعوية كحال معظم الإريتريين وتعرف جيّداً كيف تتحمّل المشاق وكيف تعمل بجد وكفاح؛ ولذلك ورغم أن المهمة التي أمامها لم تكن بالسّهلة ولكن وبتوفيق من الله صمدت أمام عواصف الأيام واستطاعت بجهد الصّابرين بعد أن عقدت العَزْم على أن ”تحلب الصخر“ من أجل رعاية طفليها وتربيتهم ودعم أسرة والدي الأسير - فك الله أسره - ورحمهم الله جميعاً… واستطاعت زوجة الأسير محمد طاهر أن تربّي أطفالها علي الشهامة والخلق الرّفيع، والأمانة؛ حتى أصبحوا شباباً في قمة الوعي والأدب… استطاعت هذه الانسانة الرّائعة تزويج إبنتها وابنة الأسير ودعمتها لبناء أسرتها الجديدة واستطاعت أن تشق تلك الابنة طريقها للحياة، وكذلك لا يزال الابن يحاول أن يمتص الصّدمات الحياتية كيتيم الأب الحاضر الغائب ولديه قصة مؤلمة تستحق أن تكون فيلماً تراجيدياً مؤثراً.. لكن رغم حرمانهما من مواصلة التعليم لأسباب أسرية واقتصادية، ولتبعات المعاناة الاجتماعية التي غالباً ما تصاحب مثل تلك المحن التي مرّوا بها أُسر ذوي المعتقلين فهم لا يزالون ينتظرون الفرج والتضامن المجتمعي... ولطالما أن نهر الحياة لابد له أن يجري فلم تستسلم الأسرة لظروف الزمن وقسوة الأيام بل كافحوا بما أوتوا من قوة ولا زالوا في درب الكفاح والصّمود للانتصار علي اليأس والآلام.

ونحن في الأسرة الكبيرة نعتبر زوجة الأسير الأستاذ الأديب/ محمد طاهر نموذج للمرأة الحديدية التي من فرط قوّتها وإيمانها وصبرها وتحدّيها للصعاب لم تمد يدها لأحد بل عملت في منازل الغرباء وفي المدارس والمراكز مشرفةً تارةً وعاملة نظافة مكافحة تارةً أخرى.. ووقود طاقتها في رحلة العيش تلك لم يكن إلا التوكّل علي الله بجانب الطّيف الدائم الذي لا يفارق مُخيّلتها، والذي كان كلما ضعفت وخارت قُواها يداعب الوجدان ناثراً فيه أمل العودة إلي الدّيار والأحباب، وعودة أنفاس الحياة الكريمة في ظل عش الزوجية الوادع الآمن الذي لطالما حلموا به وبالعيش في كنفه ترعاهم العناية الإلهية وتظللهم الطمأنينة… ولا يزال الأمل هو سيد الموقف.. الأمل في عودة الأب والزوج والحبيب… وقبل كل ذلك الأمل في رحمة الله ولطفه في كل ما قدّره سواءاً كان الزّوج الحبيب المُغيّب في سجون الطّغاة (حياً أو حياً)؛ قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

استنطاق العَبَرات

ومن هنا لابد لي أن أرسل تحيّاتي لبنت عمي الغالية الشجاعة الصنديدة… كما أرسل همستي لأبناء الأسير الأستاذ/ محمد طاهر الذي يقف الزمن عنده في ”لحظة السكون الحياتي“ بفعل الظّلم والبغي، أقول لهم هامساً: إعلموا يا أبناء أخي وأختي بأن المِحنة دائماً هي حُبْلَى بالِمنَح الإلهية، وأن كل بليّة فهي حامل دوماً للعطيّة.. فأنظروا إلي ما في بطن المحنة والبلايا من مِنَحٍ وعطايا؛ فوالله قريباً جداً ستلد المِحن فرجاً وفرحاً سيملأ قلوبكم وأفئدتكم حتى تحار عقولكم وتعجبون من أقدار ولطف الله وعطاياه، فإن لم يكن في الدنيا ففي يوم العدل والإنصاف الأكبر يوم (تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ) وأهمس في أذنيهم وكذلك في أذان جميع الأطفال وأسر المغيّبين قسرياً والمظلومين في السجون أقول لهم تأمّلوا معي ما تقوله الأنفاس الطاهرة: فقد سُئل الإمام الشافعي رضي الله عنه ذات يوم: أيهما أفضل للمؤمن: أن يبتلي أم أن يُمَكّن؟ أي أن يحقق له الله كل ما يرجوه لنفسه… فقال الإمام الكبير الشافعي بعين البصيرة: وهل يكون تمكينٌ إلا بعد ابتلاء!؟

وهنا كأن الإمام الشافعي يشير في ثنايا إجابته علي السؤال إلي قصة سيدنا يوسف عليه السلام وما تعرّض له من ابتلاء تلو الابتلاء حتي جاءه الفوز العظيم.. قال تعالى (وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ)؛ ونلمح كذلك إشارة واضحة وصريحة إلي قول سيدنا يوسف في الآية الكريمة بعد أن مكّن له ربه ذاكراً “قانون النّصر والتمكين“ في قوله تعالي (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)… فالتقوي والصبر إذاً هما مفتاحا نيل الرجاء وتحقق الأمنيات والتمكين في الدنيا.

كما أهمس في أذن وفؤاد ووجدان أبناء أخي المعتقل، وكذلك أهمس في أذان جميع أسر وأبناء المعتقلين ظلماً مذكّراً إيّاهم بمقولة الإمام العظيم سيد الشهداء الإمام الحسين بن الإمام علي سلام الله عليه ورضي الله عنهما جميعاً حين قال الحسين: من رضيَ بحسن اختيار الله له لم يعدل بما اختاره الله له شيئا!… فاصبر وما صبرك إلاّ بالله.

وأقول لإخواني المُبتَلين عليكم (بالصبر والتسليم) وأعلموا أن كل شيء في هذه الحياة يُولد صغيرا ثم يكبُر؛ إلا الأحزان فإنها تُولد كبيرة ثم تضمحل تدريجياً رويداً رويداً حتي تهدأ وتتحول الي شجن رفيق مصيره يبعث البهجة في النفوس.. وعلي المرء أن يرعي حزنه في صمت وصبر حتي يستوفي دورته محتسبا أسباب أحزانه عند ربه وداعياً إيّاه أن يخفّف عنه ما يضيق به صدره، وأن يثق بأن ما أصابه ما كان ليخطئه وأن ما أخطأه ما كان ليصيبه. ولنا في أهل العرفان من السادة الأجلاء الصوفية خير دليل حين يقولون لنا في بعض كلامهم ودررهم التي لا تنقطع حلاوتها ”أن المحبّة هي الموافقة“؛ أي الطاعة لله فيما أمر، والانتهاء عما زجر، والرضا بما حكَم وقدّر.

صراع الهوية والكراهية

قد يتبادر إلي الذهن العديد من التساؤلات البريئة حول مجمل ظاهرة الاعتقالات في إريتريا… فبالرغم من إيماننا العميق بأن أسوأ سلْب لحرّية الإنسان لا يكمن فقط بحبسه وسجنه في السجن؛ ولكن أسوأ سلْب هو الذي يكمن في سلب الإنسان قدرته على الاختيار؛ وهكذا قُدّر للشعب الإريتري أن يكون ضحية لعنات كثيرة وأولها ”لعنة الجغرافيا“ حيث أصبحت المنطقة تحت بصر مطامع خارجية وداخلية لا يزال يدفع شعبنا أثمانها باهظاً؛ كما أن التقلبات السياسية وصراع المحاور والأيديولوجيات في دول الجوار كان ولا يزال له انعكاساته علي الحراك السياسي بالبلاد فضلاً عن تحمّل النظام حالة ”الفشل الصّريح في إدارة الدولة“ واضمحلال الانتماء والشعور الوطني لدى المظلومين الإريتريين بسبب الممارسات السياسية الخاطئة والمبنية علي تصورات وأوهام دنيوية لا تخضع حتى لمبررات قواعد اللعبة السياسية؛ بل وفي أحيانٍ كثيرة تختلط بجنون العظمة والأهواء والعيش بعقلية ” المحارب“ الذي لا يتقن سوى لغة البندقية ولا يدرك أن النجاح الثوري ليس بالضرورة أن يكون فلسفة راسخة للنجاح السياسي.

في الحقيقة نحن كإريتريين قد نختلف في ماهية الظروف السياسية والأجواء العامة التي بدأت فيها الاعتقالات وعوامل الانحراف في تعامل الإريتري مع أخيه ونشوء ظاهرة ”التخوين“ والذي كان التعامل معه في مرحلة الثّورة بحزم وقسوة مبرّراً؛ باعتباره مظهر من مظاهر الطعن في الظّهر وانحراف خطير لا يخضع مرتكبه إلا لللغة الثورية الانتقامية لأن مرتكبه ببساطة كان يُعَدّ جزءاً لا يتجزّاء من ثقافة العدو، وأن التعامل مع مثل هذه الحالة كان يتّخذ شكلاً ”إنتقامياً“… لكنّا اليوم لا يمكن أبداً أن نقبل نشر ذات الثّقافة الإنتقامية بلا مبرّر مشروع خاصةً في ظل مرحلة الدّولة التي ينبغي بل يُفترض أن تكون خاضعة لحكم القانون والدستور ومعايير حقوق الإنسان… كذلك ربما نختلف في أسباب نشوء الاعتقالات؛

• هل كانت تلك الاعتقالات مجرّد ردة فعل لظهور حركات إسلامية جهادية في الساحة الإريترية قُبيل الإستقلال؟

• أم كانت الاعتقالات رد فعل عنيف لموجة الحراك الخارجي لثورة الإنقاذ الوطني السودانية ومشروعها الحضاري المعلن لنشره في فضاء إريتريا عبر أجهزة أستخباراتية خارجية؟

• أم أن الاعتقالات كانت بالدرجة الأولى انتقائية خاصةً في مراحلها الأولي وكانت تستهدف ”المسلمين“ وتستهدف ”العروبة“ أي أن ما حصل كان ”صراع ثقافي حول من يحدد الهوية الثقافية لدولة وكيان إريتريا“؟

• ويأتي هنا سؤوال عريض تتكئ عليه معظم مبررات الاعتقال وهو الحد الفاصل بين ”الأمن الوطني“ وأمن المواطن؟

• وكيف يمكن صيانة الأمنين بالطرق القانونية؟

• وكيف يمكن التعامل مع أي شخص متّهم مهما كانت درجة ونوعية التهمة بما يحفظ كرامته وحقوقه الآدمية؟

كل هذه أسئلة لا تزال مشروعة وهي تتسوّل الإجابة عند بوابة السجّان الذي هو حتماً الوحيد من يعرف تفاصيل الدواعي والمبرّرات الميكافيلّية لنشر ثقافة التخوين وفتح السجون للاعتقالات التعسّفية. ففي إعتقادي مهما كان تباين الإريتريين أو توحدهم حول تفسير ”إنتشار ثقافة الاعتقالات“ وعلاقة ذلك ”بالأمن الوطني“ إلا أننا كإريتريين أحرار لا يمكن أن نتّفق إطلاقاً في الطريقة التي تم التعامل بها مع ”ملف المعتقلين“ ولا مع الظروف التي كانت محيطة بالاعتقالات التي لم تستند إلا إلي ”قانون الغاب“.

وما تم ويتم ممارسته من تصفيات جسدية خارج نطاق القانون ومن إخفاء قسري دون الخضوع للمحاكمات العادلة ودون الالتزام بمعايير حقوق الإنسان والكرامة الآدمية هو بالتأكيد محل شجب واستنكار من كل الأحرار الشّرفاء من أبناء الوطن المجروح… وبملء الفم نستطيع أن نقول بأننا كإريتريين كان من المُفترض أن نكون أبعد النّاس عن الظّلم لأننا قد عانينا منه الأمرّين طيلة عقود مؤلمة، وخاض شعبنا في سبيل الحرية والكرامة حرباً ضروساً مع المستعمر الغاشم… فهل بعدَ كل هذا النموذج المشرّف الذي قدمناه للعالم من التفاني والتضحيات الجسام يستقيم الأمر حين نفكّر كيف لنا أن نفشل في ”إدارة ملفات حقوقية“ فيما بيننا كإريتريين؟؟؟

فإذا كانت معايير الوطنية والحفاظ على الأمن الوطني هي حقاً الدّافع الرئيسي لما حصل ويحصل كان ذلك سيتمظهر جلياً في تعاملنا الرّاقي مع ملف المعتقليين والسجناء بالقدر الذي يتساوى فيه مع ”شرف النضال الإريتري“… لكن يبدوا أن نشوة إنتصار المناضل المغرور بالقوة الثورية، وطغيان روح الاستعلاء والاستبداد، وإستدعاء أمراض الثّورة وملوّثات التكاتف المجتمعي، وكذلك سيادة ”الانتصار للذات وللهوية“ ونسيان مبادئ الثورة العليا التي أعلنها شعبنا في وقت مبكر قبل أن تعرف المنطقة ”الثورات“ أعتقد هو الذي أوصلنا إلي ما نحن فيه من ”تشرذم وتمزّق وتفريق المفرّق وتجزئة المُجزأ“ علي مستويات العرق والقبيلة والهوية الدينية والمناطقية.. حتى باتت إريتريا وبنفس المستوى الذي كانت فيه مضرب مثل في ”ثورة الأبطال“ أصبحت اليوم مثالاً ”للدولة الفاشلة“ والمجتمع الممزّق.

السكوت عن الظلم... إنتصار لخيار الفشل المبين

لعل اليوم معظمنا ينطبق عليه ما يقوله المثل الألماني: ”من أتّجر في الزهور لم يشم رائحتها“! بمعني أن من يجد الزهور حوله كل يوم قد يضعف احساسه بجمالها، وتتحول بالنسبة اليه الي بضاعة كغيرها من البضائع التي لا يعز عليه فراقها.. بل لعله يجد في بعدها عنه ما يحقق له المصلحة المرجوة منها.. وهي التخلص منها بالبيع!.

وهكذا فبعضنا اليوم لا يشعر بنعمة الحرية التي هو فيها حتى ولو كانت منقوصة، ولا يشعر في ذات الوقت بألم المعتَقلين وذويهم ومعاناتهم، والبعض ربما يرى أنهم أو في معظمهم إنما يتلقون الآن جزاء إجرامٍ ما لصق بهم أو أسباب تتعلّق بخيانةٍ ما للوطن وإلا لَما كانت تلك الحملة ضدهم في ذلك التوقيت بالذات… وعن شخصي؛ ونتيجةً للكثير من اللقّط حول الموضوع، كانت هناك شكوك عديدة تساورنا وتنتابنا تتعلّق بظروف وملابسات بعض المعتقليين خاصةً مع إرتفاع الشعور بالوطن وبالأمن الوطني، وكان بحق هذا الملف هاجساً مؤرّقاً حتى للكثيرين من المناصرين للنظام؛ لأنه ببساطة أن الفطرة السليمة لا تقبل إطلاقاً بالظّلم؛ خاصةً إن كان المرء ممن يراقب ربه ويخشى عقابه يوم المَعاد؛ وكانت الحملة مصحوبة بنشر إعلامي ودعائي في معظمه كان مضلّلاً مما لم يسعفني وغيري أن نكون في صف هؤلاء المظلومين لأن الغُموض كان هو المُفسّر الوحيد للمشهد الإنساني القاسي… ولكن عامل الزّمن كان كفيلاً ليكشف للجميع الحقائق الملتبسة على البعض بالتضليل وبات كل منصف يعرف أن معظم الاعتقالات تلك لم تكن في جُلّها ”مبرّرة ولا مشروعة“ بل كانت للأسف عاملاً أساسياً لتقسيم المجتمع، وخلّفَت ثقافة الكراهية والانقسامات داخل الجسم الإريتري… وهناك شواهد كثيرة تتعلّق بأسلوب إدارة الملفات الوطنية لاحقاً هي خير دليل على أن هناك ”انحرافاً ما عن مبادئ الوطن“ بل وحتى عن مبادئ تنظيم الجبهة الشعبية وعن طموحات الدولة الإريترية لاحقاً قد حصل فيه إنحرافاً كلياً للمبادئ… ذلك التنظيم الثّوري الذي كان في بدايات عمره يبدوا وكأنه بامتلاكه للإرث الثّوري الرّائع والمشرّف كان مفخرة معظم الإريتريين لولا ما لحق تلكم الإنجازات من الفشل الذريع المتعدد الجوانب في طريقة إدارة ما بعد مرحلة التحرّر الوطني وبناء الدولة الحديثة.

لذا فإن دعوة الضمائر الحيّة هي رسالة كل شريف يبغض الظّلم… وكما يٌقال إن امتلاك الانسان للضمير شيء بينما استعماله هو شيء آخر، ولهذا فلقد شبّه مؤرخ الفلسفة النرويجي يوستن جاردر الضمير بعضلة من عضلات الجسم.. إن لم يستخدمها المرء كثيرا ضعفت وبهتت؛ وكذلك ضمير الانسان فإنه إن لم يستعمله الإنسان لفترة طويلة ولم يحتكم اليه في كل تصرفاته واختياراته وقراراته فانه يذوي ويضعف ويقل تأثيره علي سلوكيات الإنسان، تماماً كما تضعف اليد التي يهملها صاحبها ولا يستخدمها بنفس الكثرة التي يستخدم بها يده الأخري...

وقبل الأخير؛ علي أحرار إريتريا، وعلى حماة الثّورة، العمل علي إعلاء المبادئ العليا للوطن وإعلاء رفعة المواطن بالدرجة الأولى لأنه ”لا وطن بلا مواطن صحّي معافى حر واعي“… كما علي الدولة التي تفرض الأمر الواقع بالقوّة عليها تقديم سُجناء الرأي وسجناء ”اللا رأي“ فهناك سُجناء آرائهم تخصّهم وقلوبهم وخياراتهم ولم يكن لهم أي رأي سياسي أو طموحات سلطوية فهم أبسط من البسطاء… وعليه يجب؟

• السابق
• التالي