في الذكرى 29 لاستشهاد القائد عثمان عجيب اللغز والجريمة التي تعدد مرتكبوها

بقلم الأستاذ: عثمان صالح ودكروف - عضو المجلس المركزي لجبهة التحرير الأريترية

بسم الله الرحمن الرحيم

تصادف اليوم 2009/11/15م الذكرى (التاسعة والعشرين) لاغتيال

الشهيد القائد عثمان عجيب نائب رئيس اللجنة الثورية ورئيس الدائرة السياسية في جبهة التحرير الارترية - قوات التحرير الشعبية، تلك الجريمة النكراء التي ما زال مرتكبها طليقا بسبب الغموض والتشارك فيها من جهات عديدة.

فقد أفلت الجاني أو الجناة في ظروف لم تكن ترشح أن يفلت فيها مرتكب مثل هذه الجريمة لولم تتعدد الجهات المشاركة فيها، حيث أن الجريمة كبيرة الوزن فأغتيال قائد مثل الشهيد عثمان عجيب ليس بالأمر الهين فهو أحد رموز ومشاهير ومحركي النشاط السياسي في الساحة الارترية لمدة تزيد على العشرة سنوات كما أن الجريمة أرتكبت في وضح النهار وفي منطقة تعد من قلب العاصمة السودانية الخرطوم ومكتظة بالناس وبالحركة الدائبة وفي فندق مأهول بالنزلاء والمرتادين كما أنه ليس من المرجح أن تكون مثل هكذا منطقة بعيدة عن حضور ومراقبة السلطات أو بعيدة عن ارتياد الارتريين من مؤيدين وخصوم وبطبيعة الحال عدم استبعاد العدو، كل ذلك ما كان يرشح أن يفلت مرتكب تلك الجريمة إن لم تكن بالإشتراك في أغلب الظن. إن كان الأمر كذلك ستبقى جريمة اغتيال عثمان عجيب حية ومرة على مر الزمان، وسيبقى حق أهله ورفاقه في معرفة الجناة حيا كذلك يتجدد مع مرور الأيام.

من صاحب المصلحة في أغتياله ؟

لا نبالغ لو قلنا أن عثمان عجيب كان منذ إلتحاقه بالساحة ضابطا متقد الذكاء ومبادرا ويتميز بقدر كبير من الشجاعة وكان فاعلا في كل التطورات الهامة التي شهدتها جبهة التحرير الارترية بسبب افرازات نظام المناطق وامتدادات صراعاته مرورا بمؤتمر (أدوبحا) وإفرازاته على الجبهة وامتداد الصراعات على كل المستويات والانشقاقات ونشوء التنظيمات وما جره على الساحة من الاقتتال بين رفاق السلاح وأصحاب القضية والهدف الواحد.

من هنا وبسبب تدني الوعي وقلة التجربة على الساحة في ذلك الوقت ذهبت الخلافات الى شوط بعيد فخلقت الخصومات في صفوف المناضلين بل العداوات أحيانا وفي هذا تحضرني رواية لأحد رفاقه (1)

إذ يقول: بينما كنا جلوس يعني - بعض قيادات وكوادر قوات التحرير الشعبية - في إحدى أمسيات العام 1973م في بيروت في جلسة من بين حضورها أسياس أفورقي وعمارو قال - نيازقي كفلو - وهو مسئول الأمن للجبهة الشعبية لفترة طويلة من عهدي الثورة والدولة موجها كلامه الى الشهيد بالتجرنية: إسمع ياود عجيب كنتم تقولون أن العربة لا يمكن أن تسير بدون عينين إثنتين ولكننا سوف نريكم أنها تسير بدونهما - انتهى كلم نيازقي أو قل تهديده - وينقل الراوي أن عجيب فهم قصده ورد عليه في الحال بالقول إذا كنت تقصد (كداني وكفلاي) (2)

فأنا شخصيا لم أقل هذا ولكنني أتحمل مسئوليتي فيهما في إطار المسئولية الجماعية لأعضاء القيادة العامة وأضاف الراوي: "أن عمارو قال لي (للراوي) بعد انفضاض الجلسة أنا الليلة عجبني رد عثمان عجيب على نيازقي كفلو فرددت عليه بالقول ولماذا لم ترد أنت على نيازقي أو تقل رأيك في الموضوع ولا سيما أن الأمر كان يعنيك باعتبارك كنت عضوا في القيادة العامة التي عناها نيازقي في كلامه الى عجيب ولم يرد علي" (ربما لخوفه من الاصطدام بصاحب الفكرة الأصلي أسياس أفورقي الجالس إلى جواره) - ما بين الهلالين تعليق مني.

علاوة على دخول تجاذبات قوى إقليمية ودولية الى حيز التأثير في الحركة السياسية الارترية، كل هذا يضاف الى دور الإستعمار الأثيوبي المحتمل في استهداف قادة العمل الثوري.

وعليه من المحتمل أن يكون قائد طموح وصاحب مواقف وآراء واضحة من مجمل القضايا التي كانت تتفاعل في الثورة حينها أن يكون هدفا من العديد من الأطراف ويتعرض للتصفية من قبل آخرين من غير العدو ممن يرون أن مصالحهم تتعارض مع ماكان معروفا عن عجيب من قناعات وفي هذا يشار الى أن عجيب يرحمه الله كان يعلن عن انتمائه العروبي وسعيه الى تكريس العلاقة العضوية بين ارتريا والأمة العربية وتثبيت عروبة ارتريا وهذا كان في حينه أسخن عناصر الصراع الفكري والسياسي بين الداعين الى دولة لاتنتمي الى أحد والركون الى الدعوة لما يسمى الأفريقانية هروبا من العروبة (المسيحيون والشيوعيون ولكل منهما غرضه) وبين تيار (عروبي إسلامي) كان يتلمس طريقه بصعوبة وفي أجواء غير ملائمة وعراقيل ومؤآمرات ضدهما.

كما أن هناك من لايستبعد ضلوع مخابرات نظام الخرطوم في حينه في المؤآمرة على حياة عثمان عجيب وقد خبروه وتابعوه لسنوات عن قرب عندما كان ممثلا للقيادة العامة لجيش التحرير في الخرطوم. وما أدل على تكامل الأدوار في إغتيال عجيب من هذا الغموض المحزن الذي أفضى الى مايشبه الجريمة الكاملة حتى الآن.

ومهما لف الجريمة من غموض فإن التجارب تقول سوف تظهر الحقيقة يوما ولكن الذي ينبغي تأكيده أن الهدف من اغتياله كان سياسيا بامتياز وربما أرادت الجهات التي خططت للاغتيال الوقوف بحزم أمام تنامي التيار العروبي من خلال تغييب الشخصية القيادية الأبرز له على الساحة السياسية الارترية ولا سيما بعد أن إتضحت الهوية السياسية للتنظيم (اللجنة الثورية) الذي تمخضت عنه الخلافات داخل قوات التحرير الشعبية.

وعلى هذا فان المتواجدين على مسرح الجريمة يومها قد يكونون إرتريين وغير إرتريين، وقد تكون جهات بحجم وقدرة الثورة الارترية وقد تكون جهات أكبر قدرة وإمكانات من فصائل الثورة نعم قد يكون تحقق من وراء أغتيال عثمان عجيب هدف أكثر من جهة تعاونت جميعها في إخفاء الجناة والتغطية على الجريمة، وبالمقابل فإن إرتريا وثورتها خسرت خسارة كبيرة بترجل قائد مثل عثمان عجيب، كما ان الصراع المصيري في ارتريا بين العروبة والاسلام من جهة وأضدادهما من كل حدب وصوب من جهة أخرى قد تضرر بفقدان جندي مخلص وقائد فذ وقد سجل التاريخ على لسان من عاش وناضل معه (3)

يوم تأبينه أنه كان يقول دائما (أنا لا أخشى الموت ولكن ما يحزنني أنني لا أملك إلا روحا واحدة لكي أضحي بها من أجل إرتريا) فالأيدي التي استهدفت عجيب نفذت جريمة لجهات أدركت جوهر الصراع في إرتريا بين هذين الاتجاهين وما عليه الواقع والأدلة القائمة اليوم يؤكد ذلك أيضا، فالعروبة والاسلام والخصومة معهما هي حقيقة المعركة وقاعدة النضال في مواجهة مشروع عزل إرتريا وسلخها عن عمقها الطبيعي الذي تنفذه جهات متعددة ومتحدة في السعي لإيجاد قاعدة معادية للعروبة والاسلام في إرتريا.

كم هي خسارة أن تفقد ارتريا مثل هذا الإبن الوفي وهي أحوج ما تكون إليه. ورغم فداحة الخسارة على المستوى الشخصي باغتياله لكن على المستوى السياسي والمؤسسي فإن الأيام قد أثبتت أن قاتل عجيب لم يقتل معه أفكاره وقناعاته التي آمن بها ودافع عنها فبقى التيار العروبي وصمد في وجه كل المؤآمرات وتجاوز العراقيل التي واجهته وتكالب الأعداء فبقى عجيب نبراسا يضيئ الدرب لمن بعده وأنبتت الأم والأرض مخلصين يدافعون عن الحلم والطموح والفجر يناضلون من أجل ذات المبادئ والأهداف فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. فرحمة الله على الشهيد عثمان عجيب ومن سبقه ومن لحقهم ومن سيلحقهم على الدرب أجمعين من شهداء الوطن والمبادئ.

هوامش:

(1) المناضل الاستاذ صالح شاتر

(2) أعدما في عهد القيادة العامة

(3) كلمة أبوبكر محمد جمع/ رئيس التنظيم وقتذاك في أربعينية الشهيد عجيب

Top
X

Right Click

No Right Click