مقتل محمد صالح محمد حقوس وسادية الدكتاتور اساياس افوَرق
بقلم الأستاذ: نبيّ فري شاول
أنا مدين لصديقي العزيز محمد لكتابة هذه السطور من الذكريات التي وللأسف تنشر باستخدام اسم مستعار.
جمعتني بمحمد علاقة وطيدة جدا، وقد أمضينا معاً الكثير من الوقت نتحدث بحرية للثقة المطلقة فيما بيننا. ويمكنني القول أنه لم تكن بيني وبينه أسرار.
لثلاثة أشهر تقريبا منذ موت محمد المأساوي وأنا، مثل كثيرين آخرين، مررت بكوابيس حقيقية... من قتل محمد؟ وما الفائدة التي يرجوها أي شخص من قتله؟. سبرت أغوار ذاكرة المناقشات الحامية التي جرت بيني وبينه، وحاولت فك طلاسم بعض الشواهد والقصص التي سمعتها منه. وقد توصلت في نهاية المطاف إلى استنتاج بأن رئيس المافيا الإريترية الدكتاتور (اساياس) كان حاضرا في غرفة جريمة القتل يستمتع بمشاهدة عملية اغتيال محمد على أيدي حرسه الشخصي.
الحكومة السويسرية تكرم محمد:
قبل نحو أربعة أشهر من اغتياله، رشحت الحكومة السويسرية محمداً لتعيينه قنصلاً فخرياً لها لدى إرتريا ابتداءً من سبتمبر 2008م وذلك لما يتمتع به الرجل من نبل ودايناميكية. إجراءات تعيين القنصل الفخري تتطلب موافقة وزارة خارجية البلد المضيف. حسنا، إلا في إريتريا حيث تحال مثل هذه الطلبات للرئيس. وقد كان هنالك طلب مماثل تقدمت به السويد، لتعيين مواطن إريتري آخر قنصلاً فخرياً لها لدى إرتريا. تمت الموافقة على الفور على طلب السويد من قبل الدكتاتور، فكان ذلك مبعث دهشة واستغراب بالنسبة إليَّ ومحمد، لتأخر الموافقة على طلبه، ولكنه لم يجعلنا نخمن ماذا يدور في عقل الرئيس المصاب بالملاريا وبجنون العظمة.
محمد و(اساياس) في مصوع:
أسرَّ إلي محمد قبل نحو شهرين من جريمة اغتياله بما حدث بينه والدكتاتور. كان محمد قد ذهب إلى مصوع لعطلة نهاية الأسبوع حيث جمعتهما جلسة مع جيمس (برهي)... سارق بنك ومدمن مخدرات وصديق للرئيس. يعلم رئيس المافيا وفرقة الموت المرافقة له من هو الداخل إلى مصوع والخارج منها. ففي مستهل ذلك المساء كان الدكتاتور يتناول الخمر بمفرده وقد تملكه مزاجاً لممارسة ألاعيبه السادية، فأرسل اثنين من حرسه الشخصي، تسفالدت (طويل القامة) وبرخت (قصير ووافر الجسم) لإحضار محمد وجيمس للانضمام إليه. وقال لهم (اساياس): "اجعلوا الأمر يبدو وكأنه إلقاء قبض"؟!!!.
جاء تسفالدت بمظهره الصارم إلى حيث يجلس محمد وجيمس، وأمر محمد ليأتي معه وكأنه مطلوب. كاد محمد أن يصاب بسكة قلبية لولا تدخل برخت وإخبارهما بأنها مجرد مزحة!!! وأن عليهما الذهاب فوراً إلى حيث يتواجد الرئيس والانضمام إليه. ولأنها ستكون المرة الأولى لمحمد للجلوس مع (اساياس) فلذلك كان مرتبكاً نوعاً ما.
حين وصل محمد وجيمس كان الديكتاتور قد انتهى من شرب نصف زجاجة الويسكي. كان جيمس يتحدث بحيوية وفكاهة. استمتع الدكتاتور بتلك الرفقة. إلا أنه وبعد أن خيم الصمت لبرهة من الوقت بدأ (اساياس) في معقابة جليسيه عقاباً نفسياً. لم يدر بخلد محمد بأن هذه الليلة ستكون طويلة ومعقدَّة إلى هذا الحد. كان الدكتاتور بارعاً في ممارسة لعبته السادية. حدثني محمد كيف أن (اساياس) قد أوصله إلى حافة انهيار عصبي في تلك الليلة بوجهه القبيح وابتساماته الساخرة، ونظراته الإجرامية وحديثه المبتذل. ومنذ تلك التجربة السيئة ظل محمد في حيرة من أمره وتساؤل دائم: لماذا تعامل معه الرئيس بهذه الطريقة؟.
وبعد أيام كان على محمد السفر مع الوزيرة (اسكالو منقريوس) لمؤتمر منظمة العمل الدولية. ولأنني استمعت إلى قصة لقاء مصوع قبل سفره، يؤسفني الآن أن أشعر بالذنب لعدم تقديم المشورة لمحمد بألا يعود إلى البلاد من تلك السفرة، لأنني اعرف العلامة التجارية لسادية الدكتاتور وكيف يتلذذ بممارستها قبل القضاء على ضحيته. إنه يجد المتعة في مشاهدة شخص يتعرض للإذلال أمامه قبل أن يزيله من الوجود إلى الأبد.
محمد والتلفزيون الإرتري Eri-TV:
بعد ثلاثة أيام من عودة محمد من رحلته الخارجية، أمر الدكتاتور وزير دعايته (وزير الإعلام) لإذاعة برنامج وثائقي يسلط الضوء على مصنع البحر الأحمر للصابون (المصنع ملك محمد صالح وعائلته). تم بث البرنامج على التلفزيون الإرتري Eri-TV قبيل اغتيال محمد بـ 10 أيام. لا زلت غير قادر على فهم المغزى من تقديم محمد ومصنعه للجمهور قبل التخلص منه... لا بد أن يكون لديك عقل مريض ومختل جداً لتفكر مثل (اساياس).
اغتيال محمد صالح:
في مساء يوم الثلاثاء 1 يوليو 2008م، أصدر (اساياس) تعليماته لفرقة الموت الإجرامية، والتي تتكون من حرسه الشخصي (تسفالدت، برخت، أمانئيل، و ديبيت) لإحضار محمد إلى غرفة الموت الكائنة في سرداب (فيلا) تقع على الطريق المؤدي إلى مدينة مصوع. على الأرجح، نفذ القتلة جريمتهم بوجود رئيسهم ثم قادوا سيارة محمد مع جثته إلى طريق مصوع ودفعوا السيارة وبداخلها جثة صاحبها إلى هاوية أسفل الجبال.
وجب علينا، أصدقاء محمد وعائلته، أن نشكر الله على أن جثة محمد قد تم العثور عليها في وقت مبكر وعلى مقربة من حافة الهاوية. إذْ أنه ووفقاً لخطة الديكتاتور المختل كان ينبغي أن تهوي جثة محمد إلى مئات الأمتار في قاع إحدى التلال فتلتهمها الضباع. حتى يومنا هذا وربما للأبد، لاعتبرنا محمداً قد خرج إلى مكان غير معلوم، واختفى. وبذلك كانت ستكون خسارتان، فقده وجهل مصيره.
عندما انتشر النبأ المفجع بوفاة محمد يوم الأربعاء 2 يوليو، شرع وزير الدعاية، علي عبده، في العمل على إعداد مادة إعلامية عن محمد، الذي كانت له المكانة والاحترام عند المسئولين الحكوميين بما في ذلك عند من يسمّون بالوزراء، ومسئولي حزب (هقدف) وجنرالات الجيش. إلا أنه، وفجأة، أدرك أن مكتب الرئيس كان هادئً وغير مبال بالخبر الذي كانت قد اهتزت له أسمرا بأكملها. وبعد بحث الأمر مع مكتب الديكتاتور، علم علي عبده بأنه ينبغي التعتيم الكامل على هذه القضية وتجاهلها لأن الديكتاتور لا يرغب في مشاهدة تمجيد شخص قد تخلـَّص منه لتوه. وعليه أن يتظاهر كأنَّ شيئاً لم يحدث على الرغم من معرفته للرجل الذي قام التلفزيون باستضافته باعتباره من رواد الصناعة الإرترية قبل 10 أيام فقط من اغتياله، كما أدرك أن لرئيسه علاقة بما حدث.
الشرطة والمستشفى اللتان بدأتا في التحقيقات عن أسباب الوفاة فوجئتا بصدور التعليمات بإيقاف التحقيق في الحادثة وانه ينبغي إبقاء النتائج الأولية التي تم الحصول عليها في المرحلة الأولى من التحقيق طي الكتمان.
أساليب (اساياس):
كنت في منزل أسرة الفقيد أيام تلقي التعازي، وقد حضر زبانية نظام (اساياس) لتقديم العزاء بما فيهم الزوجة الرسمية للدكتاتور كانت هي الأخرى هناك. يغلب على الديكتاتور (اساياس) طبع الحسد إزاء من يعتقد أنه يتألق ويظهر عليه ويجعله حقيراً أمام الناس. لذلك أمر بقتل محمد فنفذ القتلة أمره بحذافيره.
يتّبِع الديكتاتور السادي عديد من الوسائل لمعاقبة الذين اكتسبوا احترام ورضى الجماهير للإنجازات التي حققوها في مختلف مجالات الحياة. بعضهم يخفيه في غياهب السجون. ومع الآخرين، مثلي وصديقي الحميم محمد، يسعى إلى التفريق بينهم وبين زوجاتهم ليسبب بؤساً في حياتهم الشخصية. وبعضٌ آخر يقتلهم بالسُّم، ويجعل الأمر يبدو كأنَّه موت طبيعي.
عاقبه الله بما يستحق من عقاب على أفعاله الشريرة. وأرجو من الله أن يضع نهاية لحياة البؤس التي يعيشها الشعب الإرتري المغلوب على أمره.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.