قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة الخامسه
بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر
إن المذكرات التي يكتبها السياسيون هي شهادات متأخرة وكثيراً ما تخلو من الموضوعية
وتنحو لتبرئة الذات، وليست توثيق أمين لمرحلة محددة ليجد فيها الجيل اللاحق ما يهدية على طريق خدمة وطنه.
حزب العمل الديمقراطي:
يعتبر الأستاذ أبراهيم أول من أطل من قيادة حزب العمل ليسلط الضوء على حزب كان من المؤسسين والفاعلين فيه كما هو معروف واكد هو على ذلك وقصة الحزب تذكرني بواحدة من قصص الأحزاب التي تنشأ هكذا لرغبة بعض النخب دون أن تكون لها حاجة وطنية ملحة وكان بالإمكان إقتراح كلما يخطر من مخارج لأزمة الثورة دون الحاجة له، فالثورة في ذاتها حزب واسع له منظومة أهدافه ومقاصده وهي بطبيعتها ثورية الاهداف والمقاصد وتعمل لمصالح الجموع الواسعة من الشعب وهي في غالبها في حالة الشعب الارتري جموع فقيرة من الفلاحين والرعاة وعمال الزراعة والأعمال الحرفية الصغيرة وهذه قوى تندرج حكماً بين القوى التي يستهدفها اليسار وكل دعاة العدل والانصاف، ولكم القصة يقال:
أن حزبا شيوعياً نشأ في إحدى البلدان العربية ولم يجد الحزب الأدبيات التي يثقف بها عضوية وتفتق ذهن القيادة الرشيدة بتثيقيف أولئك الأعضاء بكتيبات الأخوان المسلمين وعموم أدبيات الإسلاميين وقصص آل ياسر وبلال بن رباح وأباذر الغفاري رضي الله عنه والإمام علي كرم الله وجهه وكان هو المتاح أمامهم، وهنا سارت القيادة بإتجاه وسارت العضوية بالإتجاه المعاكس وهكذا إستحق لقب حزب شيوعي ظهره للحائط.
كان الفيتناميون في بعض المناطق الريفية يتمثلون تقاليد المجتمع أزيائه مأكله عاداته وتقاليدة ومنظومته القيمية يندمجون به ليأخذوه بالتدريج نحو منظومة الأهداف التي يريدون وهو مجتمع بوذي المعتقد ومن المتشددين في بوذيتهم والجميع يعرف تعلق شعوب آسيا بعقائدها بصرف النظر عن علاقتها بالعقل وعلى كل ليس بالعقل وحده يقوم أمر المعتقدات والأديان، وهم كانوا شيوعيين أقحاح عديل كده أو تقليدين كما يحلو للأستاذ قوله، أما نحن فكانت مدرسة الكادر عندنا تدرس النظريات السياسية مع شيئ من التحيز، ومن بين ما كانوا يدرسونه نظرية النشوء والتطور لداروين والتي تتحدث عن أن أصل الانسان قرد وهو قرد تطور عن بني جلدته من القردة الآخرين أو ما أطلق عليه التطور بالصدفة أو الطفرة، وجمع المكتب السياسي مناضلين كثربهدف إعطائهم دورة سياسية لترقية تفكيرهم وأدائهم والقصد لاغبار عليه، وبدأت الدورة التي درست الكثير من النظريات السياسية ومن بينها نظرية داروين وأخذ يتحدث عنها الكادر وكأنها الحقيقة المطلقة، بل وكأنه هو داروين بشحمه ولحمه يشرح نظريته وبعدما إنتهت المحاضرة نهض الشهيد عافة حمد وهو أحد المناضلين القدامي وذكر الكادر قائلاً إذاً نحن أحفاد تلك القردة، ونهض غاضباً وقال مادام القرد يتطور فلماذا نقتل أبناء إرتريا لماذا لاتطور الجبهة قرود منطقة بنبنا وتقاتل بها إثيوبيا؟ لماذا نقتل أبناء إرتريا؟ لماذا لاتطوروا قرود بنبنا!!!؟؟؟ وغادر المكان غاضباً وهو يقول قالوا جدودنا قرود.
نحن كنا في قمة كوادرنا نتأفف من مجتمعنا الذي نريد تغيره وكنا نصفه بشتى أنواع النعوت (سحبتي جمل، جلفافتات، قمالتات، متخلفين، جهلة)، نحن كنا ولانزال في أبراج عالية نريد لمجتمعنا أن يصعد إلينا لا أن ننزل نحن ونأخذ بيده نعلمه ونتعلم منه، لهذا تحولت الاحزاب عندنا من قوة طليعة وتنوير و قائدة للشعب إلى أدوات إستقواء ووصول لسدة السلطة ومراكز التأثيرفي قرار ومسار الثورة، ومحطة لتشكيل مراكز القوة، كانت مجرد رافعة للتسلق لسدة القيادة، وكم رفع من ليس أهلاً لا خلقة ولا أخلاق فقط لأنه حزبي، وكم حورب من هو أهلاً لمجرد أنه ليس عضواً بالحزب العتيد هذا أو ذاك!!!
ولا أشك للحظة في حسن نوايا أولئك المؤسسين وهم بدؤوا فكرتهم بحسن نية ، بهدف إصلاح مجريات الأمور في الجبهة ، كان كل الغرض عندهم إخراج الثورة من مأزقها وكانوا تحت تأثير القراءات والثورات التحررية في العالم الثالث ، والتي كانت في مواجهة مباشرة مع الامبريالية وبالطبع من يؤمل أن يكون بجانبهم ، هم قوى اليسار عدو الإمبريالية اللدود ، كانوا مأخذوين بمقولات لاثورة بدون نظرية ثورية وهي مقولات لها جاذبيتها وسحرها في ذلك الوقت ، وكان لليسار سحره كفكر وكسند لحركات التحرر الوطني ، فلا غرابة إذاً أن يتبنوا الايديولوجية اليسارية
إلا أن ما ينبغي الاشارة إليه أن مواقف أهل اليسار في غالبهم من قضية شعبنا الوطنية كان مذبذباً ثم معادياً للثورة والقضية الارترية ، وتعمق ذلك الموقف المتردد عقب إنقلاب المجلس العسكري في إثيوبيا وكنا نحن في نظر موسكو مجرد أقوام لم نرتق لمصاف الشعوب وهذا ما كان ينشر بجريدة الأزمنة الحديثة وتحت هذا المبرر قاتلونا بجانب الدرق وربما كان جيش التحرير الذي كان يقوده الأستاذ ورفاقه كان أكثر من عد صواريخ وقنابل الرفاق وهي تمزق لحم رجاله وشعبه، وفي حالتنا أي حزب العمل كان الفكر الماركسي اللينيني ولكن السؤال للأستاذ هل نبعت فكرة الايديولوجية عن دراسة عميقة للواقع الارتري؟ لحاجته المرحلية وطبيعة الثورة كحركة تحرر وطني وحاجتها لطاقات كل الشعب بمختلف شرائحه وطبقاته ولكل ألوان الاسناد الإقليمي والدولي، أم أنها كانت لمجرد التأثر والتقليد وسحر اليسار وموضة العصر في ذلك الوقت، تماماً كما فعلنا ونقلنا فكرة المناطق من الجزائر وإن كان النقل في حد ذاته ليس عيباً ولكنه بدى فيما كتب الأستاذ بأنه تقليد أعمى (حالة المناطق) وتقليد ربما حميد في حالة الحزب وأيديولوجيته، ثم أن الماركسية فكر جوهره الاقتصاد وقانون رأس المال ودورته المعقدة ومتكأه النظري بجانب كتاب رأس المال كتابي المادية التاريخية والمادية الجدلية ومتفرعاتها، وهو يحتاج عناصر مؤهلة بدرجة عالية لتستوعب مقاصده، فهل كنا بذلك المستوى؟ وهل كان هناك رهط مؤهل قل أو كثر لإنزال تلك النظرية لميدان الواقع وظروف المجتمع الارتري وإجترح منها تنظير لتلبية حاجته في تلك المرحلة أي له قدرة التدرج حسب مقتضى القضية المركزية الأهم، أم أن الأمر كان مجرد تقليد لموضة طاغية، على كل حال تطرق الاستاذ لحزب العمل وهو الحزب الذي أثار الكثير من الضجيج وشغل الناس وأهل الجبهة بين الاقرار والانكار حزب إحتكر الجبهة بدرجة واسعة، وما كتبه الأستاذ يعد توثيقاً، لهذا كان الأجدى به أن يتطرق لتفاصيل مركزية مهمة لإعطاء صورة عن حزب العمل، ولكن الأستاذ إبراهيم ومنذ البداية تجاوز عن ذكر المجموعة الأولى المؤسسة للحزب بصرف النظر عن مواقفها اللاحقة، ولماذا كانت تلك المواقف؟ وكما يقال أن أحد أمناء الحزب العاميين ترك الحزب وهو في موقع الآمين العام، أما التحجج بأنهم لم يواصلوا المسيرة فهذا غير مقبول مادام الأمر أمر توثيق، ومادام الحزب نفسه قد تلاشى فلا داعي للتوثيق وبالتالي ما كان هناك داعي لذكره أصلاً.
الجانب الآخر المحتوى الفكري الذي تبناه الحزب ولايكفى أن يقول الأستاذ حزب يساري وليس كالأحزاب الشيوعية التقليدية، ومحتوى الفكر تسلط عليه الأضواء برامج الحزب وخاصة البرنامج السياسي، وكان من الأفضل التطرق لما تبناه من برامج وكانت مقدمة أي برنامج كافيه لمعرفة هوية الحزب ومقاصده ويبقى السؤال هل تبنى هؤلاء مقولات وأفكار الماركسية اللينينة في حياتهم اليومية وعلاقاتهم الانسانية مع المناضلين ومع رفاقهم في صدقيتهم، هل كانوا طليعة حقيقة ومثال أحبه الناس وخاصة المناضلين البسطاء أم كانوا نخبة متعالية تغلق عليها أبواب الحجرات وتتأفف من الناس همها التوصيف وتوزيع بطاقات التقدمية والرجعية، وعلى كل حال ذكر الأستاذ أن الحزب شخص أبعاد الأزمة في الجبهة وأدرجها في ثلاث مستويات (1) في مستوى التنظيم (2) في مستوى البعد الوطني (3) في مستوى إسترتيجية الخروج من الأزمة.
وكثير من النقاط التي طرحها الحزب كانت مطالب لحركة الاصلاح وحركة جيش التحرير وكل الذي فعله الحزب أنه نظم تلك المطالب في برنامج عمل مرتب ومحدد الأهداف ومتدرج الخطوات التطبيفية وأعطاها قوة دفع وهذا جيد جداً.
كانت جبهة التحرير الارترية تنظيم لإنجاز مهمة وطنية تاريخية عامة لكل الارتريين وبهذه الصفة كان تنظيماً مفتوحاً أمام كل الارتريين بمختلف مشاربهم الاجتماعية والثقافية والجهوية وهو تنظيم وإن أسسه البعض إلا أنه ولطبيعة ما تبني من أهداف عامة كان لكل الارتريين، ولاتوجد فيه عوائق أو كوابح تمنع من أراد النضال للالتحاق به، ولهذا جمع لفيف واسع من أبناء إرتريا وبروز حزب العمل داخل التنظيم كحزب سري والتنظيم لم يمض على وجوده أكثر من ستة أعوام، وهذا الحزب وعندما كشف أمره أشعل أوار التنافس بين كوادر التنظيم فبرزت إتجاهات بعضها قومي (البعث - الناصريين) واخرى إسلامية (حركة الرواد المسلمين) وأخيراً ماوى (المجموعة الماوية) وكانت الحركات السرية تتناسل بمتوالية هندسية.
سيطر حزب العمل على جبهة التحرير الأرترية وإستفاد مما أدخله في البرنامج من تعديلات وخاصة أمر منع التكتلات داخل التنظيم لانها تهدد روح العمل الجماعي ووحدة البناء التنظيمي الضرورية لبناء تنظيم متماسك، إلا أن الحزب ولوجوده في قيادة التنظيم إستفاد من هذه النقاط لضرب خصومه الذين أسسوا تكتلاتهم السرية إسوة به التكتلات التي ضربت تباعاً، مما دفع البعض للابتعاد عن الجبهة التي ساهموا في توطيد دعائمها على الساحة الارترية.
إذاً حرض حزب العمل الديمقراطي الآخرين بعد أن تمترس وراء قوة الجبهة كحركة تحرير وطني عبرت عن أشواق شعبنا في إرتريا، وإستغل بعض مواقع كوادره القيادية النافذة، ودفع هذا الوضع الآخرين للبحث عن قوة إسناد تقوى من مواقفهم بما فيها البحث عن دول بتبني أيديولوجياتها الحاكمة، وبدأت آلة تصنيف الناس يمين يسار قبلي جهوى ديني تفعل فعلها داخل التنظيم، بل وإمتد أثرها للتشويش على علاقات الجبهة الخارجية بوصفها حركة تحرر وطني رغم ضيق ساحة حركتها إلا أنه قزمها وضيقها أكثر بعد أن صبغت بلونية محددة في نظر الآخرين، وكانت صفات الرجعية والتقدمية التي تطلق على الدول معول هدم ونخر آخر في جدار علاقات الجبهة الخارجية كحركة تحرر وطني يحكمها موقف الدول من قضية شعبنا الوطنية العادلة، ثم كان موضوع تصنيف الجبهة في خندق وقالب أيديولوجي معول تضيق آخر، كما كان للبيان والكلمة في ندوة تأبين كمال جمبلاط في بيروت وتوصيف نظام الدرق بالتقدمي أداة أخرى بيد خصوم الجبهة لبث المزيد من الدعاية، وهنا نسيت قيادة الحزب المبهورة بمقولات الماركسية وأدبيات اليسار أنها تقود حركة تحرر وطني لها منطقها المختلف عن منطق حزب يساري يعمل في دولة متحررة من الاستعمار، وهذا الخلط كان واحدة من معاول هدم علاقات الجبهة الخارجية والتضيق عليها، يضاف إليها الممارسات العملية في الميدان التي كانت اداة تنفير إضافية ضعضعت الجبهة الداخلية وهيأت المسرح أمام خصومها.
خلق الحزب إزدواجية في الولاء للجبهة وبرنامجها واهدافها وقيادتها العلنية والحزب وبرنامجه وقيادته السرية، كما خلق حالة من التوجس والشكوك وفقدان الثقة بين المناضلين، واوجد الحزب من وجهة عملية آليتين للتوجيه - آلية قيادة الجبهة العلنية - وآلية قيادة الحزب وبرز سؤال من يقود الجبهة؟ هل هي اللجنة التنفيذية أم المكتب القيادي لحزب العمل؟، كما غيب دور المجلس الثوري كقيادة تشريعية للجبهة وإستعاضوا عنه باللجنة المركزية السرية للحزب، وليست العبرة بسهولة الإنتماء للحزب، ولكن العبرة بمضمون هذا الانتماء والالتزامات والقيود التي يفرضها على العضو، وحتى النقاط الثلاث الواجب توفرها لنيل شرف العضوية التي ذكرها الاستاذ ليست بهذه البساطة التي طرحها، هي شروط مطاطة قابلة للتفسير بكل الأوجه من القيادة التي تصادق على طلب القبول، وحتى شرط اليسار أو عدم معاداته فهذا قيد سابق للتربية الحزبية.
لتقيم أي حزب سياسي وتوصيفه فلا بد من معرفة برنامجه السياسي الذي يحدد أيديولوجيته، والبرنامج التنظيمي الذي يحدد الصلاحيات، الحقوق والواجبات، ثم الأعمال اليومية ومدي تقيدها بالأسس والخط الأيديولوجي الذي تبناه الحزب، وفي حالة حزب العمل فإن البرنامج السياسي الذي تبناه الحزب يؤكد بأنه حزب ماركسي لينيني، ولهذا فإن عبارات الاستاذ إبراهيم بأن حزبهم حزب وطني يساري لاقيمة لها فهي تحصيل حاصل.
وإذا كان الغرض من تأسيس الحزب الارتقاء بصراعات الجبهة الجوانبية من صراع العصبيات القبلية والاقليمية والشخصية إلى صراع فكري سياسي عقلاني... وصولاً لإخراج الجبهة والثورة من مستنقعها الذي غرقت فيه ومحاولة لطرح فكر جديد، فهل حقق الحزب أهدافه التي طرحها الأستاذ أم أجج التناقضات داخل جسم الجبهة نفسها قبل أن يصل لمعالجة معضلة الثورة وتناقضها؟ هل كان الحزب أداة تغيير أم أداة تنفير وأداة إستقواء في مواجهة الآخرين الذين لا يشاطرونه في المحتوى الايديولوجي وهم الشركاء في التنظيم الوطني؟.
في حدود ما هو ماثل أمامي وبصرف النظر عن معرفتنا لعضوية الحزب وحجمها الكلي من عضوية الجبهة والقيادة والجانب النظري والجوانب العملية للممارسة وإنسجامها مع ما طرح أو تناقضها معه فإن الحزب أفاد الجبهة وأضرها في آن معاً وفي تقديري كان أشبه بالدجاجة التي تبني وتهد ما بنت لتبني مرة أخرى وتهد، والحزب لم يحافظ على بنية الجبهة التي ورثها من الآباء المؤسسين بل فقد عناصر أساسية من عضويته ومن بينها أحد أمنائه العامين وربما شملته مقولتهم الشهيرة للتحلل من المسؤولية سقط من قطار الثورة.
أما قول الاستاذ أن الحزب لم يتدخل في العمل القيادي السياسي لجبهة التحرير الارترية، وكان فقط دور الحزب رسم الخط السياسي العام للجبهة والتربية الوطنية والتوجيه السياسي وإعداد الوثائق للمؤتمرات العامة وإعداد قائمة أسماء المرشحين للقيادة سواء من الحزب أو من خارجه؟
إذًاً ماذا ترك الحزب لقيادة الجبهة التي لايتدخل في أمرها!!!
ونسي الأستاذ أمر الدورات العسكرية والسياسية والتأهيلية الداخلية والخارجية وامر ترشيح من ينبغي أن يكون.
إذا ماذا ترك الحزب لقيادة الجبهة (اللجنة التنفيذية) عجباً يا أستاذ أبعد ما ذكرت تقول ان الحزب لم يكن يتدخل في العمل القيادي، وكان بالأحرى أن تقول العمل اليومي - ويتابع الأستاذ في ملف الحزب ليقول أن الحزب حاز على ثقة الناخبين داخل الجبهة ويقصد المؤتمرات الوطنية العامة.
هل كسب أعضاء الحزب أغلبية القيادة بإعتبارهم أعضاء في الحزب أم لاعتبار نضالاتهم ودورهم في الكفاح ولألوان الرافعات التي نعلمها في العالم الثالث ولما شكله الرفاق المعروفون بالتضحية والريادة بين الشعب من عامل دعاية لهذا النفر او ذاك، هل الحزب كان حزباً علنياً معترفاً به داخل الجبهة لتقول حاز على ثقة الناخبين، وحقيقة الأمر الذي لايرغب الأستاذ في ذكره أن الحزب كان حركة باطنية سرية خفية على المناضلين في كل أبعادها والذي حاز على الأغلبية هم المناضلين الذين كانوا في الصفوف الأمامية للنضال الوطني الارتري في ذلك الوقت أي سمعة هؤلاء المناضلين وكسبهم الشخصي ومكانتهم في نفوس الشعب هي التي حملتهم لسدة القيادة وليس بوصفهم أعضاء في حزب العمل وربما لو علمت تلك العضوية لسببت لهم مشاكل كثيرة وربما لإختلفت الصورة.
أما قول الأستاذ أن الحزب إنتصر على جماعة سبي فهذا ما يضحك فإن كان هنالك نصر فكان لجيش التحرير في الميدان ولكن الشعارات الجوفاء التي أطلقها الحزب (الثورة والثورة المضادة) والبيانات المتعجلة قلبت ذلك النصر العسكري لهزيمة سياسية فصورت الجبهة وكأنها المنشقة والمعتدية وكل ذلك كان بفضل السياسات الصبيانية للحزب العتيد والرفاق، اما في الخارج فكان ميزان القوى يميل لصالح سبي الذي هيمن على الساحة العربية ولفترة طويلة والجبهة لم يبق لها سوى سوريا والعراق الذي خسرناه لاحقاً، ولولا الانتصارات الداوية لجيش التحرير وقصفه لأسمرا وتحريره للمدن وقدوم نظام الدرق ما دخلنا ساحات دول الخليج والسعودية، وحتى جناح شيخ إدريس - قلايدوس فقد بقى في قيادة الجبهة فترة من الوقت ولولا إنسحاب شيخ إدريس في المؤتمر الوطني الثاني من الترشح للقيادة لشتى التقديرات - ثم رفض شيخ إدريس تصدر أي فعل معادي لقيادة الجبهة المنبثقة عن المؤتمر الوطني الثاني بصرف النظر عن مراراته ووجهة نظره الشخصية، وبإعتبار هؤلاء في نظر شيخ إدريس أبنائه كيف يقف في وجههم ولو وقف شيخ إدريس في وجه تلك القيادة تحت مختلف الحجج كما فعل سبي لتمكن شيخ إدريس من خلق تيار عريض ربما كان قد أتى على حزب العمل وتسبب في تلاشيه في وقت مبكر بل وتغيير وجهة الجبهة إلا أن شيخ إدريس رجح مصلحة الشعب والجبهة على آلامه الذاتية وحتى وعندما إعتقل إبنه الأستاذ إبراهيم إدريس محمد آدم صبر وإحتسب وهذا لعمري مثال داوي في تاريخنا الوطني.
لم يأت الأستاذ على ذكر مؤتمرات الحزب وأماناته رغم أنه ذكر أول أمين عام وآخر مؤتمر حزبي في يناير 1980م، كما كان الأفضل لفائدة الأجيال تضمين برنامج الحزب لكتابه، وهو لم يلتفت لمؤتمرات الحزب وتطوره، وكم كان من حيث العضوية في جسم العضوية العامة لجبهة التحرير الأرترية رغم أنه آخر سكرتير للحزب، وإكتفى بالقول أن اللجنة المركزية للحزب عقدت آخر إجتماع لها في مدينة كسلا في سبتمبر 1981م، وهو لم يتطرق لنصاب الاجتماع وطبيعته ونفسيات العضوية وأجندته وما قرره بإعتبار إنعقاده بعد دخول الجبهة للسودان، كما لم يشر لمصير الحزب بعد ذلك والذي تشتتت عضويته وتعمقت تناقضاتها وتهتكت بينها حتى العلاقات الاجتماعية العادية وطفحت على السطح كل المثالب التي إدعى الحزب أنه جاء لمحاربتها والقضاء عليها، ضيع حزب العمل وتناقضات قيادته وكوادره وصراعاتهم تضحيات الشعب الارتري في الجبهة وأخرجها من مسرح الفعل المباشر بل وتمزقت الجبهة إلى أشلاء لاتزال تذروها رياح التيه.
وما ذكره الأستاذ عن الحزب لم يتدخل في عمل قيادة الجبهة فهذا غير صحيح أبداً، ومن المعلوم أن حزب العمل ومكتبه القيادي كان يقود كل شيئ في الجبهة واللجنة التنفيذية لم تكن إلا أداة تنفيذ وتحليل لقرارات الحزب في شتى الميادين، ومنذ عام 1979م إستلم الحزب بنفسه قيادة الجبهة الفعلية المباشرة وخاصة بعد إعلان مبدأ القيادة الجماعية الذي ألقى التسلسل في تنفيذ التوجيهات من الأعلى للأدنى، وطبق ما عرف بمبدأ القيادة الرباعية في كل المستويات، وفي مستوى الجيش كانت القيادة الرباعية تتكون من قائد الوحدة العسكرية، نائبه، المفوض السياسي، المسؤول الأمني، ويستحيل ان يتخذ قرار دون موافقة هؤلاء الأربعة وهنا إنتهت الآوامرية العسكرية، وكانت الأفضلية للمفوض السياسي وهو أداة الحزب المرتبطة مباشرة بالحزب عبر المكتب السياسي.
وما يحزن أن حزب العمل الذي نشأ كحزب سري مغمور وبصرف النظر عن رأي الناس حول آيديولوجيته إتفقوا معها أو إختلفوا أحبوها أم كرهوها، نشأ كحركة سرية إستوعبت غالب الكادر العامل في الجبهة وسيطر بهم عليها، وإذا عرف الناس قصة حزب العمل النشأة فلا أحد يعرف كيف تلاشي وساح كقطعة الثلج المتعرضة لوهج الشمس، كيف تشتت أولئك الرفاق ونشبت بينهم العدائيات وصاروا كأبطال رواية الكاتب الروسي دستوفسكي الجريمة والعقاب أو الاخوة كرامازوف (الإخوة الأعداء) هذا ما لايعرفه الناس.
وقبل الختام أذكر موقفين الأول ذهبت مجموعة من قيادة حزب العمل لمدينة عطبرا للقاء مع أحد الكوادر الأساسية للحزب الشيوعي السوداني وهو الدكتورمحمد إبرهيم كبج الإقتصادي المعروف بهدف عرض برنامجهم السياسي والاستئناس برأيه وبعدما فرغ من مسودة برنامج حزب العمل قال لهم نحن حزب شيوعي عديل ونعمل وسط مجتمع له موروثه الثقافي والحضاري ولا يمكن أن نتبنى مثل هذا البرنامج ونصيحتي لكم وأنتم تقودون حركة تحرر وطني أن تعملوا برنامج يلبي متطلبات شعبكم وقضيتكم ويعزز من إمكان إنتصارها في هذه المرحلة النضالية للشعب الإرتري وشكره الحضور ولما ذهبوا أخذوا يسخرون منه ويقولون قال شيوعي قال!!!
الثانية سأل أحد المناضلين الشهيد عثمان محمد إدريس أبوشنب عما يدور في منطقة السمنار في رأساي فضحك وقال له أنا ما عارف الحاصل شنو لكن الشفتو الناس بالنهار شيوعيين وبالليل قبائل في طول خور رأساي وعرضه ولكم العبرة.
نواصل في الحلقة القادمة...