سمراويت

بقلم الأستاذة: لمياء شمت المصدر: صحيفة الراكوبة

من بين ما يزيد على الثلاثين عملاً روائياً عربياً تنافسياً، تقدمت رواية "سمراويت"، للكاتب والصحفي الإرتيري حجي جابر،

لتفوز بالمرتبة الأولى لفئة الرواية العربية، كما أعلنت الأمانة العامة لجائزة الشارقة للإبداع العربي، في دورتها الخامسة عشرة، للعام 2011-2012. والتي جعلت من بين أهدافها الرئيسية تشجيع الانتاج الأدبي الثقافي، وتحفيز المبدعين في حقول متعددة بجوائز مادية مقدرة، بالإضافة للتكفل بطباعة ونشر الأعمال الفائزة.

وتقع الرواية في 200 صفحة من القطع المتوسط، وتدور أحداثها بين التضاريس الإجتماعية والثقافية للأحياء الشعبية العتيقة لمدينة جدة، والعاصمة الإريترية أسمرا. حيث ينشأ "عمر" الشاب الإريتري، الشخصية المركزية للرواية، ويقضي طفولته وصباه بين حواري وأزقة جدة القديمة، بعبقها الخاص، وتركيبتها الإجتماعية المتساكنة المتسامحة.

وهكذا فأن التقنية السردية تعتمد على المراوحة الدؤوبة بين بيئتين وزمنين، شكلا معاً الخامة البكر للوعي، ولاستمدادات اللاوعي، لتتدفق الحكايا مؤاتية طرية. ولتتنوع دلالات المؤثر الثقافي، بتوظيف مفردات البيئة، واللهجة الجداوية المميزة، ممزوجة بالعامية الإريترية. ولتتنوع الأياقين المشعة بذلك الإرث الثنائي السخي، حيث الاحتفاء بالتراث الحجازي الإريتري، من فلكلور وشعر وغناء، في لقطات مقربة، ترصد التفاصيل اليومية الصغيرة، التي تغرف من بعدها الإنساني، لتنبسط أليفة مؤنسة، "بحيث يصل الشعور مكتملاً بوطنين لا يمكن التمييز أين يبدأ الأول أو أين ينتهي الثاني".

لكن عمر يظل ينبش باصرار في الجهة الثانية لهويته المدمجة، ويرنو لوجه الوطن الغائب الحاضر، ليرفع قلوعه مرتحلاً وقد آنس نوراً على الضفة الأخرى، منقباً عن ملامح وطنه الأم. لتعلو ذبذبات الروح وهو يذهب في موعد باذخ مع الحبيبة الوطن. وحين يطل على المشهد، تتوضح جسامة المفارقة بين الواقع وبين الصورة التي رسمتها دفقات الحنين العارم، لتتشوش الحدود بين الواقعي والمتخيل، فيظهر التجريف الإجتماعي، والاعتلال السياسي والاقتصادي، كندبات وكدمات ناتئة داكنة على وجه الحلم الأثير. وتصاحب عمر في كل ذلك البحث الشاق سمراويت، الشابة الإريترية القادمة من باريس في مهمة استكشافية تطابق مسعى عمر.

ولابد هنا من وقفة عند مسمى الرواية "سمراويت"، الذي يتجاوز صورة الأنثى، كاسم متداول وشائع بين الصبايا الإريتريات، إلى معناه الواسع الذي يختزن طاقات دلالية هائلة، تلامس الحدود القصوى لمعنى الوطن بشجنه وبذخه الرمزي، وبدلالاته الوجدانية العرفانية. في إشارات لحوحة مضطردة لملحمة الشتات الإريتري، الذي يختصر المعنى الكلي للديسابورا، والتشظي الإنساني الباهظ،ولرهق الوجوه السمراء، في غربتها الطويلة، وهي تتأبط أعباء ذكرياتها المتناثرة، وأحلامها المكسورة.

ويتأكد عبر السرد كذلك الحضور الطاغ للمكان، والشغف بتفقد الأمكنة، وتقصي ملامحها، حيث لا ينحصر المكان في كونه ماعون مادي أو حيز جغرافي، بل يعلو ليمتح من دلالته الحضارية، وغوره الوجداني، وحميميته الإنسانية. لذلك فأن الكاتب يتوخى أن يؤكد غير مرة أنه "لا يهرب من جدة بقدر ما يهرب بها"، يهدهدها في دواخله، ويصحبها بحثاً عن صنو وجداني آخر متمدد في الذات. وهو في ذلك التفريغ الإبداعي السردي لا يدون بالضرورة سيرة ذاتية، بقدر ما يمد حسه ليتأمل وجوه الإريتريين من حوله، "حيث تربض ملايين الحكايا"، التي تنتظر من يكتبها.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click