قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة السادسة عشر

بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر

عرفنا أن الأستاذ إبراهيم عبر سريعاً على قصة دخول جبهة التحرير الارترية بكامل قوامها

وأجهزتها وجيشها وإنتشارها على الحدود الارترية السودانية من نقطة كركون وتهدي والجبرت وشللوب وحتى على بعد 100 كيلو متر شمال نقطة كركون خلف مامان وتوقان، كما دخلت مجموعات صغيرة للقرى الحدودية السودانية بمداخل مختلفة بل وتجاوزت جموع أخرى ومن بينها مخترقي الجبهة الشعبية وهم ليسو بالعدد الصغير إلى مدينتي الواجهة في كسلا وأروما وحتى تندلاي، وجمعت تلك الأعداد في جمارك مدينة كسلا ثم عاد ما للجبهة الشعبية أو بالأصح العدد الذي أنهى مهمته في الاختراق والتشويش إلى الساحل بعد أن سلم لمكتب الشعبية في مدينة كسلا كما أشرنا الى ذلك سابقاً، ودخول الجبهة بتلك الكيفية كان منظراً مؤلماً ظل وجعه باقياً في القلوب وعاره يلاحق أؤلئك المناضلين في أحلامهم حتى في مدن الشتات في أرجاء المعمورة، كان كسباً وطنياً بدده الرجال في لحظة فارقة من تاريخنا المؤلم وهي صفحة سيظل وجعها محفوراً في النفوس وفي الذاكرة، ليس سهلاً أن نحملها هكذا بكل بساطة أفراد فكيف بفرد مهما كانت مكانتهم أومكانته، حتى الذين قاتلوا الجبهة وأخرجوها من ديارها بكل تحالفاتهم وإختراقاتهم ينكرون أنهم فعلوا ذلك ويقولون أن الجبهة كانت جسماً مهترئاً وقيادة متناحرة كانت بحاجة لدفع بسيط حتى تسقط وتتفتت ونحن وفرنا عامل الدفع فسقطت بل وما أدهشنا أنها تهشمت أسنانها بل تلاشت. كان يمكن أن تقلقنا لسنوات طويلة أكثر مما فعلت بكثير وربما كانت ستستعيد مكانتها تدريجاً ولكن الذي حدث بها وفيها لم نتوقعه البتة، كان ذلك التفكك العميق وسريان روح الانقسام وتشاكس مكونات الجبهة القوة التي عجلت بهد وتبديد ملاك وكسب الجبهة التاريخي.

وهذه بالقطع دفوعات أرادوا بها التنصل عن المسؤولية التاريخية والأخلاقية والسياسية في سفك دماء مناضلين أرتريين من جيش التحرير الذي علم الناس الكفاح والتضحية بالنفس والنفيس ولأول مرة صهر في بوتقة النضال مكونات الشعب الارتري وجعلها تدفع بإتجاه قضية مصيرة واحدة، وغرس بذرة الوطنية الارترية، ومعركة الشعبية ضد الجبهة بهدف إجتثاثها أفضت للإنفراد بالساحة الارترية ومن ثم تشكيل الوطن الارتري بالصورة الماثلة اليوم، وهذا النهج الانفرادي أنتج الأحادية وسلطة الشمولية والاستبداد الجاثم على صدر شعبنا الارتري والذي أذاقه الويلات وقتل فرحته بالحرية والاستقلال وميلاد الكيان الحلم الذي أنتزع بدماء المناضلين من فك ديناصور الإمبراطورية الأثيوبية وعلى مدار ثلاثة عقود من النضال الدامي، ويهدد اليوم هذا التشكيل والصبغ بلون واحد لوطن متنوع مجتمعاً ومناخاً مستقبل الوطن وبقائه وعيش أبنائه المشترك.

على كل دخلت قوات الجبهة وأجهزتها وهبت السلطات السودانية وأصدرت قرارها المشؤوم بتجريد جيش التحرير الارتري من السلاح أو يغادر أراضيها، وحاولت القيادة أن تجد فرصة من الوقت وذهب وفد للخرطوم من إبراهيم إدريس حامد توتيل وملأكي تخلي وحامد آدم سليمان وفوجئ الوفد بوجود قيادات تنظيمات أخرى مثل آدم صالح شيدلي وأحمد جاسر وهذا جعلهم يفهمون أن قرار التجريد يتعلق بجميع من كان على مداخل الحدود من تنظيمات، وعلم من حضر من الجنرال عمرمحمد الطيب أن القرار يتبع للجيش وزارة الدفاع وهو بيد الجنرال عبد الماجد حامد خليل وزير الدفاع شخصياً، وفهموا أن القرار كان منتهياً، ورغم تسريب القرار قبل التنفيذ بوقت قصير، إلا أن قيادة الجبهة لم تتمكن من إيجاد وقت معقول يمكنها من ترتيب نفسها ومناضليها، لهذا لم يبق أمامها إلا التعامل مع الواقع المر والوقت الضيق الذي منح لها وبقى توتيل في الخرطوم لعمل محاولات أخرى أما باقي الوفد فقد عاد لإتخاذ الخطوات اللازمة، ولهذا شكلت لجنة لتأمين الممتلكات والخلفية وكان فيها ملأكي تخلي وتسفاي دقيقة وحامد آدم سليمان وبقى أحمد ناصر وإبراهيم محمد علي وتسفاماريام ولد ماريام يتنقلون بين معسكري كركون وتهداي بين الجيش وكان مكان تواجدهم بين الموقعين وأقرب لتهداي، وإتخذت التنفيذية قراراً بعودة الجيش عبر محوري الشمال والقاش وكلفت الشهيدين عبد الله ومحمد حامد تمساح بذلك الملف وإستثنت الأجهزة الخدمية والجرحى والمعاقين والمرضى والامهات والأطفال والتأهيل كانت عند البعض فكرة أن يأخذوا فترة على الحدود يعملون فيها ترتيبات لعقد مؤتمر عسكري يشكلوا منه قيادة جديدة ويزيحوا القيادة القديمة ويعملوا قيادة يشركون فيها من شاؤوا من الحرس القديم، إلا أن قرار السودان بتجريد الوحدات لخبط تلك الحسابات، عقد عبد الله لقاءاً لكافة القادة العسكريين وكان يترجم الحديث المناضل قرماي قشي وكانا قد كلفا معاً لتنفيذ مهمة زحف الجيش نحوالشمال إلى المناطق النائية على تخوم الحدود ومدخل خور بركة، ضم الاجتماع من نائب وقائد كتيبة فما فوق ودار الحديث حول القرار السوداني وقرار التنفيذية بخروج الجيش عبر محوري الشمال بقيادة عبدالله إدريس والجنوب (القاش) بقيادة الشهيد تمساح وكان لواءه في منطقة الجبرت، لإنقاذ أكبر قدر ممكن من السلاح والرجال من شراك التجريد ودار نقاش عميق في محور التحرك شمالاً، وكانت المعنويات في أدنى درجاتها، فتحدث الرجال عن المياه والامداد والصعوبات وأجواء المطاردة المحتملة، فرد عليهم عبدالله سنبذل قصارى جهدنا لتوفير المياه والامدادات وغيرها من العوامل المساعدة ولكن علينا السير والمغادرة وعلينا ألانضيع الوقت فكل دقيقة لها قيمتها وإن حدثت صعوبات ولطبيعة القرار السوداني متوقعة ففي مثل هذا الظرف علينا مواجهتها، وقد تحدث مطاردة علينا التهيؤ للتعامل معها، سنبذل كل الجهود من توفير الرجال الذين يعرفون الطريق وأماكن آبار المياه والطرق الأقصر وتوفير ما أمكن من مياه وإمداد على طول خطوط سيرنا، علينا توقع أقسى الصعوبات وقد ساعد هطول الأمطار في خط ذلك السير على حل معضلة المياه جزئياً، هنا برز تيار على رأسه أبرهلي كفلي (الآن قائد عسكري لدي الجبهة الشعبية) وآخرين عارضوا العودة بحجة عدم توفر المعينات وإحتمالات عوائق الطريق وغيرها، وبالنتيجة وبعد نقاش عميق توافقت الغالبية للسير في الخطة مع وجود معارضين لخطة وخط السير دون أن يطرحوا بديل مناسب آخر يحقق الهدف، وبالنظر للهواجس وأزمة الثقة التي برزت وأخذت تتعمق ولطبيعة شخصية أبرهلي المشاكسة وللشبهات التي حامت حوله، فسر أن ما يطرحه مجرد تعويق لقتل الوقت وتعريض الجيش للتجريد وبهذا إنطلق كل من آمن بالسير لانقاذ سلاحه، أما الطرف الآخر والذي عارض المسار والقرار فقد عمل كل جهده لاعاقة السير بل ووصل به الأمر لحد منع من أراد السير من رفاق (اللواء 44) بالقوة والتجريد من السلاح والاعتقال (الشهيد داود عثمان)، بهذا طبقت جموع قرار الخروج شمالاً بينما عارضته جموع أخرى وتردد البعض بين الأمرين بعد أن توافق غالب حضور الناس في الخروج حدث نكوص لايوجد له ما يبرره ولعبت سيكلوجية الهزيمة دورها في تثبيط النفوس، في هذا الأثناء بدأت حملة التجريد السودانية، وأخذ القادة السودانيون يتسابقون لتجريد الوحدات وكان طريق السير نحو الشمال مؤمناً بقوة قوامها كتيبتين، ومرة أخرى حال المثبطون دون تحرك أعداد كبيرة من المناضلين حتى وصلت إليهم القوات السودانية في منطقة تهداي وحاصرتهم ووضعتهم بين خياري الخروج من أراضيهم أو الاستسلام وكان الجيش السوداني قد إتخذ مسارين الأول بإتجاه كركون جبرة شللوب والثاني بإتجاه تهداي في منطقة جهاز التسليح الذي كان بقيادة الشهيدين إدريس قريش وإدريس سليمان وتمكن بإشراف حامد آدم من شحن ما قوامه 24 عربة وإتجهت شمالاً بقيادة إدريس قريش وبقى إدريس سليمان حتى وصلتهم القوات السودانية بقيادة العقيد فيصل وحاصرت ما تبقى من جهاز التسليح هنا توافق من كان على رأس تلك الأسلحة على تسليمها بطريقة القطعة قطعة لقتل الوقت وتوفير ما أمكن للقوات المتجهة شمالاً وبالفعل قام إدريس سليمان بالتسليم المنهجي عن طريق أرقام القطع قطعة قطعة وحاصرت القوات معسكر كركون وكان فيه الامدادات والمرأة وقرية تحدثو والتأهيل والجرحى وبالقرب منه العيادة العسكرية، وإتجه تسفاماريام ولد ماريام على متن طائرة هليكوبتر سودانية إلى حيث القوات بالقرب من تهداي، وهنا أصدرت القيادة التي كانت في تلك اللحظة مع القوات أمر الاستسلام وبدأت هي به والمبرر تلافي الصدام مع الجيش السوداني وخطورة ذلك إستراتيجياً على القضية الوطنية كما عللوا بعد ذلك، والاستاذ أبراهيم أبرز هذه النقطة بقوة وكأن البديل الذي كان أمام الناس إما الصدام أو الاستسلام، والذي يعرفه القاصي والداني أن الفرصة كانت واسعة وممكنة خاصة أمام قوة تريد أن تخوض صراعاً مع من إعتقدت أنهم خصومها من الرفاق، ولكن روح الانصراف من النضال كانت السائدة في تلك اللحظات ثم جاءت على ما يبدو فكرة الصراع بعدها، وما أدهش الناس أن قوات كبيرة كانت قد وصلت لخور أبوفاطمة شمالاً وكانت خارج دائرة الطوق بمسافة تقدر بمسيرة يوم ونصف اليوم من آخر نقطة تسليم (تهداي) إن لم تكن أكثر، عادت لتسلم طواعية سلاحها، القطعة الوحيدة التي تعرضت لمضايقة شديدة وراودت السودانيين كثيراً وفرض عليها الاستسلام بعد تعليمات القيادة كانت اللواء 77 بقيادة الشهيد سعيد صالح، أما القوات التي خرجت بسلاحها ورجالها وخلقت أرضية لوجود الجبهة العسكري مرة أخرى فقد تعامل معها البعض بإعتبارها وكأنها خارجة عن دائرة ملاك الجبهة وضيق عليها في كل شيئ في المأكل في الأمل في الملبس في العلاج بل شنت عليها حملة واسعة من التشويه والتشويش، وما كان يروج من رسوم ساخرة في معسكرات كركون وتهداي خير دليل على ما وصل إليه الحال بين الاخوة الأعداء فقد نسفت مستويات الحد الأدني من روابط أخوة النضال، أما السلاح الذي جرد من جيش التحرير فقد حمل على شاحنات الجبهة بطريقة إستعراضية عبر شارع مدينة كسلا الرئيس ذهب لمخازن القوات المسلحة السودانية وأصاب معنويات جماهير الجبهة بل الجماهير الارترية بهزة قاسية دفعت بجموع واسعة خارج دائرة الالتزام النضالي، أما القيادة التي بددت كسب جبهة التحرير الارترية فقد وصلت بها أزمة الثقة لحد العجز عن عقد مكتبها التنفيذي الذي لم يكتمل قط حتى جرى التغيير وإنفض سامر الرفاق كل إلى حيث أراد بل وحتى مجرد إجتماع للمجلس الثوري الذي عقد بشق الأنفس وتدخل الأجاويد وأخيراً عقد في الشمال وأجرى ذلك الاجتماع تغييراً كبيراً في اللجنة التنفيذية طال ستة من أعضائها وهم:-

1. ابراهيم إدريس حامد (توتيل) - رئيس المكتب السياسي.

2. عبد الله إدريس محمد - رئيس المكتب العسكري.

3. ملاكي تخلي - رئيس مكتب الأمن.

4. عبدالله سليمان - رئيس مكتب العلاقات الخارجية.

5. ابراهيم محمد علي - رئيس مكتب الشؤون الاجتماعية.

6. تسفاماريام ولد ماريام - رئيس مكتب الاعلام.

وأبقى على كل من:-

1. أحمد محمد ناصر - رئيس اللجنة التنفيذية.

2. تسفاي ولدي ميكائيل دقيقة - سكرتير اللجنة التنفيذية.

3. حامد آدم سليمان - رئيس مكتب الاقتصاد.

وأضاف التعديل المناضلين التالية أسماؤهم:-

1. دكتور هبتي تسفاماريام - رئيساً للمكتب السياسي.

2. حسين خليفة - رئيساً للمكتب العسكري.

3. تسفاي تخلي - رئيساً لمكتب الأمن.

4. صالح أحمد إياي - رئيساً لمكتب العلاقات الخارجية.

5. يوهنس زرئ ماريام - رئيساً لمكتب الاعلام.

6. هيلاب عندو - رئيساً لمكتب الشؤون الاجتماعية.

وفقدت القيادة خاصية تأثيرها على توجيه مجمل المشهد وظهر فاعلون جدد هم نتيجة وإفراز طبيعي لدخول الجبهة وبروز تناقضاتها الداخلية وتبلورت في عدت إتجاهات:-

1. القوات التي غامرت وخرجت بسلاحها وأمنت أرضية لقوى مسلحة للجبهة (الشمال + القاش).

2. إتجاه يرفض القيادة القديمة ويتهمها بكل ألوان التهم وعلى رأسها الرجعية وأطلق على نفسه فيما بعد ساقم بينما أطلق عليه خصومه بتن بمعنى فكك فتت شتت مزق وكان بقيادة تسفاماريام ولد ماريام (بعد التجريد أحبط من كل شيئ وترك النضال في كافة إتجاهاته) ودكتور قرقيس وزمهرت يوهنس وتولدي قبري سلاسي ثم إنضم إليهم إبراهيم توتيل لاحقاً وربما كان معهم من الأساس.

3. إتجاه أطلق على نفسه التيار العام وإعتبر نفسه وسطاً بين التياريين الآخرين وكان فيه عدد من الكوادر السياسية والعسكرية والأمنية ومن بين قيادته الأستاذ إبراهيم محمد على.

وتوافقت اللجنة التنفيذية على عقد سمينار لكل قوى الجبهة من الجيش والخارج والقطاعات الجماهيرية وتقرر أن يكون السمنار في الشمال حدد مكانه وتاريخه وجمع الناس، وهنا ظهرت معضلة كبيرة ناتجة عن إنعدام الثقة بين أطراف الجبهة الآنفة الذكر وقد طرحت من قبل المناضلين في معسكري كركون وتهداي (يمثلون الإتجاهين) وهي مسألة تسليح سرية منهم بجانب القوات المسلحة أصلاً في موقع السمنار في الشمال على أن يكون قوامها سرية أيضاً لتأمين السمنار، وما يحزن أن هذه القضية تفجرت وكل عضوية السمنار متواجدة في مكان السمنار وتنتظر في أية لحظة أن تدعى للجلسة الافتتاحية لتقر جدول وبرنامج العمل، ورغم النقاشات العميقة التي إستمرت لأكثر من شهرلم تتمكن اللجنة التنفيذية من حل مسألة السلاح ورفض من كان يمثل من خرج بسلاحه هذا الطرح جملة وتفصيلاً وإعتبره إهانة بالغة، وبهذا لم تتمكن اللجنة التنفيذية من تجاوز هذه المعضلة، وإتفقت على دعوة المجلس الثوري للانعقاد أخيراً طرحت المسألة الاشكال (التسليح) للتصويت وبعد تجاوزها يدعى المجلس الثوري للانعقاد للنظر في الاشكال الأخرى وحلها جذرياً وتجاذب الطرفان في هذه المسألة (التسليح) أخيراً أخضعاها للتصويت وكان كل يمني نفسه بأنه سينتصر، الطرف الرافض للتسليح ويرغب في حل معضلة السلاح من خلال قبول من حمل السلاح بتسليح رفاقه الذين جردتهم القوات السودانية للطمأنينة والضمان وكان يعتقد أن التصويت سيحسم لصالحه وبسقوط مقترح التسليح بفارق صوت واحد وأضحى القرار عدم التسليح، فتح الطريق أمام قرار عقد إجتماع المجلس وقصة الصوت الذي رجح قرار عدم التسليح وشخصية صاحبه معروفة (تسفاي تخلي) وهنا قام الرئيس بمنح إجازات لبعض الأعضاء ربما بحسن نية أو ربما سياسة لافراغ المكان من عدد من أعضاء المجلس للإخلال بالنصاب القانوني المطلوب للجلسة وكل فسرها بطريقته، وفي هذا الوقت أخذ الطرف الذي كان يبحث عن السلاح يفتش عنه بشتى الوسائل وخاصة عندما إتجه إلى منطقة جبال هورا لأخذ ما كان مخزناً من سلاح في فترة سابقة، وهذا الأمر أكد للطرف الآخر أن التلكؤ وإفراغ القرارات من مضامينها وآليتها التنفيذية وخلق الذرائع للتملص منها أمر له ما بعده، وكانوا قد سبقوا رفاقهم وأخذوا سلاح هورا (حفرة) وأكد لهم إلحاح رفاقهم للبحث بشدة عن سلاح وربما يجدونه بأية وسيلة وهو أمر ليس بالصعب خاصة إذا إتجهوا للقاش حيث كم من المتعاطفين معهم من مقاتلين وقادة دفع الطرف الآخر لاتخاذ قرار إستباقي بالقيام بخطوة عسكرية لحسم الجدل وفض السامر في إنتفاضة 25 مارس 1982م، والانتفاضة إن لم يفعلها هؤلاء لفعلها أولئك فالكل كان متجهاً إلى فعل ما.

وما يؤسف له ويدمي القلب أن تلك الخطوة لم تسر كما خطط لها على حد قول ورواية من قاموا بها، فقد أسفرت عن إستشهاد المناضل ملأكي تخلي في التبادل الناري وكان صدمة وإشكال كبير للجميع وخاصة لمن قام بالحركة، وكان إستشهاد المناضل ملأكي بشخصيته الكرازمية والمؤثرة وبما أنه أحد قادة الجبهة ما بعد 1975م في صفوها وكدرها وصراعها ونهوضها وسقوطها فقد فسر إستشهاده المؤسف بكل ألوان التفسير في كل الأبعاد الجهوية والدينية والثقافية والسياسية وأصبح إستشهاده كقميص عثمان بالنسبة لخصوم تلك الخطوة وكان لهم بمثابة هبة ربانية بنوا عليها كل نواياهم وإتخذوا من أمر إستشهاده بكائية كربلائية لازال ندبها مستمرا حتى اليوم، وأسفر هذا الندب الكربلائي عن آثام ومعارك إنتقامية طاحنة وخاصة في جبهة القاش، وسلسلة من التصفيات الجسدية طالت ثلة من المناضلين وقامات نضالية على رأسهم الشهيد محمد حامد تمساح والشهيد عثمان صالح علي. وكل مافُعل في الفعل ورد الفعل لم يعيد اللبن المسكوب ولم يوفرالدماء والأرواح لم يستعيد من راح من رفاق بل بعثنا إليهم برفاق جدد وسفكنا دماءاً وأرواحاً كانت أجدى أن تحفظ، بل وباعد المسافة بين فرقاء الجبهة بل وأضحى أمر كل تلك الأثام جرح ينكأه من أراد زيادة البعد وخدمة أجندات ضيقة وجهوية وثقافية ودينية وإعادة غليان مرجل الضغائن والكراهية والحقد والأيام تسير والتاريخ يسير والانسانية تسير، ونحن بالنسبة لنا الأيام والتاريخ والليالي عبئ ثقيل، توقفنا تكلسنا في تلك اللحظة التي لن تعود إلى الوراء لاعظة ولاإعتبار، نجتر تلك البكائيات وننسج عليها الصدق والكذب أغلقنا الطريق على جيل مضى بتحميلهم ذلك الدم الثأر القبائلي والنحيب الجنائزي وذلك الذم ووضعنا المتاريس أمام أجيال قادمة ووطن حتماً آتي رغم الطغاة والبغاة بالفرح بالحرية والعدل والاعتبار.

نواصل... في الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click