قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة الخامسة عشر
بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر
كما ذكرت في الحلقة السابقة أن الأستاذ إبراهيم أكد أن المكتب العسكري قرر سحب قواتنا
من جبال أراق الحصينة وأعاد نشرها في مناطق أوسع لأسباب مجهولة بدلاً من سحبها، خاصة وأن النيات العدوانية للشعبية كانت واضحة وبالتالي أضحت فريسة سهلة، وهذا الحديث يجافي الحقيقة تماماً، إذا لم يحدث إطلاقاً حسب إفادة قائد تلك القوى اللواء 44 إدريس على عمر، وكل ما كان خارج ربط اللواء سرية واحدة في منطة رورا حباب وكانت بقيادة الشهيد أبوبكر سلال وفصيلة من جهاز التسليح في منطقة بلطت وهي غير تابعة للواء، وبدأت المعركة مع تلك السرية وأستشهد منها 5 مناضلين بما فيهم قائد السرية سلال أما باقي السرية فقد إنضمت لباقي اللواء 44، والمعلومة الخاطئة الأخرى أن القوات المنكوبة لم تكن بقيادة قبراي تولدي وهو كان قائداً للواء 97 الذي كان مرابطاً في منطقة عيلا عبدالله في تلك الفترة أما إنسحاب القوات فكان بعد المعركة وأثنائها إذ بدأت المعركة في منطقة رورا حباب يوم 28-8-1980م ثم كانت المعركة الثانية في معت يوم 30-8 مع قوة قدمت عبر قيحت في أدوبحا يوم 1-9 وكان اللواء في طريقه للانسحاب بعد أن وصلته برقية عاجلة من رئيس التنظيم تأمره بالانسحاب حتى لاتحاصر القوة وفي يوم 31-8 دارت معركة طاحنة في أدوبحا صغير ثم معركة في بلطت مع فصيلة التسليح التي إنسحبت بعد إستشهاد بعض مناضليها، وتمكن اللواء من عبور نهر عنسبا الموسمي بإتجاه ديبا يوم 9-9 وخسر عربتان كما أشرنا الى ذلك في مقال سابق وكانت جملة خسائر اللواء حتى تلك اللحظة في الساحل 46 شهيد 68 جريح 6 مفقودين و7 هاربين كما كانت خسائر العتاد 13 كلاش، 31 قنبلة يدوية شنطة دبلفور واحد جيم 3 ودارت معركة طاحنة بين اللواء وقوات الشعبية في منطقة المياه المرة بأدوبحا تمكن اللواء من دفع قوات الشعبية حتى منطقة فروق وإنسحبت فصيلة التسليح لمنطقة شرئيت وعبرت القوات نهر عنسبا عبرمنطقة سلعا وبهذا أصبح خور عنسبا هو الحاجزالطبيعي، وكان تمركز القوات على سلسلة جبال بانونا وزادت خسائراللواء إذ إرتفع عدد الشهداء إلى 63 شهيد والجرحى ل74، حيث جاء إلبهم الشهيد ملأكي تخلي وذكر لهم أن الشعبية لن تتقدم بعد هذا وتابع قائلاً كل غرضها توسيع خلفيتها وإبعاد الجبهة ومادام هذا قد تحقق لهم فلن يخوضوا معركة بعدها، وللأسف هذه كانت قناعة كل أعضاء اللجنة العليا وهذا ما كانوا يرددونه أمام من يأتي إليهم في ذلك الوقت ولهذا كانوا يتوهمون أن سيرتبون كل شيئ ويقصون المكتب العسكري الذي شتتوا قادته وأبعدوا رئيسه بقرار من اللجنة التنفيذية وكان للشعبية حسابها الآخر، ودخلوا (أي قادة اللواء 44) معه في مشادات كبيرة وكان الشهيد عند برهان تخستي أحد قادة الكتائب في اللواء أكثر القادة حدةً.
وتابع الأستاذ القمزفقمز من قناة الاحتفال بسبتمبر وإعتبر ذلك الاحتفال أشبه بدعاية إنتخابية لمؤتمر لم يكن يعلم به إلا الراسخون في معرفة بواطن الأمور، وربما قادة وكوادر حزب العمل السري أما عامة الشعب ومناضلي الجبهة فلم يسمعوا بالتحضير للمؤتمر حتى دخلت الجبهة الساحة السودانية، وذكر أن التحضير للمؤتمر كان يتم على قدم وساق ولا أدري من أين أتى الأستاذ بهذا الحديث فلم تكن هناك لجنة تحضيرية معلنة ومعروفة للجميع بل لم يكن هناك إتجاه ناهيك بعقد المؤتمر بل لعقد مجرد إجتماع للمجلس الثوري اللهم إلاإذا كان هناك مؤتمر للحزب يعرفه الراسخون في متابعة الأحزاب الباطنية وقيادة الحزب فقط، أما الجمهور العام لجبهة التحرير الإرترية فلم يكن أمامه على السطح هذا الأمر، وما يفهم من حديث الأستاذ أن الاحتفال تم دون موافقة التنفيذية أو بقية التنفيذية وهو صناعة أحمد ناصر وعبد الله إدريس أو على الأقل قل أن حديثه إمتعاض ليس أكثر.
وذكر الأستاذ أن ميزانية المكتب العسكري كانت تشكل 80% من دخل التنظيم، وقال وقد خصصها التنظيم لبناء جيش التحرير الأرتري ولم يذكر لنا الأستاذ كم كانت الميزانية الكلية للتنظيم حتى نتخيل حجم ما كان يمنح للمكتب العسكري منها، وهل كانت للتنظيم ميزانية مستقرة ومعلومة ومقرة ويمكن أن يبنى عليه برنامج، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا قرروا مبدأ الاعتماد على الذات حيث كانت وحدات جيش التحرير الارتري تجتهد لتنتج ما يغطي نفقاتها وهذا القرار أتخذ منذ عام 1978م أي بعد الحملة الأثيوبية لاستعادة المدن وتشكيل الألوية، وكانت ألوية جيش التحرير الارتري تعمل وتنتج بكل طاقتها وتقاتل باليد الأخرى، ويذكر أن اللواء 19 بقيادة الشهيد إدريس هنقلا نال المرتبة الأولى في تغطية النفقات الذاتية لدرجة قاربت الكفاية، وإذا إفترضنا صحة حديث الأستاذ أن المكتب العسكري كان يأخذ 80% من ميزانية التنظيم الكلية غير الواضح حجمها وكمها فهذا طبيعي لأن هذا المرفق كان معظم جهد التنظيم بحسباننا حركة تحرر وطني تقاتل في سبيل استعادة حق شعبها في الاستقلال والحرية والكرامة.
والسؤال الذي يطرح نفسه علينا كيف قررت التنفيذية ميزانية دون أن تحدد أوجه صرفها وذكر الأستاذ جازماً ومؤكداً أن الميزانية صرفت في الاحتفال وهو لم يقدم البرهان الساطع عبى الذي إدعاه من طرح ولكن رأي علينا أن نبلعه هكذا دون مضغ وإذا إحتج أياً منا فالتصنيف جاهز، بل جعل الأمر مجرد إتهام وشعبنا العظيم قدم لذلك الاحتفال على حسابه بل جاء ومعه التبرعات المادية والعينية، وتقاليد تبرعات شعبنا راسخة في تاريخنا النضالي الممتد ناهيك عن ذلك الزمن الجميل الذي كانت فيه المعنويات في أعلى المكانة، وهذا الشعب العظيم الذي كان ومازال يقتطع من قوت أبنائه هو الذي أبقى على جذوة المقاومة الوطنية الديمقراطية طوال أكثر من عقدين من الزمان بلا ظهير وإلى يومنا هذا.
وقال الأستاذ أن أحمد وعبد الله تسلما القيادة العسكرية في مواجهة الجبهة الشعبية وكسر عبد الله حالة الهدنة التي كانت قائمة بالهجوم على جبهة ملبسو وقد كانت النتيجة أن خسر المعركة وخسرت قواتنا معها مواقع أخرى، وحتى نتخيل مع الأستاذ خط سير الهجوم الفاشل لم يضعنا في صورة المواقع التي إنطلق منها وأين كانت قواتنا عند الهدنة وهل تخيل أحدكم أن هواشيت كانت خلفية تلك القوات ولهذا فإن ذلك الهجوم لم يتم إلا في خيال الأستاذ حسب إفادات المشاركين في تلك المرحلة وما يحزن أن الأستاذ ربط الأمر بالساحل وما قاله حول نثر القوات لوحدات صغيرة وهي معلومات غير صحيحة كما ذكرنا في الحلقات الماضية ولمزيد من التأكيد أن اللواء 44 هو الوحدة العسكرية التي كانت متواجدة في منطقة الساحل وكانت خارج نطاق اللواء سرية واحدة في منطقة رورا حباب بقيادة الشهيد سلال وكل شهداء اللواء خلال المعارك كلها لم يتجاوز الستين إلا بقليل وما يحزن أن الأستاذ وفي زحمة بحثه عما يحمله لرفيقه عبد الله نسي بنود الهدنة التي قضت وقف إطلاق النار وانسحاب قوات الشعبية للضفة الأخرى لنهر عنسنا وحتى قبي طعادا وأن تتقدم قوات الجبهة للضفة المقابلة لها ووافقت الشعبية نظرياً على الهدنة ومقتضياتها ولم تكن للجبهة قوات متقدمة على ذلك الخط سوى في منطقة ديبا حيث كان يتواجد اللواء 44 وما معه من وحدات أخرى وهو أنسحب فيما بعد للسودان بالقرب من نقطة طوقان وهنا نسأل الأستاذ أين ملبسو من هذا التموضع للقوات وهي منطقة لأهلنا الماريا (قيح) وإذا كان عبد الله قد قدم في شهر مارس بعد الهدنة!!!
والصحيح أن القوات إنتظرت عبد الله وهي منهمكة في ترحيل العيادة المركزية من منطقة هواشيت للحدود السودانية (ربدا) وحتى منطقة فورتو التي كان يدير منها الأستاذ وصحبة العمل كانت قريبة من خطوط القتال وكانت أصوات الأعيرة النارية تسمع بوضوح شديد وكان الارتباك على أشده وكان نخرالاختراق و الانقسام الداخلي لجسم الجبهة قد بلغ مداه، ولهذا فإن مقولة الأستاذ أن الجبهة كانت محتفظة بمعظم مناطق تواجدها التاريخي غير صحيحة بل خسرت مساحات شاسعة في كل الاتجاهات وأجبرت على الانسحاب من دنكاليا ومن كبسا وكان اللواء 61 بقيادة الشهيد ولد داويت مرابط على الجبهة الشمالية الغربية، والأدهى والأمر من كل ذلك فقدت وحدتها الداخلية وتعمقت بين فرقائها أزمة الثقة، والخسارة ليس لانعدام السلاح أو التدريب ولكن بسبب الأوامر والتعليمات المتضاربة التي لم يكن لها صلة بالعسكرية وبما يجرى على أرض الواقع وكان من يقود المعارك ويصدر الأوامر النهائية ليس واقفاً على مسرح الحرب، كما لعبت عوامل التخريب الداخلي وانهيار المعنويات والدور الهدام لعناصر الاختراق الدور المركزي، هكذا خسرت الجبهة المعركة والهدنة التي لم تطبق من قبل الشعبية رغم مرور اللجنة السودانية على خطوط المواجهة، والأكثر إدهاشاً أن الأستاذ إبراهيم إتهم المكتب العسكري الذي غيب بقرارات لجنتهم العليا بعدم الاستفادة من الهدنة في إعادة التعبئة والتنظيم كما تجاهل أن لجنتهم قامت بذلك الأمر وحدثت بينها وبين قادة الألوية العسكرية نقاشات حادة وصلت للتلاسن ويذكر أن الجبهة الشمالية الغربية جمعت أكثر من 270 من قادة الوحدات المقاتلة لنقاش قرارات اللجنة العليا في إعادة التنظيم وإستمر النقاش لأكثر من 8 ساعات وافقوا بعدها على قرار إعادة التنظيم الذي جعل قوام أصغر وحدة مقاتلة 9 مقاتلين وهو مقترح اللجنة العليا، كما تجاهل الأستاذ وأثناء ترحيلهم للعيادة المركزية كانت تدور معركة طاحنة في منطقة كركبت وانسحب بعدها جيش التحرير الارتري بإشراف اللجنة العليا وكان المشرفين المباشرين على الانسحاب إبراهيم توتيل وتسفاي دقيقة ويذكر كل الذين دخلوا منطقة كركون كيف أن الأخوين الذين أشرفا على سحب الأجهزة كانا يغطان في نوم عميق على سيارتهم لفرط الإرهاق، وكما يذكر أن أعداد كبيرة من المقاتلين دخلت مدينة كسلا وكانت الأجهزة الأمنية السودان تجمع من تجدهم في حوش جمارك كسلا (حي غصب ويذكر أن أكثر من ربع من كان في ذلك الحوش الشاسع طلبوا من السلطات السودانية تسليمهم للجبهة الشعبية وكان مندوب الشعبية آنذاك يتردد لذلك المكان وأكد هؤلاء بأنهم يريدون الذهاب للساحل لأنهم مقاتلين كلفوا بمهام وتم إنجازها على أكمل وجه، وبالفعل تسلمتهم الجبهة الشعبية وأعادتهم لخلفيتها في الساحل الشمالي وكانت أعدادهم كبيرة والسؤال من بقي من جموع الاختراق تلك لمهام أخرى ومن جند أولئك النفر وما هي دعوتهم الباطنية لاستقطاب المجندين في مشروعهم.
فقدت القيادة التواصل مع عبد الله إدريس لمدة تقدر بأسبوعين بقى مع نفر قليل من المقاتلين في الميدان وهنا كعادة الاستاذ يشكك ويذهب لأبعد من سقف الخيال فيجعل من الأمر لغزاً وهو وغيره كانوا يعرفون أين ترك، ولتنشيط ذاكرة الأستاذ جاءه نفر من القادة يستفسرونه في الأمر فرد عليهم ماذا نفعل للرجل الذي يريد الانتحار فالرجل الذي غاب عاد، بعدها يعود ليحمل ذات الرجل مسؤولية قرار تجريد وحدات جيش التحرير الارتري، وهذا إستخفاف ليس بعقول القراء فحسب بل وبالسلطات السودانية التي يوحي وكأنها كانت تأتمر بآخرين وهذا قمة الاحتقار والاستخفاف والايحاء الخطير للقراء، والقرار السوداني ونقاشه حصل قبل قدوم عبد الله للساحة السودانية من الميدان الذي ترك فيه وهي قصة معروفة وصدر على الفوروطالبت القيادة منحها مهلة إلا أنها منحت أيام فقط في هذا الأجواء وصل عبد الله أو فالنقل ظهر، ومن المعلوم وحسب رواية الجهات السودانية أن الدافع وراء صدور القرارمن قبل وزير الدفاع السوداني عبد الماجد حامد خليل كان حاكم الإقليم الشرقي السيد حامد علي شاش الذي تفاجأ بدخول أعداد كبيرة من المقاتلين والأجهزة والآليات والأسلحة وتمدد أعداد أخرى على طول حدود الإقليم الذي يحكمه مع تحسب كل ما قد يسببه من إشكالات أمنية بالغة الخطورة يصعب لقدرات الاقليم المحدودة السيطرة عليها، وماذا سيكون حال إقليمه إذا إندلع صراع مسلح بين أولئك المسلحين وخطر ذلك الدخول على إستقرار الشرق، وما يحزن أن الاستاذ تجاوز توثيق البيان الذي قيل أن للجنة التنفيذية أصدرته والحقيقة ليست كذلك فأعضاء اللجنة التنفيذية قرأوا ذلك البيان كغيرهم من الجمهور وهذا ما حكاه لي البعض منهم وغالب هؤلاء أحياء يرزقون، كما أن ذلك البيان أتخذ كأداة مواجهة مع القيادة وشل قدرات للتوجيه والتاثير وكان إجتها لبعض النفر.
نواصل... في الحلقة القادمة