قراءة في رواية أزمارينو للأديب الإرتري عبدالقادر مسلم
بقلم الأستاذ: جعفر إبراهيم وسكة - ناشط سياسي وحقوقي إرتري
بالأمس إنتهيت من قراءة الرواية الإرترية أزمارينو الصادرة من دار مدارك للنشر للروائي الإرتري عبدالقادر مسلم.
وهذه قراءتي المتواضعة لها.
"أنا أكره النهايات، فكتبي لا أنهي قراءتها، وحتي الطرق لا اصل لآخرها، وكأن في نهاية الأشياء موت خيالي.. ليت الأمور لاتنهي وتكون عفوية علي سجيتها كطير في عشه، كمطر هتان ندي كرضيع يتدرج للوقوف علي رجليه وكوطن لايغادر دائرة الحلم والمأمول.."
عبدالقادر مسلم - أزمارينو - الصفحة 15
أنا ايضا اكره النهايات ياصاحبي فالنهايات دوما حزينة أو هكذا تعودت أن أراها حتي خلت أن كل نهاية هي الحزن.. يتحدث مسلم في روايته أزمارينو عن الوطن وانسانه مستصحبا معه التاريخ والحاضر والمستقبل.. الوطن الذي كادت أن تلتهمه القوي الإستعمارية لولا فطنت الأباء وصمودهم.. الوطن الذي امتزجت فيه الدماء بالأرض والوطن الذي اصبح طارد وخاليا من اهله بسبب شرزمة من الناس يتحكمون في مصيره.. يعود مسلم بالقارئ الإرتري إلي فترة الأربعينيان حيث نضالات الأباء واغتيال القائد عبدالقادر كبيري.
حيث يقول مسلم - في الصفحة - 123
"الرجل الذي ضرب موعدا مع الثورة القادمة حين كان يلم شتات الوطن ويعد حقيبته للسفر إلي نيويورك حيث الجمعية العامة للأمم المتحدة، فعندما حان موعد السفر ليخطب بإسم الأمة عبارة واحدة لاغير (اما الإستقلال أو الموت الزؤام) أسكتته رصاصة الغدر فحمل علي الأكتاف ودفن في موكب مهيب ذهب جسده وبقيت روحه الملهمة ترفرف علي الجبال والقلاع والخنادق، لقد ترك خلفه مسبحة وثوبا والعمامة الصفراء المموهة بخرزات خيوط برتغالية فاقعة. (عبدالقادر كبيري) تعبنا في بلوغك أيها المبجل.."
وأصل قصة الرواية تدور حول مناضل إرتري التحق بالثورة الأرترية سنة 1976 ويدعي جوزيف الذي يكتشف بعد الاستقلال ولا ادري ان كان استغلال ام استقلال أن الرفاق قد تنكروا لكل شئ والسلطة غيرت طباعهم وأن الحياة معهم لم تعد تطاق.. قرر جوزيف أن يهرب إلي السودان لينجوا بجلده من رفاق الأمس أعداء اليوم.. في الطريق يكتشف الجندي أن المناضل السابق يود أن يهرب لكن جوزيف يتعامل مع الأمر بروح انتقامية حيث يقتل بعض الجنود ويتمكن من الفرار بالسيارة إلي أن يعبر الحدود السودانية.. في السودان تجمعه الصدفة برفيقه عثمان الذي لم يلتقي به منذ الحرب الأهلية إلا في معسكر اللاجئين.. يقول جوزيف مخاطبا رفيقه عثمان انتظرت رجوعك إلي اسمرة بعد الاستقلال.. فيجيبه الرفيق تعرف أننا قوم رؤوسنا مرفوعة دوما، لانرضي الذل أو المهانة.. يتدبر رفيقه عثمان أمر خروجه من المعسكر إلي مدينة كسلا ليمكث معه في بيته حتي الصباح.. يكتشف جوزيف أن صديقه تخلي عن مبادئه وان الدنيا اجبرته أن يعمل في عمل يتنافي مع تلك المبادئ التي كان يحملها.. يقرر جوزيف أن يغادر إلي ليبيا يجمعه الرفيق في اليوم التالي بأحد المهربين وهو رجل مثقف.. هنا يحدث نزاع بين ضميرين ضمير الهارب وضمير المناضل، في النهاية لابد أن يتغلب احدهم عن الاخر.
انتصر ضمير الهارب علي المناضل وصلوا إلي ليبيا في الطريق تعرف جوزيف بشبان ارتريين من مختلف أنحاء ارتريا ومن الجنسيين.. وقد دار حوار بينهم تطرقوا فيه ﻷزمة الوطن المعاشة للإستعلاء الثقافي الممارس من قبل فئة محددة ولكره الثقافات الأخري هنا يسأل أحدهم من الذي ألقي الآخر.. في النهاية يتفقوا الشباب ويحلوا مشاكلهم كانت لحظة تمنيت فيها أن تحل مشكلة شعبنا بالأعمال الأدبية.. يبدو أن كل نقاش يكون خارج الأرض يكون كالحلم الجميل الذي لايتحقق.. يعبروا الشباب ومعهم جوزيف إلي البحر وفي البحر تنتهي احلام الشباب وآمال اهلهم الذين خسروا كل شئ المال والأرواح ويبقي جوزيف حيا ليروي قصة الأحفاد فهو اكبرهم سنا.. جوزيف الذي كان يربي ابناء الشهداء بالخدعة حتي لايحزنوا يجعله القدر من جديد شاهد ليروي قصة ابناء الشهداء.. يتهم الناجي الوحيد بتهريب البشر حيث يتهمه العمدة أنه سائق المركب يطلب جوزيف أن يستعين بصحبه يتفهم القاضي ذلك.. يدافع عن نفسه وتساعده بعض المنظمات الحقوقية في المرافعات القانونية.. يمنح حكم البراءة من التهم الموجهة إليه ويقبل كلاجئ سياسي.. في إيطاليا يلتقي بصديقه المناضل وهو خبير في القانون يكتشف جوزيف أن صديقه المناضل أصدر كتاب حديث يدعوا فيه بعودة حكم الإستعمار الأثيوبي إلي ارتريا.. وقبل الرحيل مجددا إلي الوطن المنفي يلتقي بالعمدة الذي كان قد اتهمه بالتهمة الكيدية وهو في فراش الموت.. ليكتشف أن العمدة كان محقا في مطالبته له بالعودة إلي الوطن حين قال له
"أمامك وجهان أخيران : اما أن تموت مثلي علي الفراش أو أن تموت واقفا تدافع عن إرث رفاقك الشهداء عد ياجوزيف فأقسي ماستراه عيناك قضبان السجن وعتمته ناضل كي يري ابناء الشهداء الحرية."
يعود بطل القصة إلي الوطن وهناك يتم اعتقاله ليكتب لنا في النهاية قول
الشاعر درويش
تنسي كأنك لم تكن
خبرا ولا أثرا... وتنسي
شكرا ياصديقي لأنك منحتني شرف القراءة مبكرا علي رواية كتبت كل الوطن في صفحاتها.