البعثة الإنجليزية إلى ملك الحبشة يوحنا ستة 1887م الحلقة الرابعة
ترجمة الأستاذ: عبدالحميد الحسن تأليف الأستاذ: جيرالد هـ بورتال - مبعوث دبلوماسي
عند فجر الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) بدأنا في سرج الخيول وتحميلها وبعد نصف ساعة من العمل
حققنا ثلاثة اكتشافات أولها أن بيتش وهنتشهن وأنا كان علينا أن نقوم بالعمل كله بأنفسنا، ثانيها أن أدلانا وسائقي بغالنا المحلين كانت فائدتهم أقل من معدومة وثالثها أن أحمد فهمي كان فاتر الهمة فاقد العزيمة وحين رأيت أن العمل كان يتقدم ببطء شديد استأجرت صبيا صوماليا أسود قوي البنية كان قد عرض علي أن يرافقني في الرحلة ومع هذا لم يتم تحميل البغال وتجهيزا لخيل للانطلاق إلا في الساعة الثامنة والنصف وخرج الجنرال سا لينا وأركانه لوداعنا بعد تبادل بعض العبارات الودية والتمنيات الطبية امتطينا أنا وبيتش حصانينا وأعطينا الأوامر بالسير وخلال خمس دقائق كانت البعثة الإنجليزية قد غادرت مصوع سائرة ببطء باتجاه أم كلو من المستغرب أن تظهر كل ضروب النواقص في توزيع الأحمال وتعديلها وموازنتها حالما نكون أصبحنا في المسير الفعلي.
وهكذا كان علينا أن نتوقف في الساعة الأولى أثنى عشر مرة لانزلاق حمل، أو لان أحد السروج أظهر أنه يعقر ظهر البغل وبالتدريج استقرت الأمور كما يجب أن تكون. وأصبح التوقف أقل فأقل، لكن الفتور المطلق وعدم ألأهلية، سواء أكانا حقيقتين أ و مفتعلين، اللذين أبداهما رجالنا، وغباء أحمد فهمي وخوره. بدآ يقلقاني، خصوصا حين قاربت في ذهني الطريق الرملي المسوي الذي أسير عليه حينئذ بتلك الجبال السوداء المنيعة التي تقف أمامنا بانتظارنا.
وعلى كل حال يجب أن يحسب حساب لكل الظروف والصعوبات اللازمة لبداية كل رحلة وهكذا فبعد مرور أكثر من ساعة ونصف بقليل دخلنا قلعة أم كلو، التي كانت في ذلك الوقت أبعد نقطة يحتلها الجنود الإيطاليون وهنا وجدت برقية موجهة إلي من الجنرال سالينا يقول فيها أن برو ورق شاب حبيشي درس في انجلترا ثلاث أعوام قد وصل إلى مصوع ورغب في أن يرافقني إلى الملك لقد كنت قد راسلت وزارة الخارجية عن هذا الشاب لكنني قطعت الأمل في أن يصل في الوقت المناسب لمرافقتي، لهذا كانت دهشتي وسروري عظيمين لسماعي بوصوله فأبرقت محيا الجنرال سالينا راجيا منه إرسال برو ورق إلى أم كلو بدون تأخير لحظة واحدة.
وبعد ساعتين من الاستراحة في ضيافة الكولونيل آفو جاد رو وضباط الحامية الآخرين، أرسلت القافلة لتتابع السفر باتجاه ينابيع يا نجوس التي قال عنها إدلائي أنها محل تخيم ممتاز لقضاء الليلة الأولى يتوفر فيها الماء والحطب أما أنا فبقيت في أم كلو بانتظار برو ورق الذي وصل حوالي الثالثة مرتديا حذاء ملمع وقميصا ابيض ويبدو أنه أبعد ما يكون عن الاستعداد لمتابعة الرحلة فورا. لكني سريعا ما أفهمته أنه ما لم يأت معي فلن تتاح له دخول بلده ربما لعدة شهور أخرى وانه أن كان يرغب في ذلك فغليه الاستعداد للسفر حالا والانضمام إلى عند يا نجوس قبل منتصف الليل ودبرت أن أزيد في قافلتنا بقليل واحد له وواحد لمتاعه وبعد أن أقنعته بأنه إذا لم يضع الوقت هدرا فبمكانه الالتحاق بي في الساعة التاسعة أو العاشرة من تلك الليلة أرسلته إلى لكي يجمع متاعه ويغير هندامه.
لابد أن أشير هنا إلى إنني كنت متلهفا لمغادرة يا نجوس سريعا أن لا أبقى فيها إلى ما بعد منتصف الليل لان المنطقة كانت مضطربة وتؤلف جزء من المساحة المتنازع عليها بين الخطوط الإيطالية وبلاد الرأس الو لا ولهذا أشيع أنها مليئة بالعصابات الإجرامية المتنقلة والقبائل العربية النازحة افترقت عن مضيفي الَطفاء الإيطاليين في الساعة الثالثة والنصف وانطلقت للالتحاق بقافلتي يلاحقني وابل من تمنياتهم الطيبة.
بعد مسيرة قاسية في الغبار والحرارة الشديدة تحت الشمس الحارقة وبدون نسمة هواء وصلنا دون حوادث تذكر إلى يا نجوس قبل الغروب وبمجرد تنزيل الأحمال عن الحيوانات والعناية بأمرها أرسلت الأولاد في طلب الماء، وبعد البحث وبعض التأخير أعترف الرجال بأنهم كانوا مخطئين وأنه ليس ثمة مياه في ألاماكن القريبة بل أن المياه في الواقع لا توجد في أي مكان أقرب من باريسيا الواقعة على بعد لا يقل عن مسيرة خمس أو ست ساعات باتجاه قرع ورغم أن هذا لا يعتبر بعدا خطيرا إلا أنه مزعج لأننا جميعا والحيوانات كنا منهكين نتجية يومنا الأول من المسير في حرارة الصحراء التي لا يظلها شيء والزيادة سوء الأمور تبين لنا أن كل ما حملناه من ماء قد نفد بالشرب على الطريق، بل إن أحمد فهمي ضبط في ذلك الوقت متلبسا بتصفية آخر قطرة من وعاء خاص سعته ربع جالون كنت ادخره للطوارئ وكان يعرف أنه ممنوع أن يمسه.
كنت قبلها قررت متابعة السير حوالي منتصف الليل لمجرد الخلاص من هذه المنطقة الخطرة نوعا ما، هذا القرار أصبح الآن ضرورة لا غنى عنها لكي نصل إلى الماء قبل أن تقضي حرارة الشمس على ما لم يقض عليه التعب من طاقة التحمل عند بغالنا العطش لهذا أمرت الجميع بالاستلقاء والنوم خمس ساعات، بينما نويت أن أبقى مستيقظا تحسبا من زيارة غير المرغوب بهم من جهة وانتظار لبر وروق من الجهة الأخرى أما بيتش وهتشون فلجوع والعطش اللذين كان عليهما تمددا على الرمال واستغرقا في النوم بعد خمس دقائق، وإما أحمد فهمي الذي روى عطشا وقد أمكنه أن يأكل بشهية أيضا ثم سريعا ما اقتفي أثريهما وتبعه الباقون الذين نالوا نصيبا من الطعام وأعضوا وأحد اثر الاخروبقيت لا يعكر وحدتي أحد متمتعا بالجمال الوحشي للمنظر أمامي ينيره ضوء القمر البدر.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة