ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة أربعون

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

مناضل من ظفار:

عندما كنت في القاهرة أقوم ببعض الأعمال الفنية، كنت ألتقي بأخ من ظفار ويدعى عبدالله

ارتريا من الكفاح المسلح الي الاستقلال 2

وهو ممثل جبهة تحرير ظفار، كنا نجلس إما على النيل أو في بيت الأخ عبدالله في الجيزة.

وفي يوم من الأيام ضمتنا الجلسة أنا والأخ عبدالله ومحمد عمر يحيى وتحدثنا وتحاورنا، وكان عبدالله يسأني عن رحلتي إلى ظفار.

وقلت له: "إن خط ثوار ظفار يقع في آخر الطرف وهو النهج الصيني الماوي، فمن الصعب على شعب ظفار العربي المسلم أن يقتنع بأي ايديولوجية خارجية، غير أن تعاليم القرآن الكريم. فيا أخ عبدالله دعنا نكن واقعيين فالأمور إن بقيت على هذا الشكل فلن تكون هناك ثورة ظفار وغيرها.

وضربت بعض الأمثلة: مثلاً تمشي في اليمن الجنوبي هناك ممر يسمى موتشي منه أو الطريق الأحمر؟ لماذا لا يكون إسم الطريق خالد بن الوليد؟ أو سيف بن ذي يزن؟.

صحيح أن القادة الاشتراكيين الصينيين أو الفيتناميين أو غيرهم قد فعلوا شيئاً لشعوبهم، ونحن لنا عظماؤنا وقادتنا، وأنا أريد أن أبسط لك يا أخ عبدالله "هل يوجد في الصين أو فيتنام أو أي دولة اشتراكية أو غربية شارع أو ممر بإسم بطل من أبطالنا مثل: عمر بن الخطاب أو الإمام علي بن أبي طالب؟ فما لنا ولهذه الخرابيط.

لن تقوم لنا قائمة نحن العرب إذا لم نعد إلى تاريخنا ورسالة حضارتنا، كان الأخ "محمد عمر يحيى يسمع ويومئ برأسه موافقاً" أما أخونا عبدالله فكان يسمع ويخزّن القات الذي حصل عليه من أحد الدبلوماسيين اليمنيين.

قلت لعبدالله: "أخشى على الثورة والثوار بظفار من الاندثار، من الصعب تغيير جذور هذا الشعب بأفكار مستوردة، أليس من عمان وظفار خرج البحّار العربي ابن ماجد؟ هل له اسم على أحد الشوارع في العالم؟ لقد عشت مع ثوار ظفار، فترة قصيرة لأني لم أستطع النظر إلى الألواح السوداء وقد كتبت عليها أقوال ماو، ويردّدون الأغاني الثورية الحمراء، لا أريد أن أقول أكثر من ذلك ولكل حال وقته، وإذا سألت اليوم عن ثورة ظفار فأقول "لقد أصبحت في ذمة التاريخ إلى يوم القيامة"، إننا نأتي بأفكار وعقائد وايديولوجيات مستوردة، لا تربطنا بها أية رابطة، لقد جلت العالم كله ولم أسمع من أحد - كلمة واحدة عن تاريخنا وعن نضالنا وعن منطقتنا، وعن جغرافيتنا، وفي أحسن الأحوال يسألونك "أنت بالقرب من إسرائيل"؟ قال لي عبدالله وبحضور محمد عمر يحيى:
أنت تظلمنا يا أحمد كثيراً!

والله لا أظلم أحداً! ثم التفت إلى محمدعمر يحي وقلت: يا أخ محمد هناك نظرية "يُعمل بها" وهي اشتغل باليسار تصل لليمين.

ولم يعجب هذا الكلام صديقي عبدالله لكن الواقع والحقيقة أثبتت صحة كلامي، وإذا سألتموني عن أخينا عبدالله فأقول لكم إنه يعيش اليوم عيشة الملوك، فهو أحد المسؤولين الكبار في حكومة عمان وقد فعل أخيراً؟.

حزب الشعب الثوري - اشتغل باليسار تصل لليمين:

أما اليوم فإن هذه النظرية هي السائدة فالجبهة الشعبية لتحرير ارتريا أنشأت حزباً ماركسياً لينينياً وسمّته حزب الشعب الثوري، ومن أهم نقاط هذا الحزب الماركسي (المدبلج):

أولاً: إن الماركسية اللينينية هي دليل حزب الشعب الارتري... و فالماركسية اللينينية هي وحدها التي تقدم تفسيراًصحيحاً لقوانين التطور الاجتماعي.

والحزب يتقيد بحزم، يتصور العالم وفقاً للمادية الجدلية، والمادية التاريخية للماركسية اللينينية، ويعارض التصور المثالي والميتافيزيائي للعالم.

إن انعدام الايديولوجية الواضحة لقيادة نضال الشعب الارتري المسلّح...؟ وسيطرة الرؤيا الاقطاعية الرأسمالية وهيمنة قيادات رجعية يمينية وانتهازية تؤدي إلى ضياع الثورة... إن مهمة الحزب الأسياسية هي أن ينجز التغيير الشامل في علاقات العمل والتحويل الاشتراكي... "كما يناضل بحزم من أجل تدمير كل النظم الرأسمالية".

إن ديكتاتورية الديمقراطية الشعبية هي صمام الأمان من أجل نجاح قضيتنا الاشتراكية، ولتعزيز تضامن الأممية البروليتاريا، وتشمل تجارب الحركة الشيوعية في العالم... والشعب الارتري بروح الأممية المعبر عنها في نداء يا برليتاري العالم اتحدوا.

إن الحزب لا يستطيع مواجهة التحديات ومواجهة الأعداء، إلى أن يتمكن من بناء المجتمع الاشتراكي الشيوعي...

إن حزب الشعب الثوري الارتري يطلب من جميع أعضائه أن يضعوا مصلحة الحزب فوق مصلحتهم الخاصة...

إن تحويل المجتمع الارتري، إلى مجتمع اشتراكي متقدم كبير وقوي، وبالتالي بهدف متابعة التقدم حتى يتم انجاز المثل الأعلى والأسمى للإنسانية ألا وهي الشيوعية.

إن واجبات العضو في الحزب هي أولاً:-

1. دراسة الماركسية اللينينية.

2. الحفاظ عل انسجام الحزب، وتدعيم وحدة الحزب.

3. تطبيق سياسية الحزب وقراراته.

4. التقيد بنظام الحزب الداخلي، والامتثال للأخلاق الشيوعية وهذا أمر إلزامي لجميع الأعضاء مهما تكن جدارتهم ومناصبهم.

5. عدم إلحاق المصلحة الخاصة بمصلحة الحزب...

"ولنقفز إلى البند العاشر"

10. سر الحزب إن كل عضو حزبي لايمثل لهذه المتطلبات تطبق عليه العقوبات الانضباطية.. والمادة 15 من دستور الحزب هي ماردة قامت عليها الجبهة الشعبية أصلاً.

تقول هذه المادة (إلى حين استمرار الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، فإن سريّة الحزب هي الواجبة، وإن عقوبة الموت هي العقوبة الصارمة لانضباط الحزب داخلياً، وعلى كل المنظمات الحزبية أن تتحرّى بانتباه كبير، سواء كان بغتخاذ أو تصديق هذا القرار...

والمادة 17 تقول: (إن حزب الشعب الثوري الارتري وإلى حين إعلانه رسمياً، هو حزب سري، ولذلك كل أعماله وتركيبته مبنيّة على أسس سرية...).

إن المرجع الأعلى للحزب وللبلاد بأسرها هو المؤتمر الحزبي.. وفي المادة 34 من دستور الحزب، تتابع منظمات الحزب في الجيش الشعبي عملها طبقاً لتعليمات اللجنة المركزية للحزب، ويكلف الفرع الأمني العام بالجيش الشعبي، بعمل الحزب الأيديولوجي التنظيمي، و إن الجيش تحت قيادة لجنة الحزب المركزية.

وفي المادة 36 التي تقول "ينتخب في الاجتماع المركزي الأول للجنة الدائمة والأمين العام المساعد وتتولى اللجنة الدائمة وظائف وصلاحيات اللجنة المركزية. هذا هو حزب الشعب الارتري، أما حزب العمل الارتري، والتابع لجبهة تحرير ارتريا فهو سري أيضاً، وأنشء وسط جبهة تحرير ارتريا وهذا هو أيضاً حزب ماركسي لينيني.

وعندما كنت أسأل المقربين لي، في الجبهة عن طبيعة هذا الحزب كانوا يتهرّبون ولا يجيبون إلا قليلاً.

حزب العمل وناقوس الخطر:

كنت أزور أحد أصدقائي في لبنان، وهو فلسطيني وينتمي إلى إحدى منظمات العمل الفدائي قال لي: (حصلت لك على دستور أصدقائك أصحاب حزب العمل فما رأيك؟) وأعطاني هذا الكتيّب، قلت لصديقي الفلسطيني: (إن رأيي لم يتغير، وهو أن الجبهة في طريقها إلى الهاوية. إن مبادئ وأفكار حزب العمل أبقته جبهة تحرير ارتريا سراً أيضاً).

لكن الفارق يكم في أن الجبهة الشعبية اعتمدت أن يكون خطها، ماركسياً لينينياً متطرفاً بل قمة التطرف اليساري، لتصل لإلى قمة اليمين.

وهذا ما حدث فعلاً، لقد نجحت نظرية اشتغل باليسار تصل إلى اليمين.

(ما في حدا أحسن من حدا) فالجبهة الشعبية، لها حزب ماركسي لينيني، والجبهة أيضاً لها حزب ماركسي لينيني، إذاً الخلاف ليس ايديواوجياً، وإذا لم يكن كذلك فما هو الخلاف؟ لنتابع معاً سرد الوقائع والأحداث علكم تصلون معي إلى نتيجة ما.

في 1979/9/9 أرسل الأخ عبدالله سليمان مسؤول العلاقات الخارجية حينها في ج. ت. أ. رسالة سرية جداً إلى قيادة الجبهة المتواجدة في داخل ارتريا، وهي تدور حول أوضاع حزب العمل في الجبهة.

وخلاصة هذه الرسالة مايلي: (إن أخطار التفكك الداخلي للحزب باتت واضحة المعاني، وإذا لن نتصد للقضايا الحزبية الملحة والأساسية الراهنة، والتي أخذت تنعكس بوضوح أكثر فأكثر، وثبت أن الحزب أصبح ذيلاً للجبهة، وإنه يلهث وراء الجبهة وانقلب المفهوم الثوري والعلمي على منطقه تماماً، حيث أصبحت الجبهة العريضة تقود الحزب، وأصبح الحزب يهتز ويضطرب ويتساءل عن الحل، نتيجة التطورات والأحداث التي تحدث داخل الجبهة، وعليه فإن مسألة عقد المؤتمر الثالث أصبحت ضرورة لا يمكن تأجيلها ..حيث تسبقه إعداد الوثائق ودراستها بعمق وشمولية، من قبل الخلايا داخل الحزب، والاستعانة بتجارب الأحزاب الشيوعية الشقيقة، بل وإشراك بعض منها في إثراء تجربة حزبنا).

وتجنّب الاضطراب الذي يسود بعض منه عدداً من أعضاء الحزب، وفي رأيي يجب عقد اجتماع في حدود 1979/9/20 أي في هذا السهر وأرجو أن يُحافظ الرفيق أحمد ناصر باقتراحي هذا.

إن الحزب كما نعلمه ونفهمه، جميعاً كثوريين ليس جبهة عريضة، ولذلك لا يمكن أن يتحمل سلبيات وممارسات أكثر من الذي يحدث من قبلنا وبالذات كقيادة للحزب، هذا هو انهيار الحزب الذي أصبح ذيلاً للجبهة، هكذا يقول عبدالله سليمان في رسالته إلى قيادة الحزب التي هي قيادة الجبهة، إن لم تكن في معظمها، والحقيقة إن حزب العمل هو رأس التنظيم وهو الذي يخطّط وينفذ والذي كانت له اليد الطولى في انهيار الجبهة.

أما إذا سألتموني أين عبدالله سليمان؟ فأقول لكم لقد أصبح أمريكياً، بعد أن أخذ الجنسية، وهو يعيش الآن هناك، وكان عبدالله سليمان من المقرّبين جداً إلى رئيس الأركان عبدالله ادريس، إلا أن الأخير طرده من الجبهة بسبب يعرفه كثير من الأخوة الارتريين.

اتفاقية جدة:

وتدور الأيام وأستبق الزمن لأروي الآتي: (في أحد الفنادق الفخمة في جدة التقى كل من الأخوة الأعداء عبدالله ادريس محمد وعثمان صالح سبي وعبدالقادر جيلاني ومعهم أعضاء قياداتهم، وصدر عنهم الآتي: إيماناً بحتمية وحدة فصائل الثورة الارترية ونزولاً للرغبة الأكيدة والواعية للجماهير الارترية داخل الوطن وخارجه، وبعد الاستفادة السابقة والمتعددة لوحدة الفصائل الارترية، ولأجل الوصول إلى الاستقلال الكامل لأرتريا، سواء بالحل السلمي أو الكفاح المسلح، فقد اتفق كل من جبهة التحرير الارترية عبدالله ادريس وقوات التحرير الشعبية، وقوات التحرير الشعبية للجنة الثورية على الآتي:-

أولاً: دمج الفصائل الثلاث في تنظيم واحد .وفقا لبرنامج ودستور واحد. بحيث يشمل الدمج المؤسسات التابعة للتنظيمات الثلاث.

ثانياً: يتم انجاز الدمج في فترة زمنية أقصاها ستة أشهر. من تاريخ التوقيع على هذه الوحدة الاندماجية.

ثالثاً: يعقد كا تنظيم مؤتمراً، يضم قواعده وكوادره لانتخاب مجلس قيادي للتنظيم.

رابعاً: بعد انتخاب المجالس القيادية الثلاثة، يعقد كامل أعضائها مؤتمراً عاماً تنحصر عضويته في القيادات المنتخبة الثلاث.

يتولى هذا المؤتمر:-

أ) انتخاب لجنة تنفيذية للتنظيم الواحد من بين اعضائها.

ب) وضع البرنامج السياسي والتنظيمي للتنظيم الواحد وإجازة الدستور الموحد.

ج) بعد أن ينهي المؤتمر مهمته، يتحول كامل أعضائه إلى أعضاء للمجلس الوطني البرلمان الارتري.

د) يؤكد الموقعون إن أي تكتل طائفي أو حزبي أو ديني أو قبلي محظور حظراً قاطعاً.

ه) تم الاتفاق على تحديد أعضاء المجلس الوطني 73 عضواً موزعين كالتالي:-

1. 27 عضوا لجبهة التحرير الارترية عبدالله ادريس.

2. 27 عضواً لجبهة التحرير الارترية قوات التحرير الشعبية عثمان سبي.

3. 19 عضواً لجبهة التحرير الارترية قوات التحرير الشعبية اللجنة الثورية.

وتؤكد الأطراف الثلاثة الموقعة على هذا الاتفاق، باعتبار أنه خطوة ايجابية نحو الوحدة الشاملة، وتدعو الجبهة الشعبية للحاق بهذا الركب، تكمله لإرادة ورغبة الشعب الارتري .تم التوصل إلى هذه الاتفاقية بمساعدة وجهود أصدقاء الثورة الارترية.

صدر بتاريخ 1982/12/23

عبدالله ادريس محمد رئيس المجلس الثوري واللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية (بعد حركة 25 آذار/مارس).

أبو بكر محمد جمع رئيس اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لقوات التحرير الشعبية.

أقف لأقدم بعض الشروح والملاحظات حول من وقّع هذه الاتفاقية:-

1. الأخ عثمان صالح سبي توفي في القاهرة عام 1988 بظروف غير واضحة.

2. عبدالله ادريس أعلن قبل أشهر الكفاح المسلح ضد حكومة الجبهة الشعبية.

3. أبو بكر محمد جمع يعيش تحت ظل الحكومة الارترية الجبهة الشعبية وقد عيّن تكريماً له محافظاً لمدينة أم حجر أو ثمناً للخدمات التي قدمها للجبهة الشعبية.

بعد هذا حصلت مواقف متباينة بين التنظيمات، غير المتجانسة فكرياً وتنظيمياً. أما مواقف الدول العربية فقد اختلف حول هذه الاتفاقية.

فمثلاً: إن الصراع الداخلي أو بمعنى آخر التآكل الذي نخر وينخر العمود الفقري لقوات التحرير الشعبية بسبب وجود عناصر قوية موالية للجبهة الشعبية، بحيث أصبح الرأس غير قادر على ضبط تحرك هذا التنظيم، فالأخوة في قوات التحرير الشعبية من أمثال محمد سعيد ناود وأحمد جاسر كانا يرفضان التحاور مع عبدالله ادريس.

وأنا أعتقد بأنها لأسباب شخصية فعبدالله ادريس رجل عربي قوي وله طموحات، منها المشروع ومنها غير المشروع، وإن الأخيرين محمد سعيد وأحمد جاسر لهما طموحات بترؤوس هذا التنظيم، أي قوات التحرير الشعبية (علماً أن أحمد جاسر كان مرتبطاً سراً بالجبهة الشعبية).

إلا أن الرجل القوي وهو عثمان صالح سبي كان يريد التخلص منهما. أليس عثمان هو الآمر والناهي في قوات التحرير؟ فهو لا يريد أن يشاركه أحد في قراراته أو نزعاته.

كان عثمان يقول لي: (إن هؤلاء الشبان قد شاخو أو تكلسوا في أحسن الأحوال، وأنا لا أسمح بالغلط. رحم الله عثمان، هذا الرجل العربي الوطني، وإذا دعيتُ له فهل سيرحمه التاريخ؟).

إنه أول من عمل على إقامة تنظيم، غير تنظيم جبهة التحرير الارترية، عندما قام بتشكيل قوات التحرير الشعبية عام 1970 (وليس أحد أحسن من أحد) فالكل أصبح قادة، ويريدون أن يترأسوا، وهذا ما دفع بأحمد جاسر ومحمد سعيد ناود للانفصال عن قوات التحرير الشعبية، وتشكيل فصيل خاص بهما وتكرّرت المحاولة التي بدأها عثمان وانهيار الجبهة وهيمنة الجبهة الشعبية على الساحة الأرترية.

وكان محمد سعيد ناود الذي أصبح في وقت لاحق رئيساً لهذا التنظيم الموحّد، بعد أن تخلى عن أحمد جاسر الذي دعمته الجبهة الشعبية، وإذا سألتموني عن هؤلاء الأربعة أقول لكم مايلي:-

1. توفي الأخ عثمان رحمه الله وخلفه عمر البرج.

2. انضم في وقت سابق محمد سعيد ناود إلى التنظيم الموحّد، مع مجموعته الصغيرة وبقي أحمد جاسر لوحده إلى أن طلبت منه الجبهة الشعبية تصّفية تنظيمية ففعل دون تردد، بل بترحاب.

وعندما زار أحمد جاسر ارتريا المستقلة، كرمته الجبهة الشعبية لتعاونه السري معها، ثم لفظته الشعبية ليعود إلى القاهرة ويعيش فيها. لقد كان أحمد جاسر هو الآمر الناهي لقوات التحرير الشعبية داخلياً، عندما كان عثمان صالح سبي رئيساً للتنظيم، لكنه تمرّد على عثمان، وأنشأ التنظيم الخاص به.

أما عبدالقادر جيلاني رئيس اللجنة الثورية فهو رجل عربي، ويؤمن بالتضامن العربي حسب عقيدته (إلا أنه في الشهور الماضية أقيل من رئاسة اللجنة الثورية وحل مكانه: آدم صالح: الذي أقيل أيضاً بعد مدة قصيرة).

بعد انقضاء حوالي ستة أشهر على ما وعد به عبدالله ادريس القيادة في سورية، أن ينسحب من اتفاقية جده إلا أنه لم ينفذ وعده ونتيجة لهذه، ولا أشياء أخرى أجهلها، تم إغلاق المكاتب في سورية ومنع أعضاء قيادة الجبهة، وبعض أعضاء التنظيم من الدخول إلى سورية، بعد إغلاق المكاتب بوقت قصير عاد أحمد ناصر إلى دمشق، وأفتتح المجلس الثوري مكتباً له في دمشق، وأعيد التعامل مع جبهة التحرير الأرترية (أحمد ناصر).

في تلك الأثناء حضر إلى القطر السيدان رمضان محمد نور وأسياس أفورقي اللذان يشغلان منصب الأمين العام، والأمين العام المساعد في الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، وتم اللقاء بينهما وبين القيادة القومية، وسافر أسياس بعد أيام قليلة وبقي رمضان محمد نور حوالي الشهر وهو قابع في مكتب الشعبية ويجتمع هنا وهناك مع فلان وفلان، وانصبت اهتماماته بالاستيلاء على مكاتب الجبهة وممتلكاتها في القطر العربي السوري، وجاء الرد عنيفاً وقاسياً فقد رفضت القيادة القومية تسليم المكاتب والممتلكات.

وجهة نظر شخصية:

أثناء تواجد الأمين العام للجبهة الشعبية رمضان محمد نور في دمشق، اجتمع مع رئيس جبهة تحرير ارتريا أحمد ناصر، وبعد مناقشة مستفيضة، استمرت أسبوعاً كاملاً، صدر بيان مشترك عن الجبهتين جاء فيه: "إنهم اتفقوا على إقامة نوع من الوحدة والتنسيق فيما بينهم... وقد وقع على هذا".

جاء الرد سريعاً وسريعاً جداً من الأمين العم المساعد للجبهة الشعبية أسياس أفورقي قال فيه إن هذا البيان الصادر في دمشق وما جاء به من نقاط حول الوحدة بين التنظيمين لاغ يعبّر إلا عن وجهة نظر شخصية لرمضان محمد نور وإن الجبهة الشعبية قيادةً وثواراً غير ملتزمين بما جاء في هذا البيان.

التوقيع
الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية
أسياس أفورقي

إن صالح اياي، رجل أمين ولا ينكر المعروف والجميل .لكنني لا أعلم كيف طاوعته نفسه، وهو الشهم الأمين بحق شعبه وأصدقائه لأن يعمل تحت ظل وحكومة الجبهة الشعبية.

في يوم من الأيام كنت أنا وصالح اياي في السودان قال لي: (بماذا تفكر يا أحمد؟) لم أكن أريد أن أخبره، أو أثبط من عزائمه بأن هذا التنظيم، أي التنظيم الموّحد غير متجانس، ولا أرى فائدة تُرجى منه.

قلت له (ألا ترى الأوضاع السائدة في هذا التنظيم يا صالح؟، أليس من الصعب أن يلتقي الأخوة الأعداء في تنظيم واحد؟)، وللمرة الأولى شعرت بأن صالح تراوده فكرة التخلي عن العمل النضالي، حيث قال لي: (والله يا أحمد أنا تعبت كثيراً لكن الوطن غالي).

وأحسست بأن صالح يشعر ويعرف، ما أشعر به وأعرفه، ثم قال لي: (إن الأخ عثمان سبي رجل وطني، رغم كل تصرفاته،وهو أفضل الموجودين، وهو معروف ومقبول عربياً ودولياً، وعلينا أن نعمل وإياه، ولربما استفاد من تجاربه).

وقال لي اذهب يا أحمد والتق بعثمان، فهو موجود في جدة، وفي أحاديثي الخاصة معه، كان يحترمك ويقول :(إن هذا الرجل صديقنا بحق، لذا التق معه فهو يسمع منك ويحترمك).

رغم أن عثمان كان فردي التفكير والقرار. فقد عملت برأي الأخ صالح، وسافرت إلى جدة، والتقيت بالأخ عثمان، وبقينا لوحدنا يوماً كاملاً، في فتي بفندق العطاس بجدة.

جاء الأخ عثمان رحمه الله إلى غرفتي وأمسك بالهاتف وطلب من الاستعلامات، بألا يعطونني أية مكالمة داخلية أو خارجية، وقال لهم (قولوا أن أبا سعدة خارج الفندق).

تناولنا طعام الافطار سوية في الغرفة وتغدينا فيها، كنا نتناقش ونتبادل الرأي وكان كل همي هو دفع هذا التنظيم إلى الأمام واتفقنا على العمل ضد أثيوبيا، خاصة إن المملكة العربية السعودية فتحت مخازنها العسكرية وأعطت هذا التنظيم إمكانيات عسكرية ومادية لا يُستهان بها.

وفي اليوم التالي بعد الظهر جاء صالح اياي، وسافر مع عثمان سبي إلى الخليج، وغاب عثمان وصالح في الخليج مدة ثلاثة أشهر رغماً عنهم، كانت مدة الزيارة أسبوعين، ثم صارت ثلاثة أشهر، وكان صالح وعثمان يتصلان بي بين الفينة والأخرى، وجاء الفرج حين أخبرني صالح اياي من أبو ظبي بأنهم غدا مسافرون إلى تونس وأرجو أن تلحقنا إلى هناك.

وبعد أيام نزلت معهم في تونس. كنا أربعة أشخاص حيث انضم إلينا حمد كلو نائب رئيس مكتب أبو ظبي وعثمان أبو بكر، وأنا لا أعرف كيف أن حمد كلو هذا الرجل الذي أمضى حياته في الجبهة الأم، أن يكون نائباً لعثمان أبو بكر، هذا الطالب الذي تخرّج حديثاً، ورفّعه عثمان إلى رئاسة مكتب الخليج.

كان حمد كلو في تونس من أجل استلام مكتب الجبهة (عبدالله ادريس) وتحويله إلى التنظيم الموحّد، وقد جاء بمساعدته السيد عبدالله باهبري، وهو رجل مسؤول في مكتب الأمير تركي الفيصل مدير المخابرات السعودية والمسؤول عن الارتريين كافة، والأمير تركي الفيصل يعرف الارتريين ويتعامل معهم، أي باختصار هو المسؤول عن الشؤون الارترية، إلا أن وساطة عبدالله باهبري مع التونسيين لم تثمر، وبقي المكتب على ذمة جبهة التحرير الارترية (عبدالله ادريس).

وفي مدينة تونس تمشيت أنا وعثمان سبي، على البحر واطلعني على ما تم معه في منطقة الخليج، واتفقنا على أن أذهب أنا إلى اليونان لاتمام فلمي السينمائي والبحث عن قوارب بحرية سريعة ...الخ.

ثم قال لي عثمان (لقد صورتني كثيراً، ولم أر شيئاً من هذه الصور وأنا لديّ آلة تصوير، ولنترك الأخوان أن يلتقطوا لنا صورة سوية). ومشيت مع عثمان على شاطئ البحر.

قال بلهجة هادئة لا تخلو من الحزن: (يا أحمد - إن شهر رمضان المبارك قادم، وأنا أريد أن أمضي هذا الشهر الكريم مع عائلتي وأولادي في دمشق، فأرجو أن تعمل جهدك، ليسمحوا لي بدخول سورية، ولو لمرة واحدة في شهر رمضان، حتى أقضي هذا الشهر مع عائلتي وأولادي. أرجوك أن تعمل جهدك).

وقلت له (والله سوف أعمل جهدي، وانقل هذا الكلام إلى الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي الرفيق عبدالله الأحمر).

وافترقنا على أن نلتقي في السودان بعد انتهاء عملي، وقبل شهر رمضان عدت إلى دمشق وقابلت الاستاذ عبدالله الأحمر ونقلت له رغبة الأخ عثمان.

فقال لي الأمين العام المساعد: (نرجو أن يحصل خير). لكن عثمان مات.

وقد سبقت المنية، تحقيق أمله بزيارة دمشق أثناء شهر رمضان الفضيل، رحمة الله عليه.

وطار عثمان من تونس إلى القاهرة، وكان يشكو من الجيوب الأنفية، وقال لصالح اياي: (إني أريد أن أعمل هذه العملية البسيطة لأنني متضايق من هذه الجيوب) ودخل المشفى لإجراء العملية لكنه لم يخرج إلا جثة هامدة.!

قال لي صالح على الهاتف: (إن عثمان قد تعافى، وبعد ثلاثة أيام نحن في السودان). قلت له :(سلّم على عثمان، وقل له نرجو أن يتحقق طلبك الشخصي).

قال لي صالح: (نحن ننتظرك في السودان الأسبوع القادم حيث منحنا السودانيون قطعة أرض كبيرة جداً، بالقرب من كسلا، وتسمى الأرض هذه (ساساريب). وهناك سيقام معسكر للقضايا العسكرية والإدارية. ألم أخبركم بأنه ليس هناك أرض أرترية بيد أحد سوى بيد الجبهة الشعبية هذا لا يعني عدم تواجد مقاتلين لكنه بشكل مجموعات صغيرة.

ودّق جرس الباب المنزلي، وعلى غير عادتي، فتحت الباب لأجد حسن كنتباي، مندوب التنظيم الموحد بدمشق أمامي وشكله غير طبيعي... (خير يا حسن.. أول كلمة قلتها له (ادخل) جلسنا سوية وكانت في يده سيجارة وحسن شاب مهذب، ويعرف الأصول، وبغض النظر عن كل ما قيل حول حسن كنتباي، فأنا أعتبره رجلاً أميناً، من خلال عملي وإياه سوية، (هل حصل لأولادك وزوجتك شيء لا سمح الله...؟ وانقضّت الصاعقة (مات عثمان يا حسن)... وتسمرت في مكاني، ولدقائق ونحن صامتان، وقلت له (أمس كلمني صالح، وقال إن عثمان قد تعافى، وسيغادر القاهرة إلى السودان، "لقد توفي عثمان يوم 1988/4/4 في مشفى السلام بالمهندسين بالقاهرة.

قال لي حسن (إن عثمان بعد إجراء العملية قام بتأدية الصلاة وحدث نزيف ومن جراء هذا النزيف توفي، هذا كل ما قاله لي صالح اياي على الهاتف.

قال (اخبر أبا سعدة)، واتصلوا بي وأنا موجود في فندق (سونيستا بالقاهرة).

وعلى الهاتف قال لي صالح (تعال إلى هنا!) كان صالح صديقي الحميم، وكان يريدني دائماً إلى جانبه، وأنا كذلك لكّن الأمور لم تكن في صالحنا، قلت في نفسي (ماذا سأفعل إذا ذهبت إلى مصر)؟ وآثرت البقاء في دمشق مع حسن، لنفكر ماذا سيحدث لهذا التنظيم غير المجيد؟ رحمة الله عليك يا عثمان، والله يساعد الشعب الأرتري.

رغم كل تصرفات عثمان سبي، إلا أنه كان رجلاً وطنياً عربياً، ثقافة وعملاً، والآن وقد مضت على وفاته عشر سنوات، وأنا أعتبر وفاته بهذه الطريقة أمر غير طبيعي؟ وكنت قد شككت بظروف وفاته، واطلعت الرفاق عليها.

هل سمعتم أن إنساناً يموت من جراء عملية جيوب أنفية؟

إن عثمان كما اعتقد.. مات مقتولاً! والتاريخ هو الذي سيثبت صحة هذا الكلام أو خطأه.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click