ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة التاسعة والثلاثون

بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية

أسياس يلتقي بيريز وبيريز يتحدث عن حكومة الجبهة الشعبية:

بعد سنوات بلغت حوالي ستة عشر عاماً وبعد استقلال ارتريا

ارتريا من الكفاح المسلح الي الاستقلال 2

نشرت صحيفة ارتريا الحديثة في العدد رقم 29 تاريخ 1993/1/13 وبالخط العريض تقول:

1. الأمين العام يتماثل للشفاء ويلتقي بيريز.

2. ارسال الرئيس للعلاج شأن داخلي لا يعني السوريين.

وانتقدت الحكومة السورية بتاريخ 1993/1/11 أن يعالج الأمين العام للحكومة الارترية المؤقتة في إسرائيل، فالت صحيفة تشرين الناطقة بلسان الحكومة السورية في تعليق لها (إن البيان المقتضب الصادر عن الحكومة الارترية والذي يتحدث بخجل عن نقل الأمين العام للحكومة الارترية المؤقتة إلى إسرائيل يظهر مدى الحرارة التي شعر بها المواطن الارتري وهو يرى رئيسه ينقل إلى أرض معادية للعلاج وفي أول عام من انتهاء الاحتلال، وكأن الدنيا وقفت عند حدود إسرائيل).

الحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح أما الكلام الصحيح فهو غير ذلك، إن الذي كتب في ارتريا الحديثة لم يقرأ الجريدة السورية ولم يشاهدها بل أمليت عليه هذه الكلمات املاء كما تخيل المسؤولون الارتريون.

والذي كتب المقال في جريدة تشرين السورية مواطن سوري يعبّر عن رأيه بعد أن سمع بأن السيد أسياس أفورقي ذهب ليعالج في إسرائيل وهذا شيء مؤلم ومرير لأن صوت القنابل الإسرائيلية التي دمرت وذبحت وقتلت الشعب الارتري لا يزال صداها يرن في الآذان.

إذن كان هذا رأي لمواطن عربي سوري آلمه أن يذهب أول رئيس حكومة ارترية إلى إسرائيل بحجة التداوي، من كان يعطي الأثيوبيين سلاحاً ؟ليحاربوا ويقتلوا ويحرقوا الشعب الارتري.

هذا هو الرد الارتري كما جاء في جريدة ارتريا الحديثة والذي قال:

إننا لا نستغرب إطلاقاً أن يصدر تصريح للحكومة السورية بشأن قضية ارترية داخلية تتعلق بإرسال الرئيس للعلاج تخص الحكومة الارترية، لأن السوريين يريدون ممالئة موقف الاستخبارات السعودية المعادي للقرار الارتري المستقل والبيان السوري ما هو إلا محاولة لسلب القرار الارتري فالارتريا الحق بالسماح لمواطنيها العلاج في أي مكان تختاره بما فيه حق الرئيس الارتري في المعالجة في الخارج وارتريا لا يمكن أن تخجل من إرسال رئيسها للعلاج في الخارج بما فيه إسرائيل، ولم تعد إسرائيل ذلك الكيان المعادي الذي تتحدث عنه سورية كل ما في الأمر هو أن البيان الحكومي السوري ما هو سوى بيان مدفوع ثمنه مقدماً من الأمير تركي الفيصل ولله في خلقه شؤون وبهذه المناسبة حضرني هذا الموقف "أن عزرائيل عندما أراد أن يقبض روح إبليس قال له إبليس راجياً أطلب من الله عز وجل أن يطيل عمري، ولما سأله عزرائيل عن السبب أجاب إبليس :حتى أجمع معي قوم الكافرين."

إن العداء من بعض قيادة الجبهة الشعبية المنتقدين للعرب وللعروبة كان منذ تأسيس الجبهة الشعبية ففي شهر أغسطس/آب أدلى السيد أسياس أفورقي بحديث إلى مجلته المعروفة باسم ساقم أي العودة ورقم العدد 25.

سؤال من المجلة للسيد أسياس كانت للدول العربية منذ زمن طويل علاقات مميزة بالقضية الارترية غير أن العالم العربي لا يبدي اهتماماً أليس غريباً.

أسياس: إن واحدة من المسائل التي لا يستطيع المرء أن يتحدث عنها بمليئ فمه هي مواقف الدول العربية والأمر الغريب أن الاعتقاد السائد في أوروبا وفي أمريكيا خاصة هو أن معظم أسلحتنا تأتينا من ادول العربية كما يعتقدون بأن الدول العربية تمدنا بمئات الملايين من الدولارات أما في أفريقيا فهي أسوأ ويستشهد على ذلك بقول كاوس كاوندا في مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية بأنه على الدول العربية والكلام لكاوندا أن تكف عن تقديم الدعم للثورة الارترية.

يتابع أسياس قائلاً: إذا نظرنا إلى المسألة بواقعية فإننا سنجد أن الدول العربية لا تقدم للثورة أي دعم مادي أو عسكري فليس هناك مساعدات، وبغض النظر عن أي سيء فإن الدول العربية لا تقدم حتى الدعم المعنوي.

ويتابع أسياس قائلاً: من الصعب التحث عن دولة عربية واحدة تسعى بجدية إلى إثارة القضية في الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي. الدول العربية لم تقدم للشعب الارتري حتى في أسوأ سنوات الجفاف والمجاعة التي تعرض لها أي إغاثة أو مساعدات، إن هذه الحقيقة الأخيرة هي من أكثر المسائل التي تدعو للحزن فيما يتعلق بدور الدول العربية في ارتريا.

ويتابع أسياس القول: ويعني به هذه المرة المملكة العربية السعودية ودول الخليج فيقول: ربما ادعت هذه الدول بأنها تقدم مساعدات لبعض الأشخاص أو المجموعات إلا أن هذه المساعدات تهدف في حقيقتها إلى إضعاف وحدة الشعب الارتري وبالاجمال يمكن القول فيما يتعلق بدور الدول العربية تدعم الثورة الارترية بكل طاقاتها وما يخلقه ذلك من تعقيدات للقضية سياسياً ودبلوماسياً، عملياً لا توجد أي مساعدات من الدول العربية بل يبدو أن دور هذه الدول هو السلبية هناك تناقض واضح بين التصوّر الذي كان لدى الكثيرين عن طبيعة الدعم العربي وعلى الثورة الارترية أن تتصدى بجدية للمحاولات التي تقوم بها الدول العربية لإضعافها. نعم هكذا قال أسياس إلى مجلتهم ساقم.

وفي 1978/6/18 أرسل ادريس نور حسين المسؤول في مكتب العلاقات الخارجية في دمشق إلى الأخ تسفاي هذه البرقية: إن أسياس أفورقي كان في المانيا الديمقراطية والتقى مع العدو الأثيوبي ونتائج اللقاء غير ناجحة التوقيع: ادريس نور حسين وفي عام 1978 أيضاً جرت احتفالات بمناسبة مؤتمر التضامن الأفريقي العربي الذي عقد في أديس أبابا وفي مسيرة شعبية حمراء كانت الجماهير الأثيوبية الثورية الحمراء ترفع أعلام الحزب الثوري لشعوب أثيوبيا .كان يجلس على منصة العرض منغستو هيلا ميريام رئيس الدولة وبجانبه رؤساء وفود من المنظومة الاشتراكية.

ألقى الرفيق فيدل كاسترو كلمة قال فيها:

"إننا نطلب من الرفاق الأثيوبيين أن يحلوا قضية ارتريا حلاً سلمياً وعلى أساس النظرية الماركسية اللينينية بحق تقرير المصير هذا هو رأي الزعيم فيدل كاسترو وبتاريخ 1980/2/15 كان الأخ ادريس حمداي في دمشق وهو رجل مطلع إلا أنه دائم الخلاف مع عبدالله ادريس وقد التقيت بحمداي مرات عديدة في ارتريا وفي السودان ودمشق أيضاً، كان ادريس هذه المرة عائداً من عدن حيث كان رئيساً لمكتب جبهة التحرير في اليمن الديمقراطي، التقيت به ثم شكا لي التقصير والإهمال اللذان يسودان التنظيم وكيف أن الجبهة والورق الأخضر أصبح كثيراً فيها.

قلت له: أي أن الأمور مهلهلة وقال لي يا أخ أحمد أنت شقيقنا وأنت شاهد على تاريخنا النضالي وإني ما أقوله لك هو بعض الحقائق إن وضعنا يسوء وأنا لا أعرف ماذا أقول وأفعل، وروى لي الاهمال والتقصير.

قال حمداي: إذا لم نهتم بقضيتنا فمن الذي سيهتم بها؟

طلبت من الأخوة أعضاء القيادة القدوم إلى اليمن للتباحث مع القيادة، هناك وأنت تعرف أهمية اليمن والبحر الأحمر قبل لقائي بك هنا في دمشق كنت التقيت بمسؤول كبير في عدن وهو الرفيق مطيع صالح عضو المكتب السياسي وسكرتير دائرة العلاقات الخارجية في الحزب.

وقال لي: إنكم في غياب ونرجو أن يكون هذا الغياب خيراً لكم.

ثم قال: إن الحزب الاشتراكي اليمني ما زال عند موقفه وهو الحل السلمي لقضية الشعب الارتري. أرجو أن تخبر الرفاق في الجبهة ضرورة زيارتنا هنا في عدن، وسوف نناقش في المكتب السياسي موعد الزيارة يا أخ أحمد، هناك ظروف كثيرة مواتية لنا، وعلينا أن نستفيد منها، فالأخوة في سورية والعراق والسعودية ومصر وبقية الأشقاء يدعموننا بالمال والسلاح، ونحن في غياب كما قالوا: خلافاتنا تكبر بيننا. أتعلم كم أشقاؤنا العرب حريصون علينا. إن الأخ مطيع عضو المكتب السياسي أخبرني، وقال لي: لدينا وفد سري في اثيوبيا وسوف نعلم ما إذا كان هناك تطور جديد في موقف الأثيوبيين، إن رؤساء سورية والعراق والجزائر وبقية الدول العربية قد تكلموا مع السوفييت بخصوصكم ونحن بدورنا نفعل ما بوسعنا وهناك أيضاً تطورات ونريد منكم أن ترسلوا وفداً إلى هنا لوضع ترتيبات جديدة مع الأثيوبيين علّنا نصل إلى حد ما في حل القضية الارترية.

كاسترو و الصومال:

في شهر آذار/مارس من عام 1977 كنت أجلس مع صالح اياي وادريس قلايدوس وبعض الأخوة الارتريين ثم أمسكت بيد قلايدوس وجلسنا جانباً، وبعد السؤال عن الصحة والحال قلت لقلايدوس: أرى أنك في دمشق ولست في هافانا فما الذي حدث؟ وكان قد عين ليرأس المكتب في كوبا.

أجابني وببروده المعتاد: (أسأل صاحبك اياي)، وكنت قد عرفت أن قلايدوس لا يصلح للعمل في كوبا وهو من يحبون أنفسهم، وهو ينحاز لنفسه انحيازاً كاملاً.

قلت له: "يبدو أن القاهرة تلائمك أكثر فكيف العمل في القاهرة".؟

إن العمل في مصر له ثقله، أجابني قلايدوس، والله إن الأمور تجري بشكل لا بأس به، ثم قال لي (قبل أيام التقيت بالأخ محمد شريف محمود رئيس الدائرة العربية والشرق الأوسط في الخارجية الصومالية، وهو صديقي وزميلي في الدراسة، أخبرني الأخ شريف أن كاسترو عندما زار الصومال كان الجو متوتراً والحوار ساخناً بين زساد بري وكاسترو.

قلت لقلايدوس ألم يخبرك الاستاذ محمد شريف محمود بطبيعة زيارة كاسترو للصومال وهو الذي قطع كل هذه المسافة؟

أنت قاطعتني، وأنا سأروي لك ما سمعته من صديقي محمد شريف تفضل يا أخ ادريس تابع نضالك.. جاء كاسترو إلى الصومال موفداً من الكتلة الاشتراكية للتقريب بين أثيوبيا والصومال، وقال كاسترو بأن منغستو سيطر على الموقف، وهو زعيم ماركسي أي أنه اشتراكي التوجه. وعلى الصومال الثوري الاشتراكي أن يسانده ويقف إلفى جانبه بلا تحفظ، فرد عليه زياد بري بأن النظام في أثيوبيا، ما دام لا يعترف بحق بقية الشعوب في تقرير مصيرها كالشعب الارتري مثلاً، فلا فرق عند الصومال بين هيلاسيلاسي ومنغستو، فكلاهما استعماريان، وقد احتد النقاش بين كاسترو وبري فما كان من كاسترو إلا أن قال مهدّداً بأن المعسكر الاشتراكي يصعب عليه الاشتراك في مساعدة الصومال، وخاصة بأن الصومال بات يشكّل خطراً على النظام الاشتراكي في أثيوبيا.

فردّ عليه بري قائلاً: "نحن نرفض أي تلويح بالتهديد، ثم قال لكاسترو: اسمع عندما اخترنا الاشتراكية تم هذا بقناعتنا وليس للحصول على مساعدة عسكرية أو اقتصادية، ولم نستأذن من أحد حين اخترنا هذا الطريق، ولهذا سوف نستمر في اختيارنا الاشتراكي وفق تحقيق مصالح شعبنا دون أن نعبأ بالآخرين رضخوا أم لم يرضخوا".

وانسحب كاسترو غاضباً وقال إن كلامه لا يعني ذلك فنحن نؤمن بأن الصومال دولة اشتراكية ثابتة ومستقرة مع أن النظام في أثيوبيا له توجه اشتراكي، فهو لم يستقر بعد. لذلك ليست هناك مقارنة بين النظامين، وكل ما نريده هو مساندة هذا النظام.

ثم سخن الحوار وازداد توهجاً حين قال كاسترو لبري: إنك ترسل أسلحة ومدربين ومقاتلين من الجمهورية إلى أوغادين وحتى إلى ج. ت. أورومو وذلك لتقويض النظام في أثيوبيا.

وردّ عليه زياد بقوة قائلاً: "لا تنسوا بأن النظام يعاني بالدرجة الأولى من الثورة الارترية، فهل يعتقدون أيضاً بأنني أحرّك الشعب الارتري الذي يحارب منذ 16 عاماً"؟.
ثم اقترب مني قلايدوس وهمس بإذني "إن بدغورني سوف يزور الصومال قريباً، وهذه معلومة من مصادر مطلعة. أتعلم يا أخ أحمد أن الصوماليين مهتمين بثورتنا أكثر من أوضاعهم وأقول لك معلومات خاصة وأنقل لك معلومات مهمة جداً. قبل فترة زار وفد أمريكي عالي المستوى الصومال، وكان هذا الوفد من الخارجية الأمريكية، جاء لتحسين العلاقات بين الصومال وأمريكيا.

قلت لقلايدوس: من أين مصادرك؟

أجاب: "سمعت هذا الكلام من أقرب الناس للرئيس زياد بري، قال الصوماليون للأمريكيين أنتم تتحملون مسؤولية معاناة الشعب الارتري، فأنتم أصحاب القرار الفدرالي بضم ارتريا إلى أثيوبيا، وعندما عمل الامبراطور هيلاسيلاسي وضم ارتريا بالقوة وقفتم تتفرجون ولم تفعلوا شيئاً، رغم مسؤوليتكم، وقفتم مع هيلا سيلاسي في بطشه وتعذيبه للشعب الارتري، ولهذا فإن الشعب الارتري لا يحمل لكم، إلا أسوأ الذكريات.

سألت كلايدوس: أنت هنا للعمل أم للعلاج؟

فضحك ببرودة وقال "الأثنان معاً"؟!

وافترقنا وكنت أعرف مسبقاً بأن ادريس قلايدوس أتى إلى دمشق من أجل التشاور مع رئيسه صالح اياي وذلك حول إقامة علاقة مع إيران الشاه!.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click