ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - الحلقة الواحد والأربعون
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
الانقلاب الأول في التنظيم الموحد:
قبل وفاة عثمان بحوالي عامين، تم فصل عبدالله ادريس ورفاقه من التنظيم الموحّد بتهمة الخيانة
والاتصال مع العدو الأثيوبي وقد أصدر المجلس الوطني الارتري بياناً سياسياً يقول هذا البيان: (لهذا... وبعد دراسة موضوعية لواقع الحال، والظروف المحيطة. اتخّذ المجلس قراراً بفصل الضالعين في مؤامرة الخيانة الوطنية، من أعضاء اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني وهم:-
1. عبدالله ادريس محمد - النائب الأول لرئيس اللجنة التنفيذية.
2. عبدالقادر جيلاني - النائب الثاني.
3. آدم صالح.
4. يوهنس ذرء ماريام - رئيس المجلس الوطني.
5. محمود حسب.
6. حامد محمود.
وقد صدر هذا القرار عن قيادة التنظيم الموحّد: وبعدها صدر ما سمي بملف الخيانة رقم واحد يقول هذا الملف:
إن عبدالله ادريس وزملاءه تخابروا مع العدو الأثيوبي، وأقاموا جسوراً من التفاهم والتعاون معه، وقام الأثيوبيون بإعطاء عبدالله ادريس سيارتين محملتين بالأسلحة من أسلحة الجيش الأثيوبي. تمت هذه المعركة المصطنعة بتاريخ 1986/3/13.
هذه هي رواية المجلس الوطني، أو ماسمي بملف الخيانة رقم واحد.
وكنت قد سألت عثمان سبي: (هل هذا صحيح ما فعله عبد الله ادريس)؟
قال عثمان (إن عبدالله ادريس - من أجل السلطة - يفعل أكثر من هذا).
وفي وقت آخر قلت لصالح اياي أعتقد وأجزم بأن فراقكما، وأعني عبدالله ادريس وصالح اياي، أصبح فراقاً أبدياً إلى يوم القيامة. وهما صاحبا حركة (25) آذار /مارس، ولولا مساهمة صالح اياي في هذه الحركة لباءت بالفشل. قال لي صالح اياي (هذا ما جاء في الملف أما رأيي أنا فمن الصعب تصديق هذا، ألم أقل لكم أن هذا التنظيم له وضع خاص وهو غير متجانس؟.
أما رأيي أنا فإنني أقول وبكل أمانة وصدق، إن هذا الملف ملفّق وعبدالله ادريس ورفاقه عرب وطنيون بلا أدنى شك وإن الذي أوحى بكتابة هذا الملف، هو عثمان سبي ودبلجة كتابة وتصوراً هو عمر جابر.
وقبل انعقاد المجلس الوطني بيومين، أي في 1986/7/20 وفصل عبدالله ادريس وزملائه، وزيادة في البلبلة وإثارة للفتن، قامت الجبهة الشعبية باغتيال المناضل (ولد داويت تمسكن) عضو المجلس الوطني، وكان ذلك في مدينة كسلا، فولد داوين عمل في الحركة الطلابية في مندفرا واسمرا والتحق بالجبهة عام 1965 وكان يعمل سراً ضد سلطات الاحتلال الأثيوبية في اسمرا واعتقل فيها وحكم عليه بالسجن 10 أعوام، قضاها كاملة.
وعندما تسلم الحكم العسكريون في أثيوبيا تم تبديل الحكم من عشر سنوات إلى الإعدام، وقبل تنفيذ الحكم تم تحرير سجن سنبل عام 1975 على يد الشهيد سعيد صالح والذي قتل أيضاً في مدينة كسلا السودانية في وقت لاحق، وعيّن ولد داويد مشرفاً ادارياً على الوحدة رقم 9 وذلك من عام 1975-1978، ثم عين قائداً للواء 61، ثم قام بدورة عسكرية في سورية لغاية عام 1980 وبعدها عاد ليعين قائد لواء ومشرفاً على الجبهة الوسطى وفي عام 1982، انتخب في المؤتمر الوطني الثلث (عبدالله ادريس) عضوا في المجلس الوطني ومديراً لمكتب المنظمات الجماهيرية. في ظل هذه الأجواء المحمومة والمسمومة، ونتيجة الفراغ وطرد أعضاء من اللجنة التنفيذية، تم انتخاب لجنة تنفيذية جديدة في 1986/2/28، فالتغيير إذن قد تم وأصبح التنظيم الموحد يهيمن عليه عثمان صالح سبي كما أراد.
كان هذا الحدث في 1984/5/4 وزادت الخلافات تفاقماً بين التنظيم ككل، خاصة بعد وفاة عثمان وصار أعضاء القيادة يريدون اقتسام التركة التي خلفتها وفاة عثمان، إلا أنه تم اختيار عمر برج رئيساً للتنظيم والذي يعتبر نفسه الخليفة الأكيد لعثمان سبي. إلا أن هذا لم يرق إلى كل من عثمان أبو بكر، مندوب التنظيم الموحد في دولة الإمارات، وعلي برحتو. وإذا قلنا الحقيقة فإن أكفأهما هو "الأخ علي برحتو" فهذا الرجل مثقف وله القدرة على التحرك والاقناع.
النفق المظلم:
ودخل التنظيم في نفق مظلم، هذا أفضل ما سمعته في تلك الفترة إلا أن هذا النفق كان واضحاً لي، وللمطلعين على مجريات الأمور، داخل التنظيم الموحّد.
"فالجبهة الشعبية كان لها أشخاصاً في قيادة التنظيم الموحّد وفي الكوادر، وحتى بالجنود"، لقد كان التخريب متعمداً، وفي إحدى المرات عندما كان عدد من أعضاء القيادة يزورون المقاتلين احتجزهم المقاتلون، وطالبوا القيادة بأن تراجع نفسها، وتتوقف عن عمليات البذخ والفوضى. فمثلاً إن أحد القادة الكبار قام بجولة ترفيه في بعض الدول الخليجية ورافقته زوجته، وهذا أمرغير طبيعي وغير مألوف بالنسبة للثورة عامة وللأرتريين خاصة، كانت هناك نزهات سياحية، ويا ليتها كانت تثمر عن شبء،لم تكن تثمر إلا عن الزيادة في التفكك.
أحد المسؤولين قال لي (أريد أن يكون لي حرس شخصي، فأرجو أن تجد لي وسيلة لتدريب عدد من الشبان الارتريين، حتى يكونوا لي حراساً شخصيين، وصدقوني أن هذا الإنسان ليس له مكانة ولا يشكّل - لا سابقاً ولا حاضراً ولا مستقبلاً - شيئاً ذي أهمية. وكل ما في الأمر أنه يحب الظهور ولديه امكانيات مادية).
إذن هناك بعض القياديين يريدون حراساً شخصيين. لو طلب محمد أحمد عبده، قائد القيادة العامة، أن يكون له حراساً، فمن الممكن التفكير في الأمر.
أكياس السكر والدقيق:
في يوم من الأيام طلبت إحدى سفارات الدول العربية في الخرطوم وفداً على مستوى قيادة لأمر هام، وذهب هذا الوفد لمقابلتهم. هل تعرفون ماذا كان يرتدي هؤلاء المناضلون؟ إن سراويلهم وقمصانهم مصنوعة بأيديهم ومن أكياس السكر والدقيق، عندما رآهم السفير العربي، اعتقد أنهم يطلبون حسنة وليسوا هم الوفد القيادي المطلوب للمقابلة الهامة، أسألوا المناضل محمد عمر يحيى ألم يرتدي سروالاً وقميصاً من أكياس الدقيق والسكر؟ أسألوا قائد جيش التحرير الارتري محمد أحمد عبده ماذا كان يرتدي في وقت من الأوقات؟ وأين يعيش الآن.... أسألوا زملائهم المناضلين ماذا كانوا يرتدون؟ وماذا كانوا يأكلون؟؟!
في عام 1970 قابلت أنا والأخ صالح اياي السيد الرئيس حافظ الأسد، في دمشق كان صالح اياي ينتعل الصندل وقميصه الخاكي ممزق من طرف كمه.
قال لي مسؤول التشريفات (أنت أتيت بشحاد تشحد عليه أم بمسؤول أرتري)؟ ولولا لم تكن المقابلة مقرّرة، وحان موعدها لما، أدخلنا مسؤول التشريفات، إلى السيد الرئيس. والله أقول لكم لم يكن لدى صالح اياي في حينها ثمن قميص وأنا كذلك؟.
محمد أحمد عبده هذا القائد الكبير - كان في جيبه تسعين ألف دولار، وجدته عند بائع الفول السوداني في كسلا يفطر بعدة قروش، قلت له: (يا أخ محمد أنت تملك كل هذه النقود لماذا لا تأكل جيداً؟). أجابني (إنها ملك الثورة، وأنا لا أملك منها مليماً واحداً).
واليوم أين محمد أحمد عبده؟ هذا القائد الذي أوصل بشجاعته وأمانته الشعب الارتري إلى مؤتمرهم الأول؟ وقاتل الأثيوبيين قتالاً شرساً ورافقته في عدد من المعارك.
لقد رفض العيش في ظل حكومخة الجبهة الشعبية وقال: (لا أستطيع العيش وأنا أرى نكران وجحود قيادة الجبهة الشعبية ومحاولتها طمس شخصية الانسان الارتري، والمتمثلة في ثقافته وعلاقاته بأشقائه. أن محمد أحمد عبده يعيش اليوم في مدينة كسلا السودانية بين اللاجئين الارتريين الذين بنوا له كوخاً من الطين والقش يعيش فيه.
مؤتمر التنظيم الموحد:
بعد فترة انعقد مؤتمر التنظيم الموحد ولكن أين تم انعقاد هذا المؤتمر؟ هل في العمق الارتري، أم على الحدود السودانية الارترية كغيره؟.
إن المؤتمر الوطني الأول لجبهة التحرير الارترية عام 1971 انعقد في عمق الأراضي الارترية، وفي منطقة آر وكذلك المؤتمر الثاني للجبهة، أما المؤتمر التنظيمي الأول لقوات التحرير الشعبية فقد عقد في الأراضي الارترية القريبة من الحدود السودانية، كذلك المؤتمر الثالث للجبهة (عبدالله ادريس) فقد عقد على الأرض الارترية قريباً من الحدود السودانية.
أما المؤتمر هذا فإنه عقد في عمق الأراضي السودانية وفي منطقة قريبة من مدينة كسلا تسمى ساساريب أما لماذا لم يعقد في الداخل؟ فالإجابة على هذا السؤال متروكة لقادة التنظيم.
أما أنا فأقول لأنهم لا يملكون القدرة على انعقاده في الأراضي الأرترية، والسبب هو خوفهم من قاعدتهم المتمثلة بالجنود والكوادر السياسية المتبقية. نعم كانوا خائفين على حياتهم، ثم إن ما يمكن توفيره هنا، من النعيم لا يمكن توفره هناك. وسأشرح لكم ما رأيته وما صوّرته، فكل كلامي موثّق بالحقائق.
قلت لقادة التنظيم الموحد لي سؤوال: (أنتم تقولون أن لديكم أراض محرّرة وتأخذون السلاح والمال لذلك فلماذا لا يعقد المؤتمر في الداخل؟ لم يجبني أحداً منهم).
قلت للأخ حسن كتنباي: (والله يا أخ حسن أنا ليس في نيتي أن أحضر هذا المؤتمر).
أجابني: (يا أخ أحمد! نحن في سورية مع بعض، وعانينا سوية، ولربما نستطيع أن نصحّح، أو على الأقل نقف بوجه الانحرافات والتدهور، الذي أصاب هذا التنظيم فليس لدينا خيار آخر).
وكنت قد اتفقت مع الأخ صالح على حضور المؤتمر، إلا أنني كنت أبحث في نفسي، عن عذر يمكّنني من عدم الذهاب إلى السودان وحضور المؤتمر. لكن الأخ حسن ووعدي للأخ صالح وبقية الرفاق هو الذي جعلني أعدل عن رأيي، واتفقت مع الأخ حسن كتنباي حينها مسؤول مكتب دمشق للتنظيم. وإذا سألتموني عن معنى كتنباي أقول لكم تعني "أمير".
سافر حسن قبلي إلى السودان وكانت لديه أمور خاصة عليه انجازها، وبعد أيام اتصل الأخ حسن كتنباي.
قال لي بالحرف الواحد "نحن بانتظارك". قلت لحسن: "خلال أيام أكون عندكم".
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة