حرب الجياع - الحلقة الحادية عشر
بقلم الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة - صحفي سوري - صديق الثورة الإرترية
ثلاث دول يجب أن تحيط بالوطن العربي إيران ـ تركيا ـ اثيوبيا دافيد بن غوريون
في عام 1948 حدد دافيد بن غوريون استراتيجية قيام الدولة العبرية بثلاث دول تحيط بالوطن العربي:
1. تركيا ـ تهدد سوريا والعراق.
2. إيران الشاه ـ تهدد دول الخليج.
3. اثيوبيا ـ تهدد مصر والسودان وبقية الدول العربية التي لها شواطئ على البحر الأحمر.
وهذا ما أراده بن غوريون وقد تحقق هذا كله باستثناء إيران الثورة الإسلامية التي خلعت الشاه وطردته، ثم قامت بإغلاق السفارة الأمريكية والإسرائيلية وسلمت السفارة الإسرائيلية بطهران إلى منظمة التحرير الفلسطينية. بقي خطين في مثلث التأثير الإسرائيلي، الأول تركيا، والثاني اثيوبيا.
بدأت إسرائيل بعقد الاتفاقيات والتحالفات الاقتصادية والعسكرية مع تركيا وهي معروفة وواضحة للجميع، ثم قامت إسرائيل بالتحالف مع اثيوبيا اقتصادياً وعسكرياً منذ ميلادها القيصري عام 1948 ثم مدت أذرعها في إفريقيا مروراً بالبحر الأحمر وتحديداً في مضيق باب المندب ومن المعلوم استراتيجياً أن باب المندب يعد نقطة هامة ومن يستحوذ عليه تصبح أيديه قوية وجاهزة لتخنق من تريد وتفلت من تريد. فالمتحكم بباب المندب يعد متحكماً ومسيطراً على الملاحة والتجارة الدولية بالإضافة إلى المزايا الاستراتيجية والعسكرية. وتمشياً مع استراتيجية التغلغل الإسرائيلي، سعت الدولة العبرية منذ عام 1948 إلى إيجاد منافذ وجيوب لها في القارة الإفريقية، فاختارت اثيوبيا وسيلة ومنفذ لها في إفريقيا وشرق آسيا، وبعدها تقوم بعملية التفاف نحو الجنوب العربي وتعمل على التهديد ثم التطويع، إذن إسرائيل تعد اثيوبيا لكي تكون قاعدة أساسية لها في القرن الإفريقي. واثيوبيا قبلت أن تكون الجسر الذي تطأه الأقدام العبرية، لهذا تمثل اثيوبيا اليوم الباب الشرقي لإسرائيل في القرن الإفريقي.
كما إن أمريكا الصهيونية العالمية تعد اثيوبيا لدور إقليمي كبير في المنطقة حيث ترمي إلى تغيير خارطة المنطقة جغرافياً وسكانياً وسياسياً حيث تعمل على إقامة دولة تجراي تجرينيا هذه الدولة يفترض أن تتكون من هضبة تجراي وهضبة ارتريا. ثم تأتي منطقة أخرى تسيطر عليها القومية التوتسيه وتشمل منطقة البحيرات العظمى وجنوب السودان بعد فصله عن شماله. ما الهدف من كل هذا؟!!.
الجواب واضح تماماً ويمكن إيجازه في الآتي:
1. تطويق الأمة العربية وذلك بالاستيلاء على البحر الأحمر.
2. التحكم في مقدرات الأمة العربية.
3. حذف السودان والصومال من الخارطة العربية.
4. القرب من منابع النيلين في اثيوبيا ويوغندا.
5. تقوية الوجود العسكري والأمني في ارتريا.
وبناءً على ذلك فقد خرّجت إسرائيل 18 دورة أمنية ارترية وكل دورة تضم 20 ضابطاً.
ثم أرسلت إسرائيل 180 خبيراً عسكرياً في نهاية عام 1991 لتدريب الجيش الارتري ثم تتالى قدوم الخبراء العسكريين تحت اسم خبراء زراعيين وقد تمركز هؤلاء الخبراء في كل من إقليم بركة ـ أكلي قوزاي ـ وسراي ـ بالإضافة إلى عدد من القرى الواقعة قرب الحدود السودانية ثم أنشأت بعض الثكنات العسكرية في أماكن مختلفة من ارتريا ثم قدمت خمساً وسبعين منحة دراسية في عام 1992 وبدأت تبادل الوفود في شتى المجالات. بعد هذه الزيارات قام اسحاق رابين وشمعون بيريز بتنفيذ ما سمى بخطة اسحاق شامير ونصب اسحاق رابين و موشيه شاحاك وزير الشرطة ورئيس جهاز الموساد السابق، مسؤولان عن ملف العلاقات الارترية الإسرائيلية، بعدها قام موشيه شاحاك بزيارة سرية إلى ارتريا وكان بصحبته وفد مؤلف من موردخاي غور نائب وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات العسكرية وبعض قيادات الدفاع الجوي وذلك بتاريخ 13-2-1993 وقد استمرت الزيارة السرية خمسة أيام، وقد رافق الوفد الإسرائيلي عدد من ضباط المخابرات الارترية ومنهم رئيس جهاز المخابرات الفرع الخارجي عيسى أحمد الذي يشرف وينفذ عمليات الاغتيال في ارتريا وخارجها.
زار الوفد كل من تسني المحافظة الارترية المتاخمة لمحافظة كسلا السودانية ثم منطقة ساوا حيث معسكرات التدريب للجيش الارتري وأخيراً انتقلوا إلى الساحل الارتري وزاروا كل من عصب وبوري ومصوع وبيلول وجزيرة دهلك ثم عاد الوفد إلى أسمرا حيث التقوا برئيس الدولة أسياس أفورقي.
وفي شهر آذار من نفس العام وقع الرئيس أسياس أفورقي و اسحاق رابين على اتفاق يقضي بأن تتولى إسرائيل تزويد أسمرا بالخبراء العسكريين والزراعيين وإقامة البنية الأساسية الكاملة للمجتمع الارتري بحيث يصبح مشابهة للمجتمع الإسرائيلي ومقابل هذا يسمح لجهاز الموساد والاستخبارات العسكرية بحرية الحركة والعمل والتنقل داخل المحافظات الارترية البالغ عددها إحدى عشرة محافظة، وعلى حكومة أسمرا أن تقمع وبقوة كل الحركات ذات الاتجاه الوطني العربي الإسلامي.
وفي شهر ايار من العام نفسه قدم إلى أسمرا موردخاي غور مع اثنان من معاونيه واجتمع مع كل من الرئيس أسياس أفورقي وعلي عبدالله سيد( ) وقدم لهم مذكرة تحدد الأماكن المنوي إقامة قواعد عسكرية عليها، وهذه القواعد تشمل الرادارات ومحطات التنصت والأسلحة والمعدات التي تتطلبها هذه القواعد، وهذه الأماكن هي:-
1. مدينة أسمرا.
2. سنحيت لقربها من كل من اليمن والسودان.
3. دنكاليا الجنوبية والشمالية.
4. جزيرة حالب بحيث يُعمل فيها محطة أبقار تغطية للوجود العسكري والأجهزة الفنية المتقدمة، بالإضافة إلى تزويد هذه القواعد بعدد كبير من الجنود
الصهاينة مزودين بأسلحة متقدمة، حسب المذكرة التي حملها موردخاي غور.
استجابت القيادة الارترية للمذكرة فوراً، ووقع عليها رئيس الدولة وأضاف إلى توقيعه الآتي "ينفذ ما جاء بمذكرة الأصدقاء فوراً".
هنا قامت إسرائيل ببناء قاعدة عسكرية ومطار في جزيرة دهلك ثم أعادت ترميم منشأتها العسكرية في جزيرة راس سنتيان. والجزر هذه كانت اثيوبيا قدمتها هدية لإسرائيل في عام 1973 أيام حكم هيلاسلاسي، ثم قامت إسرائيل ببناء رصيف صغير على شاطئ جزيرة نخرة كي ترسوا زوارقها الحربية، ثم أدخلت راداراً متطوراً على قمة جبل سوركين وضع هذا الرادار لمراقبة السفن التي تمر عبر باب المندب والمراقبة هذه خاصة بالسفن العربية، وهذه الجزيرة وهذا الجبل في محاذاة جزيرة ميمون( ) اليمنية وتعتبر هذه المنطقة أضيق وأقصر ممر في البحر الأحمر وهي تقع بين الشاطئ الارتري وجنوب اليمن حيث تقع فيها جزيرة فاطمة التي يوجد فيها مصنع إسرائيلي لتعليب الأسماك، كما تم إعداد مبقرة في جزيرة حالب.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة