حوار التساؤلات مع كتاب مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية

بقلم الأستاذ: محمد اسماعيل هنقلا - كاتب إرتري - ملبورن، استراليا

صدر كتاب المناضل ابراهيم محمد على تحت عنوان - مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية

مسيرة جبهة التحرير الإرترية بداية ونهايةوهو يعتبر أضافة حقيقية فى تعزيز دور ذاكرة جبهة التحرير الارترية.

هذه الذاكرة التى تتعرض الى تخريب وتشويش متعمد، ونبدأ قرأة الكتاب بالتساؤلات حتى تخدم غرض منهج القرأءة، نبدأ بالتساؤلات التالية:-

• هل جاء الكتاب كما يجب.. أضافة حقيقية لفعل قراءة التاريخ...؟

• أم جاء على شكل شهادة ناقصة؟

• وما نوع الخطاب الذى صاغه الكاتب؟

• هل كان نقدا للذات واضاء على ما كان ملتبس؟

• أم كان خطابا تبريريا؟

عبر كل هذه التساؤلات ندخل فى حوار الاتفاق والآختلاف وليس من باب حوار التماثل والتمجيد والتقديس ..لان هذا الاخير لاينتج الا خطاب دائري ولايمارس القطيعة مع الماضى، بل يكرر نفس خطاب الماضي.. لأن التجربة فى الاصل هى أنعكاس لنشاط وفعل الانسان،وبالتالى تحمل فى طياتها الصواب والخطأ، وايمانا بهذا السيرورة يقف الانسان فى احدى المحطات التاريخية لهذه السيرورة،ويبدأ بتقييم التجربة بعيدا عن العواطف أى يقف موقفا نقديا من أخطأ التجربة، وبعقلية نقدية يقرأ التجربة ويبرز جانبها الايجابى والسلبي.. وهكذا تكون التجربة التاريخية اضافة مفيدة بمثل هكذا قراءات وايضا تجنب المجتمعات تكرار الأخطاء... وضمن هذا الفهم يأتى الكتاب كقراءة، ثم يليه قراءة القارئ عندما يصل الكتاب الى يد القارئ، اي المتلقي.. ووفق هذا المنهج، منهج قرأءة على القراءه يأتى هذا المقال محاورا الكتاب.

أولا - نبدأ بالمقدمة:

كانت المقدمة لم تكون كلاسيكية وبهذا خرجت مقدمة الكتاب من الاسلوب المألوف، التى نجدها فى أغلب الكتب التى تتحدث عن تاريخ وجغرافية اريتريا التى تغرق فى مقدمة طويله وممله، ففى بعض الكتب نجد هذه المقدمة الممله نصف مشروع الكتاب، بمعنى أخر تلتهم كمية لابأس بها من أوراق الكتاب.. فالكتاب بدأ بمقدمة مختصره عن بداية تكون ملامح الشخصية الارتيرية.. السياسية والإدارية والعوامل التى أثرت فى ولادة الشخصية الارتيرية، ثم يدخل الى الموضوع المهم دون أى اطالة، ويبدأ بالتحليل وفق معطيات البيانات السياسية وذاكرة شاهد عيان، وكان مدخل القرأءة يبدأ بحركة تحرير ارتريا كاشفا أنجازات الحركة وأخفاقاتها القاتلة التى أحالة الحركة الى التقاعد السياسى والعسكرى، ثم يتحدث عن ميلاد جبهة التحرير الارترى وصراع الحركة مع الجبهة، وينتقد فى هذه الصراع خطاب الحركه العدوانى الذى أرتفعت نبرته لتتساوا مع خطاب العدو فى تلك الساعة من الزمن الارتيرى كما يقول الكتاب، ثم يواصل قراءته بأسلوب سلس عن تقسيم المناطق وصراع المجلس الاعلى مع ذاته. ورسم الصورة دون أى رتوش ماحدث فى تلك الحظة من عمر العمل النضالى الارترى.

عن بروز مجموعة قبلية والكيفية التى واجهت بها الجبهة تلك الازمة... ويتدرج بنفس الطريقه طريقة القراءة التحليليه ليتقفه مسيرة جبهة التحرير الارترية حتى المؤتمر الوطنى الثاتى وكان موضوعيا فى قراءته... اذن من بداية باب الكتاب الى هذا الفصل أى المؤتمر الوطنى الثانى.

يمارس الكتاب تنشيط الذاكرة الجمعية بأمتياز، ويبرز عناصر الاعاقه التى ساهمت فى تأخر زمن الانتصار وكذلك دور العنصر الثورى الذى ضحى من أجل ازالت العوائق عن مسار الثورة حتى تصل الى ما وصلنا الية اليوم - وهو استقلال أرتيريا... أما أخفاق الكتاب يكمن فى تعريف الازمة التى أخرجت الجبهة من ساحة العمل السياسى والعسكرى... فخطاب الكتاب أصبح أقرب الى التعبئة السياسية من نقد الذات، لانه غيب القراءة الديالكتيكيه التى نلتقيها فى بداية الكتاب حتى فقرة المؤتمر الوطنى الثانى.

لتظهر قراءة أخرى تبريرية وهذا النوع من الكتابة لايساعد فى انتصار معارك ذاكرة الشعب ضد ذاكرة القهر والأستلاب التاريخى، لانها لم تهدم أيديولوجية الغموض أى لم تمارس الحفر المعرفي في جسم الغموض، ولهذا جاءت هذه الفقرة من الكتاب، فقرة أزمة دخول الجبهة عبارة عن أستمرار لخطاب الماضى، خطاب يبرئ الذات ضمنا، ولا يقف موقف نقديا من الازمة، المتمثلة فى الحزب والتنظيم… وخاصة الحزب الذى يقول عنه عمر محمد احمد... أصبح الحزب صورة مصغرة لتنظيم الجبهة، وأصبح يعانى فى السنوات الاخيرة، من خلافات حادة فى صفوفه، والامر الذى أنعكس سلبيا على مجمل تنظيم - الجبهة - انتهى الكلام.. أما المناضل ابراهيم يتحدث فى الكتاب عن ميلاد الحزب والاهداف التى تأسس من أجلها لكن لم يتحدث عن دور الحزب فى الازمة وموقفه من الأزمة.

واذا كان صراع داخل الحزب كما يقول عمر محمد أين الحزب من مبادئه القائله: الأرتقاء بالصراع داخل الجبهة من صراع العصبيات الضيقة الى صراع فكرى سياسى عقلانى، وإن غابت السياسة العقلانية عن تنظيم صراع أفراد الحزب... جعل تنظيم الجبهة ينقسم إلي أكثر من طرف... لتتحول بذلك المبادئ الى مجرد شعارات للاستهلاك.

كما غابت عن الكتاب الصورة الواضحة لدور الحزب ومسؤلياته تجاه الآزمة التى حولت التنظيم الى أطلال، أطلال تقول لزائرها: كان هنا التنظيم وهكذا فعل به الزلزال...؟ وايضا غابت من الكتاب تجربه مهمة وهى تجربة تحرير المدن والانسحاب منها.. يقول عمر جابر عن ذلك الانسحاب، جاءت الهزيمة لتصبح يتيمة ويتبرأ منها الجميع ويحملون المسؤولية لبعضهم البعض، انتهى الكلام.

ويقصد بهذا الكلام قيادة الجبهة.. أذن الازمة السياسية والعسكرية لتنظيم تبدأ من ذلك التاريخ وليس عندما بدأت المعارك مع الجبهة الشعبية وتنظيم الويانى عكس ما يؤرخ الكاتب... فى الختام أقول البحث عن أسباب هزيمة الجبهة سياسيا وعسكريا الغرض منه ليس من أجل اقامة محاكم وأدانه الفاعل الرئيسى والشريك بل من أجل وضع عجلة التاريخ على مسار الطريق، وكذلك حتى تقرأ الاجيال قراءه صحيحه ثم تستفيد من التجربة وتتجنب الأخطاء عبر قراءة تجارب الماضى وخاصة تجربة جبهة التحرير التى تعتبر تراكم أجابى فى تطور العمل النضالى الإريتري، لأن الجبهة كانت حلقه مهمة فى زمن عمل النضال الارتيري واي قراءة تتجاهل هذه الخلفية تعتبر ناقصه، لانها الجبهة وسعت مدارك الوعى الثورى فى الانسان الارتيري ونتيجه توسع هذا الوعى الثورى خرج نشاط الثورة من مساحة ضيقة الى فضاء بحجم الوطن، وان استقلال ارتيريا كان نتاجا لهذه الحلقة التاربخية المهمة.. وأخيرا ليس آخرا ان كتاب المناضل ابراهيم يعتبر طريقه فى قراءه الاحداث كغيره من الكتب التى تقدم المعلومات بغض النظر عن حجم المعلومة والخطاب الذي يسوغ هذه المعلومه.

لان الحقيقه ليس أحاديه كما يقول الدكتور على حرب، بل هى هذا الشئ الذى لايكف عن التعدد والتنوع والاختلاف، وبالتالى حتى نثرى مصدر الحقيقة التى لاتكف عن التعدد، نحتاج الى مزيد من الكتابه وخاصة من الذين عايشوا التجربة من خلال موقع القرار أو نتيجه شاهد عيان.. قبل أن تختفي المعلومة من أصحابها تحت طبقات جيولوجية، يجب كل واحد أن يكتب ويدلى بشهادته لان السكوت يعتبر جريمه تضاف الى جريمة أنهيار الجبهة.

* المنبر الحر العدد الرابع أغسطس 1994، المجلس الثورى،

* كتاب مائة عام من التضحيات.

Top
X

Right Click

No Right Click