قعزو كاب ناقفة ناب ناقفة - الرحلة من نقفة والى نقفة - الجزء الرابع عشر
ترجمة انتقائية الأستاذ: إبراهيم محمدنور حاج - ملبورن، استراليا تأليف الدكتور: تخستي فقادو
حتى الطبيعة قست علينا!!!
خيارنا ونحن نواجه كوارث السيول التي اجتاحت خور عيلاقمد بالقرب من ماي عطال... لم يكن خيار الصمود
او الهروب... بل خيارنا الاوحد كان الصمود والهروب في آن واحد.
فبعد ان قطعت الجبهة الشعبية الطريق بين اسمرا ومصوع واحكمت قبضتها على مسافة تقدر بعشرون كيلومترات في ذات الخط... كان من الطبيعي جدا ان تجد نفسها في حالة تصدى للمحاولات المتكررة من قبل العدو لإعادة فتح ذلك الطريق الحيوي.
وايضا من الطبيعي جدا ان تتضاعف اعداد الجرحى الذين كانو يتوافدون الى العيادة... مما عقد من مهامنا في رعاية الجرحى.
ونحن في هذه الظروف اي ظروف المواجهة اليومية مع العدو، من جانب آخر كان امتلاء ضفتي خور سخر من وقت لآخر بمياه وافدة (قاشاي.. بالتقرايت) كان يشكل مصدر قلق لنا.. وإن لم يكن بتلك الخطورة في بادئ الامر.
ولكن بعد ايام وتحديدا في اول ايام شهر نوفمبر عام 1977 فوجئنا بسيول خطرة تتسلل الى خيمتنا.. المعروفة بالخيمة الباكستانية... كنا ستة اشخاص داخل الخيمة، نائمون على اسرة قابلة للطي.. كانت تلك في الواقع من الغنائم التي تم الإستيلاء عليها في العملية الفدائية التي قام بها الثوار في ماي عطال... استيقظنا على خشخشة غريبة.. فإذا بها اصوات الجركانات بعد ان جرفتها السيول التي تسللت الى خيمتنا دون سابق انذار ونحن نيام.
قمنا من مرقدنا والذعر يتملكنا... فوجدنا ان الخور قد امتلا من قيف الى قيف... وقد بلغ ارتفاع منسوب المياه حتى الركبة... صراحة لولا اصوات الجركانات المتلاطمة لما احسسنا اطلاقا بتسلل المياه داخل الخيمة... وبسرعة تداعينا الى انقاذ مايمكن انقاذه من الجركانات.
وبعد ايام قليلة من تلك الواقعة كانت لنا جولة اخرى من الصراع مع السيول... بيد انه هذه المرة كان توقيت السيول المدفوعة بمياه وافدة (قاشاي) قبل غروب الشمس... مما سهل علينا جهد التصدي وبالتالي لم تكن هناك اضرار تذكر...
وفي هذه الاثناء زارنا المناضل رمضان اولياي وبحثنا معه مشكلة السيول والمتعاعب التي تواجهنا في الجهاز الطبي وخاصة وحدة الجراحة جراء تلك السيول... التي مافتئت تداهمنا خلسة ودون سابق انذار بين الفينة والاخرى... وما هو الحل.
من جانبه اكد لنا المناضل رمضان اولياي... بأن ظاهرة السيول غير مألوفة بتاتا في تلك المنطقة... والمناضل رمضان اولياي كانت له دراية تامة بتلك المنطقة ذلك اولا لانه من ابناء المنطقة... اضافة الى ان الثوار القدامى كانو يتخذون منها ملاذا آمنا يحتمون بها بعد تنفيذ العمليات الفدائية في بداية الكفاح المسلح... وعليه أخذنا برأي وخبرة المناضل رمضان اولياي... فأهلي مكة ادرى بشعابها!!!... وعليه قررنا الإبقاء على العيادة حيثما كانت.
ولكن ولحظنا العاثر تعرضنا لسيول شرسة في منتصف شهر ديسمبر 1977 بدا ذلك اليوم والسماء قد كساها الضباب.. وكانت اقصى توقعاتنا انه سيعقب ذلك رذاذ طفيف... ولكن عن بعد وخلف التلال الواقعة شرق عيلاقمد... كانت تحلق بكثافة سحاب داكنة ولكنها كانت بعيدة عنا كل البعد.
في تلك الاثناء كنا ننقل بعض الجرحى الى شاحنات خمس لنقلهم الى العيادة في منطقة فلفل... ونحن منهمكون في عملية نقل الجرحى الى الشاحنات لكي تتمكن من المغادرة قبل مغيب الشمس... فوجئنا بإرتفاع مضطرد في منسوب مياه الخور... وذلك دون ان تسقط الامطار عندنا.
فورا اوقفنا عملية نقل الجرحى الى الشاحنات... ودخلنا في سباق مع الزمن لإخلاء الجرحى ونقلهم الى مكان آمن في اطراف الخور... ولم يمض طويلا حتى خيم الظلام مما عقد عملية الإجلاء وانقاذ المؤن والمعدات... وكنا على ثقة بأننا قد قمنا بإنقاذ الجميع ونقلهم الى مكان آمن.. ولكن المناضلة برهانا وهي تقوم بتمشيط المكان للتأكد بأننا لم نترك احدا خلفنا... فجئة لاحظت عن بعد بطانية تطفو في الماء... فقامت بجر طرفها لإخراجها من الماء وكانت المفاجئة اذ كان احد المقاتلين متشبثت بطرف البطانية وهو على وشك الغرق!!!
قالت له برهانا.. لماذا كنت ساكتا حتى هذه اللحظة وانت على وشك الغرق؟ لماذا لم تصرخ انقذوني؟
رد عليها... رايت كان كل واحد منكم يصارع لإنقاذ ارواح رفاقه.
قالت له... ولكن لماذا لم تطلب النجدة.
فكان رده يوحي "لقد قدمت مااستطيع تقديمه للثورة ولن اكون نادما لو غرقت" ذلك المناضل كان مصاب بالكسر في عظمة الفخ.. ولكن احس بالحرج لان يصرخ ويقول انقذوني... في وقت كان الجميع كان يتسابق لإنقاذ رفاقهم... اعتبرها انانية... هكذا كانت تقاليد وسلوك المقاتلين... كان شعارهم استشهد انا ويبقى رفيقي.
عموما تم انقاذ جميع الجرحى ماعدا واحد الذي استشهد... اما خسائرنا في الاجهزة والمواد الطبية كانت كثيرة... ولكن هذا كوم وعملية الخيانة التي قام بها احد المقاتلين كوم... فقد دفع التنظيم ثمنا باهظا جراء ذلك.
نواصل... في الجزء القادم