هوامش على دفتر المغيبين قسرياً - الحلقة الأولى

بقلم الأستاذ: منصور سليمان -  باحث ومترجم إريتري

[1] من دواعي الغبطة والسرور أن إحياء "يوم المعتقل" بات تقليداً سنوياً وسط الإريتريين بمختلف أطيافهم،

باعتباره يوماً يذكرون به العالم بأوضاع مئات آلاف من المغيبين في سجون النظام الإريتري. والمفرح أكثر أن تفشي جائحة كورونا هذا العام لم تثبط عزائم النشطاء، بل جعلتهم يتآزرون أكثر لإحياء المناسبة بصورة ربما أكبر من تجارب السنوات الماضية، حيث شهد هذا العام مشاركة شريحة واسعة من عائلات الضحايا / المغيبين، قَدمت شهادات حول تجارب التغييب القسري. في الحقيقة شهادات عائلات المغيبين مع تجارب تغييب ذوييهم تظهر أوجاعا مريرة ومأسي تقطّع نياط القلب، لكن الأمل معقود على أن تشكل مثل هذه الشهادات حافزا للخَلاص من هذا النظام البغيض وتؤسس لثقافة مكاشفة حقيقية حول ظاهرة التغييب القسري في البلاد.

[2] مساهمة مني في إحياء يوم المعتقل، سأقدم في هذا الجزء - من هذه المداخلة الفيسبوكية - شذرات مترجمة من كتاب "حوارات مع السجناء السياسيين في إريتريا". ويجب أن أعترف أنني أقوم بهذه الترجمة تيمناً بكلمة للكاتب فتحي عثمان في أوائل كانون الثاني/يناير من العام الجاري، اشتكى فيها من انعدم ثقافة التراكم في الثقافة الإريترية المعاصرة. يقول فتحي إن "الواقع السياسي الإريتري والعمل السياسي المقاوم [للنظام] يبدأ في كل مرة من البداية، أي من حيث ابتدأ الآخرون لا من حيث انتهوا". ولهذا فقد انطبع العمل السياسي - بحسب رأيه - بحالة نزوع دائمة إلى نسف التجارب السابقة أو تجاهلها، عوض تكاملها أو تنسيقها في فعل سياسي وطني موحد. ومن وجهة نظره، استقراء التجارب الإريترية يبين أن عملية تناسخ الجهود اتخذت اتجاهين في مسيرة العمل السياسي الإريتري، تتراوح بين نسف الخصم بالكامل -في حالة القدرة - أو تجاهله بالكامل، خصوصاً في حالة العجز عن التخلص منه. لم يكتف فتحي بهذا التوصيف فحسب، بل دلل عليه بشواهد تاريخية معروفة في العمل السياسي الإريتري. لست أقصد هنا، بكل تأكيد، أن أدافع عن فتحي أو أختلف مع الشواهد التي استند عليها في الحجاج. إنما الأهم في تقديري هو النظر في مدى وجاهة الفكرة أو الخلاصة التي توصل إليها فتحي - أي انتشار ثقافة تناسخ التجارب - غض النظر عن موقفنا وتفسيرنا للشواهد التاريخية.

[3] ينتسب كتاب "حوارات مع السجناء السياسيين" - الذي اشرت إليه أنفا - إلى حقل كتابي نادر في الثقافة الإريترية، فهو من جهة كتاب حوارات جماعية مع سياسيين بارزين في الحزب الحاكم في إريتريا، حزب "الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية". ومن جهة ثانية، يقوم على مراجعة نقدية لتجربة الحكومة الإريترية خصوصا ملابسات تراكم السلطة في قبضة الرئاسة والمجموعة التابعة لها، والتي أدّت في نهاية الأمر إلى بروز سلطة "حكم الرجل الواحد". أهمية هذه الحوارات تأتي من جهة مكانة الشخصيات المشاركة في الحوارات فهم أغلبهم ممن يطلق عليهم بالقيادات التاريخية لتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، من أمثال محمود شريفو وبطرس سلمون وبرهاني قبري إقزيابهير وهيلي ولدي تنسائي "دُرع"، وعقبا أبرها. بحسب ما يظهر من حواراتها، يبدو أن هذه المجموعة من المناضلين - التي عرفت لاحقا في الخطاب التداولي الإريتري بـ "مجموعة الخمسة عشر الإصلاحية" - لم تكن على وفاق مع الرئيس ولا مع الطريقة التي كان يدير بها البلاد منفردا، دون الرجوع إلى القيادة المركزية للحزب. كانت تحفظات هذه المجموعة إلى حين الحرب الحدودية مع إثيوبيا يتم تداولها في السر، لكنّ مآلات الأوضاع، عشية انتهاء الحرب في 2001، دفعت المجموعة إلى أن تُخرج كل ما كان يدور همسا في المجالس الخاصّة إلى العلن وإلى ساحات الإعلام تحديداً. وللأسف لم يدم ذلك طويلاً- أي حرية التعبير وتناول القضايا في الفضاء العام - حيث قامت أجهزة الأمن بأمر من الرئيس بزج كل أفراد المجموعة الإصلاحية في السجون وإغلاق مؤسسات الصحافة الخاصة، وسجن العاملين بها.

[4] ذلك هو مضمون الكتاب، أما مؤلفه - الأكاديمي الأمريكي اليساري "دان كونل" - فهو متخصص في تاريخ إريتريا بشكل عام وتاريخ الجبهة الشعبية بصورة أخص.

سأبدأ بترجمة فقرات من حوار أجراه المؤلف مع بطرس سلمون وبرهاني قبري إقزيابهير في آب/أغسطس 2001. جاء الحوار على خلفية شائعات نشرتها أجهزة الأمن تتهم بطرس سلمون بارتكاب تجاوزات مالية. والهدف من وراء ذلك معروف بالطبع؛ تشويه سمعته وتدميره معنوياً حتى لا يلتحق بمجموعة الإصلاحين. الفقرات التي اخترتها للترجمة يتحدث فيها سلمون وبرهاني عن افتقار البلاد إلى الشفافية خصوصا فيما يتعلق بإدارة الموارد المالية، فلا وجود لرقابة تشريعية أو قوانين تنظم إدارة الموارد المالية في البلاد.

إلى جانب ذلك، أطمح أن تُساهم الفقرات المترجمة في النقاش الجاري حول وجاهة إرسال دعم مالي للحكومة الإريترية مباشرة.

[5] الترجمة:

بطرس سلمون:

هناك الكثير من الصرف المالي الآن في البلاد، وإذا كان هناك ثمة فساد فيجب أن يخضع كل شيء للتحقيق. بالطبع يجب أن تكون هناك جهة في البلاد تتولى الرقابة على كل هذه النفقات المالية، إلا أنني متأكد تماما أن هذه الجهة ليست البرلمان، لأنه لم يناقش هذه القضايا نهائياً. وبالتالي، يجب مراجعة كل أجهزة الدولة في كل شيء: يشمل ذلك الطريقة التي تتم بها إدارة الأمور وكيفييه تحصيل وصرف الأموال.

دان كونل:

هل صحيح أنه لا توجد موازنة وطنية منشورة في البلاد؟ لا وجود لأي ميزانية منذ تشكيل الدولة؟

بطرس سلمون:

هل تعني ميزانية يناقشها ويصدّق عليها البرلمان أو مجلس الوزراء؟ أعتقد كانت هنا تجربة أو تجربتين داخل مجلس الوزراء، لكن لم يتم تنفيذها بالكامل.

دان كونل:

لكن بعض المانحين الدوليين بدأوا يشتكون من افتقار البلاد الشفافية في القضايا المالية؟

بطرس سلمون:

على حدّ علمي، لم تجر مناقشة أي موازنة في البرلمان، ربما نوقشت بعض الأمور المتصلة بها فقط.

برهاني قبري إقزيابهير:

في الواقع، لم يكن ثمة قانون للموازنة في البلاد، ولا نقاش حول المسائل المتعلقة بالميزانية، سواء كان ذلك بمعنى التخطيط أو الشفافية حول كيفية تنفيذ تلك الخطط وتقييمها، وبالتالي لم يكن هناك وجود لميزانية سنوية.

[6] مدخل آخر للخروج:

"إن طائر سنونو واحد لا يصنع الربيع!"

الصديق العزيز جعفر وسكّة... هل تصدق، لا وجود لميزانية أو موازنة عامة في إريتريا منذ تشكيل الدولة؟ لا أحد يعرف كيفية إدارة موارد البلاد المالية، لا الوزراء ولا حتى البرلمان.

هذا حجري يوشك بالصياح
أفضحهم..
لست مازحاً. إرادة الشعوب تكره المزاح

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click