جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة التاسعة والأربعون
بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة
كنت أرى الكثير من القياديين يقومون بتدليل ومحاباة (عبدالله باهبري) وكنت أشعر وأعلم وأشاهد بأن (عبدالله باهبري)
هو صاحب الرأي والكلمة المسموعة بل هو صاحب القرار ومن يقول غير ذلك فهو يكذب على نفسه، كان الصراع على أشده (فعمر برج) يريد أن يكون رئيسا وكذلك (عثمان أبو بكر) وأيضا (أبو بكر محمد جمع) و(علي برحتو) كل هؤلاء كانوا يتوددون إلى (باهبري) لعل أحدهم يصبح رئيسا لهذا التنظيم أما باهبري فكان يعلم ويعرف ما في أنفس هؤلاء ويدرك تماما ما سيفعله.
في (المنتجع) تعرفت ببعض الأخوة السودانيين الذين يحضرون المؤتمر وكانوا كلهم من ضباط الأمن السوداني ويرأسهم مقدم جاء من الخرطوم خصيصا ليحضر هذا المؤتمر كنت أجلس مع الأخوة السودانيين ونتحادث وننكت ونضحك مع بعضنا ألسنا في منتجع.
ازدادعمق الصلة مع الأخوة السودانيين فإثنان منهم كان لهما شقيقتان يدرسن في دمشق وحلب وذات صباح وأنا والأخوة السودانيين جالسين دخل (المقاتل) (أبو بكر محمد جمع) إلى مقر القيادة وهو بلباس القتال الكامل ويضع على جانبيه قنبلتان من نوع (الأنيركا) وهي طويلة وفي ذنبها عصا قصيرة وبحركة لا شعورية مني مددت يدي وسحبت القنبلة من على خصر (المقاتل) أبو بكر فصرخ قائلا:
ماذا تفعل يا أبو سعدة.
وببرود أجبته: والله أتفرج عليها فقد أعجبتني كثيرا، وإذا تريد أن تسمع نصيحتي وكلامي يا أيها (المقاتل الكبير) أبو بكر، ارمي هاتين القنبلتين على القيادة وسوف يسجل لك التاريخ نقطة بيضاء في حياتك النضالية.
أخذ القنبلة من يدي وهو يرغي ويزبد وقال:
مالذي جاء بأبي سعدة إلى هنا.
وعم الضحك من قبل الأخوة السودانيين ومعهم كبير الضباط وهو المقدم فؤاد وقال:
تفضل معي يا أخ أبو سعدة، وذهبنا إلى مكان منعزل نسبيا وقال لي: لقد ارتحت منك كثيرا يا أخ أبو سعدة.
قلت له: يا أخ فؤاد أرى أنك مرتاح في مكانك هذا ففطورك وعشاك وغداءك فخم ألا تدعوني لمشاركتك.
أجابني المقدم فؤاد: من أجل هذا دعوتك.
كان المقدم فؤاد رجلا لطيفا وهادئا إنه سوداني، وقال لي:
كيف سحبت القنبلة من أبو بكر يا أبو سعدة.
أجبت: كيف تسمح له وأنت المسؤول عن الأمن أن يحمل قنابل من هذا النوع الخطير وهو في أرض سودانية (إنه يتزين) بهذه القنابل ويرعب الآخرين وهذه القنابل ليس لها أي مغنى سوى التفاخر والعنجهية.
رد علي ضاحكا: على كل تعال كل يوم وإفطر وتغدى معنا حتى نتونس معك.
سمعت صوت (صالح أياي يصرخ) وينادي:
يا أبو سعدة.
ودعت الأخ فؤاد وركضت إلى صالح وأديت له التحية العسكرية وقلت له:
أنا تحت أمرك يا زعيم.
إخراس وقال لي صالح وتابع... يالله اركب وبلا دوشة العمى ما أسفلك وضحكنا سوية وقال:
لم أرد أن تمشي إلى مكان جلسة المؤتمر.
قلت له: إتركني وبلا مسخرة.
رد علي قائلا: اركب يا أحمد بالله عليك.
وركبنا معا وما أجملها من مصادفة كان في السيارة كل من (عبدالله باهبري وعمر برج) جالسين في المقدمة وأنا و(صالح وعمر جابر) في الوسط و(إدريس قلايدوس ومحمد صالح حمد وإبراهيم منتاي) في الخلف.
قلت لصالح: والله السيارة جميلة وجديدة.
أجابني: إشكر الأستاذ باهبري على هذا.
أجبت صالح: لولا وجود الأستاذ عمر برج في المقدمة لكان عليك أن تجلس بجانب الأخ عبدالله باهبري.
وقلت له: لقد سمعت في كواليس المؤتمر بأنه ربما تصبح رئيسا للتنظيم.
فأجابني بأعلى صوته: إنها سيارة الرئيس (عمر برج) ولا يريد أن يجلسني بجانبه حتى لا تلمس رجلي رجل (عبدالله باهبري) فتنتنقل عدوة إلي فأصبح رئيسا.
وضحك كل من في السيارة بإستثناء (عمر برج) الذي قطب حاجبيه عندها قلت:
يا أبو أياي لو رجلك لمست رجل الأستاذ عبدالله فسوف تصبح مسؤولا هاما ماذا لو لمست... فما الذي سيحصل؟؟
عندها ستصبح رئيس وزراء فازداد الضحك وأدار عمر برج وجهه إلي وقال:
أنت وصالح قليلو الأدب.
وعم الضحك أكثر وبصوت مرتفع أكثر.
قلت له: يا شيخ عمر أريد أن أهنئك مسبقا وأقول لك مبروك على الرئاسة سلفا.
قال لي بحدة غاضبا: كيف عرفت بأني سأصبح رئيسا ولم ينتهي المؤتمر؟
قلت له: إن طرف مؤخرتك يلامس طرف مؤخرة عبدالله باهبري فزاد الضحك وساد الهرج والمرج وهنا صرخ برج قائلا لسائق السيارة:
قف... قف... فأنا لن أركب مع أبو سعدة وأبو أياي قليلي الأدب.
فما كان من (عبدالله باهبري) إلا أن قال لبرج:
كلنا نضحك يا شيخ عمر
وهنا جائتني النكتة فقلت لبرج:
دير ظهرك للأستاذ باهبري حتى تثبت الرئاسة.
شتمني عمر برج وقال: لن أركب معك ومع صالح يا قليلي الأدب بعد الآن.
بعد الإنتهاء من مسرحية المؤتمر بدأ الممثلون عفوا سكان (منتجع) ساساريب بالظهور وإلقاء التهكمات وخاصة من الذين لم يخرجوا من المولد بشي، بعد الظهر أخبرت أصدقائي قائلا لهم:
هذا هو اليوم الخامس لي ويكفيني ما شاهدته وسمعته لن أبقى دقيقة واحدة وسط هذا الكرنفال والتهريج والسلام عليكم وإلى كسلا.
كان طريقي من كسلا إلى الخرطوم وغادر معي المقدم فؤاد وأصبحت برفقة المسؤول الأمني الكبير الذي سألني:
ما رأيك فيما حدث..؟
أجبته: أنت حاضر وأنا حاضر أيضا وأنت تعرف أكثر مني كونك مسؤول الأمن.
لم يتركني أتمم كلامي رد علي: لكنهم من الجندي إلى القائد وابتسم عند كلمة القائد وكلهم أصحابك وأصدقاءك، هل سيستمر هذا التنظيم...؟
أجبته: القيادة التي ستخرج من هذا المؤتمر ستحدد استمرار هذا التنظيم أو عدمه.
وصلنا إلى كسلا وغادرنا بعضنا البعض وفي اليوم التالي ذهبت أبحث عن أصدقائي في كسلا وأول من قابلته كان (محمود حسب) بعد السلام قال لي:
ألا تريد زيارتنا يا أحمد في إرتريا ونعيد الأيام الجميلة معا.
قلت له: يا محمود أنت تعرف شعوري ومحبتي لكن هل لديكم أرض تقفوا وتعيشوا عليها.
أجابني: تعال وشاهد بنفسك، إننا نقدرك ونحبك كثيرا ونتذكرك دائما لكن يبدو أن الأخ (صالح أياي) قد أحببته أكثر منا بكثير وضحك.
على كل حال يا محمود الأيام بيننا وأرجو أن نلتقي قريبا في إرتريا، ودعته ولم أعرف أننا لن نلتقي أبدا.
بعد عدة أسابيع من وداعنا لبعضنا انطلقت رصاصات الغدر والخيانة من الجبهة الشعبية لتستقر في جسد محمود وإلى الأبد لقد حجبوا الحياة عن (محمود حسب) وأغلقوا عينيه إلى الأبد كانت هذه الرصاصات هي رصاصات الغدر والخيانة رصاصات الجبهة الشعبية حيث قتل أمام منزله.
عودة الى مؤتمرنا في (ساساريب) الذي انعقد ما بين 1989/7/18 و 1989/7/28 فقد انتخب قيادة جديدة ممثلة باللجنة التنفيذية والمجلس الوطني وهم على الشكل التالي:-
1. عمر برج – رئيسا للجنة التنفيذية،
2. صالح أحمد أياي – نائبا للرئيس ومسؤولا عن الشؤون السياسية والتنظيمية،
3. أبو بكر محمد جمع – رئيسا للمكتب العسكري،
4. محمد عثمان أبو بكر – رئيسا لمكتب العلاقات الخارجية،
5. حسن محمد عثمان كنتيباي – رئيسا لمكتب المالية والاقتصاد،
6. نوري محمد عبدالله – رئيسا لمكتب الأمن،
7. محمد شيخ عبد الجليل – رئيسا لمكتب الإعلام والتوجيه المعنوي،
8. إبراهيم محمد – رئيسا لمكتب السكرتارية،
9. حقوس برهاني – رئيسا لمكتب الشؤون الإجتماعية والتعليم.
و قد انتخب (علي برحتو) رئيسا للمجلس الوطني قبل انتخابه رئيسا للتنفيذية.
هذا ما جاء به المؤتمرون أو هذا ما فرض على المرتمرين..؟
كل هذه التوليفة لم تكن صحيحة فخمسة من اللجنة التنفيذية كانوا يريدون منصب الرئاسة لهم وهؤلاء هم:-
1. صالح أياي،
2. أبو بكر محمد جمع،
3. عثمان أبو بكر،
4. عمر برج،
5. علي برحتو.
هذا التنظيم كان منذ بداية تأسيسه يعاني سكرات الموت إلا أن نزاعه استمر طويلا وزادت الصراعات وذهبت الوفود إلى هنا وهناك وهم صغار ويصغرون والجبهة الشعبية تكبر وتتقوى وتفرض هيمنتها على الساحة كلها والتنظيمات الصغيرة تتأكل.
والاغتيالات تتصاعد وكل يغني على ليلاه.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة