جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة الثامنة والأربعون

بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة

قلت له: يا اخ محمد أنت لديك مبلغ كبير لماذا لا تفطر بيض وكبدة فكل يوم تأكل فول؟

جبهة التحرير الإرترية الوطنية نحروها أم انتحرت

اجابني محمد أحمد عبده هذا القائد الذي أوصل بشجاعته وأمانته الشعب الارتري ممثلا بجبهة التحرير إلى المؤتمر الأول وقاتل الاثيوبيين والمرتدين والمدسوسيين قتالا شرسا وقد كان لي الشرف بمرافقته في عدد من المعارك، قال لي محمد أحمد عبده:

يا ابو سعدة أن هذه الفلوس ليست لي شخصيا هذه الفلوس هي ملك للثورة وأنا لا أملك منها مليما واحدا.

هذا المناضل الكبير هذا الإنسان الثوري الكبير رفض العيش تحت ظل حكومة الجبهة الشعبية، كان يقول لي كلما التقيته:

لا أستطيع العيش بين من قتل أهلي ورفاقي وتعاون مع اسرائيل وتجراي ومجلس الكنائس العالمي وغيرهم، لقد عاش هذا المناضل في مدينة كسلا السودانية بين أهله الارتريين الذين بنوا له ولعائلته كوخا من الطين والقش يعيشون فيه، رحم الله هذا المناضل الوطني الحر الذي رفض الأكل الدسم والمغذي من أموال شعبه المشرد، أما الآخرون فيقومون بجولات سياحية ويريدون حراسا شخصيين لهم؟

في شهر 1989/7 عقد مؤتمرا للتنظيم الموحد هذا المؤتمر أين تم انعقاده هل في العمق أو الوسط من الأراضي الإرترية...؟ أما على الحدود السودانية الإرترية كغيره.

إن المؤتمر الوطني الأول والثاني عقد في عمق الأراضي الإرترية أما مؤتمر التنظيم الموحد فقد عقد في عمق الأراضي السودانية.

في يوم من أيام المؤتمر قلت لعمر برج وهو رئيس التنظيم وبحضور كل من (صالح أياي - محمد سعيد ناود - حسن كنتيباي - على برحتو - عمر جابر - عثمان أبو بكر - ذرؤ بيدو - محمد شيخ عبدالجليل).

قلت له أي (لعمر برج) وعلى مسمع ممن ذكرتهم عليكم أن تفكروا وتعملوا لمصلحة شعبكم وأن يكون لهذا التنظيم دور فعال قوي في الساحة الإرترية وأن تعيدوا قوة جبهة التحرير، يجب أن تتخلوا عن جلسات الفنادق والبذخ وتعودوا للعيش إلى جانب أخوتكم وأولادكم المقاتلين كما كان سابقا، أي أن تعودوا إلى الريف الارتري خاصة أن السعودية تقف معكم وتمدكم بالمال والسلاح فيجب أن تكونوا على مستوى رفيع وثوري يمكنكم من العمل على الساحة داخليا وخارجيا والحقيقة أن السعودية كانت تمد أشخاصا وليس تنظيما ثوريا تحرريا.

أجابني (عمر برج) رئيس التنظيم الورقي: لا نريد في يوم من الأيام أن تكون لنا قيادة قومية ويقصد بها القيادة السورية فأجبت متجاهلا كلامه الخبيث يا عمر (بيك) وأمام الحضور إذا لم تعجبك أفكاري فأنت غير مجبر على التعامل معي وهل أنتم وطنيون أم لا وهل أني أعمل في الثورة الإرترية من أجل سواد عينيك؟؟.

أنا لي أملا واحدا هو تغيير قيادة هذا التنظيم الذي جئت على رأسه والإتيان بقيادة جديدة تتحمل المسؤولية.

وبانفعال شديد أجابني (عمر برج):

أنت سوري ماذا دخلك.

قلت له، إن أموال سوريا وسلاحها وعبر القيادة القومية هي التي مكنتك من أن تقف وتتفوه بهذا الكلام ويا للأسف، من أعطى الثورة الإرترية السلاح والمال والتدريب لشباب إرتريا وأنا أريد أن أعلمك وأنت أكيد تعلم وكل الإرتريين يعلمون بأن أول بندقية ارتفعت في الساحة الإرترية كانت من سورية وأنا وبقية إخوتي الإرتريين يفتخرون بذلك إنني أتعامل مع الشعب الإرتري وليس معك.

ثم تطور الكلام الحاد بيني وبين برج إلى أن طلب المقاتلين راجين عدم الاستمراار بالكلام.

وفي مكان مؤتمر التنظيم الموحد في (ساساريب) أو منتجع (ساساريب)، فوجئ كثيرا من قياديي هذا التنظيم بي وكأني نزلت على رؤسهم من السماء، لم أجد ترحيبا أو سلاما غير مبطن والسبب في ذلك ما كانوا يسمعونه مني من كلمات وجمل وما أقول به من أفعال وكلها تنصب على عدم جدوى هذا التنظيم المركب والموحى به من خارج إرتريا.

ولا فرق عندي بين التنظيم الموحد والجبهة الشعبية فالتنظيمان يشربا من مصدر واحد وأن اختلفت الطرق، إلى اليمين الكاذب واليسار اللعين الكاذب.

في يوم من الأيام في منتجع (ساساريب) لمحني (عمر برج) فبادر إلى السؤال لرفاقي:

من الذي أتى بأحمد أبو سعدة إلى المؤتمر؟

أجاب أحدهم: ألا تعلم يا حضرة الرئيس أن أحمد أبو سعدة مسؤول في شؤون الإعلام وغيره؟

صمت برج على مضض؟

في (منتجع ساساريب) كانت الخيام منصوبة وضمن هذه الخيام (ناموسيات) مع أسرة عريضة مريحة وهذه (الناموسيات) الشفافة هي التي تحميهم من قرص الحشرات وهي مخصصة لأغضاء القيادة لتقيهم من البرغش والذباب.

ولما سألت الحراس:

لمن تعود هذه الخيام الملكية؟

وكان سؤالي هو الإمعان في المشاكسة، أجابوني:

إنها لأعضاء القيادة.

وأعود لمفكرتي لأذكر لكم كم عدد القياديين الذين ينامون في هذه الخيام (الملكية) وهم (عمر برج - عثمان أبو بكر - عثمان دندن - إبراهيم منتاي - أسبروم أبرها - وضيف المؤتمر (والمعلم) عبدالله باهبري مدير مكتب الأمير تركي الفيصل) أما بقية القياديين المؤتمرين من أمثال (صالح أياي ومحمد صالح حمد وعلي برحتو) وغيرهم فإنهم كانو ينامون على الأرض في هذا المنتجع) وكان كل واحد من أصحاب الخيم لديه حارس يقف على باب خيمته ويقوم على خدمته وحراسته ثم انشأؤوا هؤلاء القادة الثوار حماما ومطعما خاصا بهم وكل يوم كان يأتي صهريج محملا بالمياه النقية الباردة من مدينة (كسلا) ثم تأتي خلفه سيارات التموين المخصصة لهؤلاء القياديين الثوار؟

الذين ذكرتهم من كسلا أما بقية المؤتمرين فهم يأكلون ويشربون مثل باقي الجنود وعندما سألت أحد المؤتمرين المناضلين:

من أين تشرب يا عثمان داير؟

وكان هذا المناضل مسؤول الأمن في المعسكر صرخ قائلا:

من جهنم.

إذن تحمم يا عثمان في نار جهنم، رد علي عثمان:

أكثر من جهنم هذه يا أبو سعدة.

وعلى ذكر المناضل عثمان داير فهو قد أخذ تدريبه في سوريا وقبع في سجون الجبهة الشعبية ولم أعد أعرف عنه شيئا أرجو أن يكون بخير وصحة طيبة، هذا المناضل كان كادرا من كوادر جبهة التحرير.

كنت أمضي أيامي في (منتجع) قيادة التنظيم الموحد إلا أن المضايقات لي كانت واضحة ومقصودة حيث لا ماءا نظيفا للشرب ولا سريرا للنوم أما الطعام فكنت آكل مع الجنود وأنام على الأرض مع الجنود والحمد لله هكذا تعلمت وعشت مع ثوار جبهة التحرير.

في الصباح كانت القهوة الساخنة تاأي إلى خيم الافاضل أعضاء القيادة الثوريين المدعومين ثم يأتي الحمام الملكي الذي انشاؤه بعدها يعود الأفاضل القادة إلى أجنحتهم ثم يأتي الفطور الملكي.

وهكذا وقبل الغروب بقليل يجلس القادة على ضفاف نهر (عطبرة) الذي يمر من هذه المنطقة وتحضر النراجيل وتبدأ الأحاديث والنكات البذيئة وغيرها ضمن قهقهات (القادة الثوار) ويتوسط هؤلاء القادة الثوار معلمهم (عبدالله باهبري)، في هذا المكان ووسط كؤوس العصير والشاي والقهوة كانت تتخذ القرارات أما بقية المؤتمرين فهم بعيدون عن كل هذا.

غروب جميل وهواء عليل وعصير من جميع الأنواع وماء بارد وشاي وقهوة والأراكيل وأصواتها تعلو صوت العصافير (شو بدكن أحلى من هيك) هذا هو النضال وهؤلاء هم الثوريون..؟

وخاصة أن المراكز والمناصب في التنظيم مؤمنة..؟؟

أثناء وقوفي بانتظار سيارة تقلني عن مكان انعقاد المؤتمر وكنت حينها أنا و(محمد صالح حمد) هذا الإنسان الصادق الوفي الوطني والذي كان حريصا على ملازمتي طيلة فترة وجودي قلت لاصدقائي الإرتريين:

ما هذه المهذلة ماهذا الكرنفال.

كانت الإجابة واحدة منهم.

عليك بالصبر يا أحمد لربما نخرج في هذا المؤتمر ونفعل شيئا ايجابيا.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click