جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة الثانية والأربعون
بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة
انقلاب في الجبهة:
في صباح 1982/3/25 تحرك (عبدالله إدريس) وإخوانه من (كسلا) إلى (راساي) وعند بداية الغروب
أطلقت الرصاصة الأولى وكان هذا 25 (آذار/مارس) وبدوري هنا أنقل لكم تفاصيل الانقلاب الذي عشت الجزء الصغير منه وسمعت عنه الجزء الكبير.
قبل حوالي نصف ساعة من معركة الانقلاب دخل اثنان من المناضلين إلى خيمة أحمد ناصر وقالا له:
يا أحمد هناك حركة غير طبيعية بين الجنود ونحن خائفين عليك.
أجابهم: ممن تخافون علي.
إن الأوضاع غير طبيعية في الخارج وكذلك حركة الجنود غير طبيعية.
قال لهما أحمد ناصر: اسمعوا يا إخواني، منذ اثنتا عشر عاما لم يكن للجبهة برنامج سياسي وكان التآمر القبلي على أشده وفي مؤتمر (عواتي) و(كر) لم يحدث شيئا فهل من المعقول الآن أن يحصل شيئا ؟. هل من الضحالة بعد السمو الذي ساد الجبهة أن يحصل شيئا وخاصة نحن موجودين على الحدود السودانية ومهزومين ؟.
كان هذا رد (أحمد ناصر) لكل من (ولد سيلاسلاسي عقبة) و (تخلي ملاكي)، هذا مادار قبل نصف ساعة من الطلقة الأولى.
في الساعة الخامسة والنصف من يوم 25 آذار/مارس سمع الهدندوة إطلاق الرصاص وبغزارة وهربت الجمال وصرخت النسوة وركن كل إلى زاويته بدأ اطلاق النار غزيرا ثم توقف فجأة فما الذي حدث.
كان (عثمان صالح) يركض وبيده الكلاشينكوف ويصوب الرصاص وبدون اتجاه على من وإلى أين..؟
أثناءها كان (أحمد ناصر) يستلم نقودا من (حسين خليفة) لصرفها على التنظيم و(ملاكي تخلي) يجلس على الرمل وسط الخور ناظرا إلى الأفق لعله كان يتساءل مالذي يحدث في الجبهة أما (عبدالله إدريس والدكتور هبتي تسفاماريام) فكانا خلف القوات و(محمود حسب) يحرك المقاتلين هنا وهناك أما (حامد محمود) فكان يركض والكلاشينكوف بيده.
كلان (ملاكي تخلي) ينظر للغروب وكان الغروب الأخير له فقد أغرب معه...؟ أطلق الرصاص عليه من قبل أحد الجنود الثوار وخر ميتا على الرمال يتخبط بدمائه وهو أول من سقط في الساعة الخامسة والنصف من يوم 25 آذار/مارس...؟
كان الجرحى هنا وهناك مرمين على الأرض ومنهم (عمر صالح) الذي لم يكن إلا كادرا بسيطا والذي عاش بعد هذه الحركة في مدينة (واد مدني) السودانية، لقد سقط المناضلون برصاص بعضهم بعضا وليس برصاص العدو الإثيوبي أو برصاص الشعبيتين الإرتريترية والتجراوية.
خرج (أحمد ناصر) من خيمته راكضا عندما سمع صوت إطلاق الرصاص معتقدا أن الشعبية الإرترية والتجراوية تهاجمه وخرح معه (حسين خليفة) الذي كان يسلمه النقود من أجل التموين.
كان الأخ حسين خليفة يعرف بأن الانقلاب تم فهو أحد المخططين له وأثناء خروجه من الخيمة فوجئ بجندي يصوب البندقية نحو صدر (أحمد ناصر) ويطلب منه أن يرمي مسدسه ويقول لي أحمد ناصر:
لقد سمعت هذا الجندي ينادي علي بعصبية وغضب أثناءها سمعت صوتا ينادي علي... قف قف يا أحمد وأعطي مسدسك، كان صاحب الصوت هذا هو (إدريس هنغلا) الذي قتلته الجبهة الشعبية فيما بعد وهو عسكري وخريج سوريا.
بعد مرور فترة على حركة 25 آذار/مارس إلتقيت بأحمد ناصر وقلت له:
يا أحمد هل كنت مستعدا للقتال وقد فرض عليك من أخوانك.
أجابني: أقاتل.. أقاتل من... هؤلاء أولادي وأخوتي، أنا لا أقاتل إلا العدو الإثيوبي، أنا لا أقاتل أخوتي و أولادي.
كان الجندي الذي حاول قتل (أحمد ناصر) من كتيبة (حامد محمود).
بعدها قام أصحاب الحركة بجمع المناضلين قرب جثة (ملاكي تخلي) وكان بجانبه جريحا من المناضلين مرمية على الأرض فقال أحمد ناصر لحامد زيبوي وهو من منفذي الحركة:
أسعفوا هذا الجندي الجريح.
سالت أحمد ناصر:
هل هناك يا أحمد مقاتل اسمه (محمود الانكليزي)، وهو الذي أطلق النار على ( ملاكي تخلي)؟؟
رد علي قائلا:
لم أرى من أطلق النار على ملاكي لأني كنت حينها داخل الخيمة.
هل صحيح يا أخ أحمد أن محمود حسب صرخ قائلا: طلقة واحدة تكفي هذا الكلب أي ملاكي تخلي.
اجابني أحمد ناصر: لا علم لي بذلك.
أعود متابعا لأقول،لقد جمع الحركيون كل من أحمد ناصر والجريح عمر صالح وعثمان خليفة وهيلا آب وتسفاي دقيقية وبقية رفاقهم وصوبوا البنادق إلى صدورهم وعندما أطلقوا سراح أحمد ناصر بعد أشهر سألته:
ألم تشاهد عبدالله إدريس ويشاهدك.
أجابني: كان عبدالله إدريس في الخلف بانتظار الحسم لكن عندما كنا سائرون تحت حراسة جنود الانقلاب مررنا بجانب (عبدالله ادريس) والدكتور هبتي ،نظرت إلى (عبدالله إدريس) فأشاح بوجهه عنا، أردت أن تلتقي عيناي بعينيه لأقول له (أهذا هو الشرف الثوري يا عبدالله) ثم مرررنا بجانب (حسين خليفة) الذي كان معي قبل لحظات وكان يقوم بعملية التمويه وإلتقت عيناي بعينيه فما كان منه ألا أن أخفض رأسه... سرنا إلى الساحة فوجدت رفاقي الأسرى من قبل إخوانهم مجتمعين ويقوم الجنود بربط أيديهم وتقدم (محمود حسب من سعيد صالح) وسدد إلى صدره الكلاشينكوف وصاح بالجنود اربطوه... اربطوه.
تم تقييد (سعيد صالح) بالحبال وهو الذي حرر المئات من سجن أسمرا و(عد خالة ) و(محمود حسب) يعتبر صديق (سعيد صالح) والاثنان أبطال وكان محمود منفعلا جدا لدرجة أنه كان مستعدا لقتل كل أعضاء القيادة المتواجدين وبدوري أنا أقول أنا أعرف طباع (محمود حسب) إنه مقاتل شرس وعنيف إنه وطني لكنه لم يكن سياسيا مسيس بحب وطنه وتحرير أرضه والإتيان بالاستقلال.
سألت محمود حسب في عام 1983 أيام انعقاد المؤتمر الخاص بتنظيم الجبهة التي رأسها (عبدالله إدريس) بعد حركة 25 آذار/مارس.
قلت لمحمود حسب: هل عاملتم رفاقكم المناضلين المسجنونين لديكم معاملة طيبة وأخوية.
وقصدت بالذات (أحمد ناصر ومحمود حسب) والبقية طبعا، صعد الدم إلى وجه محمود وأجابني:
لعنة الله على الشيطان.
وعلى فكرة إن البطلين (سعيد صالح ومحمود حسب) قتلا في مدينة كسلا، سعيد صالح قتل بضربة حجر على رأسه وقالوا المندسين عملاء الجبهة الشعبية أنه وقع عن الدراجة أما (محمود حسب) فقد أطلق عليه النار أمام منزله فسقط ميتا والاثنان قتلا بأيدي الجبهة الشعبية، إن محمود حسب وسعيد صالح خريجي كلية الضباط الاحتياط في سورية.
أعود متابعا لأقول مارواه لي (أحمد ناصر) عندما ربطت أيدي (سعيد صالح) بالحبال صار يضحك بشدة وبصوت عالي.
يقول سعيد صالح لي عندما إلتقيت به في مدينة كسلا والإفراج عنه.
يا أخي أبو سعدة هذه اللحظات وهذا الإحساس الذي عيشوني فيه رفاقي يعيش مع الإنسان حتى يصل إلى القبر نعم كنت أضحك وأنا مقيد بالحبال وقد تم وضعنا في مكان منغزل، لقد وضعوني أنا وأخوتي تحت الحراسة المشددة كي لا نهرب وبتنا ليلتنا الأولى والليالي التي أعقبتها ونحن سجناء إخواننا.
أشرقت الشمس من عمق إرتريا على منطقة (راساي) حيث كان رفاق الأمس سجناء أخوة السلاح والدم؟، أشرقت الشمس ليجد هؤلاء المناضلين الوطنيين سجناء وتحت رحمة اشقائهم.
في يوم من الأيام نهض سجناء أخوانهم على صوت أشقائهم (عبدالله إدريس صالح- أياي -محمد أحمد عبده- ومحمود اسماعيل).
قال عبدالله إدريس لأحمد ناصر وإخوانه:
إننا نتحفظ عليكم وهذا التحفظ سوف يرفع لعد أيام ان شاء الله، لقد قمنا بهذه الانتفاضة من أجل تثبيت الجبهة.
رد (أحمد ناصر) على (عبدالله إدريس) ورفاقه:
أريد أن أقول لكم إني كنت ومازلت أناضل من أجل تثبيت الجبهة ووجودها ثم إن أي تجربة تقيم بنتائجها والذي يهممني هو وجود الجبهة فاذا كان هذا الأسلوب الذي اتبعتموه يحقق الوحدة ويثبت وجود الجبهة فأنتم مخطئون وسنرى ذلك.. وأنا أسألكم: من الذي سيتحمل نتائج ما فعلتموه.
رد عبدالله إدريس وصالح أياي على أحمد ناصر:
قائلين ان ما حدث قبل اليوم سوف نتحمله سويا أما قيام الحركة المباركة فنحن نتحمل نتائجها، نحن أصحاب 25 آذار/مارس.
رد عليهم احمد ناصر:
لم يخطر في بالي في يوم من الأيام أن نرفع البنادق في وجوه بعضنا، لم أكن اأصور أن يحدث هذا.
وانتهى الحوار ما بين السجناء والسجانين، فمن يتحمل النتائج.؟. ذهب (أحمد ناصر) رئيس جبهة تحرير إرتريا إلى السجن بعد أن عزلوه بمفرده في منطقة نائية ليقضي عشرة أشهر في السجن أو في الزريبة التي وضعوه فيها وحيدا.
في أحد الأيام جاء القادة الأربعة وهم (عبدالله إدريس - صالح أياي - حسين خليفة - محمود اسماعيل وسلموا على أحمد ناصر) (وكأن شيئا لم يحدث، سأله كل من عبدالله إدريس وصالح أياي:
هل حصل لك شيئا يا أحمد.
أجاب أحمد ناصر: لا... ماذا سيحصل لي.
يقول عبدالله إدريس: لقد تحفظنا عليك ونحن لا نحقد عليك وسوف نعود ونعمل مع بعضنا ونلتقي من جديد.
أجابهم أحمد ناصر مؤكدا لهم بالآتي:إن الذي يهمني هو جبهة التحرير أما سجني فهذا شيئ شخصي، لقد وضعتوني في زريبة للحيوانات وهاهي أمامكم ـ فأنا لا أقوم بفعل شيئ إذا لم أكن مقتنع به، ربما أحاوركم ونصل إلى نتيجة ايجابية وقد لا نصل وهذا الحوار يجب أن يكون خارج هذه الزريبة ، زريبة الحيوانات.
هنا انتهى الحوار ما بين السجين والسجانين فمن يتحمل نتائج ماحصل ؟ هذا ما تم والذي أدى لذبح جبهة التحرير الإرترية نتيجة المؤامرات والخيانات الداخلية والخارجية وأنانية بعض القياديين في الجبهة.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة
التعليقات
للاخ الصديق احمد ابو سعدة تحياتي لك اولا
وثانيا انا لدي سؤال انت لماذا تكبدت كل هذا العناء والمشقة والتعب وما هي المصلحة الخاصة او العامة التي كانت تسوقك الي كل هذه الدروب الوعرة التي سلكتها انا حقيقة لدي كثير من الأسئلة وتحتاج الي إجابة