جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة التاسعة والثلاثون

بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة

العمل هو أن يخرجوا بسرعة من الأراضي السودانية خوفا على الجيش السوداني

جبهة التحرير الإرترية الوطنية نحروها أم انتحرت

وكذلك خوفا على من تبقى من ثوار الجبهة فهم الإثنان أشقاء والسودان استضافهم ويستضيفهم وهنا كان لي دورا إذ قلت (لأحمد ناصر وعبدالله إدريس):

يجب عليكم أن تغادروا الأراضي السودانية بأي شكل حتى لو قاتلتم الشعبيتين وإثيوبيا، المهم أن تخرجوا وبأسلحتكم ،ثم أن منطقة (تمرات) قريبة وتستطيعون الذهاب إليها.

قال عبدالله إدريس: نعم (تمرات) قريبة وعلينا أن نتوجه إلى هناك.

هنا قال أحمد ناصر: لكننا لا نستطيع أن نتقدم بهذا الاتجاه لأن الأخوة السودانيين قد حاصرونا وهم يمتلكون الطائرات والدبابات وغيرها،لقد قطعوا عنا كل شيء حتى المواد التموينية قطعوها عنا، علينا أن نشكل مجموعة عمل.

بالفعل تشكلت مجموعة العمل التي رأسها (عبدالله إدريس) ثم كلفوا (ملاكي تخلي) بمهمة خاصة وفي يوم 8/23 توجه (أحمد ناصر) إلى كسلا وذهب إلى المكان الذي سينطلق منه الثوار وعلى رأسهم (عبدالله ادريس) وهذا المكان يدعى (كركون) وهو منطقة سودانية حدودية مع إرتريا وفي هذا الخصوص أي ذهاب (أحمد ناصر) إلى كسلا الذي قال لي بعد عودته: (لم أستطع أن أقابل أحدا من المسؤولين السودانيين فاللواء السوداني عبد الماجد غير موجود)...؟

وعدت أنا إلى كركون وقال لي (عبدالله إدريس) الذي كان في حالة غير طبيعية:

لقد جمعنا يا أبو سعدة كل قادة الوحدات وقلنا لهم يجب أن نتحرك إلى (تمرات) لكنهم رفضوا وقالوا لي لن نذهب إلى (تمرات) الأفضل أن نسلم إلى إثيوبيا بدلا من أن نسلم للجيش السوداني.

كان هذا كلام (زعل وغضب) من المرارة والعذاب الذي لاقوه في عهد النميري ونظامه وبدلا من (تمرات) نتجه إلى الساحل.

عودة إلى (أحمد ناصر)، استعدادا للمغادرة قمت أنا وأخوتي الثوار بدفن وثائقنا في منتصف الليل خوفا عليها ثم انتظرت (عبدالله إدريس) طوال الليل الذي كان قد ذهب لكنه لم يعد...؟ وأثناء ذلك جاء الجيش السوداني بآلياته وجرد كل من بقي من الثوار من أسلحتهم فما كان منهم إلا أن تركوا المكان باتجاه الجبال غير أن السودانيين سبقوهم وبكل الاتجاهات .
ثم قام الجيش السوداني بتجريد الوحدات التي كان يرأسها المناضل (إدريس علي) وقد تم التسليم للجيش السوداني وهكذا...؟

وأصبح الموقف كالتالي:

إن الجيش السوداني قام بتجريد قوات جبهة التحرير المتبقية وقد حدث هذا في اللواء الذي كان يرأسه (جبراي تولدي - تلقى تدريبه العسكري في سورية)، وأعود (لأحمد ناصر) الذي قال لي:

قررنا الرحيل وقررنا أيضا أن نترك الجرحى والمرضى وأصحاب المعنويات المنهارة ونأخذ أسلحتنا ونتقدم، وقلت للمناضلين أي واحد يستطيع أن يتقدم فليمشي، وادفنوا سلاحكم في هذه الجبال، وكان من تبقى يا أخ أبو سعدة من جيش الجبهة لواءان وهما من أفضل وأحسن الألوية تدريبا في الجبهة ولكن وللأسف تم تجريدهم أيضا.

يتابع أحمد ناصر فيقول: جاءني مسؤول الأمن في الجبهة وقال لي: إن المعنويات منهارة ومن الصعب التقدم، جلست في المكان الذي دفنت فيه المستندات فجاء (الهدندوا) أي البدو ونكشوا في الأرض وأتلفوا المستندات وكلما يشاهدون صندوقا يعتقدون أنه سلاح أو نقود فيكسرونه وكان الهواء الشديد يبعثر المستندات كما بعثرت الجبهة الشعبية وجبهة تحرير تجراي والإثيوبيين جبهة التحرير بعد التامر عليها.

يتابع أحمد ناصر: قررت أن أذهب إلى السودان وأقابل السودانيين في الطريق، اعترضتني دبابة سودانية وأمسكو بي وقادوني إلى الحامية السودانية التي تطوقنا ، وفيها تكلمت مع مسؤول الأمن وقلت له: (ما هذا التصرف أليس الإرتريون أخوانكم... ماهذه البهدلة، هل نحن أعداءكم)؟؟؟

تكلمت بمرارة وألم فكان رد فعل الضابط السوداني التعاطف معي، كان الأخوة السودانيون متألمين لكن الأوامر هي الأوامر، قلت لمسؤول الأمن السوداني في الحامية: عليك أن تتجاوز وظيفتك وتقف بجانب أخوتك الثوار، عندها أطلق مسؤول الأمن سراحي وتابعت ووصلت إلى الخرطوم وقابلت المسؤولين السودانيين وقلت لهم:

لقد جردتمونا من سلاحنا وأخذتموه، نحن أشقائكم وتعاونا معكم في أمور كثيرة لها أهميتها بالنسبة للسودان، لدينا خمسة ألوية دون طعام وماء فلا تتركونا نموت في الصحراء، عندها أعطى المسوؤلين السودانيين الأوامر بمرور التموين إلى المقاتلين ثم قابلت أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الذين قالوا لي إننا نأسف وباسم الشعب السوداني لما حدث لكم، أجبته بدلا من الأسف كلموا جعفر النميري واطلبوا منه أن يعيد لنا أسلحتنا... ثم قمت بزيارة سفارات الدول العربية الموجودة في الخرطوم وشرحت لهم موقفنا ووضعنا وكانوا على علم به، وقام السفراء العرب بمساعي متواصلة لدى الحكومة السودانية مما اضطر وكيل وزارة الخارجية السودانية أن يجتمع بالسفراء العرب ويقوم بتهدئتهم وقال لهم: إن الإرتريين أشقائنا وسوف نعمل على إعادة أسلحتهم وممتلكاتهم، هذه الأحداث تمت خلال ثلاثة أيام.

أعود إلى الماضي القريب وإلى جلستنا في مكتب العلاقات الخارجية بدمشق وعندما قلت (لعبدالله إدريس) رئيس المكتب العسكري وبحضور (صالح أياي وحسين خليفة):

يا عبدالله أنتم تتجهون إلى الهاوية ؟

رد علي عبدالله قائلا: خليك بأفلامك يا أبو سعدة.

ياليتني سمعت كلامه حينها وبقيت في أفلامي على الأقل كنت قد فعلت شيئا... لقد قتلوني أصدقائي قبل أن يأتي أجلي، على كل حال أنا أفضل من غيري بكثير، أنا مازلت حيا وأستنشق الهواء وأن كان فاسدا من كثرة الأنفاس السيئة الخائنة التي تطلقها بعض النفوس... أما الشباب الذين دفنوا وغطى التراب وجهوهم (الله يرحمهم ويسكنهم فسيح جنانه وأما من تشرد وهام على وجههه الله يساعده).

كنت دائما بجانب (صالح أياي) أحذره وأفضي إليه بكل ما أعلمه، كنا نتشارو في الصغيرة والكبيرة، كنا نعتبر جسدين بعقل واحد وهذا يعرفه أهلي الإرتريين وغير الإرتريين، إن بعض الدساسين يقولون: إن أحمد أبو سعدة في جيب صالح أياي..؟

بعد فترة من الوقت مرت بمراراتها اتصل بي صالح أياي في ساعة مبكرة وقال لي:

إني انتظرك فورا.

قلت له على الهاتف: مالذي حدث؟؟؟ إنها الساعة الخامسة صباحا.

لكني استجبت له وفي الساعة السادسة التقيت مع صالح أياي الذي قال لي: إن عبدالله إدريس مريض جدا وموجود في القاهرة للعلاج، ما رأيك أن تذهب وتقابله وتشجعه على العودة إلى إرتريا.

أخذت برأي صالح وسافرت إلى القاهرة في نفس اليوم وذهبت إلى مكتب جبهة التحرير في القاهرة وهناك وجدت الأستاذ (محمود صالح) وتوجهنا سوية حيث يقيم (عبدالله إدريس).

الله... الله... ماهذا ؟؟ أصبح فم عبدالله إدريس إلى جانب وجهه وكان يتلعثم في الكلام الذي يقوله... قد أصيب عبدالله بمرض عصبي، تحدثت كثيرا مع عبدالله الذي كان باديا عليه الألم والتعب وزاد على ذلك المرض العصبي، لم يختلف كلامه عن كلام أحمد ناصر حول الجبهة، قلت لعبدالله:

إني أشعر انك تريد أن تقول شئا وأرى أنك تحمل مسؤولية ماحصل للجبهة لرفاقك وعلى رأسهم أحمد ناصر...؟

لم يجبني بشيء... قلت لعبدالله:

عليك بالعودة إلى إرتريا والتعاون مع إخوانك لإعادة بناء الجبهة، هذا باختصار مادار بيني وبين (عبدالله إدريس)، وأقول هنا إن كل أعضاء القيادة مسؤولين عن انهيار الجبهة وهذه الكارثة، إذن على الكل التفاهم والعمل بجدية ويجب كل شييء أن يطرد كل من ساهم من قريب أو من بعيد في الصراعات التي سببت هزيمة الجبهة.

لقد رأت عيناي كيف أن النساء والشيوخ والرجال يبكون عندما مرت عربات الجيش السوداني في مدينة كسلا وهي محملة بأسلحة جبهة التحرير،حينها الإرتريون يصرخون ويشنمون قادة الجبهة، كنت مع هذا الحضور انظر إلى سلاحنا وهو محمول على سيارات الجيش السوداني وأنا في هذا الجو الحزين كانت إمراة كبيرة في العمر نسبيا قريبة مني فسقطت على الأرض من شدة ألمها وبكائها وحزنها وماتت.

إنها لم تستطع أن ترى هذا المنظر المذل وقد علمت من بعض الحضور أن اثنان من أولادها وزوجها كانوا قد استشهدوا، كان جميع أهلي الإرتريين في ذهول تام وكلام كثير وروايات كثيرة تنسج هنا وهناك وكان من الصعب أن يصدق الإنسان الإرتري أن جيشا ينهار ويفقد سلاجه بهذا الشكل.

عدت من شوارع كسلا إلى بيت الجبهة وفيه إلي العم (حسين) مسؤول البيت: ماذا تقولون عنا في سوريا وأنتم الذين قدمتم لنا كل هذا السلاح يا أبو سعدة والذي ضيعه أولادنا ؟؟؟.

أكيد أنتم زعلانين منا ،كيف فعل أولادنا هذا ؟؟؟ شو بدو يصير فينا يا أبو سعدة ؟؟؟.

قلت له:

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click