جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة السادسة والثلاثون

بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة

بدأ القتال في البداية في الساحل الشمالي وتحديدا في منطقة (أدوبحا وتبح) أعطت الشعبيتين للقتال مبررات عديدة

جبهة التحرير الإرترية الوطنية نحروها أم انتحرت

ومن هذه التبريرات التي تبنتها الشعبية وعملت بها هي أن قادة جبهة تحرير إرتريا قد اتفقوا مع السوفييت تمهيدا لا تفاقهم مع الإثيوبيين.

وهنا أقول بأن إدعاء الشعبية هذا باطل كاذب وليس له أي أساس، إنه يزورون الحقيقة حينها قالت الجبهة الشعبية أيضا إن جبهة التحرير وبالتعاون والتنسيق مع الإثيوبيين يعدون العدة لضرب الجبهة الشعبية وتدميرها وبعدها يتم الاتفاق مع الاثيوبيين وبرعاية سوفيتية ؟

هذا كذب كذب والتاريخ سوف يكشف من الذي يتعامل مع الإثيوبيين (وأنا أقول لكم الآتي في 2018/9/16 وقع كل من أسياس أفورقي رئيس دولة إرتريا الشعبية ورئيس وزراء اثيوبيا آبي وبرعاية الملك السعودي سلمان اتفاقية المودة والتعاون في كافة المجالات).

إن الشعبيتين أرادتا تصفية جبهة التحرير ليفعلوا ويحققوا ما يريدون ومايريدونه هو الوحدة تحت شعار (تجراي تجرينيا) أي الناطقين باللغة التجرينية، وسؤالي هنا، كيف تتفق الشعبيتان مع بعضهما، الشعبية الأولى هي إرتريا والشعبية الثانية هي تجراي، الأولى إرتريون والثانية تجراويون.

كنت من أوائل من حذر أصدقائي قادة جبهة التحرير ومنهم (أحمد ناصر وصالح أياي وتسفاي تخلي وعبدالله ادريس وهبتي تسفاماريام) وغيرهم، لكن ويا للأسف لم يأخذوا برأيي بل ذهب البعض منهم وقال:

أنت تريد أن (تفرتك) أي تريد أن تفشل اتفاقنا مع الشعبية.

قلت لهم: يا أصدقائي هل الشعبية صادقة باتفاقها معكم.

بعدها ذهب بعض قادة جبهة التحرير واتفقوا مع الشعبية على إرسال لواءاين من جبهة التحرير ولواء من الجبهة الشعبية إلى منطقة بركة وجبهة التحرير نفذت ما اتفق عليه وأرسلت اللواءاين إلى (بركة) لكن الشعبية لم ترسل لا لواء ولا حتى مقاتلا واحدا، لكن جبهة التحرير ساعدت الجبهة الشعبية وقاتلت معهم نتيجة تبنيهم المقولة الوطنية هي البنادق من أجل الاستقلال.

وعندما ألتقيت بالمناضل البطل (محمود حسب) وسألته يا أخي محمود مارأيك بتصرف الشعبية فأجابني المناضل محمود:

يا أخ أحمد علينا من الآن وصاعدا أن نسحب وحداتنا من الساحل وهذا يتيح لنا عملا عسكريا منظما، إذا أردنا أن نقوم بالدفاع عن وجودنا، إن عدم تواصل العمل العسكري الوطني هو من الأمور التي أدت إلى انهيار الجبهة.

كم كان الشهيد البطل محمود صادقا وذا رؤية بعيدة وهنا دعوني أقوم لكم مثالا هاما.

عندما كنت في الساحة الإرترية كان يرافقني المناضل (ابراهيم محمود) والمناضل محمود كان عريفا في الجيش السوداني وقد استقال منه ولحق بالثورة ، مررت أنا والأخ محمود ابراهيم في قرية كبيرة تسمى (دلك) فجأة رأيت شيئا غريبا علي يمر من جانبي، صرخت على إبراهيم محمود:

ماهذا يا محمود.

أجابني: كما ترى يا أخ أحمد إنها مسيرة... مسيرة.

وأنتم في وضع غير طبيعي تقومون بمسيرات...؟

من خلفي جاءني صوت فالتفت نحو الصوت فكان (إبراهيم توتيل) رئيس المكتب السياسي في جبهة التحرير الإرترية الذي صرخ عاليا:

مسيرة... إنها مسيرة يا أبو سعدة؟

فعلا إنها كانت مسيرة لأطفال صغار يحملون أعلاما حمراء ويلوحون بها ويطلقون شعارات ليس لها معنى، عاد توتيل وقال لي: إنها مسيرة أيها الرفيق.

وتساءلت بنفسي (ألم يكن توتيل رئيس المكتب العسكري ورفاقه يعلمون أن الشعبيتين الإرترية والتجراوية يزحفون بجنودهم وبالألالف لقتل ودفن جبهة التحرير الإرترية الوطنية؟

نعم يعلم توتيل ومن هم على شاكلته وإذا سألتموني الآن عن (ابراهيم توتيل) فإني لا أعلم شيئا عنه ولكن الذي عرفته عندما إلتجأ إلى الشعبية في أسمرا وانضم إليها مع مجموعتته الصغيرة عينه (أسياس افورقي) محافظا لمنطقة (سمهر) ثم عزله بعد فترة علما بأن (إبراهيم توتيل) منحدرا من قبيلة (الباريا) أعود إلى متابعة طريقي مع المناضل (إبراهيم محمود) الذي قال لي:

إن هذه المسيرة يا أبو سعدة وغيرها هي من صنع رفاقك أصحاب حزب العمل.

ضحكت وقلت له: ليس لي رفاق في حزب العمل...؟

والآن أقول لكم: نعم وفعلا لقد دفنت جبهة التحرير الإرترية الوطنية لكن الحياة لم تدفن ولن تدفن فالمستقبل ومهما بعد هو لإرتريا الوطنية ولا بد للحق أن يعود إلى طبيعته.

في هذه الأثناء أي زمن المسيرات وزحف الشعبيتين على جبهة التحرير قامت الجبهة الشعبية بإصدار بيان من ثلاثة عشر صفحة تحدثت فيها عما هو موجود وغير موجود من وجهة نظرها وكان (يشتم) من بيان الشعبية بأن هناك شيئا مبيتا على جبهة التحرير وخاصة إن الشعبية قد استوعبت أعدادا كبيرة من الشباب الإرتري الذين تدفقوا عليها بعد انقلاب (منغستو هيلا مريام) على هيلا سيلاسي، لقد استوعبت الشعبية هؤلاء الشباب وبهم تم تفوقها على جبهة التحرير من حيث العدد.

يحدثني الأخ (أحمد ناصر) بخصوص فيقول إنه كان على الوحدات العسكرية الموجودة في الساحل أن تسحب كون المعلومات كلها تؤكد استعداد الشعبيتين لضرب جبهة التحرير - لكن هذه الوحدات لم تسحب... ويا للأسف لم تسحب الوحدات العسكرية وكان المسؤول عن هذه الوحدات (إبراهيم توتيل) وفي هذه الأثناء وبالتزامن مع حشود الشعبيتين حشدت إثيوبيا وحدات عسكرية ضد الجبهة.

قلت (لأحمد ناصر): ألا تعتقد بأن إثيوبيا قد اتفقت مع الشعبيتين لضرب الجبهة...؟

أجاب الأخ أحمد.. نعم... وألف نعم، فقد كان هناك تنسيق كامل وهذا ما سوف يظهره التاريخ في المستقبل.

في حينها كانت إثيوبيا تريد أن تفتح طريقا من مدينة (مندفرا) إلى (عرزا) وإلى (أوحين) و(بارنتو) ثم إلى مدينة (تسني) الحدودية مع السودان لقد أفشلت جبهة التحرير فتح هذا الطريق ومنعت كافة الامدادات من النقاط الاثيوبية.

وأثناء تنقلي في الساحة الإرترية لم أشاهد أي مناضل ما بين منطقتي (فورتو) و(تسني) فكيف يحدث هذا.

قلت (لعبدالله إدريس) رئيس المكتب العسكري وبالحرف الواحد يجب يا (عبدالله) أن تدمروا قوات الإثيوبيين في جبهة (أوحين) وإن لم تدمروا هذه القوات فسوف يكون الخطر على الجبهة حتميا...؟

بارك الله في (عبدالله ادريس) وأخذ برأيي ثم تشاور مع (أحمد ناصر) وبعض القيادات ومنهم المناضل (حسين خليفة) أمد الله في عمره وكذلك (حامد محمود)، بعدها اتخذ القرار وأرسلت وحدات عسكرية على رأسها المناضل (محمود حسب) ودمرت الوحدات العسكرية الإثيوبية وتم الاستيلاء على (أوحين) و(مندفرا)... أتخذ على أثرها قرارا قياديا بإبقاء الوحدات العسكرية التي قاتلت الإثيوبيين وطردتهم، أتخذ القرار بإبقاء هذه الوحدات في مكانها وكان هذا هو الخطأ المميت.

في هذه الأثناء ذهب (أحمد ناصر وعبدالله إدريس) وقالا للأخوة السودانيين إننا نختنق، نريد عتادنا وتمويننا وسياراتنا المحجوزة عندكم منذ سبعة أشهر، أعطونا ممتلكاتنا وإلا لن يرحمكم التاريخ.

وياللأسف لم يرد عليهما أحد.

لنقف عن متابعة سردي وأقوم بمحاولة تحليل بسيطة حول طبيعة الجبهة الشعبية لتحرير تجراي.

هذه الحركة ترتكز على الطائفية البحتة (رغم ادعاءاتها الاشتراكية الماركسية) بهذه الروح الطائفية بدأ القتال بين جبهة تحرير إرتريا والشعبيتين.

في هذا الوقت بدأ حروي بمجاهرته العداء لجبهة التحرير وتشكيله بما عرف بالفالول الذي تكلمت عنه سابقا، الذي نقل عنه بأنه أعطى صفة أخرى لنفسه وهي صفة كاذبة وطائفية بحتة وهي تسمية كيانه التخريبي الفالول باسم (التحرير والديمقراطية) وقد ترافق ذلك ببروز اتجاه رئيس المكتب العسكري في الجبهة (عبدالله إدريس)، هنا ابتعدت العناصر الوطنية وانشغلت بأمور ثانوية وهذه العناصر الوطنية تمثلت بـ(أحمد ناصر - صالح أياي - وسعيد صالح والدكتور هبتي تسفاماريام - وزروء بيدو - وخليفة عثمان - وحامد آدم سليمان ومحمد أحمد عبدو - وحامد محمود - ومحمود حسب - وإبراهيم وقد زج به في سجن الجبهة بحجة إنه معادي للجبهة والحقيقة غير ذلك فهو شاب وطني مخلص ثم جاء قتل (عبد القادر رمضان) و(سعيد حسين) هذا المناضل الذي قبع في سجون اثيوبيا إثنا عشر عاما، إنه قتل في (دنكاليا) بحجة الإعداد لانقلاب وإذا شئت أن أذكر هؤلاء الوطنيين جميعا فستضيق الصفحات بأسمائهم فليعذروني أخوتي المناضلين الإرتريين لتقصيري هذا.

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click