جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة الثالثة والثلاثون

بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة

سألت المرافق محمود: لو هاجمنا الأحباش ماذا نفعل بهاتين البندقيتين؟؟

رد ضاحكا: كويس.

جبهة التحرير الإرترية الوطنية نحروها أم انتحرت

شو هادا الكويس يا محمود.

عندما يهاجمنا الأحباش سوف نتصرف.

وسألت نفسي كيف سنتصرف بهذه الطلقات أم بهذا السمبوك الذي يأن ويعن صارخا مولولا.

صرخ محمود قائلا لي: ألا تعرف السباحة يا أبو سعدة، سنسبح إذا حصل شيئا.

أين سنسبح؟! هنا في البحر الأحمر، على كل، كلنا سعرنا بسعر بعضنا.

تمام قال محمود هذه الكلمة بلهجة لم أسمعها من قبل من الإرتريين قلت في داخلي، على ما يبدو سنكون وليمة سهلة لأسماك قرش البحر الأحمر، قال محمود هامسا لي:

ولك شبك خايف؟؟ وضعت كفي على رأس محمود وقلت له.

بذمتك أين تعلمت هذه اللهجة؟؟

أهلين أبو سعدة.

كان محمود في سوريا واتبع دورة عسكرية بين النبك وحرستا.

الساعة الآن الواحدة ليلا ولا أرى شيئا، ولا أسمع سوى صوت الزورق وارتطامه بالماء، سألت قائد الزورق:

يا (عثمان) كيف ترى وتوجه الزورق وسط هذا الظلام الدامس؟؟

عشرين عاما وأنا أعمل في البحر وعلى هذا الخط وقبل الثورة كنت أشتغل بين عدن وجدة ومصوغ وعصب أنقل المواد التموينية والكهربائية وما شابه ذلك.

يعني كنت مهربا.

هل تعتبر المواد التموينية تهريبا يا (عثمان) إن المهربين يجنون أموالا كثيرة حتما أنت غني... ضحك وقال:

إن معظم أهلي يعملون في البحر وعندما اندلعت الثورة التحقت بها وعملت على ايصال المؤن والسلاح عن طريق البحر.

هل أنت دنكلي يا صديقي.

نعم أنا إرتري دنكلي.

وتدخل (عبد الوهاب) وقال:

إنه مناضل جسور والده قتله الأحباش قبل اندلاع الثورة لأن والده كان من الوطنيين المتشددين ثم استشهد أخوه.

سألت (عثمان) هل أنت متزوج ؟

نعم ولدي خمسة أولاد الكبير منهم موجود في الثورة ولم أره منذ أعوام وقد سمعت إنه موجود في (القاش) أما بقية أولادي وحرمتي فهم موجودين في (الخوخة) وهي قرية يمنية قريبة من الحديدة.

هنا توقفت عن الحديث نتيجة ارتطام الزورق بجسم غير عادي ارتج الزورق وظل متابعا سيره بشكل عادي وقد عرفت من مرافقي بأن الزورق يرتج عندما يرتطم بالسمك الكبير لقد كنا نبحر بجانب الشاطئ وقرب الشاطئ توجد شعب مرجانية كثيرة تكون ملعبا للسمك وزورقنا يرتطم به عندما يكون السمك يمارس ألعابه، شيئ واحد لم أفهمه وهو (متى ينام السمك ومخلوقات البحار).

سألني المرافق (شحيم) كيف حالك، أتشرب الشاي؟

وأحضر لي كوبا من الشاي وقد جاء في وقته لأن الطقس بدأ يميل إلى البرودة والهواء يزداد قوة كنت جالسا في مقدمة الزورق... ووقع المحظور وكاد الزورق أن ينقلب فعرفت من رفاقي في الزورق أن سمكة كبيرة ضربت الزورق فوقعت كأس الشاي من يدي وتدحرجت في (سمبوكنا) العظيم وسمعت صوت ضحك رفاقي إنهم يضحكون علي وكيف تدحرجت مع كأس الشاي وأنا أحاول أن أتمسك بشيء.

لا يهمك هذه كأس شاي أخرى (قال شحيم).

كم الساعة الآن يا أخوان.

فأنا من شدة الظلام والصدمات مع السمك لم أعد أرى شيئا، تقدم مني عثمان وقال لي:

هذه البطارية لك يا أبو سعدة (وهي تعني مصباح اليد).

نظرت إلى ساعتي فكانت الثانية صباحا... في الصباح علمت وأدركت بأن أصحابي لا يملك أي واحد منهم ساعة...؟

الوقت يمر بطيئا ثقيلا إلا أن الهواء قد خفت شدته وعلى هذه الوتيرة استمرت رحلتنا خمسة ليال كنا نتحرك في الليل ونرتاح في النهار وسط الخلجان الصغيرة أو بالأحرى نختبئ في النهار خوفا من عملاء إثيوبيا وما أكثر العملاء في تلك الفترة وفي الليلة السادسة قطعنا باب المندب واستغرق ليلة واحدة قطعنا هذا الممر الذي اجتازه أجدادنا وأباءنا إنه أضيق نقطة للوصول إلى البر الإرتري وسرحت بخيالي إلى الماضي وتساءلت كيف وصلنا أجدادنا إلى هنا وإذا عدنا إلى التاريخ نجد أن باب المندب كان أقدم الأبواب التي دخلها العرب في هجرتهم إلى إفريقيا وأجدادنا هم الذين أطلقوا عليه هذا الاسم لأنه المدخل إلى القارة السمراء وقبيلة (أجعازيان)هي أقدم القبائل التي هاجرت إلى الشواطئ الإرترية هذه القبيلة السبئية حطت رحالها فوق هضبة إرتريا وهضبة الحبشة وتعتبر اللغة (الجئزية) أقدم لغة سامية في شمال شرق إفريقيا وكان الذين يتحدثون (بالجئز) يطلق عليهم اسم (اجاعازيا).

ست أيام نبحر في الليل ونستريح أو نختفي في النهار، في صباح اليوم السادس حط بنا الزورق الميمون على الشاطئ الإرتري وسألت رفاقي:

أين أخواننا الثوار؟

لم أجد حولي سوى الرمل والسمبوك والبحر وأعدت السؤال مرة ثانية (أين المقاتلين؟؟) إني لا أرى سوى البحر والرمال وسمبوكنا العظيم.

أجابني (محمود) اصبر قليلا يا أبو سعدة.

وذهب معه أحد المقاتلين وبقيت معنا بندقية واحدة.

تساءلت: هل تورطت في رحلتي هذه ؟؟ ما علي سوى السكوت والانتظار ومرت الساعات وتلتها الساعات وأنا في الانتظار ولاشيء أسوأ من الانتظار سوى الحر الشديد والرطوبة العالية اللذان كانا مخيمان علينا، لا أستطيع أن أصف وضعي لكني سأحاول:-

أولا: الفراغ... رفاقي لا يتكلمون إلا عندما تخاطبهم وعند الضرورة.

ثانيا: لو هاجمنا الأحباش أو اللصوص والمهربين ماذا سيكون مصيرنا ؟؟ أعتقد أن هذه المنطقة مهجورة... انتصف النهار لم يبقى ظل ولا ما يحزنون الزمن يمر بطيئا قاتلا وأنا أنظر إلى الأفق وأتساءل (لماذا جئت)؟ وأقسم لنفسي والله لن أقدم على مغامرة كهذه مطلقا، كل مرة أقول هذا الكلام ثم أعود متراجعا عنه.

أين هواء البحر...؟ إنني أتنفس بصعوبة وجسمي توقف عن التعرق فقدت كل الماء هكذا كان يومي الأول مع قوات (الطبيعة الثورية) على الشاطئ الإرتري وفي المنطقة التي تسمى (بوري) بعد الترقب الطويل أقبل صاحبانا ومعهما شخص ثالث.

الوقت غروب وهواء البحر بدأ يأتي بخيراته والموج يزحف ليتجاوز الزورق (الكهل) ثم يعود لوضعه.

بدأت الحالة تتحسن ثم انفرجت من كل الجوانب مسؤول المنطقة جاء ويدعى (كفلة) ومعه رفيقنا حارس الزورق وهواء البحر بدأ يغازلنا وأصبحت الحالة مقبولة على مضض، الشاي كان ضيافتنا للثائر (كفلة):

كيفك يا أبو سعدة (قالها كفلة بلهجة عربية ركيكة) وكيف سوريا ورفاقنا.

هذه هي الأحاديث وما شابهها هي التي كانت تدور بيننا وجاء دوري بالسؤال:

أين جيش التحرير يا كفلة...؟

أجاب كفلة: قريبا ستراه.

كيف ومتى نبدأ الرحيل لملاقاته..؟

الليلة.

وكلمة الليلة تعني عند رفاقي (اليوم).

الى اللقاء... فى الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click