جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة واحد وثلاثون
بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة
زيارتي الأولى والثانية التي كانت الأخيرة لقوات التحرير الشعبية: مرت الأيام والأسابيع وأنا في دمشق
أحضر لفيلم سينمائي روائي طويل في حينها ظهرت الضائقة المالية على جبهة التحرير فتعاونت مع الأخوة القياديين الثوار في جبهة التحرير بمساعدتهم بقدر ما أستطيع على تجاوز الجبهة من ضائقتها المالية والأخ (صالح أياي) وبعض أعضاء القيادة يعرفون مدى تعاوني وأكيد لا ينسوه.
غادرت القاهرة على متن الطائرة اليمنية (اليمدا) والطائرة من النوع القديم والطريق طويل وممل والطيران مدته ست ساعات من القاهرة إلى عدن.
كانت المطبات الهوائية كثيرة وكنت أتساءل لماذا أنا أسافر وأعرض نفسي للأخطار والخوف والذعر كذلك أعرض أسرتي ومستقبلنا للمجهول والضياع..؟ ثم ماذا عن القضية الفلسطينية وكنت ومازلت من المتعاطقين جدا والمتعاملين بها.
لقد انتميت للعمل الفدائي الفلسطيني منذ انطلاقه في عام 1968 وقد عملت في غور الأردن وجنوب لبنان وأصبت في قرية (كفر شوبا) جنوب لبنان إصابة بالغة... أليس الصهاينة أعداؤنا واغتصبوا فلسطين أرضنا لم أكن اعرف ما يخبئه المستقبل لي.
• هل أنا في حلم...؟
• لقد طال هذا الحلم... أنه طويل ومزعج... ماهو المستقبل الذي أحلم به...؟
• الفن أم الثورة وأعتقد أنهما الاثنان معا... إنني لا أستطيع أن أفكر ولو مجرد تفكير بسيط بقبول ما تم من تآمر علينا..؟
• أين أرضنا...؟
• أين الشهامة العربية والإسلامية...؟
عندما كنت طفلا صغيرا كنت أتشوق لما أسمعه من والدي عن البطولات العربية والإسلامية، كنت أريد أن أعرف تاريخ أمتي والعالم وأبحث عن الكتب لأعرف ذلك وعندما أجدها لا أستطيع شرائها فكنت أستأجرها من إحدى المكتبات الصغيرة الواقعة قرب جامع السنجقدار في قلب عاصمتي دمشق كانت أجرة الكتاب حينها (عشرة قروش او فرنكين) كما كنا نقول وأنا أعتقد أن كثيرا من الشبان قد مروا على هذه المكتبة.
وصحوت من أفكاري على صوت ناعم لطيف يقول:
هل تريد كوفي، قالتها المضيفة العدنية السمراء الجميلة باللغة بالإنكليزية، أجبتها باللغة العربية قائلا:
أريد فنجانا من القهوة العربية أيتها اليمنية الجميلة.
ضحكت بدلال وقالت:
أنت تتكلم العربية؟؟؟
نعم أنا عربي ومن سورية واسمي أحمد ماهو اسمك أنت يا سمراء عدن.. أجابتني.
اسمي زينب.
لا تنسي يا زينب أن يكون البن عدنيا.
إن زينب مضيفتنا تشبه في تقاطيعها (حليمة الإرترية التي كانت تقدم لي الحليب الطازح عندما كنت في قريتها بمنطقة الساحل الإرتري، اللون والتقاطيع واللغة واحدة غير أن حليمة تحمل كثيرا من الألم والمعاناة كعيون معظم الشعب الإرتري كثيرا ما كنت أدقق في عيون أطفال إرتريا ونسائها وكذلك الثوار فكنت أجد معنى واحدا فيهم وهو الألم والتساؤل أين أنتم يا أخوننا العرب أين أنتم نحن منكم وأنتم منا نحن أهلكم وأنتم أباؤنا وامهاتنا أنتم أهلنا.
عادت المضفة اليمنية (زينب) تسألني إن كنت أريد شيئا غير القهوة لقد ايقظتني من أفكاري.
طائرتنا تهتز وتهبط وتصعد... لاحت أضواء عدن من الطائرة وماهي إلا دقائق حتى لامست عجلات الطائرة أرض مدرج المطار.. الحمد لله لقد وصلت بسلام وقد قطعت المرحلة الأولى التي سأذكرها دائما بعد إجراءات قاسية في المطار الذي وجدت في باحته صورتين من القياس الكبير لكارل ماركس وفلاديمير لينين خرجت بعون الله من المطار سالما وأنا ألعن ماركس ولينين ومن وضع صورتهما.
ذهبت إلى فندق (ليبرتي) ووجدت غرفة فيه وفيها مروحة سقفية وبدأ الهواء يلعب فيها لا بأس في الغد سارى ما يمكن عمله وتساءلت في ذاتي ماذا أفعل غد في هذا الجو ذي الرطوبة والحرارة العالية جدا...؟
صحوت باكرا وبعد الإجراءات المعتادة من النوم نزلت على الدرج الخشبي إلى فسحة ضيقة إنها صالة الفندق وجدت فيها أناس كثيرين بحثت عن الهاتف فوجدته في ركن صغير في صالة الفندق تكلمت مع (شحيم ابراهيم) وهو مسؤول مكتب جبهة تحرير إرتريا في عدن واتفقت وإياه أن نلتقي خارج الفندق كنت لا أريد أن يعرف أحدا أن لي علاقة مع ممثل جبهة التحرير (شحيم ابراهيم) وأنا موجود وفي طريقي إلى قوات التحرير الشعبية والمفروض بي أن أتصل بمندوب بقوات التحرير الشعبية (أحمد جاسر) وليس (بشحيم ابراهيم) والسبب في ذلك هو وجود وثيقة هامة جدا معي من (عثمان سبي) إلى مندوبه في عدن (أحمد جاسر) وخلاصة هذه الوثيقة التي فتحت المغلف الموضوعة به في دمشق وقرأت ماجاء فيها وخلاصته أن المدعوين (أحمد اإبراهيم) و(أحمد أدم عمر) وهما من قيادة جبهة التحرير سوف ينضمان إلى قوات التحرير الشعبية أليس هذا قمة التآمر على جبهة التحرير الإرترية.
في دمشق ذهبت إلى (صالح أياي) الذي كان مسؤول مكتب دمشق في الساعة الرابعة صباحا وأطلعته على الرسالة التي سلمني إياها (عثمان سبي) لأنقلها إلى (أحمد جاسر) و أطلعت (صالح أياي) على الرسالة فذهل تماما ولم يصدق وبدأ يرتجف ورأيت (صالح أياي) يرتجف مرتين على مدى سنوات صداقتنا الطويلة المرة الأولى عندما قرأ الرسالة والثانية عندما تم إغلاق مكتب جبهة التحرير في دمشق بعد توقيع اتفاقية جدة وسألت صالح مالعمل؟؟؟ فقال لي هذه الوثيقة يا أحمد انقذتنا من التفتت والضياع لم أكن أعتقد أنا وكل أخوتي في الجبهة أن الأحمدين هذان يتامران على جبهة التحريرهذه الوثيقة يجب أن تصل إلى رفاقنا ليعرفوا ما يتم ويدبر بالخفاء لجبهة التحرير.
قمت بتصوير الوثيقة وأعطيتها لصالح الذي سلمها بدوره إلى إخوانه في الجبهة.
ألتقيت (بشحيم ابراهيم) وكان لدينا عمل في غاية الأهمية وخاصة بعد قراءة الوثيقة التي كتبها وأرسلها عثمان إلى (أحمد جاسر) مندوبه في عدن الذي كان من متزعمي قوات التحرير الشعبية.
كنت أخطط لإفشال رحلتي هذه واتفقت مع (شحيم ابراهيم) على خطة للعمل حول إفشال رحلتي.
عدت إلى الفندق واتصلت بأحمد جاسر وللحقيقة والتاريخ أقول إنني كنت مخطئا بتصرفي هذا.
كيف حالك يا أبو سعدة (سألني أحمد جاسر على الهاتف).
بخير والحمد لله.
أين أنت يا أبو سعدة.
في فندق ليبرتي.
سوف أكون عندك خلال دقائق.
وكان لقائي الأول مع (أحمد جاسر)، هل أخطأت بتصرفي...؟
أين (أحمد جاسر) وأين (شحيم ابراهيم) وأين وأين وأين، (شحيم إبراهيم) سلم نفسه إلى إثيوبيا في العام ذاته أي في العام 1970 أما (أحمد جاسر) فقد أصبح مسؤولا عن تنظيم خاصا به بعد وفاة (عثمان سبي) وكان (أحمد جاسر) ومن خلف عثمان مرتبطا سرا بالجبهة الشعبية منذ قيامها.
أعود لأتمم الحديث عن لقائي مع (أحمد جاسر) في عدن، سلمته الرسالة حول الأحمدين الذين طردا من الجبهة فيما بعد عندما اكتشف أمر تآمرهما على الجبهة وبعد أن تخلت عنهما قوات التحرير الشعبية اشتغلا فراشين في أحد فنادق السعودية.
أفشلت رحلتي إلى إرتريا وعدت إلى القاهرة لألتقي (بطه محمد نور) ممثل تنظيم قوات التحرير الشعبية في القاهرة وصديق عثمان الحميم ظاهريا.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة