جبهة التحرير الإرترية نحروها أم انتحرت - الجزء الاول - الحلقة الثامنة والعشرون
بقلم المناضل الإعلامي الأستاذ: أحمد أبو سعدة
إن سكان المرتفعات كانوا مرتاحين والمبشرون الأروبيون والأمريكان والصهاينة لعبوا ومازالوا يلعبون
دورا في بذر الشقاق والتفرقة بين الإرتريين.
إن الآلاف المتدفقة من المرتفعات والتي أصبحت بشكل واضح دعما (لحروي بايرو) وبشكل عشوائي أصبحت بعد فترة قصيرة شبه منظمة وبدأت التنسيق مع (حروي) وأنا أقول بأن حروي رجل متعلم ومثقف إلا أنه ويا للأسف كان مرتبطاً كما أن شهوة السلطة والحكم كانت معشعشة في كيانه وإني أرجح أنه كان مرتبطاً...؟؟؟
ومن خلال خلافه الشديد مع صديقه الحميم (عبدالله ادريس) الذي وصفه (حروي) بأنه (جياب) إرتريا ولكن ذلك كان فيما مضى أي عندما ألتقت مصالح الطرفين مع بعضهما...؟
وعندما كنت في (حماسين) شرحت لي فتاة تدغى (فضة) كيف كان (حروي) يمارس سلطته على الفلاحين البسطاء وكان يقول لهم بعجرفة:
نريد أن نخلق منكم عمالا زراعيين ثوريين لا فلاحين.
لم يكن أحدا من الناس البسطاء يفهم ما يقوله حروي إلا القليل من المناضلين.
إن سقوط (حروي) في المؤتمر الثاني لجبهة التحرير أدى إلى إفرازات سياسية معقدة خطط لها على مستوى طائفي بأيدي (الرفاق).
بعض هذه العناصر طالبت بمؤتمر عسكري لحل القيادة وانتخاب قيادة جديدة أي انقلاب داخل الجبهة ثم إن افشال بعض المعارك ضد اثيوبيا الماركسية (كمعركة بارنتو) والذي كان لي الشرف بالمشاركة فيها مع البطل الشهيد (محمود حسب) الذي قتلته الجبهة الشعبية عند بيته في مدينة كسلا، كانت هذه الجريمة دلالة هذه الافرازات السلبية الطائفية، إن صداقة رفاق الأمس المزيفة أو مصلحة الأمس انتهت مع انتهاء ترأوس (إدريس محمد آدم) للجبهة وانحياز (حروي) إلى جانب الوافدين وإحساس (عبدالله ادريس) أن البساط قد سحب من تحته أو بدأ يسحب فما كان منه إلا أن بدأ التعبئة بخلع حروي التقدمي رفيق الأمس فكان له ذلك وهنا كانت الغلطة القاتلة فما كان من حروي إلا أن لعب دورا أساسيا في تصفية الجبهة بشكل أو بآخر وبتشكيل ما أطلق عليه (الفالول) أي الفوضويين.
وقد كان من المفروض على الأخوة القادة الوطنيين الاحتفاظ بحروي ولو (تكتيكيا) ألا يبعد حروي عن المجلس الثوري ولتكن العملية (تكتيكية) لصالح الجبهة وعندها سيلتزم حروي بالجبهة ولو شكلا، ألم يكن حروي الرجل الثاني في جبهة التحرير وحسب ما يقول هو إنه الرجل الأول والفعال...؟
وإذا عدنا إلى الوراء سنوات وعندما ألتقيت بحروي في فندق (نيالا) في أسمرا وبعد العناق والقبل الكاذبة مني ومنه لبعضنا عرفته على أعضاء الوفد السوري الذين جاءؤا للمشاركة في التهنئة بمناسبة الاستقلال وإقامة علاقات سياسية مع إرتريا قلت لهم معرفا:
صديقي (حروي تدلا بايرو) نائب رئيس جبهة تحرير إرتريا سابقا.
ضحك حروي بخبث وقال: قل لهم يا رفيقي العزيز إني أنا كنت رئيس جبهة تحرير إرتريا.
وإني أقول هنا إن حروي هو من أوجد ما سمي بالفالول وأنا أعرفه من خلال ممارساته التنظيمية ودفعه للاقتتال والتصفية الأهلية وكذلك ممارساته على المواطنين في المنخفضات والمرتفعات واستكباره وضربه للتقاليد وأهل المنخفضات لهم تقاليدهم وأعرافهم ومتمسكون بأبسط الأمور العائلية الاجتماعية وربما يقول قائل إنهم منغلقون على أنفسهم في قضايا تمس الشرف والأخلاق العامة أما سكان المرتفعات فلهم تقاليدهم أيضا وهذا حق لهم فلكل طبيعته...؟
إن سقوط حروي لاشك كان له تأثيره على جبهة التحرير وأقول هنا وبصراحة إن أصدقائي وخاصة من يدعون الرفاقية التقدمية ينقصهم الدهاء السياسي والحنكة والرؤية المستقبلية والحقيقة تقال إن هناك أفرادا قياديين في جبهة التحرير (منبهرين بحروي) فمن قائل بأن الشيوعيين عملوا تحالفا مع بعضهم البعض ومن قائل إن (عبدالله ادريس وصالح أياي) تحالفا ضد حروي...؟
وسرت إشاعات كثيرة مختلفة وتفاقمت المشاكل ضمن جبهة التحرير وهنا شكل ما سمي بالفالول الذي أنشأهم وتزعمهم حروي وهي كلمة تجرينية كان من بين هؤلاء الناس مواطنون أبرياء وكان منهم من اعتنق آراء حروي ومنهم المتطرفون إذا (حروي تدلا بايرو) هو الذي أنشأ الفالول وكان رئيسهم.
إن سقوط (حروي) في المؤتمر الثاني كان له عدة أسباب ومنها أفكاره الماركسية المعلنة والتي كان يتباهى بها وهي أفكار (واجهة) فقط أما الداخل فهو تنفيذ مخطط ضرب الجبهة بالإضافة لذلك كان حبابا لشخصه وتشبثه بالسلطة وإنفراده بكثير من القضايا المتعلقة بتوجيه جبهة التحرير التي أفسدها وكان يقول متشدقا أحيانا علينا بتصحيح مسار الجبهة وإن (حزب العمل الماركسي أصبح ذيلا للجبهة) وهذا لا يجوز ونستطيع أن نقول وبشكل أوضح أن حروي كان يجيد اللعب وكان يشرب الخمر كثيرا وفي الريف الإرتري الطيب هناك أشياء غير مقبولة كشرب الخمر وكان (حروي) يمارس التعالي على زملائه فمثلا:
عندما كان وزملائه يريدون التوجه من منطقة إلى منطقة يبحث عن وسيلة مريحة لنقله أما زملائه فيمشون على الأقدام وقد سمعت من فتاة في المرتفعات واسمها (الكانيش) هذه الفتاة تحدثت إلي كثيرا عن (حروي) وممارسته اتجاه الفتيات... ثم قال لي قسيس في منطقة (سراي):
لم نكن نشعر بأن حروي ولدنا، كان يعاملنا بترفع وفظاظة.
ومن جراء معايشتي للشعب الإرتري الأمين بالريف وعلى مدى أكثر من نصف عمري وهو ثمانين عاما بدأت أفهم وإلى حد كبير طبيعة هذا الشعب وتقاليده.
وتمر الأيام بعد سقوط (حروي) ألتقيت به في روما مرتين متباعدتين جلسنا في مقهى بساحة الجمهورية امتدت جلستنا إلى الفجر قال لي حروي:
هل تصدق يا أبو سعدة بأن (عبدالله إدريس) و(حبيبك) صالح أياي هما اللذان تآمرا علي في المؤتمر الوطني الثاني وذلك من أجل إبعادي عن الساحة هذا باختصار شديد جدا ما خرجت به من خلال جلستي مع حروي وهو التأمر عليه لأنهما أي (صالح أياي وعبدالله إدريس) وبقية الرفاق التقدميين شعروا بأن الجماهير التفت حولي وأصبحت لي شعبية كبيرة والرؤية السياسية التي أملكها والجماهير الكثيرة التي آمنت بي خاف أصحابك (عبدالله وصالح) على نقسيهما مني فتامرا علي.
قلت لحروي: ألم تطلق على عبدالله إدريس جياب إرتريا...؟
صمت ولم يجب افترقنا ولم نلتقي إلا بعد فترة طويلة.
كبرت وتفاقمت مشكلة الفالول وأصبح من الضروري معالجتها لا بالسلاح بل بإجراء سياسي ينهي هذه المشكلة المعقدة والتي بدأت في عام 1975 واستمرت لعام 1976-1977 تدريجيا.
كنت أشعر مدى الخطورة التي تواجه الجبهة وحينها قلت (لصالح أياي) يجب أن تعالجوا مشكلة الفالول وإلا سيكون وجوده ضربة للجبهة قد تكسر ظهرها وقبل كل شيء يجب أن تتفاهموا مع حروي فهو رجل خطير وله ارتباطات محلية و خارجية لكن يبدو أن كلامي لم يخرج أبعد من آلة التصوير حين أضعها على عيني.
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة