عطر البارود.. انتصار الوطن والإنسانية
بقلم الأستاذ: عماد النظيف
على رائحة البارود تستمر الحياة ويولد طفل ويموت آخر ، وتولد قصص حب وشوق كبير للوطن والإنسانية ،
ذلك ماحاول أن يصوره الكاتب هاشم محمود في روايته ( عطر البارود ) الصادرة مؤخراً عن دار روافد للطباعة والنشر، وأن يسرده في قصص إنسانية جعلت لذلك البارود عطر، فالبارود ذلك المسحوق الأسود الذي يحمل دلالة الحرب والصراع والرائحة الموحشة والكريهة، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على الوحشة والفزع وعدم الاستقرار، ولكن تبقى الصعوبة في مزجه مع متناقضه وهو (العطر)، وتوظيفة في قالب فني.
في رواية: (عطر البارود) يسرد الكاتب القادم بقوة هاشم محمود الذي يحمل هم وطنه إرتريا، وكأنه بركان ثوري، يسرد رحلة تحرير الوطن بين مشقة وعذاب، وبين نسيج إنساني على رائحة البارود، ليطلق عليه (عطر البارود) ليؤكد أن الإنسانية ستنتصر مهما شق البارود غباره وسواده، وأن ذاكرة الزمان لاتنسى أفعال المحتلين ونضال الثائرين، لتحيي الذكرى والأثر الطيب بعلو ميزان العدل الذي يحفظه التاريخ في ذاكرته.
وأظهرت الرواية من خلال لغتها، غربة الكاتب وحنينه إلى الوطن الذي بدأ يتعافى مما لحق به من خراب، هاشم رغم بعده عن الوطن، استطاع سرد الأحداث بطريقة جميلة، جمعت بين الإنسانية والحرب بلغة رصينة، عندما أشار في مدخل الرواية إلى أن عجلة الزمان التي ليس لها أمان، سوى بالذكر والأثر الطيب والعدل، تستطيع أن تعيش أزماناً طويلة في ذاكرة التاريخ، ويضيف (لا تعتقد أن الصامتين عن ضياع حقوقهم جبناء، بل عقلاء، فالجبن كل الجبن في نكران الجميل، وسرقة التاريخ وتزوير الأحداث) ويحس الكاتب بأن الشباب يريد تحرير الوطن، لكنه ينبه إلى أن الوطن لن يحرر فقط بالدعاء أو بالصراخ أو البكاء والنواح، وهو يقول (لسنا في زمن المعجزات أو الكرامات، من يعمل يجد ومن يسعى يجد، ومن يزرع يحصد ومن يجاهد لأجل الوطن هو وحده من عليه انتظار النصر والفرح).
الكاتب يؤكد أن الموت آت لا محالة، لكن الموت في سبيل الوطن ومن أجل قضية يعد ذا مدلولات وقيمة لا تضاهيها قيمة، وذلك عبر مقولة مختصرة (الأمراض تهتك بالأجساد، هنا موتى لكن دون عراك ودون حروب، هنا أجساد أكلها المرض وقلوب أنهكها الحزن، هنا أمراض لا آخر لها، هنا حروب نفسية وجسدية قادرة أن تنهي عمر الإنسان دون رحمة، ليس الموتى فقط من يموتون في ساحة القتال، هنا أيضاً موتى يموتون من الإهمال والفقر والمرض والجوع، لا دواء، لا طبيب، لا منقذ من الأمراض الفتاكة، لا مخرج من لدغات العقارب، هنا تتألم وحيداً وتموت وحيداً لكن ما أسوأ أن تموت بلا هدف وبلا قضية).
هاشم محمود في روايته وثق صراعاً إنسانياً ونفسياً في ظل دفاع مستميت عن الوطن وعن الأرض، ليموت من يموت ويحيا من يحيا في ظل هزائم وانكسارات ليعقبها انتصارات وربيع مزدهر.