مقتطف من رواية وثالثهما الفنجان من الفصل الخامس والفصل السادس للاستاذ شامي محمود

بقلم الأستاذ: شامي محمود - كاتب وناشط سياسي

الفصل الخامس - محمودة: وفي عامي السابع وآخر عام لي في طيعو والوطن بشكل عام، عاد احمد من رحلة عمله

رواية وثالثهما الفنجان

وسفره الي اليمن، وكنت كالعادة يومها مبتهجا وفرحا بعودة ابن عمي احمد من بر العرب سالما غانما،، فعودة احمد والصيادين بشكل عام من رحلاتهم البحرية، من هنا وهناك، ومن بر العرب او من الجزر البعيدة نوعا ما، يجسدها ما قيل عن البحر قديما،، "من دخل فيه مفقود،، ومن خرج منه مولود"، فالبحر صديق دائم للأهالي هنا، وعدو قاتل لهم في بعض الاحيان،، فهو يرسم السعادة في وجوههم ويحييهم في مرات كثيرة،،، ويرحل احلامهم وامانيهم كذلك بلا رحمة ولا شفقة في بعض الاحيان،، وقبل خمسة اشهر من عودة احمد الاخيرة هذه،، خرج من طيعو قارب صيد صوب ميناء المخا (اليمن) القريب من باب المندب، وقارب يقل 5 بحارة واربعة من الصبية يدرسون التعليم الاساسي في اليمن، وانتهت اجازتهم الصيفية وكانوا عائدون لمقاعد دراستهم،،، لم يعد ذلك القارب،، ولقي سبعة من تسعة اشخاص كانوا على متنه حتفهم،، ولم يعثر حتى على جثمانهم،، فقط استطاع بحاران منهم الوصول وبصعوبة الي جزيرة زقر، الواقعة في منتصف الضفتين الشرقية والغربية جنوب البحر الاحمر، بعد نصف يوم من غرق قاربهم ومن مواجهتم علو الأمواج وجبروتها، وممانعة المد البحري ومعاكسته لهم،، كان سبب تحطم ذلك القارب، رداءة الاحوال الجوية والعاصفة البحرية التي باغتتهم تلك الامسية في عرض البحر،،

حمدالله على عودة احمد الميمونة،

الرحلة من حديدة ميناء اليمن الثاني ومرسى طيعو تستغرق ما بين 14 ساعة الي 16 ساعة تقريبا في السفن التقليدية، اما في الزوارق البلاستيكية الحديثة او فيبر قلاس تستغرق رحلته ثمان ساعات فقط، واذا ساءت الأحوال الجوية تتوقف رحلة الصيادين في احدى الجزر الكثيرة على البحر بين المدينتين ومن الممكن ان تطول العاصفة البحرية ويستغرق مكوث السفينة وبحارتها في تلك الجزر لساعات او لبضعة ايام،

حكى لي احمد بعضا من معاناته ومعانات الصيادين الاريتريبن اليومية ومنها،، ما حصل معه في سفريته الاخير من مسؤول الأمن في ميناء الحديدة، وكيف أتعبهم، وأخر سفرهم ثلاث ايام كاملة،

كان يقول ذلك الشخص ان احمد لم يكن معهم صادقا وواضحا،، واتهامات اخرى ملفقة، كان يدور ويلف، لا يستطيع احمد ان يعرف او غيره ماذا يقول ذلك الشخص ؟ لكنهم يعرفون جميعا ماذا يريد،،

كان يريد المال حقا او باطلا،، فهو لم يعطه رخصة السفر،، لم يسمح بمغادرة السفينة ولم يرفض ذلك بصريح العبارة ايضا. فقط كان يماطل ويتلكأ، ويتحجج بأمور واهية.

وتحصل مثل هذه المعاناة لأحمد و للصيادين هنا في طيعو ومن نظام بلدهم، والفرق بين بر العرب وشواطئ دنكاليا هو انك هنا لا تعرف ماذا يريدون، وهنا يصادرون كل تعب وعرق البسطاء مع قواربهم التي تشكل مصدر رزقهم الوحيد،، ويعني ذلك ايقاف حياتهم ولقمة عيش اطفالهم،،، لا اهمية ولا عزاء لتعبهم وغيابهم الطويل ايام وليالي عن اسرهم ومواجهتهم كل الاحتمالات واللاعودة من البحر،، هنا لا ينطبق ما كان سائدا في الضفة الشرقية فهي ارحم آلاف المرات من شقيقتها الغربية، هنا لا ينطبق مصطلح *حقا او باطلا* ما يقع هنا *باطلا او باطلا*، وباطل فقط،، لا المنطق ينفع معهم لا التوسل ولا الرشاوي ايضا،، واكثر من هذا وذاك، ما بحصل للبحارة والصيادين الارتريين من تهديد وإهانات تطال الشيوخ منهم حتى، ومن بحربة بلدهم،،، واطلاق النار على بعض الصيادين من بوارج حربية وطائرات اباتشي تابعة لقوات اجنبية ومن قاعدتها التي ترابط في موانئ وجزر وطننا،، وتصطاد هذه القاعدة الصيادين وبشكل يومي وبرصاصات حية،، ربما كان ما تفعله معنا تلك القوات تدريبا ومناورات بحرية، وربما كنا اهداف وهمية كتلك المصنعة او المصطنعة بالنسبة لها، واننا لا شيئ بالنسبة لهم،، فهم سبدفعون قيمة عشر قوارب مقابل قارب أحرقوه في عرض البحر، ودية عشرة قتيل لصياد قتل عمدا برصاصات حية في بحره،، سيمولون النظام، ويرمون فتاتا لأسر الضحايا، ونسيان للقضية، لا ولن يسمع العالم بالحدث، لك الله يا وطني.

الفصل السادس:

محمودة: قبل رحيلي ومغادرتي لطيعو بوقت قصير طلبت من سنايت ان تقرأ فنجاني،، مثل ما تقرأ فناجين الآخرين وتسرق لهم اشياء محزنة او مفرحة من مستقبلهم القريب والبعيد،، طلبت منها ان تسرق لي انا ايضا.

ليس فنحاني وحده كان مقلوبا، فنجان طيعو كان مقلوبا هو الآخر، وفنجان الوطن كذلك، وطلبت منها ان تفتح كل هذه الفناجين ايضا.

رفضت سنايت طلبي وامتنعت عن الاجابة على اسئلتي، فعدلت طلبي، وطلبت منها ان تقرأ فنجاني انا، بمعزل عن طيعو والوطن،،

حينها قالت؛ فنجانك مقلوب منذ زمن بعيد، منذ ان وطأت قدمك ارض طيعو وهذا المقهى، فدعه مقلوبا بربك.

استطردت سنايت قائلة: عرضت عليك قراءته في ذلك الوقت، فقلت لي وبالحرف الواحد:

لا اريد، اقرأه لقعص، لعبده، و للعقد، اقرأه لطيعو، للوطن، اما انا لا اريد.

وقلت ايضا يا محمودة: بأن قراءة الفنجان دجل وخرافة، وبأنك لا تؤمن بهذه الخرافات.

وقلت كذلك يا عزيزي؛ لا يمكن لفنجان في الدنيا ان يسع احلامك امانيك، لا يمكن ان يحمل فنجان ما، كل اوجاعك وهمومك، لا يمكن ان يصور ويعكس اي فنجان في الوجود عشقك ل إستير، لا يمكن له ان يفهم ويستوعب كل ذلك الكم من المشاعر والأحاسيس، لا يمكن ان تتسع وتسع ذاكرته حجم ما تحس به من ألم ووجع مطلقا، لا يمكن له ان يعرف من تعشقها انت، ومن تعشقك، ومن تكون الاولى من الثانية في حياتك،، كيف لفنجان ان يعرف مقدار يتمك وعمق بؤسك، ومدى عشقك لبلدك الأول، ولوطن روحك،

وعليه هل كنت جيبوتيا يا محمودة وتعيش في جلباب اريتري كل هذه السنوات، ام كان العكس جاريا، وان ارتريا هي من كانت تعيشك من يومك، ويوم ميلادك ؟ وهل كانا وطنا واحدا ومركبا، وعلى مسافة واحدة من اهتمامك بهما؟ ومن عشقك لهما، وفي مكان واحد في قلبك، فقط كان احداهما مهبط رأسك والآخر مهبط رجلك ؟

وهل عشت كل هذا الوقت في طيعو حبا في مقهى سنايت وارتباطا به فقط، ام كان حبا وارتباطا بوطن يفوح عطره وبخوره من مقهى سنايت، ويخرج حبه المدفون من شوارع قلبك الخلفية ومن حارات طيعو الشعبية، هل كانت تطاردك طيعو، وكان ضائعا حبك لها كل تلك السنوات، ويخرج اليوم كله وفي وقت واحد وعلى شكل دفعة واحدة وعلى السيدة استير ؟
وهل يخرج اليوم وكله ايضا في ظهور اول لوطن خلفي غمرك بإحساس غريب، لم تكن تعرفه قبلا ؟

فنجانك مقلوب؛؛؛

محمودة: لم يكن مقلوبا، لم يولد مقلوبا، قلبتيه انت يا سنايت

قرأتي فنجاني منذ يومنا الاول وفي لقائنا البكر، ويوم ارتشافي اول فنجان في مقهاك،، قلبتيه ذلك اليوم وكان ذلك بعدما قرأتيه، وقرأتيه يا سنايت بغيابي،، وكنت يومها معك وبجانبك،، فقط كان غيابي روحيا وليس ماديا حسيا،

لماذا قرأت فنجاني الاول ؟؟ ولماذا قرأتيه دون اذن خطي مسبق مني ؟؟

ولماذا قلبتيه بعد قراءتك له وخبأت معه في داخلك داخلي انا ؟؟

هل قرأتيني انا ام قرأت فنجاني يا عزيزتي ؟

سنايت: فنجانك كان مقلوبا منذ البداية، جاء مقلوبا الي مقهاي وطيعو، فدعه الآن بربك كما هو، وسيأتي ذلك اليوم الذي سيفتح فيه وسيقلب فيه للاعلى وكل هذه الفناجين ايضا يا محمودة.

محمودة: بقي كأسنا مقلوبا وغادرنا انا وقعص وعبده وسميرة وكيداني طيعو، هربنا ورحلنا بعيدا حيث لا يرانا الوطن ولا نراه، اما سنايت رفضت ان تغادر الوطن وطيعو، رفضت الهرب معنا والمغادرة، حتى تفتح كل هذه الفناجين وفنجاني معهن دفعة واحدة ؟

نواصل... في الفصل القادم

Top
X

Right Click

No Right Click