الفصل الثامن من رواية وثالثهما الفنجان للاستاذ شامي محمود
بقلم الأستاذ: شامي محمود - كاتب وناشط سياسي
الأماكن اللي مريت انت فيها
عايشة بروحي وابيها
بس لكن ما لقيتك
كنت اظن الريح جابك
عطرك يسلم علي
كنت اظن الشوق جابك
تجلس بجنب شوي
كنت اظن وكنت ظن
وخاب ظني
الاماكن محمد عبده
محمودة: في طريق عودتنا جلسنا انا وحارسي الشرطي في كافيتيريا بحديقة الشعب المقابل لفندق استير لنشرب عصير الموز بالحليب المثلج والمطعم بالفينتو، يا له من مشروب لم اجد الذ واطعم منه في حياتي، وامامي شاشة مسطحة كبيرة في تلك الكافيتيربا ، فكانت لحظتها تبث احدى المحطات الفضائية نغما كان يعكس حالتي ويطابق واقعي الحالي، كان ذلك النغم اغنية الأماكن لفنان العرب محمد عبده،،
وعندما عدت من فندق استير الي زنزانتي كان كيداني وعبدالكريم في نقاش سياسي محموم وكالعادة يهاجمون الهقدف اي الجبهة الشعبية، كل على طريقته، كما اهاجمها انا بطريقتي وغيرنا بطريقته.
كيداني كان يراها عصابة ومرتزقة وجل قيادات اليوم من اصول تجراي ووياني (اقليم اثيوبي على الحدود الارترية)، ولا يهمهم امر الوطن، ويقول كيداني الحل في بديل وطني،،، وعبدالكريم كان يقول انها تكرس هيمنة قومية واحدة وطائفة واحدة على زمام الامور في البلاد وهمشت هذه الفئة حقوق الآخرين، ويرى عبدالكريم ان الحل هو تقسيم البلد طائفيا (الاسلام والمسيحية) اي يرى الحل الفيدرالي وفيدرالية طائفية (مسلمين ومسيحين).
لست مقتنع بما يقوله العم كيداني فهو في نظري لم يضع اليد على الجراح فالتغيير واجب وحتمي،، ومتفقون على وجوبه، ولكن ليس لانهم اجانب يا عم كيداني بل لانهم مفسدون وظالمون.
وصديقنا عبدالكريم اعتقد انه كان يحاول ان يكرس ما يفرضه من الاخر ويكرس من جديد هيمنة قومية مسلمة واحدة على قوميات مسلمة اخرى، وظهرت اليوم عشرات النظريات والتنظيمات في الخارج، منها جبهة تحرير الساهو والتقرينية والعفر والبلين والكوناما والجبر والعساوورتا و ، والحل في نظري ان تبقى الشعبية لاعوام اخرى اضافية في سدة الحكم، مؤكد اننا لا نسقطها ونحن بهذه الحالة فقط ندعوا الله ان لا يسقطها الزمن ونحن هكذا،
كنت آمل ان نستوعب دروس التغيير من حولنا في العالم لأنه قادم الينا لا محالة، وعلينا ان نحمد الله لاننا آخر دولة في المنطقة ستتغير وسيطالها رياح التغيير واول دولة منحت لها فرصة الاستفادة من تجارب الجميع، ومن مصلحة الجميع ان لا نستقبل التغيير بهذه العقليات التي ستؤدي بنا الي حروب اهلية عرقية وطائفية.
وفي الحقيقة لم اقاطع نقاش رفيقي كيداني وعبدالكريم، لم اشاركهم الحديث والحوار، بل ولم اقل شيئا لهما.
اراد عبدالكريم ان امنحه صوتي فهو يعتقد انه يمثلني، وكيداني يعتقد ايضا انني سأنصفه كالعادة، هذه المرة لم اكن مهتما بهما، ولا بحديثهما ولا بإهتمامهما، لم اكن وطنيا هذه المرة ولا قوميا ولا سياسيا حتى، فأنا عدت بوجع في قلبي، ولدي مشكلة اخرى هذه اللحظات، كنت مشغولا ب استير والمشغول لا يشغل، توجهت الي سريري وفتحت كتاب كان على طاولتنا المشتركة، لم اقرأ حتى عنوانه، فتحته لأختبئ داخله، لم اقلب صفحاته، ولم انتبه لحرف واحد منه، ولساعة كاملة وانا دون ان اقرأ وان اقلب صفحة منه، ولم انتبه حتى انه كتاب العم كيداني وباللغة التقرينية؛؛؛ وكنت يا الله ويالله وبالكاد اتحدث بها، افك طلاسمها،
فتحته وكنت اقرأ كتابا اخر تركته خارج هذه الزنزانة، وفيه كل شيئ يخصني، فأنا الليلة تركتها وتركت كل شيئ في فندق الاخوة، وحالتي الليلة تشبه حالة تلك السيدة النزارية التي قالت: لا شي معي إلاا كلماات.
دق جرس الشوق والحنين، آه من حنيني ومن ألمه وبؤسه وشقائه، و آه من تداخله وتعقيداته وتناقضاته،
وآه من سؤال سهل وصعب، بسيط ومعقد في آن معا،،
ومن اي بلد انت، ما هو وطنك ؟ ولمن تحن ؟ والي اين ؟ والي متى ؟،، آه من عار صمتي وعجزي وهروبي من الاجابة عليه، ومن غرابة اجوبتي المتعددة والمتناقضة والتي املكها، لأزمنة وامكنة مختلفة تملكني،
هو حنين يستوطن ذاكرتي قلبي اوردتي وشراييني، الي وطني مهبط رأسي وحيي واسرتي وكل احبتي به، والي وطني مهبط روحي ومدينتي البحرية، اهلي ورفاقي وسنايت، والي اوطان اخرى فرعية لها مكانها ومكانتها وذكراها الخاصة، وعطرها المميز،، حنين لجزيرة بكع واهلها الطيبين، والي صفاء البحر والذهن هناك، وحنيني الي فنجان قهوتي، ومقهى طيعو و مقهى ميمي الليلي بأرحبا، وحنين الي عودة ممكنة واخرى غير ممكنة، والي ثالثة محرمة ومستحيلة، الي عائشة، ومريم، واستير،،،
كنت اعيش كل هذه التناقضات العجيبة وانا على متن الخطوط الجوية الاثيوبية وفي طريق عودتي من ميلبورن - استراليا الي مهبط رأسي جيبوتي، بعد غياب 11 عام عنها، منه 7 اعوام في طيعو اريتريا، و 4 سنوات في استراليا، وانا عائد الي وطن اعشق كل اشيائه وكل ما فيه ومن فيه، الي جيبوتي - جيبوتي،
وعائد كذلك الي مكان اشم منه رائحة بلدي الاصلي اريتريا، هي وطني الآخر، شريك وطني، وربما وطن كان يسكنني وعشقته دون ان ادري، واخرجت مدينة طيعو ومقهى سنايت هذا العشق الي السطح، وتعلقت روحي به مثلما هي متعلقة بمهبط رأسي.
وصلت الي جيبوتي في 3 من ديسمبر 2018، قادما من استراليا و 15 ساعة ترانزيت او اسكال قضيتها بمطار اديس،، وانا في صالة الانتظار واتنقل بين الكفيتيريا وكراسي الانتظار،، واول شيئ لفت انتباهي، صور الرئيس الجديد والشاب الدكتور ابيي احمد،، كنت اتابع اخباره واخبار المنطقة بشغف ودهشة منذ توليه السلطة قبل شهور عدة،، ومعجب جدا بأسلوب هذا الرجل،، فهو يشبه الرئيس باراك اوباما في كل شيئ،، في خطاباته الحماسية في مشيته، وفي انهما مسيحيان من اب مسلم وام مسيحية، وكلاهما ينادون بالتغيير ايضا، الدكتور ابيي هو اوباما اثيوبيا، وربما كان اوباما هو ابيي احمد، ولفت انتباهي في مطار اديس ايضا دخول وفد اريتري شبه رسمي، يضم بعض القيادات الحزبية وفرق فنية غنائية مسرحية وثقافية اخرى،، ولفت انتباهي، اعلام اريترية ترفرف في سماء مطار اديس ابابا،،، تحدثت مع بعضهم على عجل، وكانت الفرحة بادية على وجوههم،،،، كانت معهم، ومن ضمن الوفد شابة تعيش حالات مركبة فرح وقلق،، تجلس قليلا ثم تقوم من مقعدها وتعود ثانية اليه وتجلس، وتريد كذلك ان تطير من شدة الفرح،، وابتسامة عريضة على محياها ودموع في عينيها، ومشاعر فرح مرسوم على وجهها،،
حييتها وحيتني، وسألتها بفضول،،
كانت والدتها اثيوبية تقيم في اديس ابابا، وافترقت عنها في العام 1998 بداية الازمة بين اريتربا واثيوبيا ومنذ ذلك العام لم يلتقيا نهائيا، رحمااااك الله، ام وفلذة كبدها،، وهما على بعد مرمى حجر،، وعشرون عام لم يستطيعا الوصول لبعضهما، هي مأساة اخرى وحرمان آخر ، لها الله ولنا الله،،، ويلتقيا اليوم بعد اتفاقية السلام التي جلبها الدكتور ابيي،، وهذه الاتفاقية كانت سببا في عودة المياه لمجاريها بين ام اثيوبية وابنتها الاريترية بعد 20 عام،، كان عمرها وقت افتراقهما خمسة اعوام.
ولفت انتباهي ايضا استقبال اثيوبي رسمي حار للوفد الاريتري، واثيوبيون ايضا عائدون من اسمرا على متن تلك الرحلة، كانت رحلة ثالثة ربما بعد استئناف الخطوط الجوية الاثيوبية رحالاتها لأسمرا،، ومعبر ميناء عصب الاريتري كان مفتوحا،،
سبحان الله كل شيئ تغير وتم سريعا وانتهى الصراع الارتري الاثيوبي سريعا، وطويت صفحة الخلافات بين البلدين سريعا،،،
واريتريا لا تغيير، لم يشهد وطني الحبيب في الداخل تغييرا يذكر، كل شيئ فيه كما تركته منذ 4 سنوات، حتى فناجين قهوتنا مقلوبة.
نواصل... في الفصل القادم