قراءة لكتاب إرتريا من الفيدرالية الى الإلحاق الثورة ١٩٥٦-١٩٦٢ الجزء الاول
بقلم السفير: عبده بكري هيجي - دبلوماسى أرترى، أسمرة أرتريا تأليف الباحث الأستاذ: الم سقد تسفاي
جمعتني بعد مدة طويلة مناسبة إحتفالية بالكاتب والباحث الاستاذ/ ألم سقد تسفاي. سألته عن كتابه الجديد،
فقال لي "انه بصدد وضع اللمسات الاخيرة فيه تمهيدا لإرساله الى المطبعة". ثم أردف قائلا: "لقد وضعت إسمك ضمن مجموعة ممن اخترتهم لتقييم الكتاب في مناسبة تدشينه، فاذا قبلت القيام بذلك سوف أعطيك الكتاب في فلاش". فوجئت بطلبه هذا، ومع ذلك قبلت بعرضه باحترام، وشكرته على ذلك، وقلت له "إنشاء الله سوف أكون عند حسن ظنك".
وها هو الكتاب قد رأى النور اليوم، ونحتفل جميعا بمناسبة تدشينه في هذه القاعة. وفى هذه السانحة، أهنى المؤلف وحرمه السيد أبرهت وإبنه ماتياس، وأخص بالذكر مركز البحوث والتوثيق التابع للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة وكذلك دار الأمانة للنشر وكل الذين وقفوا معه وقدموا له العون لإنجازه وإصداره في حلته البديعة هذه. ومن جانبي، سوف أقدم في هذه المناسبة رأيي حول الكتاب وتقييمي له. أرجو ان أكون موفقا فيما أقول.
"ارتريا: من الفيدرالية الى الإلحاق والثورة" هو كتاب يحكي ما حدث في ارتريا في الفترة من عام 1956 الى عام 1962 أثناء الاتحاد الفيدرالي بين ارتريا وإثيوبيا، والكيفية التي تم بها إلغاء هذا الاتحاد وإلحاق ارتريا باثيوبيا، ثم ما ترتب على ذلك من تداعيات وإعلان للكفاح المسلح. يحتوي الكتاب على 743 صفحة، ومقسم الى 26 باب، ويضم زهاء 150 صور ة تعكس في مجملها تلك الحقبة الزمنية. وهو مليء بمعلومات غزيرة وقيمة. حيث نجد أن الكاتب ينثر هذه
المعلومات كالبذور في كل صفحة من صفحات الكتاب، تم يعود ثانية الى ما نثره ويربط هذا بذاك في الصفحات اللاحقة.
الاحداث المذكورة في هذا الكتاب كثيرة وتفصيلية. من جانبي اخترت أن لا أتطرق الى تفاصيل وحيثيات هذه الاحداث، ولا إلى الشخصيات المؤثرة في مجرياتها، او الى مواقع الاحداث وتاريخ وقوعها وما خلفته من أثار سلبا كان او إجابا. جل اهتمامي سينصب على أهم المواضيع التي يثيرها الكتاب، وما يناقشه المؤلف بعمق، وما يتوصل اليه من إستنتاجات وخلاصات غاية في الأهمية. حيث ان الحقائق التاريخية المذكورة في هذا الكتاب، هي محطات هامة ومنعطفات مهمة
في تاريخ ارتريا الحديث. ولهذا يتوجب التوقف عندها طويلا، ومناقشتها بإسهاب وعمق، وذلك بغرض فهم ما افضت اليه من نتائج غيرت مجرى تاريخ هذا البلد.
لقد بذل المؤلف جل ما يستطيع من جهد بغية جعل تناوله للأحداث متوازنا، تحليلاته حيادية قدر المستطاع. لذلك نجده يناقش المواضيع التي يثيرها بالنظر و اليها من مختلف الزوايا، ويتطرق الى خلفياتها وتفاصيلها، ويدعم استنتاجاته
بوثائق عديدة ثم يحللها ويعلق عليها من خلال ربطها بما أفرزته الاحداث لاحقا من تداعيات سلبا كانت ام إيجابا. وأجزم القول بأن ذلك يعد أحد أهم ركائز الكتاب ومكامن قوته. وقد نوه المؤلف الى ذلك في مقدمة كتابه الاول "لن نفترق" حين
قال: عند كتابة التاريخ ليس هناك من خطوط تفصل بين ما هو جيد وما هو رديء، او ما هو إيجابي وما هو سلبي.
فالواجب والمسؤولية تحتم على الباحث ان يتمعن في تمحيص ودراسة كافة الأدلة والقرائن كما وقعت، بعيدا عن العواطف والمشاعر الضيقة لم ينأ المؤلف عن هذه القناعة في هذا الكتاب ايضا، حيث عمد على سرد الاحداث كما وقعت، ووفق تسلسلها الزمني.
وقد اعتمد في سرده على وثائق كثيرة، وكتب عديدة، ومقابلات أجراها بنفسه او أجريت من قبل أخرين مع شخصيات كان لها باع في مجرى تطورات أوضاع تلك الحقبة الزمنية. في تقديري إن الاستناد على وثائق تاريخية متعددة المصادر، ثم ربط بعضها ببعض، وتحليل كنهها بعمق، أضفى على الكتاب قيمة كبيرة، وجعله وثيقة تاريخية قصة هذا الكتاب تتمحور بالدرجة الاولى في لاعبين رئيسيين هما الشعب الارتري ونضاله من جهة، والمستعمر الاثيوبي وأعوانه الإنجليز والامريكان من جهة اخرى.
الشعب الارتري كان يناضل في سبيل تثبيت حقوقه في المحافظة على مقومات الاتحاد الفيدرالي، واحترام إرادته في تقرير مصيره بنفسه. والمستعمر الاثيوبي وبدعم من شركائه الإنجليز والامريكان دأب منذ الوهلة الاولى على العمل بكل ما له من إمكانات على إلغاء الاتحاد الفيدرالي، ثم إلحاق ارتريا بإثيوبيا عنوة وبغير حق. استمر هذا الصراع بين الطرفين لعشرة أعوام متواصلة. وانتهى بالحاق ارتريا قسرا الى اثيوبيا.
يشرح لنا المؤلف كيف ولماذا حدث ذلك. ويتطرق الى الأسباب الذاتية والموضوعية التي أدت بالمقاومة الوطنية الى الضعف والوهن، ويشرح حالة الاحتقان وضبابية الرؤية التي كانت سائدة أنداك والتي حالت دون توحيد صفوف المقاومة.
ثم يتناول بالشرح والتفصيل سياسة القمع والارهاب وكل انواع الدسائس والفتن التي مارسها المستعمر. ويوضح الى أى مدى كانت المؤامرة كبيرة وسياسة القمع والارهاب قاسية وعنيفة. ويتحدث مطولا عن الأدوات والحيل وكل أنواع الخداع والتضليل التي أستخدمت لتمرير مخطط إلغاء الاتحاد الفيدرالي ثم إلحاق ارتريا باثيوبيا.
ويتطرق المؤلف الى التامر الدولي والكيفية التي أدار بها الأمريكان والانجليز اللعبة، والى أي مدى كان الدهاء الامريكي والإنجليزي خارقا وفوق طاقة وإستيعاب الساسة الارتريين أنداك.
نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم