القضية الارترية ١٩٤١-١٩٦٣ الجزء الثالث
بقلم الأستاذ: نجوسى ايلى تأليف السفير: زودى ريتا
هذا وبعد خمسة وسبعين يوما من المشاكسات انتهى مؤتمر باريس للسلام في 15 أكتوبر 1946
بقبول دولتى المحور ألمانيا و إيطاليا كافة شروط وأحكام السلام الموضوعة من قبل قوات الحلفاء. وبالنتيجة فقد تم تجريد ايطاليا دون قيد او شرط عن جميع مستعمراتها فى افريقيا وهى ليبيا وارتريا والصومال على الرغم من احتجاجاتها ومطالباتها باستعاد هذه الكيانات اليها مرة اخرى. وكانت تلك النتائج مهمة لاثيوبيا (باعتبارها احد الموقعين على اتفاقية السلام) و إلى المستعمرات الإيطالية سابقا. وكتعبير عن انتصار معنوى لاثيوبيا قرر مؤتمر باريس للسلام اعتبار اليوم الرسمى لدخول ايطاليا العدوانية الحرب العالمية الثانية يوم 3 أكتوبر 1935 (وهو اول يوم انتهكت فيه القوات الإيطالية الفاشية ”ولول“ في جنوب شرق إثيوبيا)، كما تم الزام إيطاليا أيضا بدفع تعويضات لضحايا عدوانها. وتم تسمية إثيوبيا اول ضحايا العدوان وكذلك اول منتصر في عام 1941م (أو بالتعبير البريطانى - أول من تم تحريرهم) من معسكر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
كما قرر مؤتمر باريس للسلام بان تتفق دول الحلفاء الاربع على تسوية وضع المستعمرات الايطالية السابقة فى افريقيا وذلك بعد عام من تأريخ 15 سبتمبر 1947م وهو تاريخ سريان اتفاقية السلام. وإذا تعزر ذلك يتم احالة المسألة الى الامم المتحدة للمداولة و اتخاذ القرار. من الناحية الديبلوماسية كان مؤتمر باريس للسلام محصلة صفرية لايطاليا وكان معززا للموقف الاثيوبى. ولقد ابلى أعضاء الوفد الإثيوبي - بينهم أربعة من اصول إرترية - بلاءا حسنا. وكانت هذه لحظة مشرقة لوزير الخارجية أكليلوا هابتي وولد. وبما انه ليس لدينا تقرير عن وقع الاخبار لدى الملك وحاشيته فى اديس ابابا، فيمكننا بكل اريحية ان نفترض انه أعرب عن تهانيه لوزير خارجيته الماهر وفريقه.
ولقد اعقب موسم الملاطفات والمجاملات الدبلوماسية في باريس فترة من الفوضى السياسية بشأن المطالبات و المطالبات المضادة حيال التخلص من المستعمرات الإيطالية السابقة: ليبيا وارتريا و الصومال.
وقبل ان يجف الحبر الذى وقعت به ايطاليا تعهدها بالتخلص من مستعمراتها السابقة في باريس، بدأت بحملة حامية الوطيس لاستعادة تلك المستعمرات. ومن وجهة نظر إثيوبيا فأن ايطاليا اقتطعت منها اولا أراضي مقاطعة ارتريا بقوة السلاح ومن ثم استعمرت المقاطعة رسميا في عام 1890 تحت وطأة الإكراه الإمبريالي السائد من بريطانيا وإيطاليا و فرنسا في المنطقة. وعلى الرغم من توقيع اثيوبياعلى المعاهدات الاستعمارية النموذجية والتزامها بها اصولا الا ان موسوليني وجحافله الفاشية خرقت وابطلت تلك المعاهد وقامت بالعدوان الغاشم على إثيوبيا وضواحيها اعتبارا من عام 1935، مستخدمة فى ذلك ارتريا و الصومال كمناطق انطلاق حملات غزوها لاثيوبيا.
بعد معانات خمس سنوات مرريرة من الوحشية الفاشية، كانت إثيوبيا ترى بأنه لا يمكن تحقيق العدالة ما لم يتم استعادة الاراضى التى اغتصبت منها ومن ثم اسبخدمت لطمس وجودها كدولة ذات سيادة. والنتيجة الطبيعية لهكذا موقف هو عدم السماح لايطاليا تحت أي مبرر كان من العودة الى القرن الافريقى.
واستعدادا للصراع الدبلوماسى الماثل فى ا لافق السياسي فقد بادر كل من الخصمين الرئيسيين إيطاليا و إثيوبيا بالسعى لحشد الدعم الداخلي والدولي لمطلبه. ومن وحى المبادرات الاولية كان يبدوا جليا بان ايطاليا تتمتع بميزة ساحقة في الساحة الدولية. فقد تمكنت من الحشد بالاستعانة بالنفوذ العالمي الكبير للفاتيكان على الكاثوليك في الخارج وخاصة في أمريكا اللاتينية. وكان لديها عدد مقدر من المستوطنين في أجزاء كثيرة من أوروبا والأمريكتين ، وكان هناك أيضا عدد لا بأس به نسبيا من الإيطاليين المولدين (ايطاليين من انهات محليات) فى ارتريا.
وحسب مذكرات ج.كنيدى ترافاسكيس، مسؤول بريطانى بارز فى ارتريا (1941-1950) و عضوا لجنة تقصى الحقائق للدول الاربعة الكبرى وكذلك لجنة الامم فان ”ارتريا صنيعة ايطالية تمت بعملية جراحية وذلك باقتطاع شعوبها المختلفة من روابطها السابقة ولصق الاوصال المبتورة ببعضها وتسميتها ارتريا“ - من كتاب (ارتريا مستعمرة فى مرحلة انتقالية 1942-1952). وفى ظل تلك الظروف بدأ ارتريين من مختلف المشارب والذين كانوا منذ 1941 تحت الوصاية البريطانية بتنظيم انفسهم استعدادا للجنة تقصى الحقائق للدول الكبرى الاربع والمنوط بها دراسة تطلعات الشعب وميوله السياسية. كان للايطاليين أدوار بارزة في الحياة العامة فى ارتريا أثناء حكم الإدارة البريطانية و كانت لهم مطلق الحرية فى تبنى الاراء والتاثير على الاحداث بين السكان. وفى الوقت المناسب تم تسليك ذلك بالمال من ايطاليا وتعزيزه بالاتها الدعائية. فى المقابل كانت اثيوبيا تفتقد هذه المميزات بجانب عدم تواجدها فى المستعمرة.
وعلى اي حال تم تعويض هذا الوضع البادى فيه اختلال التوازن بحراك شعبى متصاعد والذى فى نهاية المطاف تم تسخيره من قبل مؤيدى اثيوبيا او تنظيم وحدوى متعدد الطوائف معروف باسم جمعية حب الوطن ارتريا -اثيوبيا والتى انشئت فى العام 1941 بعضوية وقيادة ارتريين تمارس نشاطها من اديس اباباس وأسمرة. كان من بين قادتها في وقت مبكر دجات بيينيه بيراكي، أتو تيدلا بايرو، أتو (شيخ) ابراهيم سلطان، أتو ولد أب ولد مريم ، الشيخ سليمان الدين أحمد، ميلاك ديمتروس سلام.
وبعد ذلك بوقت قصير، فام الامبراطور بتعيين ضابط اتصال مقيم في ارتريا هوالعقيد نيغا هيلا سلاسى (ليس أخ الإمبراطور) لتمثيل المصالح الإثيوبية وتنسيق الجهود الوحدوية في المنطقة. وفي فترة وجيزة انتشرت منظمات أخرى في ارتريا بما في ذلك الرابطة الإسلامية والحزب التقدمي الليبرالى الحزب الموالى لإيطاليا وغيرها. يقدم المؤلف للقارئ تحليل و جيه وسليم عن تكوين لجنة تقصى الحقائق، و ديناميات السيولة السياسية في ارتريا ولا سيما الاساليب الخفية التي كانت السلطات البريطانية تستميل بها الرأي خصوصا في غرب ارتريا المراد الحاقىها بالسودات تحت سيادة الحكم الانجليزى المصرى المشترك.
وتحقيقا لهذه الغاية، تم جذب السيد إبراهيم سلطان العضو المؤسس فى حزب الوحدة واغرائه لتشكيل حزب الرابطة الاسلامية الذي دعا الى استمرار ارتريا تحت الوصاية البريطانية. وغني عن القول، بان ايطاليا أيضا واصلت اللعب وعاثت فسادا في محاولة للفوز بمغالطات سياسية بالاقليم الإرترى الذى فقدته جراء عدوانها الفاشل على اثيوبيا و بالنتيجة سبق ان تخلت عن أي مطالبات لها في معاهدة السلام التي وقعت منذ عهد قريب.