القضية الارترية ١٩٤١-١٩٦٣ الجزء الثاني
بقلم الأستاذ: نجوسى ايلى تأليف السفير: زودى ريتا
النضالات المبكرة لتقرير مصير ارتريا: يستهل كتاب ”الشأن الارترى“ ذو الحجم الضخم بتناول المداولات
الغير رسمية بعد الحرب العالمية الثانية 1945 في يالطا و بوتسدام و لندن بين الحلفاء المنتصرين وعناصر المحور المهزوم بما فيهم ايطاليا وذلك لاملاء شروط المنتصر. فان كانت إثيوبيا كضحية اقتطعت اراضيها من قبل احدى دول المحور تتوقع الاتزان والعدل و الإنصاف لأستعادة حقها الا انها تعرضت لسلسلة صدمات بدءا من مؤتمر لندن فى شهر سبتمبر عام 1945، لوزراء خارجية القوى الاربعة - وهم السيد بيرنز - الولايات المتحدة والسيد مولوتوف - اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والسيد بيفن من بريطانيا والسيد بيدو من فرنسا. كما ان إثيوبيا و إيطاليا قد طلبتا أن يأتيا إلى المؤتمر لنقديم حجج كل منهما بشأن تقرير مستقبل المستعمرات الإيطالية.
في البداية، سمحت القوى الأربع لايطاليا الاستعمارية المعتدية وعضو دول المحور ان ترسل مندوبها الذي اشترك في المداولات وكان من الصعب تمييزه عن باقى وفود الحلفاء.
ومع ذلك، وفقا لمذكرة رئيس الوزراء الاثيوبي المتوفى (وزير الخارجية اّنذك) اكليلوا هبتى وولد مدرجة فى Senkesar (vol.2 /85) والمقدمة إلى لجنة تقصى الحقائق في سبتمبر عام 1947، فانه قد تم دعوة اثيوبيا لحضور الدورة الثانية (1947) فى لندن لتقديم مطالبها خلال يومين فقط من استلام الدعوة وبالرغم من الصعوبات الكبيرة ّ اّنذك فقد تمكن الوفد الحضور من أديس أبابا إلى لندن. هذا وقد تم ايضا دعوة يوغوسلافيا لإرسال وفدها لتقديم مطالبها فى تريستا. وقد نوه هذا المؤتمر عن ملامح اعادة تحالفات قوى الشرق والغرب في الحرب الباردة الناشئة فى السياسة الدولية.
وفي خطوة استباقية لدرأ أي مطالب من قبل المشاركين في المؤتمر، وعلى رأسهم الاتحاد السوفييتي، قال ممثل الولايات المتحدة أن كل المستعمرات الايطالية السابقة الثلاث - ليبيا وارتريا و الصومال، يجب أن تحصل على استقلالها بعد عشر سنوات من الوصاية التابعة للأمم المتحدة. وطالبت فرنسا بعودة إيطاليا إلى جميع مستعمراتها كما طالب الاتحاد السوفياتي أن تصبح طرابلس تحت الوصاية الروسية.
في هذا الوقت كانت بريطانيا تسيطر تقريبا على كل المستعمرات السابقة الثلاثة، وفي مستهل كلمتها فى المؤتمر اقترحت ان تتخلى اثيوبيا ”طواعية“ عن منطقة أوجادين في شرق البلاد حتى تتمكن بريطانيا من تشكيل وادارة أرض الصومال الكبرى في القرن الأفريقي.
وقال الوفد الايطالى فى المؤتمربأنه لا توجد روابط تأريخية بين اثيوبيا ومستعمرات إيطاليا ارتريا والصومال وان ايطاليا هى الوحيدة التى انشات ورعت هذه المستعمرات فعليه ينبغي أن تعاد الي ادارتها فورا. وبعد الاستماع إلى مزاعم الوفد فان فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي دعيا إلى عدم النظر في المطالبة الإثيوبية لعودة هذه الأراضي. وردا على ذلك نصح الوفد البريطاني بأنه وبسبب ارتباط ارتريا باثيوبيا ارتباطا لا انفصام فيه فان المسألة تتطلب دراسة متأنية قبل أن يتم اتخاذ اى قرار. وبعد سبعة أشهر من الضغوط و المناورات فقد تقرر دراسة القضايا بصورة اعمق والاجتماع لاحقا في باريس.
مع تسارع سيولة الوضع السياسى الدولى اصبحت المستعمرات الإيطالية السابقة في أفريقيا بيادق شطرنج في تطور الحرب الباردة الناشئة. وفي هذا الصدد أصبحت إيطاليا نقطة محورية في الصراع. حيث ان الاتحاد السوفييتي كان يسعى لمكافأة ايطاليا ما بعد موسوليني بفتات في أفريقيا على أمل دعم فرص نجاح الاشتراكية / الشيوعية في الانتخابات المقبلة. لذلك، كانت القوى تقوم بتعديل أو تغيير مواقفها بشأن هذه القضية، غير ان الاتحاد السوفييتي كان اكثرها تغييرا لمواقفه بوتيىرة اسرع من غيره. وفي اجتماع باريس من أبريل إلى مايو، 1946. دعى الوفد ا لإيطالي إلى المحادثات إلى عودة المستعمرات إلى إيطاليا دون قيد او شرط لكى تتمكن من استأناف” المهمة الحضارية وإعادة بناء الاقتصاد المحلي الذى دمرته الحرب العالمية الثانية.
ولقد انكرت ايطاليا بأن ارتريا كانت فى أي وقت مضى جزءا من إثيوبيا. ولم يتمكن الوفد الإثيوبي برئاسة وزير الخارجية اكليلوا إخفاء انزعاجه من جرأة إيطاليا ورغبتها العودة إلى القرن الافريقى بعد كل المجازر و التدمير الذي انزلته على إثيوبيا. كما ان الوفد الاثيوبى مدعوما بخطابات الإمبراطور هيلا سلاسى إلى قادة القوى الأربع قدم حججا قوية مؤكدا بانه مهما كانت قرارات الدول الاربع بشان تقرير مصير المستعمرات السابقة فانه لا يمكن جعل إثيوبيا تتقبل عودة إيطاليا (الحديثة أو القديمة) الى المنطقة. لم يسفر مؤتمر باريس عن نتائج ملموسة بشأن المسألة القائمة لذا تحول الاهتمام الى مؤتمر السلام في باريس الذى كان من المتوقع ان تقوم فيه ايطاليا عضو المحورربنبذ والتخلى رسميا عن الاقاليم المستعمرة وقبول شروط التسوية السلمية من قبل قوات الحلفاء.
حاولت إيطاليا استبعاد اثيوبيا من المشاركة في مؤتمر باريس للسلام بحجة ان المؤتمر خاص بالحرب العالمية الثانية في المسرح الأوروبي بعد عام 1939، وان إثيوبيا لم تعد مشمولة فى هذا السيناريو. ولكن بفضل قيام وزير الخارجية بتحرك دبلوماسى شخصى ناجح جدا بين وزراء خارجية الدول الأربع (بيرنز، بيدو، بيفن و مولوتوف) فقد تقرر ضرورة مشاركة إثيوبيا في مؤتمر السلام. اجمالا شارك واحد وعشرين بلدا فى المؤتمر. يلاحظ المؤلف أنه على الرغم من اقتراح السيد اكليلوا بان يرأس الوفد الإثيوبي إلى المؤتمراحد ابطال النضال ضد الفاشية و الباقين على قيد الحياة - كالراس ابيبي ارجاى ذوا الصيت المحترم حيث سيعزز شهرى قتال اثيوبيا. لم يكن الامبراطور سعيدا بهذا الاقتراح الذي سيظهر المقاتل المخضرم متفوقا عليه. فعوضا عن ذلك اختار الإمبراطور وفدا مكونا من عشرة لاعبين برءاسة السيد اكليلوا نفسه. بالاضافة الى ضم ثلاثة مستشارين أجانب، وهم السيد جون سبنسر و السيد جورج المنافيخ و البروفيسور بنت ويتش. كما ارسل الامبراطور مذكرة قصيرة تحمل تويقعه الشخصى الى وزير الخارجية اكليلوا فيما يلي نصها:
”السيد اكليلوا، كيف حالك ؟ شكرا لنعمة الثالوث المقدس نحن بخير. ومع ثقتنا الكاملة بعملكم فى مؤتمر السلام فقد قمنا باختيار أعضاء وفدكم الذين سيصلون اليكم. وفقكم الله في مساعيكم“.
وفي مراحل مختلفة من المفاوضات، كان الإمبراطور أيضا يبعث بالرسائل الشخصية الى مختلف رؤساء الدول والمنظمات موضحا موقف اثيوبيا (موقفه) بشأن القضايا ذات الصلة.