القضية الارترية ١٩٤١-١٩٦٣ الجزء الاول
بقلم الأستاذ: نجوسى ايلى تأليف السفير: زودى ريتا
تمهيد: فى تاريخ اثيوبيا المعاصر قليلة هى الصراعات السياسة التى حصدت الكثير من الارواح
والاطراف واستنزفت الموارد الهائلة واستمرت مستعصية على الحل لعقود عديدة مثل المشكلة الارترية.
وانه خلال الستين عاما الماضية فقط تعرضت المشكلة الارترية لعدة انعطافات فى السياسة و/او الهوية تشتمل الاتى:-
1. فترة الاحتلال البريطاني لإرتريا - بعد فصلها من إثيوبيا - بينما كان يجري تقرير مصيرها من قبل الحلفاء المنتصرين والأمم المتحدة (1941-1952).
2. قترة الاتحاد الفدرالى المجاز من الامم المتحدة بين ”القسم“ الإريتري مع إثيوبيا (1952-1962).
3. فترة الوحدة الاثيوبية الاريترية (1962-1991).
4. فترة انفصال اريتريا عن اثيوبيا (1991).
يقال لنا اليوم من قبل صانعى القرار المشاركين فى الصراع المسلح بان حجم ضحايا معارك الحدود بين اثيوبيا وارتريا منذ العام (1998) يفوق مجمل ضحايا كفاح الانفصاليين الارتريين المسلح خلال 30 عاما حتى العام 1991م.
لماذا استمرت المشكلة الإرترية لفترة طويلة و مازالت مستمرة ؟ لماذا لم تستطيع أطراف الصراع حلها باسلوب مدنى وسلمى حتى الآن ؟ وهل استخلصت الأجيال المتعاقبة في إثيوبيا وإرتريا الدروس الصائبة من الاسباب وتاريخ المشكلة حتى لا تصبح اسيرة تكرار أخطاء الأجيال السابقة ؟ ما مدى وتأثير و إرث التدخل الخارجي في تشكيل و تشتيت و اعادة صياغة الكيانات السياسة في القرن الافريقى ؟ وما مدى مساهمة النخب في المنطقة في توضيح أو تعتيم الحقائق التاريخية حول المشكلة الإرترية ؟
هل يمكن ايقاف الكم الهائل من الهراء والاكاذيب المتدفقة، من الكراهية القبلية و من الغطرسة و العنف في المنطقة ؟ واى اتجاه علينا ان نسلك وماذا ينتظر اثيوبيا وارتريا بعد عقود عديدة من اراقة دماء الاخوة والدمار العبثى ؟ هل يمكننا ان ناتى بسيناريوهات بدائل معقولة وعادلة ومستدامة ومقبولة لدى الطرفين للمستقبل القريب والبعيد يكون عادلا وسلميا و مزدهرا لمنطقة إثيوبيا وإرتريا ؟ هذه الأسئلة و أخرى مهمة و ذات صلة تجول في خاطر جميع الاشخاص المعنيين والعقلاء الذين عايشوا وعاشوا فترة عقود العنف حتى الآن في إثيوبيا وإرتريا. للأسف،انه من المقدر لشباب اليوم الارث الردىئ والتعامل مع تبعاته المأساوية فى الحاضر وتحسس طريقه إلى المستقبل.
وبالنظر إلى خلاصة الأسئلة والمخاوف أعلاه، نرحب بالدروس والمعالجات المعمقة و المتوازنة لفترات مهمة من تاريخ إثيوبيا وإرتريا من قبل الكتاب الذين كانوا في مراكز صنع القرار و / أو في مراكز المراقبة في دهاليز السلطة في المنطقة. مثل هؤلاء الكتاب لديهم إذا رغبوا في ذلك امكانية الرصد والتدوين للأجيال القادمة لقرارات حاسمة تتخذ وراء الكواليس. وزيادة الخير خيرين عندما يتمكن مثل هؤلاء الكتاب أيضا من الوصول إلى مصادر لم تنشر بعد من المواد في شكل مخطوطات و مذكرات أو عبر مقابلات مع جهات فاعلة وهامة في تطور و تدهور المشكلة الإرترية في السنوات الستين الماضية. الكتاب قيد الاستعراض هنا، القضية الاريترية (1941-1963)، هو نتاج الظروف المواتيه اعلاه. وان نشره في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة يستدعى تفكير الأطراف المعنية في ما مضي و تأملهم في التداعيات القائمة من الحقائق التي تم طيها و دفنها على مدى عقود من أدوات الحرب، وتم اغراقها بوابل من الدعاية من قبل المتحزبين و المتطفلين.
فمن الجدير بالذكر هنا احوال الكتابة عن المشكلة الارترية على مدى العقود الماضية لوضع استعراضنا للكتاب في السياق المناسب. قد تم طبع الكثنر من الورق والملزمات عن المشكلة الإرترية ضمن نطاق الفترة الخاصة باستعراضنا. الكتب الصادرة عن المشكلة الإريرية تنقسم فى الاساس الى ثلاث فئات. الفئة الأولى من الكتب التي تضم حوالي 95٪ من المجموع الكلى هى عبارة عن كتابات منحازة ودعائية صادرة من قبل انصار جهة بعينها فى الصراع وكذلك، ما صنفتهم فىما مضى بالمغتربين ”مرتزقة الاقلام“. واكثر من نصف ما تبقى من ال5٪ هى مخرجات واصدارات وثائقية من قبل الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة، والتي على الأقل تتناول اثنين أو أكثر من جوانب القضايا المعنية. الفئة الثالثة والتي يمكن اعتبارها مقاربة للحقيقة بشأن المشكلة الإرترية بالكاد تمثل 2٪ من إجمالي كومة الاصدارات.
مرة أخرى، اذا نظرنا للاصدارات من منظور مختلف نجد أن جميع الكتب حول المشكلة الإرترية قد تام تأليفها من قبل اناس من اصول ارترية ومن قبل مغتربين. عدد من الكتب ملء الذراعين من تأليف كتاب من اصول ارترية فضلا عن بعض الاجانب تعالج الموضوع المتصل بموضوعية اكثي وتساعد القارئ لجنى معرفة متوازنة عن جوانب المشكلة الإرترية
ومن بين هذه الكتب، يمكن للمرء أن يستشهد باعمال الدكتور تخستى ن.، وخاصة اصداره الاخير، إريتريا و إثيوبيا: التجربة الفدرالية (1997)؛ تسفاظيون مدهانى. إريتريا: ديناميات المسألة القومية (1986)؛ جى. ماركاكيس الصراع الوطني و الطبقي في القرن الأفريقي (1987)؛ سيلفيا و ر. بانكهورست، إثيوبيا وإريتريا: المرحلة الأخيرة من نضالات اعادة الوحدة، 1941-1952 (1953). صدق او لا تصدق بانه لا يوجد حتى الآن فعليا أي كتاب عن المشكلة الإرترية من قبل اثيوبيين، سواء كان ذلك من الكتابات المنحازة أو الموضوعية. وفي هذا السياق الاستثنائي نستهل حديثنا عن كتاب السفير زودى Zewde،.
الشأن الارترى كيف تم انجاز هذا الحجم الفريد من الاصدار ؟ وهو بكل المقاييس تقريبا الكتاب الوحيد الصادر عن اثيوبيين بشأن المشكلة الارترية حتى تاريخه. للإجابة عن هذا السؤال نبدأ بنبذة عن خلفية ومؤهلات المؤلف.. بدأ السفير زودى حياته المهنية في سن مبكرة جدا كمراسل صحفي في وزارة الإعلام، تم انتدابه للقصر الملكى، حيث كان قريبا من صنع القرارفي بلاط الامبراطور هيلا سيلاسي. ومن محاسن الصدف بدأ عمله فى القصر فى بداية الخمسينات الفترة التى بدأت فيها عملية الفدرالية بين اثيوبيا وارتريا. ولقد تمكن من اقامة علاقات ايجابية مع جهات فاعلة ورئيسية فى الدراما الارترية، بما في ذلك اللاعب الرئيسى، وزير الخارجية آنذاك ورئيس الوزراء لاحقا اكليلوا هبتى وولد، والوزير القوى وزير القلم ولدجيورجيس ولدي يوهنس، وفي وقت لاحق مع احد مهندسي تفكيك الفدرالية، الرئيس التنفيذي / مدير ارتريا بتودد اسفها وولدميكائيل. ولقد تبوأ المؤلف عدة مناصب في وزارة الإعلام منذ ما يقرب من عقدين من الزمن قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية حيث وصل إلى مستوى نائب وزير ومن ثم سفير إثيوبيا إلى إيطاليا في فترة الثورة الإثيوبية عام 1974.
عمل المؤلف كصحفي في سن مبكرة قد ساعد ه على اكتساب مهارات مهمة في التحضير لأعماله الأدبية الملفتة، القضية الإريترية. وتشمل هذه المهارات، دقة المراقبلة والملاحطة بعيون خبيرة، مع تدوين وتنظيم الملاحظات والكتابة التواصلية والبحوث التحقيقية و الدبلوماسية الشخصية. و من المتوقع انه قد احنفظ بمذكراته. ولكن هذه نصف القصة فقط.فالسفير زودى كرس سبع سنوات (1992-1998) لإعداد مخطوطته. حيث سافر إلى مناطق فى أوروبا وأمريكا الشمالية و إثيوبيا من مقره بروما لبجرى ابحاثا فى المكتبات، ولقاءات مع دوالتشاومختلف الشخصيات و مع الخبراء والزملاء ورفاق من أبناء اثيوبية / ارترية بما يخص ”الشان الإرتري“ أو ما أسميه المشكلة الإريترية. قام المؤلف بقراءة المنشورات ذات الصلة ب الشان الإرتري واستطلع وثائق الأمم المتحدة من أواخر عام 1940 الى أوائل عام 1950.
انه أيضا اطلع على المصادر المعاصرة المتاحة في المحفوظات الوطنية في الولايات المتحدة وبريطانيا و إيطاليا و إثيوبيا. ومع أنه لا يشير على وجه التحديد ما هي المواد الأرشيفية التى اطلع عليها فى إثيوبيا نفسها، الا انه حظى بمكافئة ثمينة عن طريق الحصول على الوثائق النادرة و المراسلات التي أعطيت له لنشرها من قبل رئيس الوزراء الراحل أكليلوا هبتى وولد فضلا عن بتودد اسفها وولدميكائيل.. والمشاورات الممكثفة مع هذا الأخير قبل وفاته كان لها القدح المعلى في فهم تعقيدات سياسة البلاط الإمبراطوري فيما يتعلق بإرترياالخمسينيات وبداية الستينيات. كما قابل السفير زودى واستشار شخصيات اخرى برزت في الدراما في تلك الفترة. ونتيجة لذلك، فان الكتاب هو مكافأة غنية للقارئ والذى تم نسجه بمهارة وعناية عن أخطر فترة 20 عاما من الشان الإريترية.