قراءة لكتاب الكوماندو الارتريون ومعجزة الـ 18 دقيقة
بقلم الدكتور: أحمد حسن دحلي تأليف الأستاذ: سلمون درار المصدر: المركز الارتري للدراسات الاستراتيجية
”الكوماندو الارتريون ومعجزة ألـ 18 دقيقة“ من تأليف الكاتب سلمون درار بلغة التجرينيا وترجمه الى العربية الكاتب سعيد عبدالحي
والشاعر عبد الحكيم محمود الشيخ، صدر في 2003 عن دار نشر ”الأمانة“ في اسمرا. يتألف الكتاب من ثلاثين فصلا ويغطي 241 صفحة من الحجم المتوسط، بينما النسخة الأصلية تقع في 304 صفحة من الحجم المتوسط أيضا. والفرق في عدد صفحات النسختين يكمن وبصورة أساسية في استخدام الخط الكبير والمتوسط نسبيا ليس إلا.
لقد سرد سلمون درار وفي قالب فني جذاب وبأسلوب أدبي سلس العملية الفدائية البطولية التي قام بها وبنجاح باهر ورائع 16 فدائيا ارتريا في قلب مطار اسمرا، ودمروا وفي زمن قياسي للغاية، أي 18 دقيقة فقط 26 طائرة ميج 21 وميج 23، و5 طائرات مروحية عسكرية وطائرة أنتنوف وطائرة اليوشن، وذلك بغية تجريد جيش الاحتلال الأثيوبي في ارتريا من سلاح الطيران، ووضع حد لسياسة الأرض المحروقة التي كانت تقوم بها القوات الجوية العسكرية الأثيوبية ضد المدن والقرى الارترية أبان حرب التحرير، ولا سيما بعد الانسحاب الاستراتيجي الذي قامت بها الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا في عام 1978 على اثر التدخل العسكري المباشر للاتحاد السوفيتي السابق وحلفائه لصالح قوات الاحتلال الأثيوبية ضد الثورة الارترية. والأمر المذهل في هذه العملية الفدائية الرائعة والكبير يكمن في سقط شهيد واحد فقط وهو الفدائي مبرهتو قبري هويت المعروف بإسمه الحركي ”إمباييه“.
ونجاح هذه العملية يعزى إلى عدة عوامل منها، التخطيط المدروس والمحكم والذي استغرق خمس سنوات كاملة امتدت من 1979 إلى 1984، والكفاءة القتالية العالية، وروح الانضباط والسرية المطلقة، والتضحية بالنفس من أجل التحرر من الاستعمار والنضال في سبيل انتزاع الحرية والاستقلال، وتعاون الشعب الارتري في تزويد الثوار بمعلومات استخباراتية دقيقة عن حركات وسكنات قوات الاستعمار الأثيوبي في قلب العاصمة اسمرا، وفي مداخلها ومخارجها. وعلاوة على ذلك فإن بعض سكان اسمرا وضواحيها ومن بينهم محمد سعيد شاقي وعبده جابر وعلي أحمد عمر لعبوا دورا كبيرا في احتضان عدد من الفدائيين بعد نهاية العملية في موقع آمن، قبل قيادتهم الى حيث توجد وحدتهم العسكرية التي كانت ترابط على مشارف المدينة لمتابعة عمليتهم الفدائية الكبيرة والخطيرة واستقبالهم وحمايتهم عند الضرورة.
لقد زعزعت هذه العملية الفدائية الجريئة أركان الحكومة الأثيوبية ووجهة ضربة مؤلمة للقوات الجوية الأثيوبية، وجردت جيش الاحتلال الأثيوبي من الغطاء الجوي وعمليات القصف الجوية الدفاعية والهجومية، ورفعت من معنويات الثوار والشعب الارتري على حد السواء، وعززت من إيمان وعزيمة وقناعة الارتريين في الساحل والريف والقرى والمدن وبلدان المهجر بان الثورة الارترية قادرة على هزيمة قوات الاحتلال الأثيوبية وحلفائها.
ولقد أثبتت الجبهة الشعبية فعليا بأن قرار الانسحاب الاستراتيجي الذي انعكس سلبا لدى معنويات بعض الارتريين وقتذاك، لم يكن نتيجة هزيمة عسكرية كما تخيل البعض حاول أن يوحي البعض الآخر، بقدر ما كان ثمرة تقييم عسكري دقيق لمعطيات الأمور وموازين القوى على الأرض، وكان بمثابة خطوة واحدة إلى الوراء للحفاظ على القدرة البشرية والعسكرية الارترية بعدم مواجهة قوات العدو في المكان والوقت الذي يحدده ويناسبه، بل العمل لإستدراجه في فخ سلسلة جبال الساحل الشاهقة وطرقها الوعرة، واستنزافه تدرجيا وتوجيه ضربات موجعة إليه عبر الوحدات الفدائية والقوات العاملة خلف خطوطه، وبقية المسيرة التاريخية والسياسية والعسكرية معروفة.
وفي بادرة نادرة، كتب الرئيس اسياس افورقي مقدمة لهذا الكتاب جاء فيها إن كتاب ”الكوماندو الارتريون ومعجزة الـ 18 دقيقة“ ما هو إلا قطرة من بحر البطولات الإعجازية الكثيرة، وهذا الكتاب هو أول محاولة توثيقية لواقعة حقيقية بأسلوب أدبي جذاب، ولعل في ذلك يكون بعض العزاء للنفوس القلقة من اندثار هذا التاريخ البطولي. ولهذا قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة وقد أمتعني كثيرا، وأتمنى أن يقوم كل ارتري يحب وطنه بقراءة هذا الكتاب ويجد له مكانا في رفوف مكتبته.
وأتقدم في الأخير للكاتب سلمون درار بأصدق آيات الشكر لما بذله من جهد كبير، وأتمنى أن يواصل إسهامه المفيد في هذا المجال.”
وهذه العملية الفدائية ليست الأولى من نوعها في تاريخ الثورة الارترية الذي امتد لثلاثة قرون كاملة، بل هو حافل بالعمليات الفدائية في معظم المدن الارترية مثل اغوردات وتسني وكرن واسمرا ومصوع ...الخ، وان أول عملية فدائية في القاعدة الجوية الأثيوبية في مطار اسمرا كانت في 21 يونيو 1963 وتلتها عمليات فدائية أخرى. صحيح إن هذا الكتاب لا يعدو أن يكون ”قطرة من بحر البطولات الاعجازية الكثيرة“ على حد تعبير الرئيس اسياس أفورقي، ولكن المهم هو أن ينهض الكتاب والباحثين الارتريين أن بتأريخ وتدوين وتسجيل هذه البطولات التاريخية على هيئة مجلدات وكتب ودراسات وأحاديث ومقابلات ومقالات من مصادرها الأصلية والحية وذلك لكي لا ترحل والى الأبد مع صناع العمليات السياسية والعسكرية والفدائية ومع الذين خططوا لها أو كانوا شاهدين أبان حدوثها. فكم يا ترى من هؤلاء الأبطال قد رحلوا ورحلت معهم كنوز تاريخية ارترية لا تعود ؟!
والجدير بالملاحظة، لا جدوى من اهدار الوقت في متاهة جدل بيزنطي عقيم، حول من يكتب وكيف تكتب هذه المواد التاريخية الحساسة والمهمة للغاية للذاكرة الجماعية الارترية خاصة والأفريقية والإنسانية عامة، ولكن الأهم هو أن تسجل بقدر من الموضوعية، علما إن الأجيال القادمة ستكون أكثر تأهيلا وقدرة على غربلة الوثائق التاريخية بقدر كبير جدا من الروح العلمية الصارمة والعقلية النقدية الخالصة.
ولذا، لو قامت أقلام جيل الثورة فقط بعملية التوثيق، فإنها تكون قد أدت واجبها حيال شعبها ليس وفاء لتاريخ ونضالات وبطولات الشهداء وحسب، بل ستكون نهضت بالمسئولية التاريخية الواقعة على عاتقها والمتمثلة في تسليم الأمانة التاريخية إلى الأجيال الصاعدة والقادمة لكي يتعرفوا ويعرفوا تاريخ أبائهم وأجدادهم ووطنهم من ناحية، ولكي يكون لهم، من ناحية أخرى، القاعدة الراسخة التي يرتكزون عليها والمنارة الساطعة التي يهتدون بهم وهم يخوضون غمار معارك بناء ارتريا على كل الصعد لكي تتبوأ المرتبة اللائقة بها إقليميا وأفريقيا وعالميا.