فريج المرر طحالب في قاع الغابة الإسمنتية

بقلم الأستاذ: فتحي عثمان المصدر: العربي الجديد

حول فريج المرر؛ أحد أحياء دبي القديمة التي زحفت عليها غابات الإسمنت، تدور أولى روايات حامد الناظر، "فريج المرر"

التي اختار لها اسم الحي؛ حيث تتسرّب إلى العوالم الحميمية والمتآلفة التي تنبت بين شقوق عوالم مختلفة وذاكرات متنافرة لسكّان

رواية فريج المرر

المكان الجدد.

تعني كلمة فريج في اللهجة الإماراتية والكويتية الحي السكني، وهي الكلمة نفسها التي اختفت من قاموس اللهجة السودانية؛ لهجة بطل الرواية.

في فريج المرر، يتقصّى الراوي خبر مجموعة من الخادمات الإثيوبيات الجميلات، ممّن يهربن من كفلائهنّ ليعملن في مقاهي يصطدن فيها الرجال بمد شراك الغواية. يلامس الطيب السوداني هذا الفضاء، ينبهر بجمال الأثيوبيات حاملاً معه سذاجته وكرمه وفحولته.

مقارنة مع أي عمل أول لكاتب شاب، يتّسم النص بشيء من الحذق الروائي، وكأن الناظر كتب العمل في في ذهنه وقرأه أكثر من مرة. ولعل من علامات المهارة الروائية هي إفلاته من شراك السيرة الذاتية الذي تقع فيه غالباً الأعمال الأولى.

يحمل العمل علاقات السرد الروائي فينجح في حكاية قصة ناس يعيشون كالطحالب في قاع المدينة؛ حيث تُوحّد الرغبة في الكسب الجميع، رغم اختلاف ألوانهم ولغاتهم وماضيهم. يعمل ذلك كموسيقى خلفية شفيفة للسرد، وهذه حنكة التضليل الذي يصاحب السرد.

الناس في قاع غابة الإسمنت تسعى وراء الرزق، من خلال بيع الهوى أو الاحتيال، أو أية طريقة أخرى، وتمرّ النماذج في الرواية على سجيتها وطبيعتها من دون إحساس القارئ بزحمة الخلفيات، وكأن كل شخصية مُسخّرة لما خُلقت له. هنا، تتّضح قدرة الكاتب في نسج هذه العلاقات والدخول بها في مغامرات كان الموت في كثير من الأحيان منتهاها.

في آخر العمل، وبعد عودة الراوي من أديس أبابا، منبع الفتيات الجميلات، تتكشّف له حقيقة فريج المرر حين يقول: "هنا تجد البدون والمواطن والوافد من كل مكان يجتمعون على صعيد لا تميزهم إلا جيوبهم. الجيب وحده له الكلمة الفصل، حيث يكون فإنه الحاضر الوسيم الذي لا شبيه له".

يكشف الراوي لقارئه أيضاً جدلية علاقة فريج المرر بسكانه، حين قال "الناس في العادة يعطون الأماكن سمتها التي نحب، لكن فريج المرر حالة فريدة، هو الذي يصبغ على ناسه، مثل الهوية الخاصة ثم لا تنفصل عنهم طول العمر".

هذه الجدلية/ الثيمة أمسك بها الراوي ببراعة ونسج منها قصص كل من استير وعباس وإيلسا، وجعل من نفسه مركزاً للدائرة، تدور الشخصيات حوله من دون أن تصطدم به لتتضح علاقة وعوالم الرواية المخبوءة.

يربكُ القارئ أثناء تتبع السرد تعدّدُ عمليات البوح الروائي، فعندما تتحدّث استير أو إيلسا أو بيتي عن أنفسهنّ، لا نعرف هل أنهنّ يبحن للراوي بلغتهنّ الأم، أم يستخدمن الإنجليزية، وهذا ممكن في حالة استير وإيلسا اللتين درستا جزءاً من المرحلة الجامعية، لكن درجة البوح ترقى إلى حالة من الشعرية التي يصعب التعبير عنها بغير اللغة الأصلية للشخصية.

أخيراً، وعلى مستوى البنية اللغوية، لم يتحاشَ الروائي السوداني الإرتري تلامس لغة السرد بالشعر. ففي وصف الراوي لأستير وهي تقوم من جلستها، يقول: "قامت كما تقوم النوافير"، ولا يخفى أنه من خلال هذه الصورة يصف انعكاس قيامها في نفسه أكثر من وصفه لقيامها في حد ذاته.

وعندما التقى الراوي بفوفو السودانية، نفر منها لأنها "حين اقتربت، قام الماضي بيني وبينها فجأة"؛ هذه اللغة الشفيفة والموحية توفر كثيراً من الحبر المسفوح على الورق. إن هذه الملامح التي يلتقطها القارئ من رواية "فريج المرر" تفرض على حامد الناظر تحديات في أعماله التالية.

Top
X

Right Click

No Right Click