الإرتيري حجي جابر: كتبتُ الرواية كي أتعرّف على بلادي
بقلم الأستاذة: منى حسن - الخرطوم المصدر: القدس العربي
يرى الروائي حجي جابر أن هناك فرصة تأريخية لتأسيس جيل جديد ينتقل بالأدب الإرتيري من مرحلة الانتشار إلى فضاء الحضور
المؤثر عربياً وإفريقياً، ويسعى جابر من خلال كتاباته للتواصل مع وطنه إرتيريا، الغائب عنه الحاضر فيه، حيث تلقي رواياته الضوء على المآسي التي يعيشها الإرتيريون داخل وخارج الوطن. وحجي جابر روائي وصحافي إرتيري من مواليد مدينة مصوع الإرتيرية الساحلية. اشتغل لعدة سنوات بعد مغادرته لإرتيريا إبان القصف الإثيوبي، في الصحافة السعودية، كما عمل مراسلاً للتلفزيون الألماني «دويتشه فيله» DW، قبل أن يلتحق بقناة «الجزيرة» حيث يعمل فيها صحافياً في غرفة الأخبار.
أصدر حجي جابر رواية «سمراويت» عام 2012 عن المركز الثقافي العربي، التي حازت جائزة الشارقة للإبداع العربي للعام نفسه. ثم أصدر العام التالي عن المركز الثقافي العربي أيضاً رواية «مرسى فاطمة»، وأخيرا «لعبة المغزل» التي دخلت ضمن القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الحادية عشرة، وتدور معظم رواياته، كما أسلفنا، حول وطنه إرتيريا، الذي يشكل المعين الذي تستقي منه ذاته المبدعة إلهامها وأخيلتها، أدناه حوار حاولنا من خلاله فتح نافذة للقارئ يطل من خلالها على عوالم حجي جابر الروائية، والمشهد الأدبي الإرتيري.
■ بعد ثلاث روايات: هل أتمت إريتريا خروجها من قميصك ؟
□ كتبتُ الرواية كي أتعرّف على إرتيريا وأتعمّق فيها وأتشرّبها وليس العكس. امتداد مسيرتي الروائية يعني الغوص أكثر في إرتيريا. بالكتابة عن إرتيريا أنا أتورّط فيها أكثر. هل يحدث هذا لأني أكتب عن المكان من خارجه؟ أم هو الاحتياج لإبقاء خيط يربطني بالوطن الغائب؟ أو هو أمر ثالث لا أعرفه؟ أياً يكن الأمر، ما أنا على يقين منه، أن الكتابة عن إرتيريا مشروع أكثر منه حالة تتلبسني لبعض الوقت قبل أن تزول إلى الأبد.
■ كيف تنظر إلى «سمراويت» اليوم ؟
□ ذكرت في السابق أكثر من مرة أني أكره روايتي الأولى «سمراويت»، وهو شعور بالغيظ تجاه الخطوة الأولى، مرة لأني تمنيت لو كانت أكثر نضجاً، ومرة لأنها أصبحت العنوان العريض لمشروعي، بحيث حجبت ما بعدها. لكنني الآن أنظر للأمر بشكل أكثر هدوءاً؛ «سمراويت»، عمل عرّف الناس بي، وشكّل رافعة ما لبقية الأعمال. يجب أن أتفهّم حضورها الطاغي لأسباب عديدة. وأتفهم كذلك أننا لن نرضى تماماً عن أعمالنا، وستظل الحاجة حاضرة دائماً للتجويد والتحسين، وخصوصاً العمل الأول.
■ يرى باوند أن على المبدع أن يبقى في حركة دائمة ومستمرة وأن يتغير مع الحياة ويغير حتى أسلوبه في الكتابة وطريقه الذي يتبعه ككاتب، فأين أنت من تجريب الواقعية السحرية في الرواية ؟
□ بهذا المنطق، يجب ألا تكون الواقعية السحرية هي ذروة التجريب ودليله الأهم. حركة الكـــــتابة وتطورها تستلزم عدم البقاء كثيراً عند أي مرحلة، حتى لو كانت بحجم هذه المدرسة ووهجها. نحن نلاحظ الآن، شيئاً فشيئاً أن الروايات المبهرة لأمريكا الجنوبية بدأت تصبح من كلاسيكيات الأدب وليس العربة التي تجرّ القاطرة.
■ هل سبق وعُرض عليك تحويل إحدى رواياتك إلى عمل درامي ؟
□ سبق أن استلهم فيلم وثائقي من رواية «مرسى فاطمة»، هو فيلم « بين الرمضاء والنار» الذي يتحدث عن اللاجئين الإرتيريين في السودان. تبقى مسألة تحويل نص إرتيري إلى عمل درامي تكتنفه صعوبات كثيرة، ليس أقلها عدم وجود صناعة درامية إرتيرية بالمعنى المفهوم، إضافة لانتفاء القدرة على التصوير في إرتيريا بالأريحية المطلوبة، نظراً لأن معظم الأعمال هي معارضة بالأساس. لكن من يدري ربما يحمل المستقبل شيئاً مختلفاً للروائيين الإرتيريين.
■ ككاتب روائي، ما هي أهم مقومات نجاح تحويل العمل الأدبي إلى درامي في نظرك ؟
□ في رأيي أن هذا الأمر يعتمد بالأساس على وجود سيناريست جيد، ومخرج ذكي، وميزانية معقولة. كذلك يبدو صعباً أن تجتمع هذه الأمور بدون وجود ثقافة سينمائية تشكّل أرضية مناسبة لمن يصنع هذا المنتج ومن يقوم باستهلاكه.
■ هل يمكننا القول إن الرواية هي التاريخ بحد ذاته ؟
□ لا بالطبع. الرواية لم تكن يوماً هي التأريخ بحد ذاته. هي تنطلق منه أو تصل إليه، أو تسير على حوافه أو تنتقي من متنه. الرواية لها حرية القفز والحذف والانتقاء، وهذا يخدش صدقية أي عمل تأريخي، لكنها في المقابل تعكس صورة أخرى لا تتعلّق ضرورة بالحدث نفسه بقدر انطباعنا عنه.
■ حين نقرأ رواياتك، نبصر إريتريا من خلالك، ونستشعر المآسي الإنسانية والاجتماعية فيها، ما يدفعنا للتساؤل عن: هل تحاول معالجة، أم تسليط الضوء على هذه المآسي من خلال الكتابة ؟
□ سنبالغ كثيراً إذا اعتقدنا أن ما نكتبه سيعالج مشكلة ما. يجب أن نتواضع قليلاً لنؤمن أن الكتابة قوة ناعمة قد تؤثر ضمن سياق زمني طويل، وليست قوة جبرية نافذة. أن تجلب الرواية متعاطفاً مع المأساة يعني على المدى الطويل أن ثمة تراكماً لبوادر حل ما بطريقة أو بأخرى.
■ كيف ترى واقع النقد في المشهد العربي، والموجه إلى أعمالك الروائية خاصة ؟
□ أرى أني كنت محظوظاً للغاية إزاء الطريقة التي استقبل بها النقاد أعمالي. لكن في العموم تعاني الرواية من ناقد كسول يتبع الضوء ويحاول اقتسامه مع الكاتب. الناقد لدينا في الغالب لا يكتشف أعمالا مبهرة بقدر ما يحاول ركوب موجة السائد والرائج ليحجز لنفسه مكاناً هناك.
■ كروائي «يحاول أن يترجم الحياة بطريقة لا يملها الناس، ويحاول أيضاً أن يدون ما يرى»، هل نتوقع رواية مستوحاة من عوالم الخليج الذي شهد ميلاد إبداعك ؟
□ «سمراويت» مثلت هذا الأمر بطريقة أو بأخرى. في هذا النص حضرت جدة وحضر المقيمون فيها وقصة اغترابهم وشتاتهم. لا أدري إذا كانت ثمة فرصة للتوسع في هذا الأمر مستقبلا.
■ كيف تقرأ واقع ازدياد عدد الروائيين الذي يعصف بالساحة الثقافية العربية ؟
□ لا أعتقد أن هذا الأمر يعصف بالساحة الثقافية العربية، وفرة الإنتاج ليست سيئة دائماً. سيخلص القارئ مع الوقت إلى الجيد ويترك الرديء، لكن يجب أن يعطى الجميع فرصة المحاولة، وفي النهاية لن يصمد إلا صاحب الموهبة الحقيقية.
■ هلا وصفت لنا المشهد الأدبي الإريتري باختصار ؟
□ أميل إلى تقسيم الأدب الناطق بالعربية في إرتيريا إلى حقبتين، الأولى حيث الآباء المؤسسون لحركة الأدب في إرتيريا، سرداً وشعراً، وقد جاءت متماهية تماماً مع أجواء الثورة، حيث تدور كل الانشغالات في فلك البحث عن الدولة المنشودة والوطن المشتهى، والتذكير بفظاعات المحتلّ وتنكيله بالإرتيريين، مع ما يصاحب ذلك من التركيز على قيم الكرامة والعزة وانتفاء الرضوخ.
الحقبة الثانية يمثلها جيل الاستقلال، وهم الأدباء الذين كتبوا مع مجيء الدولة، وهؤلاء في غالبيتهم، اتسمتْ كتاباتهم بالتعبير عن خيبة الأمل من عدم تحقّق شروط الدولة الحلم، وقد شاهدوا بأعينهم كيف انحرف المسار الديمقراطي صوب نظام فاشيّ طائفي يحكم بالحديد والنار، ويسخّر مقدرات الوطن لصالح فئة دون غيرها، ما جعل إرتيريا بلداً طارداً لأبنائه الهائمين على وجوهم في أصقاع الأرض.
هناك فرصة تأريخية لتأسيس جيل جديد ينتقل بالأدب الإرتيري من مرحلة الانتشار إلى فضاء الحضور المؤثر عربياً وإفريقياً، عبر لفتهم للأنظار سواء بحصد الجوائز أو الترجمة إلى لغات عالمية، وقبل ذلك كله تقديم نصوص نوعية ترسّخ التجربة الإرتيرية في الأذهان وتعبر بها هذا المضيق الذي تراوح فيه.