مالوك الأفريقي ومالك السوري وتيتانيكات أبو بكر كهال

بقلم الأستاذ: باسم سليمان - شاعر من سوريا المصدر: أطلس

تتناول الرواية الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا عبر سرد مفعم بالحيوية ومبطن بعاطفة الحكاية وحكمتها.

إنّها سطوة تميمة سحرية أفريقية آتية من الغبار الصاعد كقربان من تحت الأقدام الراقصة على موسيقى أشجار مجوّفة من كثرة الجفاف، حوّلها العطاشى إلى الأبد إلى طبول تقرع أبواب السماء والأرض لعلّها تفتح! فما أن تولد في قراءة «تيتانيكات أفريقية» حتى تصبح مسرنماً لا تملك فراراً ولا نجاة من تجرّع سمّها وترياقها، كأساً بكأس حتى النهاية، رافعاً أنخاب السرد المليء بالأمومة والإبداع.

تيتانيكات أفريقية رواية الكاتب الأيرتيري أبو بكر حامد كهال يمشي فيها مع المهاجرين نعلاً بنعل، قلباً بقلب، روحاً بروح من إريتريا والسودان والصومال وإثيوبيا ومصر وليبيا وتونس وو.. حتى الموت أو الهلاك أو النجاة.

بعد أن أنهيت القراءة، سألت نفسي، لماذا لم يذكر أبو بكر كهال السوريين ؟

وقد أصبحوا عنواناً للهجرة، يوفّون الديون للبحر الذي في تاريخ قديم وهبهم لون الأرجوان ولأنهم كانوا قليلي الوفاء استرده منهم عبر إغراقهم في مائه المتوسطي، غاضاً الطرف عن أنّ الرواية كتبت في عام 2008 قبل أن تصبح سورية دولة هجرة !؟

لم يطل انتظاري للجواب، فقد كان «مالوك الأفريقي» وأجداده يبتسمون لي، فأدركت سريعاً حماقة العاطفة وركنت إلى العقل فـــ«مالوك» ما هو إلا أحد صيغ «مالك» ومالك اسم لأبي السوري! مالوك الأفريقي المنحدر من جد، له ذات الأسم لكنّه يغور في التاريخ، قرر أن يبني سفينة كي ينقذ زوجته من يد القراصنة، لكنه مات قبل أن يبحر بها وعندما غرق حفيده مالوك في بحر المتوسط أقسم من يحكون الحكايا أنّ مالوك كان واقفاً على موجتين حاملاً غيتاره، فمرّت به سفينة شراعية لم يروا مثلها أبداً وحملته معها.

لقد أنقذ الجد حفيده بالحكاية؛ مالوك عازف الغيتار، أمّا أبي فلم يكن عازف عود، لكنّه تركني أحلم بإضافة وتر الفرح. نعم وجدت سورياً في رواية تيتانيكات أفريقية، فالشبه أهم من الأصل، وجدت سورياً صنع عوده من خشب شجرة الحنظل.

اسم الرواية منحوت من اسم سفينة «التيتانيك» المشهورة التي غرقت، واسمها مأخوذ من التيتان الذين تحدوا آلهة الأولمب ولولا صواعق زيوس لانتصروا.

لا ريب أنّ صانعها أراد باسمها أن يتحدّى الآلهة أمّا أبو بكر كهال، فكان أمكر من الجميع، لذلك ذهب إلى السخرية والتهكّم عبر تسمية تلك القوارب المطاطية بـ«التيتانيكات» وكأنّه يعيد إلى الذاكرة التاريخ الممتلئ بالألم حيث كان يتم اختطاف الشعب الأفريقي عبر سفن الموت من الشط الغربي لأفريقيا إلى الشط الشرقي إلى أمريكا الجنوبية من أجل العمل في مزارع شجر المطاط وكأن الصدع القاري الذي فصل أفريقيا عن أمريكا أعيد رتقه بالعبودية، يالقذارة التاريخ الحديث! ومن جديد الصدع القاري الذي فصل أوروبا عن أفريقيا يُعبد بجثث الموتى وكأنّ القارة القديمة (البانجيا) تعيد وصل أجزاءها التي شكّلت القارات الخمس.

لقد برع أبو بكر كهال بأن جعلني مهاجراً، تارة أموت في الصحراء وتارة أغرق في البحر، لكنّه في النهاية أقامني من موتي عبر السرد المبدع عبر الحكاية التي على السوريين حكايتها كأم تغني لطفلها المحموم قصّة الهجرة التي خلق الله منها كلّ شيء حي.

تتناول الرواية الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا عبر سرد مفعم بالحيوية ومبطن بعاطفة الحكاية وحكمتها وهي من أول الرويات التي تناولت موضوعة الهجرة، صدرت عن دار الساقي وترجمت للعديد من اللغات الأجنبية.

Top
X

Right Click

No Right Click