قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة الثامنة
بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر
مابعد المؤتمر أحداث أليمة إغتيال الشهيد سعيد حسين وحملة الاعتقالات، في ظاهرة لافتة
يقف الفرد مندهشاً أمامها لم يتطرق الأستاذ ابراهيم محمد علي في كتابة لمرحلة تحرير المدن 77 - 78 19م وهي مرحلة هامة جداً في تاريخ النضال الوطني الارتري بحجم ما كان فيها من أحداث كبيرة وفرح واسع وإنتصارات داوية لجيش التحرير الارتري، بدءاً من الاعداد للتحرير، ومسار العمليات العسكرية، مروراً بادارة المدن والمناطق المحررة وكيف تعاملت الثورة عامة وجبهة التحرير الارترية خاصة مع هذا الحدث التاريخي الهام؟
تحرير المدن مع كل ما له وماعليه، بدءا من التحرير وطرد قوات الاحتلال من مساحات شاسعة من بلادنا ومدننا وإنتهاءاً بالتعاطي مع واقع جديد أشبه بواقع الدولة بكل حاجياتها، وكانت تجربة كان بالامكان إخضاعها للتقييم في المجالات العسكرية وسير العمليات والجوانب الأمنية والاقتصادية والإجتماعية بكل أبعادها الصحية والخدمية والتعليمية بل وتجربة إدارة المدن نفسها والأستاذ أحد من شغلوا أعلى المواقع في مركز القرار وكان ممسكاً بالملف الاجتماعي وبوجهه الحزبي من الشخصيات النافذة في مكتب الحزب القيادي مركز القرار الحقيقي في جبهة التحرير الارترية .إلا أنه لم يفعل فلم نعلم تقيمه ووجهة نظره في هذه السنوات الهامة من تاريخ النضال الارتري.
والأستاذ تطرق في كتابه في صفحة 256 لواقعة إستشهاد الشهيد سعيد حسين ورفاقه في منطقة دنكاليا وهي واقعة بالغة الحساسية والآلم ويكتنفها الكثير من الغموض ولكشف كل أبعادها كانت تستدعي الشفافية العالية والدقة في الافادة من الأستاذ لأنها تتعلق برجال من مؤسسي الثورة وحدث أودى بحياتهم في ظل ظروف غامضة فلم نعرف حقيقة أهدافهم ومقصدهم من القدوم بذلك الطريق وماذا كانوا ينون، وبدلاً من ذلك نزع الأستاذ لإضفاء مزيد من الغموض في روايته حينما قال:
(إن بعض الامور يكتنفها الغموض لابد من تسليط الضوء عليها) ولكن الأستاذ زاد الغموض وجعل من الأمر لغزاً أكثر تعقيداً مما كان عليه ومما ينبغي، وعلى كل حال علق الأمر برقبة رئيس التنظيم آنذاك المناضل/ أحمد محمد ناصر بإعتباره الجهة التي تتخذ القرار بين إجتماعي اللجنة التنفيذية وهو الذي إتخذ القرار حسب روايته، ولكن السؤال هل هذه الرواية وتعليق الأمر برقبة الرئيس مبرأة من الغرض؟، هل هي رواية بريئة وصحيحة وتعفي الأستاذ إبراهيم نفسه من السؤولية بوصفة عضواً في اللجنة التنفيذية ومن أصحاب الكلمة الفصل بوصفه سكرتيراً للحزب أيضاً؟
الكلمة الفصل مع الأستاذ احمد محمد ناصر عله يتدخل لتقويم هذه الرواية التي تحمله المسؤولية المباشرة والشخصية والأستاذ إبراهيم غسل يده من المسؤولية سواء الأدبية أو الأخلاقية حتى كونه عضواً باللجنة التنفيذية للجبهة،
والسؤال هل للرئيس في الجبهة صلاحية إتخاذ قرار بتلك الخطورة وحده دون العودة للجنة التنفيذية؟
ألم يكن أمر الشهيد سعيد حسين ورفاقه وموقفهم وخطوتهم يستدعي إجتماعاً طارئاً للتنفيذية؟
لاتخاذ القرار وكيف إتخذ رئيس التنظيم القرار وحده؟
ولماذا لم تحاسبه اللجنة التنفيذية؟
أم أن القرارات في الجبهة كانت تتخذ هكذا؟
وهل أقدم الأستاذ إبراهيم محمد علي إستجواب لرئيس التنظيم في هذه المسألة ليبرئ ذمته على الأقل؟، لم يسمع أحد في ساحة الجبهة عن هكذا نهج ويعتبر الأستاذ إبراهيم أول من يرمي بتبعات هذه القضية العويصة على ذمة الرئيس وهو أول من يتحلل من المسؤولية الجماعية للجنة التنفيذية علناً ولكن بعد مضي ثلاثة عقود من الزمان وفي إعتقادي للموضوع أغراض آنية ومستقبلية.
وحتى الحديث المختزل عن دور لعلي إسحاق رئيس البحرية في أحد إجتماعات إالمجلس الثوري لايحدد مضمون المعلومة وتبدو بالشكل الذي طرحها به الأستاذ أنها قيلت هكذا عرضاً، وبدلاً من حل غموض المسالة يأتي الأستاذ بعد أكثر من 30 عاماً ليطرح علينا مزيد اً من الأسئلة فيقول:
ما هو الدور الغامض الذي قام به على إسحاق؟ ثم يقفز ليفترض أنه قد يكون قد إستدرج الشهيد سعيد حسين ورفاقه، والسؤال المركزي الذي لم يجب عليه الأستاذ هل وصلوا للبر الارتري على متن مركب إستأجروه من البحارة؟ أم جاؤوا على مركب تابع لجهاز بحرية الجبهة؟ وكيف يعقل أن يأتوا على مركب للجبهة ياتمر بأمر القيادة التي يرفضون توجهها ويعملون لمقاومتها وإسقاطها؟ وهذه القضية وما يماثلها كان محركها الأساسي الصراع الايديولوجي بين توجهين توجه جماعة الشهيد سعيد حسين وتوجه حزب العمل الذي حاول أن يصبغ الجبهة بصبغة حزبه وخلق تكتله وهو أمر مخالف لذات المواد التي أدان بها الاخرين، وقبل الاجابة الشافية في مظلومة الشهيد سعيد حسين ورفاقه ينقلنا الكتاب لقضية أخرى فيقول في صفحة 257:
(قد تزامن مع إنفجار حركة سعيد حسين العسكرية في دنكاليا إكتشاف حركة سرية أخرى داخل التنظيم أدى لاعتقال ثلاثة من أعضاء المجلس الثوري وهم الشيخ الشهيد محمد إسماعيل عبدو، إبراهيم إدريس محمد آدم، سليمان موسى حاج وعدد من الكوادر على خلفية العثور على وثيقة سرية قيل أنها مكتوبة بخط يد إبراهيم إدريس وقيل أيضاً انها عثرت عليها المخابرات العسكرية التابعة للمكتب العسكري تحدث فيها إبراهيم عن وجود حركة سرية ذات توجه قومي عربي تنشط سراً داخل الجبهة وهو ما يتنافى مع نصوص النظام الداخلي لجبهة التحرير الارترية الذي أقر في المؤتمرين الأول والثاني البند الذي ينص على حظر أي نشاط او تكتلات من أي نوع كان سواء كانت ذات توجهات سياسية فكرية أو عصبيات طائفية أو إقليمية أو قبلية).
دهشت عندما قرأت عبارة قيل وهنا الاستاذ إبراهيم محمد على لايجزم بشيئ ولايقترب لشيئ وفي هذه المسائل الحساسة يتكئ على عبارات قيل ويبدو أنه ينسى أنه عضو في اللجنة التنفيذية أعلى جهاز قيادي في الجبهة وسكرتيراً للحزب القابض على كل شيئ يُصدر لنا بعد ثلاثة عقود عبارة قيل وهي من العبارات المرفوضة في الشهادات الشرعية أمام المحاكم، ومادامت الوثيقة كتبت بخط يد إبراهيم إدريس محمد آدم فكان بالامكان مقارنة الخط مع رسائل إبراهيم إدريس وتقاريره كمشرف على الوحدة الادارية رقم 2 وقت إعتقاله الموجودة في إرشيف سكرتارية اللجنة التنفيذية أو رسائلة بخط اليد الموجودة في مكتب العلاقات الخارجية بدمشق بحكم إدارته لمكتب الجبهة في دمشق لسنوات طوال للتأكد قبل إتخاذ قرار الاعتقال الجماعي والتسبب في شروخ على جسد الجبهة وقيادتها (المجلس الثوري) ولاينسى الأستاذ أن يذكرنا بأن أولئك الثلاثة كانوا قد أنتخبوا في قائمة حزب العمل وهو بهذا التذكير يوحي وكأن حزب العمل كان حزباً مشروعاً يضيف الناس لقائمته؟!
ثم يتابع الأستاذ ليقول بغير جزم وقيل أنها عثرت عليها المخابرات العسكرية وهي بهذا معروفة لمن تتبع إدارتها إلا أن الأستاذ وللغرض من كتابته أصلاً يقول التابعة للمكتب العسكري، بالتأكيد يا أستاذ المخابرات العسكرية لن تكون تابعة للشؤون الاجتماعية أو الاقتصاد أو الاعلام فلم يكن القراء بحاجة لهذا التذكير ولكن الغرض مرض، وهو لم يحدد ممن قدمت تلك المعلومات في المكتب العسكري ثم يأتي الأستاذ بعد عبارة قيل هذه ليؤكد في صفحة 258 والجدير بالذكرأن هذه لم تكن المرة الأولى التي تقدم فيها مخابرات المكتب العسكري معلومات غير دقيقة ففي العام 1977م في منطقة عليت تحديداً قدمت المخابرات نفسها بواسطة المكتب العسكري قائمة تضمنت أسماء لأكثر من 150 من الكادر القديم للجبهة جميعهم مسلمون وذلك بتهمة إقامة تكتل يميني سري داخل الجبهة... ورفضت لسببين الأول ضمن القائمة أسماء لكوادر متميزين بالإنضباط والاخلاص للجبهة والسبب الثاني هو كثرة العدد، ويستنتج الأستاذ بعد الربط مع توقيت المعلومات المتزامن مع إخماد تمرد الفالول ولم يفدنا الأستاذ متى كان ذلك الاجتماع هل هو للجنة التنفيذية أم للمجلس الثوري.
ويخلص الاستاذ إلى أن المعلومات مدسوسة ممن لم يسره تخلص الجبهة من فوضى الفالول فأراد إدخالها في فوضى جديدة وقودها هذه المرة الكادر القديم ثم يقول الاحتمال الأقوى إن من كان يقف وراء المعلومات الملفقة هي مخابرات الشعبية التي كانت تعمل كل ما تستطيع للابقاء على نار الفالول مشتعلة والشخص مصدر المعلومة هو كادر قديم في القسم المالي لمكتب الاقتصاد ويقول ربما كان مزروعاً بواسطة مخابرات الشعبية خاصة وأنه إلتحق بها بعد التحرير. وهذا يعني أن كل من إلتحق بالشعبية مشروع جاسوس أو زراعة أمنية وهو لم يذكر ذلك الشخص الذي سرب المعلومات المضللة.
لم يذكر الأستاذ الكوادر الذين أعتقلوا مع أعضاء المجلس الثوري الثلاثة عدا الأستاذ جعفر أسد وحتى تعرف الاجيال أن هؤلاء الكوادر المعتقلين هم: حامد صالح تركي، محمد آدم عشكراي، محمد عثمان إزاز، وغادر بعد تلك الحملة الجائرة عشرات المناضلين وهذا صحيح، وأكد الاستاذ بأن الرسالة ومضمونها غير كافي للاعتقال ولكن السؤال لماذا لم يرفض أويحتج ويعمل على تصحيح الخطأ؟، وإذا عجز يسجل موقفه للتاريخ، ويبدو أن وخذ أوصحوة الضمير التي تأتي متأخرة لافائدة منها ولاينطبق عليها المثل أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً بل قد ينطبق عليها الحديث قل خيراً أو فأصمت، فهذا التأخير كان أكثر من ثلاثة عقود ويا ليت الأستاذ كواحد من صناع القرار في الجبهة لو إعتذر ولكن نحن لانملك ثقافة الاعتذار وسينبري البعض ليقول من يعتذر لمن، فالإدعاء بالثورية ونظافة اليد واللسان شيئ وممارسة النقد والنقد الذاتي والاعتذار العملي شيئ آخر نحن قوم نعتد بالانكار ونفخر ونجهد لتحميل الآخرين لهذا فلا غرابة أن نفتقد لثقافة المحاسبة الأدبية والاعتذار.
وأريد أن أذكر الأستاذ بحدثين في مكتب الشؤون الاجتماعية وهو رئيس المكتب، الأول عندما تقرر إسعاف المواطنين الارتريين في مختلف المناطق وكانت الضائقة في الأكل فتقرر إسعاف المناطق وكان هو على رأس العمل (الآمر الناهي) هنا قرر الأستاذ أن تذهب حصة منطقة الساحل إلى كبسا (وكبسا لم تجد شيئ من جيش التحرير) وحجته أن جيش التحرير منح هؤلاء وذاك كافي في رأيه وكان ما منحه الجيش من إمداده كان التعامل مع حالات طارئة لم يتجاوز ما منحه سدس المقرر من إغاثة للمنطقة ومع ذلك أصر وألح وعندما جاء إلى منطقة المواد وجد أن المواد قد رحلت واراد أن يحاسب الرجل المسؤول فقدم له قائمة المناطق والكميات التي أمامها وأمر الصرف المباشر فصمت وهو يتحرق وكان الجوع يكاد يأتي على بعض المناطق بسبب الجفاف في ذلك الموسم، كما يذكر الأستاذ ما حدث في مقر مكتب الشؤون الاجتماعية في وأكاي كيف أن العم محمود أنصرا أمد الله في عمره وهو رجل من رعيل الثورة ومشهود له بالورع والاقدام وهو من الرجال الذين حملوا أرواحهم على الأكف لتمكين الثورة في بداياتها وكان يقوم بمهام سرية للغاية وبالمناسبة فهو إبن كبسا وكان يعيش في مدينة أغردات وهو الرجل الذي كان يطلق عليه الإسم السري المحجوب وكان من العناصر السرية للجبهة التي لعبت دوراً مشهوداً في العمل الداخلي، إذا الرجل يعرف إرتريا وتركيبها البشري ولكن الاستفزاز وصل ذروته، فتفجر بالآذان في المعسكر وكيف أن المناضلين هناك خلقوا زاوية رملية للصلاة عمدوها بوليمة وأخذوا يؤدون صلاتهم ويعرف الاستاذ وغيرهم أن أولئك الذين شدوا زند الشيخ المناضل محمود أنصرا كانوا حتى مساء تلك الاحداث من جماعة الساح الداح، وقد يذكر الأستاذ كيف تعاطى مع هذه المسألة وعلى كل حال كل فرقائها موجودون عدا شهيدين ويعرف الأستاذ بمن إستنجد وكيف عولجت المسألة بهدوء.
وللأسف لم يأت الأستاذ في كتابه أو قل شهادته للتاريخ على ذكر الانضباط بعقد دورات المجلس الثوري في موعدها وأسباب تأخير المؤتمر العام للتنظيم، وكان بإلإمكان لدورات المجلس المركزي أن تعالج كثير من القضايا التنظيمية وقضايا عضوية المجلس وحتى مجمل قيادة الجبهة كانت خارج سياق التفويض لأنها أنتخبت لمدة ثلاثة أعوام ولكن القيادة مددت لنفسها وبالتالي كانت خارج سياق التفويض لإنتهاء العقد الأجل الذي منحه المؤتمر لها، وبالتالي كانت تمارس دورها تحت ظلال الشرعية التي إنتزعتها بنفسها ولنفسها فلا هي شرعية قانونية ولاهي شرعية المبادرة الثورية لإبتداءات الفعل وهذه من بين مسببات الانفجارات المتتالية داخل التنظيم بسبب هيمنة حزب العمل الحزب السري غير المشروع والتكتل المخالف لقواعد التنظيم.
نواصل... في الحلقة القادمة