قراءة في كتاب إبراهيم محمد علي... مسيرة جبهة التحرير الارترية بداية ونهاية - الحلقة الحادية عشرة

بقلم الأستاذ المناضل: محمد صالح أبوبكر

إتفاقيتي الخرطوم و20 أكتوبر... ومفاوضة إثيوبيا !!! يعد ما كتبه الأستاذ إبراهيم

مسيرة جبهة التحرير الإرترية بداية ونهاية

عن الوحدة قراءة شخصية للأستاذ تقيم تنظيم سياسي، ومن بينها وثائق يمكن العودة إليها للوقوف على طريقة تفكير الفرقاء في الثورة إزاء هذا الملف الخطيرملف وحدة قوى الثورة الأرترية.

كان لجبهة التحرير الأرترية نظرتها لمسألة الوحدة الوطنية، وكانت نقلة كبيرة وتاريخية بين ما كان في المؤتمر الوطني الأول من رؤى وأفكار ونقاشات وقرارات، وبينما قرر في المؤتمر الوطني العام الثاني وهو تعبير عن طفرة في عقل المناضلين الارتريين، إذ أقرت لأول مرة مبدأ الحوارالديمقراطي نهجاً وأسلوباً لحل مشكلات الساحة الأرترية، وأما نظرة القيادة عملياً ونظرياً في هذا الملف فكانت نظرة رومانسية طوباوية تعبر بعمق عن الأحلام والأشواق أكثر مما تعبر عن الجوانب العملية والواقعية في التعاطي مع هذه المسألة ومصلحة التنظيم، وكثيراً ما يخالطها فن التزين والتزويق والأدلجة والأبعاد والحساسيات، والخلط بين خيارى الاقدام والاحجام، وعلى كل حال فقد أقر المؤتمر الوطني العام الثاني لجبهة التحرير الارترية مبدأ الحوار الديمقراطي مع قوى الثورة، وكان يقصد في ذلك الوقت قوات التحرير قبل أن تنقسم لبعثة خارجية (بقيادة الشهيد سبي) ولجنة إدارية (بقيادة أسياس)، وإنطلاقاً من هذا القرار بدأت القيادة تتحسس طريق التطبيق، ولهذا شرعت في الاتصال مع قوات التحرير الشعبية وبدأت الاتصالات المباشرة بوساطة سودانية، وعقدت أول إجتماعات حوارية في الخرطوم بتاريخ 3 - 8/9/ 1975م وحسب ما ذكر الاستاذ ابراهيم كان الهدف قيام تنظيم سياسي واحد، وأن تسبق هذه المرحلة مرحلة تنسيقية، تبدأ من لحظة توقيع الاتفاق وتشكل لجنة تحضيرية من عدد متساو من الطرفين في التمثيل، ولجنة للعلاقات الخارجية، ولجنة سياسية وإجتماعية، ولجنة عسكرية، كما قرروا العمل على توحيد المنظمات الجماهيرية واللاجئين - وتكليف وفد خارجي مشترك يشرح الاتفاق، وأكد الأستاذ أن هذا الاتفاق واجه منذ البداية تحديات، أولها رفض اللجنة الادارية لقوات التحرير بالميدان، الوفد لم يكن له تفويض والسؤال لماذا وقعت الجبهة مع وفد لاتفويض له؟ هل عرفت قيادة الجبهة بقصة التفويض بعد إختلاف قيادة القوات؟

لم يقدم الأستاذ إجابة لهذا السؤال البديهي والجوهري، وقال الأستاذ لم يكن هناك سقف زمني لنهاية الفترة التنسيقية ولم يعلمنا الأستاذ وهو جزء من طرف محاور (الجبهة) لماذا لم يكن لها ذلك السقف؟ ويلاحظ أن الأستاذ يتحدث وكأنه مراقب وليس جزء من قيادة وقعت على الاتفاق، ولهذا لم يوضح لنا هل كان ذلك السقف غير المقيد بزمن لرغبة الطرفين أم بسبب الأهمال؟ وهل كانت قيادة الجبهة تعرف أمر قصة التفويض؟ أم كانت مجرد تبرير لرفض الاتفاقية، وماذا كان مفهوم الجبهة لما سمي بلجنة وكي زاقر؟ هل كانت لجنة لحل إشكالات موقعية أم لجنة للوحدة ونقاش القضايا الاستراتيجية بين التنظيمين؟ على كل أكد الأستاذ أن اللجنة الادارية اصدرت بياناً ضافياً يرفض الاتفاقية وطرحوا بدلاً عن ذلك مفهومهم للوحدة الوطنية وقدروا أنها وحدة الفكر والممارسة ثم مرحلة الدمج لاحقاً وتعتمد الوحدة في رأيهم بالأساس على المساواة والحرية السياسية لكلا الطرفين، ثم أدرجوا أمر أن الوحدة يجب أن تتم عن طريق القاعدة!!! وهو مفهوم حمال أوجه وتعبير عن الرفض أو عدم الرضى إذا خفف الأمر.

ويقول الأستاذ في صفحة 218 وأظهر البيان أن البعثة الخارجية ليست قيادة للقوات ولكنها جزء من القيادة وأن هناك لجنة للتقارب متفق عليه في التنظيم (لجنة زاقر) وما أظهرته البعثة الخارجية بقيادة سبي للأشقاء فإما أنه غير حقيقي، أو أن اللجنة الادارية تراجعت عن الأمر لحسابات إستجدت في ذهنها، وتقديرما طرحه هؤلاء جماعة اللجنةالأدارية ليس أكثر من نهج هروبي وتبريري أبتليت به الساحة الأرترية، قالوا حسب ما ذكر الأستاذ تأكد للمجتمعين بأن وحدة التنظيمين تأتي بشكل تدريجي وعبر مراحل وبرامج عمل متعددة، أقروا أن الرؤية الاسترتيجية لوحدة التنظيمين قيام تنظيم ثوري ديمقراطي واحد... ويمكن أن نضع خطوط حمراء تحت معاني ومقاصد وتفسيرات هذه الجملة وهي بالتأكيد ليست بريئة إذا ما ربطت بتبنيهم لخطاب وحدة الفكر والممارسة ثم الوحدة من القاعدة، ولكنهم أكدوا أن نهاية العملية هي قيام تنظيم ثوري ديمقراطي!!!

ذكر الأستاذ إبراهيم محمد علي أن إتفاقية الخرطوم أفضت عن كشف طبيعة العلاقة داخل قوات التحرير الشعبية، وهم لم يكن لهم هرم قيادي منظم وواضح في العلاقات والصلاحيات، وقال كشف أسلوب سبي الأبوي والفردي في إتخاذ القرارات الخطيرة دون العودة لرفاقه في القيادة كما كشف أن سبي لم يكن يمثل كل التنظيم الذي وقع بإسمه، وهذا إستنتاج الأستاذ وهو ليس أكثر من قبول لرواية طرف في القوات وهو إفتراض ولماذا لم يقدر أن هؤلاء وافقوا ثم سحبوا موافقتهم وكانوا هم وحدهم من فهم أن لجنة وكي زاقر كانت لجنة للتقارب بين التنظيمين، وإذا كانت قيادة الجبهة تشاركهم هذا الفهم فلماذا وقعت إتفاقية الخرطوم أصلاً؟

وما دامت قد وقعت وهي طرف أساسي في لجنة وكي زاقر ففهما مختلف وأن تلك اللجنة مهمتها التهدئة والرقابة والتواصل بين التنظيمين وليست لجنة تغني عن القيادة وعن الحوار المباشر وإمكان الوصول لحل إستراتيجي لمسألة الوحدة بين التنظيمين وإذا كان فهم قيادة الجبهة غير هذا، فإنها كانت لها إستراتيجية أخرى وإذا كان هذا صحيح فلماذا لم يكشف عنها الأستاذ؟، وما دامت قيادة الجبهة كطرف كانت تعلم أن تلك القيادة غير منبثقة عن مؤتمر وهي قيادة توافقية بين أطراف متعددة مكونة لقوات التحرير الشعبية ولم تتمكن من الدخول لمؤتمر عام فكيف قبلت بالتوقيع بتلك الطريقة؟ ولماذا وممن أثيرت أصلاً مسألة تمثيل التنظيم؟ من دفع الطرف الآخر (البعثة الخارجية) لتقديم تلك الرسالة؟ ولماذا وقعت قيادة الجبهة رغم ظهور ذلك التشكيك؟ أم أن الأمر برز بعد توقيع الاتفاقية؟ هكذا أسئلة كنا بحاجة للاجابة عليها، على كل حال لم يضعنا الأستاذ في صورة الخطة العملية الأهداف العامة والخاصة للجبهة من توقيع إتفاقية سبتمبر 1975م (الخرطوم)، أي أنهم دخلوا الاتفاقية بلا معرفة لحقيقة تمثيل الوفد الآخرللتنظيم.

ويأتي الأستاذ لأمر رسالة تأكيد التمثيل فيقول ما قدمه سبي من مكتوب للسودانيين قد يكون حقيقي وقد يكون غير ذلك، ويقول على كل حال كان هو بمثابة الزعيم ويعتبر نفسه كذلك ...ويتابع قائلاً إن بيان جماعة اللجنة الادارية كشف بوضوح أن هؤلاء طرحوا وحدة مستحيلة التحقق وهي وحدة الفكر الايديولوجي والممارسة وهو لم يكن يعبر إلا عن إما غرض (رفض الوحدة) أو عدم نضج لطبيعة مقتضيات النضال الوطني لنيل الاستقلال.

وأمرالوحدة الفكرية في تلك الفترة كانت موضة رائجة وحتى تجاهل مطلوبات مرحلة التحرر الوطني مقصود وهو ليس أكثر من تعجيز وإيجاد زرائع وخطاب يصدر إلي الذات ولا أعتقد أنهم كانوا يجهلون أن خوض معركة تحرير إرتريا هو واجب كل المواطنين بكل تياراتهم الفكرية والتنظيمية وطبقاتهم وإنتماءاتهم الدينية والجهوية، إلا أن أفكار سد الأبواب والتذرع بوحدة الفكر والممارسة نتاج للعقلية الشمولية التي كانت سائدة وماتزال.

وإذا كان مقصد أولئك توحيد الأحزاب السرية في الجبهة والشعبية التي لها أطروحاتها الايديولوجية فهو أمر يمكن تفهمه، ولكن تلك الأحزاب كانت تكوينات باطنية تقود تلك التنظيمات من وراء ظهر قواعدها الشعبية والمقاتلة ويفترض ألا تكون معروفة للآخرين وبالتالي فإن طرح وحدة الفكر والممارسة لامعنى له سوى الهروب من إستحقاق وحدة قوى الثورة وتوجيه قدرات كل الارتريين للمعركة الوطنية الكبري معركة تحرير إرتريا.

قال الأستاذ جرى إستغلال الاتفاقية من خصوم القيادة يميناً ويساراً، ولاندرفي ماذ إختلف هؤلاء مع القيادة بالتحديد وهل هم جهات مشخصة أم تصنيفات متخيلة أطلقت على الخصوم أشباح هكذا، والاستاذ هنا وكأنه يخطاب نفر يعلمون ببواطن الأمور، وهو لم يجب في ماذا إختصم هؤلاء مع القيادة وهل يعد الاختلاف مع القيادة في تقدير الأمور خصومة أو عداوة أم وجهة نظر ورأي إنشاءت أخذت بها وإنشاءت تركتها، كما لانعرف على ماذا إستند في تصنيف هذا يمين وذلك يسار ماهو المعيار لنقف علية بالضبط... ويتابع الأستاذ ليقول هناك من عدوها إيجابية ومن عدوها سلبية ومن إعتقد أنها تآمر على اللجنة الادارية ولم يوضح الأستاذ ما هي دوافع من إعتبر توقيع إتفاق وحدوي تآمر على اللجنة الادارية هل لدوافع وعواطف جهوية ثقافية أم أنه إختراق مبكر.

تكرست في الساحة السياسية ثلاث تنظيمات وهي جبهة التحرير الارترية وطرفي قوات التحرير والتي إحتفظ فيها جناح سبي بإسم قوات التحرير الشعبية بينما تعمدت اللجنة الادارية تحت إسم الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وقال الأستاذ في صفحة 244 - 245 أن الجبهة قبلت بشروط الجبهة الشعبية بإعتبارها الخيار الأقل سوءاً وهو هنا لم يوضح ماهي شروط الجبهة الشعبية التي قبلت بها الجبهة وتابع يقول ودخلت في مفاوضات بوساطة سودانية من 1-1977/10/19م وأورد نصوص إتفاقية 20 أكتوبر وقال الأستاذ في صفحة 249 أن الجبهة الشعبية تخلت عن صيغتها الأخيرة بشأن الوحدة الوطنية التي تبنتها في مؤتمرها الأول بما في ذلك صيغة الجبهة المتحدة التي إقترحت قيامها في المرحلة الانتقالية، وفي تقيمي فإن هذا التحليل جانبه الصواب إذ لافرق بين مفهوم الجبهة المتحدة وحسب تعريف وفهم الجبهة الشعبية فينطبق على المرحلة الانتقالية ما الخلل أن تسمى مرحلة الجبهة المتحدة وتقودها القيادة العليا المشتركة، والجبهة الشعبية وبعد أن تخلت عن صيغة وحدة الفكر والممارسة والوحدة من القاعدة وتبنيها لصيغة الجبهة المتحدة التي ستتوج بالتنظيم الديمقراطي الثوري فقد ضاقت الشقة بين التنظيمين وما أورده الأستاذ ليس أكثر من مباهات لامعنى لها لايختلف متابع لوقائع الساحة الارترية مع المبررات التي طرحها الأستاذ بشأن دواعي قبول الجبهة الشعبية لاتفاقية 20 أكتوبر إلا أن ما تجاهله أن الاتفاقية والاجراءات العملية التي تمت بموجبها وخاصة التنسيق العسكري صب لمصلحة الجبهة الشعبية خاصة في منطقة الساحل حيث ألحقت الجبهة اللواء 97 بقيادة قبراي تولدي وجزء من اللواء 72 ليضافا للواء 44 الذي كان في منطقة الساحل أصلاً وهما تحملا ثقل المواجهة مع إثيوبيا وهذا صب لمصلحة الجبهة الشعبية التي إعتبر الأستاذ منطقة الساحل كانت منطقة خالصة لها، وكانت الجبهة الشعبية تلعب دور الحفاظ على قواتها والاشراك في الغنائم وهذه قصة معروفة في معارك الساحل الشمالي وهي لطالما تسببت في خلق مشاكل ومواجهات بين قوات التنظيمين.

إن دواعي تجاهل الطرف الآخر من القوات الذي طرحه الأستاذ لم يعبر عن حكمة أو بعد نظر كما أن قبول الجبهة للنص الذي يتعلق بقوات سبي والذي يطالب قواعدها بالأنخراط في أحد التنظيمين في الساحة الارترية وإستثناء قيادتها والتعلل بأنه قرار قيادتها الأخير لم يكن إلا تكرار لقرار المؤتمر الوطني الأول الذي طالب قواعد قوات التحرير الشعبية (سدوح عيلا) بالأنخراط والذي إعتبره الأستاذ في تحليله خطأً وهو تكرار لأخطاء الماضي فضلاً عن أنه كان إرضاءاً للجبهة الشعبية (اللجنة الادارية).

لم تغيير إتفاقية 20 أكتوبر سلوك الجبهة الشعبية العملي الذي كانت تحكمه نزعة وحلم الانفراد بالساحة الأرترية وعلى طريق تحقيق هذا الحلم كانت تقوم بخروق مستمرة للعهد بين التنظيمين وكانت تعلق كل تلك التجاوزات بأنها تصرفات فردية وكانت تصرفات لاتعرف التوقف وقيادة الجبهة تستمر في التسامح معها على امل توقفها وهي لم تتوقف حتى إندلعت الحرب المباشرة والشاملة بين التنظيمين.

لم يتحدث الأستاذ أبدا عن التنسيق الذي كان بين الجبهة وقوات التحرير الشعبية وأنتج تحرير مدينة أغردات وهو حدث كبير كما إمتد لمدينة بارنتو وتواجدت كتيبة من قوات التحرير بجانب كتائب جيش التحرير الارتري هناك إلا أن تلك الكتيبة سحبت لمواقع قوات التحريرعلى ضفاف خور بركة بعد ظهور بعض التناقضات وحتى لاتتصادم مع قوات الجبهة ولم يكن بمقدورها كسب المعركة لهذا فضلت الانسحاب، كما لم يتطرق لدوافع إندلاع الحرب بين قوات التحرير الشعبية والجبهة في عام 1979م.

وتحدث الأستاذ عن المفاوضات مع إثيوبيا وقال عنها إبتداءاً المفاوضات المزعومة بمعنى أنهم في الجبهة لم يخوضوا أية مفاوضات مع الأثيوبيين، إلا أنه أقر أنهم وبواسطة أحد رجال الأعمال الارتريين المقيمين في أديس والذي كان يتردد على روما عاصمة إيطليا وقال جرى لقاء مباشر وفي تقدير الأستاذ أن هذا اللقاء ليس كافياً لتنسج حول الأقاويل والاشاعات ونسي أن الاشاعة تحتاج لحقيقة صغيرة لتبنى حولها إشاعة تستهدف الخصوم أو الاعداء وتتضخم ككرة الثلج كلما تناقلتها الألسن والارتريون بتناقضاتهم المعروفة مجتمع جاهز للتقبل والتضخيم، ربما عقد لقاء عرضي بواسطة أحد رجال الأعمال الارتريين الواصل في أجهزة الدرق ليس فيه ما تخسره أثيوبيا لأنها تريد أصلاً أن تكون القضية مغمورة وأن لاتسلط عليها أضواء الإعلام والتفاوض في عرفهم موضوع سقف أعلى محدد لديهم تريد إغراء المفاوضين حوله، وللأسف الشديد جارتهم قيادة الجبهة في ذلك بلقاء روما كما أن ضرب سياج من السرية والتكتم على الأمر حتى على مستوى الأصدقاء والأشقاء وقواعد التنظيم سهل تمرير الدعاية وأصبح وبالاً على حركة الجبهة وشوش على شبكة علاقاتها الداخلية والخارجية ووفر سلاح مجاني لخصومها وزاد الطين بلة ما ورد من مسؤول العلاقات الخارجية آنذاك في ندوة تأبين الشهيد كمال جمبلاط في بيروت وما نسب إليه من توصيف لنظام الدرق بالثورة الإثيوبية، لقد أحس بعض أشقاء الجبهة ومن بينهم السودان أن الجبهة ترتب لأمر ما مع نظام منجستو دون علمهم، وكان لهذا ردة فعله ومن بينها تعويق نقل سلاح وإمداد الجبهة، واذا كانت قيادة الجبهة قد أخذت حق التفاوض ومشروعيته من المؤتمر الوطني الثاني الذي صادق على مبادرة الرئيس النميري كما ذكر الأستاذ فلماذا كان التكتم على حقيقة لقاء روما في وقتها حتى بلغت حد الخصم من رصيد وكسب الجبهة التاريخي، واذا كانت ردة فعل النظام الاثيوبي شن حرب عسكرية طوال أعوام 76 - 77 وهي تنسجم تماما مع مشروع الدرق الالحاقي الذي إختصر سقف التفاوض مع الثورة الارترية في مشروع النقاط التسع للحكم الذاتي والتي تبناها تحت ضغط وإلحاح أصدقائه فمن الطبيعي أن يستفيد.

ويتساءل الأستاذ هل جرت مفاوضات حقيقية ويرد على هذا بالقول جرى لقاء روما وما يفهم من كلام الأستاذ أنه سابق للقاء برلين بين الشعبية ونظام الدرق ويقول إبراهيم محمد علي حول مفاوضات برلين أن الجبهة الشعبية تنازلت للأثيوبيين عن ميناء عصب شريطة الانسحاب عن باقي الاقليم وهو يورد هذا الحديث على طريقة قيل ولايوجد لديه ما قدمه رغم كل السنوات الطويلة التي مضت على ذلك الأمر وهذا الأفتراض واحدة من تجليات منتج صراع الساحة والخصومات البينية، وأعتقد أنه ليس أكثر من جدول أجندة الطرفين المتفاوضين وهو احد فنون التفاوض التي يمكنك أن تستمع فيها وتطرح ما تحب وتسمع ما لاتحب وربما تطرح أمر ما لكسب الأطراف الوسيطة وأنت تقدر السقف الأعلى لعدوك الذي يستحيل أن يتزحزح عنه وهو قد تطرحه بعبارات يمكن البحث فيه وهنا توصف بالمرونة وخصمك بالعناد، وبصرف النظرعن خصومة الأشخاص مع الجبهة الشعبية فإن الأمر ليس بتلك البساطة التي طرح بها الأستاذ مسألة التنازل عن عصب وما يؤسف له فيه شيئ من عقلية إتهام الآخرين في وطنيتهم وهذا مرض إبتليت به الساحة الارترية ولازال أمر إحتكار الوطنية وتوزيع الوطنية والعمالة والخيانة أهون عند البعض من تجرع الماء وهو بعد عن الانصاف والموضوعية.

لم يذكرالأستاذ أن وفد من قيادة الجبهة قد أستدعي لزيارة موسكو وبقى الأمر سراً وكذلك الجزائر، ومن المعروف أن موسكو كانت الداعم الأول لنظام الدرق بحسبانه ثورة غيرت مسار العلاقات في المنطقة ونقلت أثيوبيا من معسكر الغرب لمعسكر الشرق أي من معسكر الامبريالية لمعسكرالاشتراكية ربما تجاوزهما الأستاذ بإعتبارها لاتندرج في خانة التفاوض.

كان يمكن لقيادة الجبهة أن تخلق من تلك الدعوة رافعة إعلامية كبيرة وكان بإمكانها الاستئناس برأي أصدقائها وتخطرهم أنها تلقت دعوة من موسكو وتطلب نصحهم ومشاركتهم بالرأي، وإذا كانت الجبهة سارت على الفهم الآنف الذكر فإنها كانت ستكسب ثقة أصدقائها وتضمن إستمرار مساندتهم بصرف النظرعن مآل اللقاء مع موسكو، كما تجاوز الأستاذ دعوة وفد الجبهة للجزائر في عهد الرئيس هواري بومدين... وساستخدم هنا عبارة الأستاذ المحببة قيل وقيل أنه طرح لذلك الوفد الحل الكونفدرالي... الجزائريون كانوا هم الضامن ممثلين في الرئيس هواري بومدين شخصياً وقالوا إذا رفض النظام الاثيوبي هذا الحل فإن الجزائر بكل ما تملك ستقف مع الثورة الارترية، كما قيل أن الجزائريون قالوا للوفد غذا كانت عندكم القوة الكافية لحسم الصراع لمصلحة الاستقلال التام وقبلت هذا الطرح فهذه خيانة للشعب الارتري وإذا لم تكن لكم القدرة ورفضتم الطرح فهي خيانة أيضاً، وعليكم أن توازنوا في الأمريين، ورفض الوفد الطرح مباشرة دون أن يعطي لنفسه مجرد فرصة تقليب الأمر مع بقية القيادة ومن ثم الرد على الأشقاء في الجزائر بالاتجاه الذي يكسبهم لصالح حق الشعب الارتري.

هل تجاوز الأستاذ هذين اللقائين لأنهما ليسا لقاءات تفاوضية مباشرة مع الأثيوبيين أم أنها لم تحدث قط أو أنه لم يعلم بهما؟ وعلى كل حال هي متضمنة في كتاب المفاوضات السرية إصدار جبهة التحرير الأرترية.

وما يمكن تأكيده أن تفاوض مباشر مع الأثيوبيين إذا تجاوزنا الأساليب الإستخبارية ذات الأهداف المحدودة (الإختراق والاختراق المتبادل) وما يلزم إلا أن دعاية المفاوضات من قبل الجبهة كانت حاضرة بقوة وقدعززها صمت قيادة الجبهة وعدم ردها على تلك الدعايات في وقتها بل وهناك من يدعي أن جبهة التحرير الارترية إستعانت بوياني تجراي لضربهم (قوات التحرير) وقد صب الصمت الذي ربط بالخط الأيديولوجي السري في الجبهة (الخط المسكوي) في خانة تشكيك دول الاقليم في الجبهة وغطى على مفاوضات الجبهة الشعبية المباشرة مع إثيوبيا في برلين وغيرها، وإعتقدت بعض الدول في الاقليم أن الجبهة تخبئ شئاً ما بما في ذلك سوريا التي كانت أول دولة تعترف بالثورة والحق الارتري وكذا السودان والسعودية والعراق ومصر ودول الخليج وبعض الدول كانت لها مخاوفها من خط الجبهة الايديولوجي وتسمع الكثير من خصوم الجبهة، بل أن بعض الدول (السودان) إتخذت إجراءات عملية في التضيق على الجبهة وربما نسي الأستاذ أن جهاز الأمن في عهد النميري قد حجز على أسلحة الجبهة التي كانت على الأرض السودانية كما يعرف كيف أخرجت الجبهة تلك الأسلحة بشق الأنفس ربما ذكر تلك الحقيقة يجبره على ذكر نفر لايريد لهم إلا مقصلة الاعدام السياسي لهذا تجاهلها، وساعدت هذه الشكوك الجبهة الشعبية في هجومها على جبهة التحرير لارترية التي أصبحت هكذا بلاظهير بفعل أخطاء قيادتها السياسية التي فقدت خاصية تقدير الموقف كحركة تحرر وطني وتعلقت تلك القيادة بأهداب الجمل الثورية الرنانة وعانت من تضخم الأنا، أما أن يدعي النظام الأثيوبي بأن الجبهة منظمة يمينية إسلامية توجهها دول عربية وإسلامية مرتبطة بالولايات المتحدة وهدفها تقويض النظام التقدمي في إثيوبيا... وهذا الادعاء ليس فيه جديد بالنسبة للأثيوبيين فهو إدعاء قديم جددوا بعض مقولات لتتناسب والخط الأيديولوجي الجديد في عهد الدرق، وهو إدعاء قديم كان يردد بصيغة أخرى في عهد الامبراطورية والجديد هو الارتباط بالولايات المتحدة واليمينية وتقويض النظام التقديمي وهي بديل لعبارة بيع أرتريا للعرب... وهذا الأدعاء لم يتمكن من الصمود... وكان البرنامج السياسي لجبهة التحرير الارترية وتركيبها البشري وأهدافها المعلنة أدوات كافية لضحضه.

أما قول الاستاذ أن هذه الدعاية أطلقت في برلين من قبل الجبهة الشعبية فهي رواية صعبة التصديق لأن مضمون الدعاية لا يصب إلا في مصلحة الدرق ولايخدم الجبهة الشعبية ورغم أنها صعبة التصديق إلا أنها قد تبلع على مضض لأنها جاءت من خصم للجبهة وكل هدفه التشويش على الجبهة والتغطية على لقاء برلين التي دخلوها منفردين وأنا أستغرب لماذ إستبعد الأستاذ أن تكون أثيوبيا مدرتلك الدعاية بهدف التشكيك بين طرفي الثورة وتوسيع الشقة بينهم وحتى مألة التنازل المزعوم عن عصب تندرج في هذا الفهم.

نواصل... في الحلقة القادمة

Top
X

Right Click

No Right Click