قراءة في مجموعة قصصية حارس الجسد

بقلم الأستاذة: حنان علي مران - شاعرة وكاتبة صحفية - ملبورن، استراليا

حارس الجسد، مجموعة قصصية لا ندري عن أي مجتمع تتحدث، فليس هناك بين طيات القصص

تحديد لمنطقة أو مجتمع أو بيئة الأحداث والشخصيات ولا مجال للخيال والإبداع لأن فكرة الكتاب هي كسر تابوهات المجتمع والحديث عن المسكوت عنه كما قدمته وقالت عنه مقالات الكتاب العرب.

الفرضية تقول أن جميع أفكار القصص مستوحاة من بيئة حقيقية مع عدم الإفصاح عن هذه البيئة الغنية مادياً الوضيعة أخلاقياً، وبالتالي وبما أن المجتمع الذي تدور حوله هذه القصص غير مشار إليه بالبنان فسيعتمد النقاد والكتاب مجتمع الكاتب الأصلي هو ساحة الصراعات فبحسب علم الإجتماع فإن الكاتب أو الأديب مرآة مجتمعه ودوره هو رفع درجة الوعي لدى هذا المجتمع وليس مجتمعات بالإنابة (!).

معظم الكتاب العرب الذين تناولوا المجموعة القصصية تحدثوا عنها كترجمة لواقع الشعب الذي ينتمي إليه الكاتب ولذلك نعتوا قضاياه بالمسكوت عنها وإلا فمعظم هذه القصص أصبحت عادية ومتناولة صوت وصورة ومحتوى مسموع ومرئي في السوشال ميديا أيضاً في المجتمعات العربية المحيطة حتى أن الكاتب اللبناني عفيف قاووق يرى أن المجموعة القصصية تعتبر من أدب المقاومة الذي إعتاد عليه الكاتب ولكن ليس مقاومة المحتل هذه المرة بل مقاومة الفكر الذكوري للشعب المُحتل (!!).

وهذا يعني أن الناقد العربي يسقط جميع النصوص على مجتمع الكاتب بل ويزيده من أنه يحذره من مغبة سقوطه في عش الدبابير النسائية قائلاً بالنص "أن الكاتب قد أدخل نفسه في عش الدبابير النسائية، كونه اعتبر في معظم نصوصه بأن المرأة هي التي كانت المبادرة بالإنزلاق إلى بؤرة الخطأ والخطيئة". هذا كلام عفيف قاووق وهنا مربط الفرس، فقد جاءت معظم القصص تستعرض السقوط الأخلاقي للمرأة بصورة غير مبررة ولا منطقية ولا تتسق مجريات الأحداث.

تشعر وانت تقرأ الكتاب أن الكاتب في كل قصة يهرول بك مسرعاً بطريقة تقطع أنفاسك ليمثل بك أمام لقطة إنتهاك الشرف الوضيع ولا تكاد تلتقط أنفاسك من المشهد حتى يتكرر في القصة التي تليها مع تزايد وتيرة التصوير الذي تقشعر له الإباحية. المشكلة أن كل ذلك يصور على أنه قضايا مسكوت عنها، بكل عدم الموضوعية وعدم التشويق فقط بإثارة من زمن الناقة شرخت، إثارة المنشفة التي تقع فجأة ويقع معها قلب مراهق ثمانينات القرن الماضي.

أعلق على كلام الكاتب اللبناني واقول بأن معظم كتاب ارتريا باللغة العربية لا يخشون أي عش دبابير لا نسائية ولا مجتمعية ليس لهذا الشعب نقابة ولا رقابة ولا نقاد يستنطقون ويطوقون الأعمال المترجمة لحال ومآل هذا الشعب ليقوموا أو يصححوا، إنه شعب مسكين يفرح لأي إصدار يضمه ضفتي كتاب مهما كان مهترئاً المهم أن تمتلئ المكتبة العربية الإرترية بالكتب، أي كتب والسلام. ومن المفارقات أن الكاتب مهر الإهداء إلى الشرفاء الكادحين الباحثين عن الكرامة (!!!)

والله (!!) عن جد (!) كيف خطر لك أن تنتقي الشرفاء بالذات الكادحين لتهدي لهم مجموعة قصصية يمثل الشرف والكرامة أقل نسبة حضور لدرجة العدم فيها، هل هذا من باب فنون الطباق مثلاً…! وحتى لا أُتهم بإغتيال الإبداع وتحييد الرؤية فقد تحفّظ الناقد اللبناني عفيف لاحظ إن إسم الناقد مع محتوى الرواية يمثل طباقاً ثانياً أيضاً، المهم أن الناقد ذاته يقول بإن قصة وقود إمرأة وهي القصة الأولى في الكتاب "وإن كان عنوانا رمزياً - لكنه يمكن أن يستفز العديد من النسوة فالمرأة ليست مركبة أو آلية تحتاج إلى وقود يقدمه لها الرجل، لذا نقول كان الله في عونك أستاذ هاشم" إنتهى كلام الناقد.

إن الإستفزاز العقلي غير المنطقيفي قصة وقود إمرأة بمثابة نصف إستفزاز بقية القصص فقد طوع الكاتب كل الظروف الممكنة وغير الممكنة ليفسح مجالاً لرذيلة لا يمكن أن تتأتي ولو باركها الشيطان شخصياً ورتب لها فقد شحذ همم كل المستحيلات كي تنتهي باللقطة الإباحية رغماً عنها فيما علق ناقد آخر بأن المجموعة القصصية هي لمن فوق ال 18+ لما تحوي من مشاهد وإثارات ولكن سردياً وإنشائياً وتشويقياً أتبرع أنا وأقول أنها لمن دون العاشرة فأساليب الإثارة التي تنشأ نتيجة سقوط منشفة عن جسد عارٍ وتوصيف الدورة الشهرية والفوط الصحية وتلطيخ الأسرة والملابس بدماء المراهقات هذا يثير فقط مراهقي زمن الناقة شرخت.

إن القصص التي حوت زنا المحارم من الأب الذي يغتصب ابنته في قصة سكينة الخطيئة لدرجة ادت لإنتحارها والأم التي أغوت زوج إبنتها وخانت زوجها وإبنتها بكل برود من اجله في قصة الجنس الحرام خلت تماماً من أي مسوغ ولو حتى مرضي، نفسي عصبي، لقد تمتع الجميع بصحة عقلية جيدة وجسدية وأخلاقية مريضة.

إن المشاهد الجنسية التي صورتها القصص بحجة وضع الإصبع على الجرح لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمكن تصورها حتى في الجنس الحيواني فحتى الحيوانات تنفر فطرياً من ذويها وأبنائها ثم يأتي إنسان بكامل عقله ودون أدنى مسوغات ليهتك عرض كل ذلك في مجتمع لم تنل فيه المرأة حقها الشرعي كاملاً في زواج شرعي كامل وأغلب ظن النساء فيه أنهن يلدن أطفالا كل عام ولا يذكرن سبب ومكان وزمان وطريقة الحمل الذي وضعنه، فهل يستطيع الكاتب تناول المسكوت عنه في مشكلات الفحولة وأمراض الرجال الجنسية المميتة لأرواح نساء شرق إفريقيا أم أن الشجاعة تكمن فقط في تعرية جانب دون آخر.

الكتاب تناول إيضاً الفكرة النمطية من أن الفئة العمرية التي تخطت الثلاثين والأربعين من النساء هن الأكثر إستعاراً وإشتعالاً وبالتالي يرتمين في طريق كل من هب ودب وهي فكرة مجتمعية بغيضة تترصد المرأة في بيئة أقل ما يقال عن الفئة العمرية المقابلة لها من الرجال أنهم خارج نطاق التغطية وبالكاد يلحقون بحلبة الصراع ويا تكسب يا ما تكسبش اللهم إلا مما كان من الدعم السريع "الفياجرا" وهذا بحد ذاته محك سقط فيه الكاتب الذي لم يناقش ولو في نصف سطر مشكلات الفحولة والضعف الجنسي ولكن كيف يتناول الكاتب هكذا قضايا توقف حال أي رواية فلن يبقى مع مناقشة هذه المواضيع أي طريقة للمشاهد الساخنة لإنسان الغاب طويل الناب ولن تمر أي رواية او قصة على جسد إمرأة. أرئيتم كيف يتم الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالرجل، إنها صنعة الكتابة.. العبور على أجساد النساء.

وأخيراً وليس آخراً إن ما دعاني لهذا النزال هو عدة أسباب:-

أولاً: رد الإعتبار لشموخ وعزة وكرامة المرأة الإرترية بصفة أولى كما فعلت مع روائيين سابقين البسوا المرأة الإرترية حلة لا تليق بها ولا تنبغي لها ليبيع الكتاب نسخ أكثر.

وثانيهما: أن الكتب يا سادة أطول عمراً من أصحابها وأننا عندما نكتب لا نكتب لمن يعيش في زماننا فقط، سيسجل أن كتاباً وصف المجتمع الارتري بهذه الصفات عام 2023 ولم يراجعه أحد فسيرث الشعب وصمة العار تلك اجيال ورا أجيال.

ثالثاً: إن لم نتحدث ونوقف الإبداع الكتابي عند هذا الحد أخشى أن يُقحَم الشذوذ الجنسي والمثلية كإبداع حتمي في قادم الأيام.

رابعاً: وقبل أن يتهمني البعض بإنتهاك حرية الكاتب الإبداعية او النيل منه لذاته، أحب اقول لكم أني قرأت للكاتب رواية عطر البارود من قبل ولم أنبس ببنت شفة برغم كل شئ وأعني كل شئ لأن عنوان الرواية وحده كان بالنسبة لي كافياً كإبداع يغفر ما بعده ولأن الرواية لم تشذ عن الآفاق كثيراً ونفعها أو ضرها لم يتعدى الكاتب بعكس هذه المجموعة القصصية التي تعدت الكاتب إلى طعن المجتمع في شرف المرأة.

للتواصل مع الكاتبة: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click