قراءة في كتاب آمنة محمد علي ملكين نضال إمرأة إرتريـة لله ثم الوطن والتاريخ
بقلم الأستاذة: حنان علي مران - شاعرة وكاتبة صحفية - ملبورن، استراليا
بادئ ذي بدء، آمنة ملكين، إسم كبير بين أبناء الجالية الإرترية في مدينة ملبورن،
عرفناها مناضلة كبيرة خدمت شعبها وكانت أيقونة للمرأة الإرترية المناضلة في أذهاننا وقيمة كبيرة في أعيننا كشابات ولدنا وربينا بالمهجر، تشرفت بالصدفة البحتة بحضور تدشين كتابها قبل الإطلاع عليه وشاركتها فرحتها بالكتاب بمشاركة شعرية تليق بمسيرتها النضالية فقد كانت إحدى الملهمات لقصائدي الوطنية الثورية التي كتبتها عن المرأة الإرترية المناضلة. يعرف المرء أحيانًا بما يتبادر للذهن من الصورة النمطية المرسومة له لدى المجتمع، فإذا سردت التفاصيل بدت الحقائق في التكشّف.
كتبت مقدمة الكتاب الدكتورة أمية جبران المقبلي وهي مسؤلة تنمية المجتمع بجامعة الكشافة والمرشدات باليمن والتي ذكرت في مقدمتها أن مصدر الكتاب المباشر هو السيدة آمنة ملكين وقد قامت بتسجيل فصول الكتاب صوتياً ومن ثم قام العاملون على الكتاب بتفريغ وصياغة وترتيب الفصول وأن د. إدريس جميل راجع الكتاب بعد ملاحظات ثاقبة ولذلك يتحمل القائمون على الكتاب جزء كبير من مسؤولية خروجه بهذا الشكل الذي لا يليق بحنكة وتاريخ وحكمة مناضلة بحجم آمنة ملكين (!).
تناول الكتاب في الفصل الأول: فترة الصبا والنشأة التي ظهر جلياً أن البطل فيها هو آدم ملكين الذي آمن ودعم أخته آمنة في تعليمها وخطط لها مستقبلها الوظيفي في هذا الوقت المبكر الذي لم تأخذ فيه المرأة دعماً من المجتمع. حمل الفصل تفاصيل دقيقة عن أسرة آمنة الكبيرة أبيها وأمها وزوجات أبيها الأخريات وحتى زوجات أخيها وبعض التفاصيل التي لا يفيد الإسهاب فيها الكتاب فهي ليست من السيرة الذاتية ولا النضالية للمؤلفة مثل زواج اعمامها بأرامل أخيهم ومشكلات الميراث وحب زوجات اخيها لها من عدمه.
في حين تم إختصار تحول آمنة ملكين من تلميذة ومعلمة لمناضلة ومطلوبة لدى الأمن السوداني رغم خروجها الإختياري من ارتريا لإستكمال تعليمها في مصر، فعندما تحولت فجأة من انسانة عادية لمطلوبة للأمن السوداني لم تذكر تفاصيل تقنع القارئ بهذا التحول المفاجئ فلم تذكر إسم المخبر الإرتري الذي كان يتردد عليها مع الشباب ثم إكتشفوا انه عميل واختلق لها قصة للنكاية بها لدي الأمن السوداني عندما منعوه الشباب من التواجد بينهم في الصفحة ٢٥ كما انها لم تذكر اسم الصحيفة السودانية التي قالت بأنها كتبت اعلان عن ارترية بمواصفاتها مطلوبة لدي الجيش السوداني ولكن دون ذكر اسمها والعقل يرفض أن يتم تمرير هذه النقطة بكل هذا التعتيم والإبهام مع انها أهم نقطة تحول في مسيرتها من انسانة عادية لمناضلة مطلوبة لدى أمن دولة أخرى يحتاج القارئ لشئ من التوثيق أو حتى المنطق ليمررها العقل (!).
الفصل الثاني والثالث: اكثر الفصول المقبولة توثيقاً ومنطقاً حيث ذكرت فيه تفاصيل كثيرة وأسماء عديدة بتواريخ وفعاليات من أرض الواقع وفيه تعترف ملكين انها لم تمارس أي عمل سياسي أو نقابي إلا بعد وصولها لمصر وانضمامها للإتحاد العام لطلبة ارتريا عام ١٩٦٣ ثم أتحاد المرأة الإرترية لاحقاً تحت مظلة جبهة التحرير والحق ان هذا الفصل كان رائعاً ومنطقياً وشعرت بالفخر والغبطة لكل ما قامت به آمنة ملكين والسيدة زهرة جابر حتى بدأت الحديث عن جبهة التحرير ابتداءاً من الصفحة ٤٥ عندما تناولت حضورها المؤتمر الأول لجبهة التحرير الإرترية عام ١٩٧١، من هنا بدأ التلاطم الغير منطقي في تناول الجبهة بشئ من عدم التقدير في اقل درجاته و التقليل من الشأن في أعلى درجاته.
فبعد أن سرد لنا الكتاب تدرج ملكين في إطار العمل الإجتماعي ثم السياسي حتى وصلت لعضوية المجلس الثوري لجبهة التحرير في مؤتمرها الأول ذكرت في الصفحة الأولى من الفصل الرابع ٨٥ انها لاحظت الصراعات الشديدة والتنافر والخلافات وعدم قبول الآخر من قيادات الجبهة في المؤتمر الأول وتساءلت هل ستصل هذه القيادات بهذا الشكل الى الطريق الصحيح وهو تحرير الوطن؟ تساءلت ثم إستمرت مع الجبهة ١٢ عشر عاماً (!) لا ندري لماذا؟ ولم تذكر الأسباب..!
أما الفصل الرابع: والذي يعد معضلة وسقطة كبيرة بكل المقاييس، وهنا أعتب بشدة على القائمين على الكتاب.. أليس فيكم رجلُ رشيد يراجع السيدة آمنة ويحرص على خروجها للعوام والمثقفين بشكل يليق بتاريخها؟ لماذا يحتاج الكاتب لأشخاص يدعموه في إخراج كتاب ما إن لم يقدموا النصح والمشورة الدقيقة بل ويرفضوا إن لزم الأمر أن يشتركوا بأسمائهم وتواجدهم في سطر كلمة لا تليق بوجه التاريخ ناهيك عن خربشته.
عنوان هذا الفصل يقول تجربتي مع فصائل الثورة الإرترية (!) بينما هي تجربة واحدة مع فصيل واحد هو جبهة التحرير الإرترية وحتى هذا لم يتحقق بدرجة دقيقة بما يكفي فقد إختزلت السيدة آمنة ١٢ عاماً من التجربة مع الجبهة برمتها في شخص و مجموعة عبدالله إدريس بعد دحر الجبهة وخروجها من الميدان وكيف أن مجموعة عبدالله إدريس كانوا من الخساسة بمكان في ملاحقتها واعتقالها ومنعها من السفر بل ومحاولة تطليقها من زوجها إيضاً وكل هذا على لسان المناضلة وهي الموثق الوحيد!!.
وأما الجبهة الشعبية لم تذكر الكاتبة معهم أي تجربة إبان الثورة ولذلك لم تعنون لتجربتها مع الجبهة الشعبية بهذا العنوان بل كتبت رؤيتي للجبهة الشعبية في الصفحة ٩٦ وهذه ليست تجربة فكلنا لنا آراء وليس بالضرورة نابعة من تجربة، هذا الفصل حول الكتاب من سيرة ذاتية لكتاب رأي وتحليل وطالما خرجنا من نمط السيرة إلى الرأي والتحليل لابد من أدلة وبراهين يعتمد عليها الرأي غير تقلب النفس و الهوى فالمسألة تتعلق بتاريخ وسمعة وأرواح شهداء وشعوب.
في هذا الفصل يظهر جلياً المقارنة بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية مع الإنحياز التام والغير مبرر للجبهة الشعبية على الرغم من أن إسم آمنة ملكين صنع بأعين الجبهة وبإسمها جابت العالم وقابلت رؤساء دول وأصحاب مقامات وفتحت لها الابواب وذللت لها الصعاب (!). وأما رؤية ملكين للجبهة الشعبية التي أظهرت الشعبية بمظهر من لا يخطئ ولا يقهر ومنبع الحكمة ودولة الأدغال حتى قبل ولادة الدولة لم تكن منطقية ولا مقنعة وإلا فلماذا لم تنضم لها ملكين وظلت لسنوات مع جبهة التحرير مع أن كل هذه الآراء تكونت في عمر مبكر من الثورة.
الجزء الأخير: من الكتاب يستعرض حياة المؤلفة في المهجر ونجاحاتها في الغرب مع إعتبار ذلك جزء من سيرتها الذاتية الناجحة ولكن ليس بالضرورة من النضال وكذلك زياراتها لإرتريا وإستقبال الحكومة لها إستقبال الفاتحين إن كان يصب في مسيرة إستمرار النضال أو تصحيح المسار.
والحق أن الكثير من المناضلين القدامى والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي الإرتري أصدروا كتباً إتهم فيها بعضهم البعض، او إنتقص بعضهم حق بعض، تجاهل آخرون إنجازات البعض التي لا يخطئها التاريخ وتحامل آخرون على البعض وذهبت كل هذه الكتب أدراج الرياح ولم تكن محل ثقة على الأقل لدى المثقف الإرتري الواعي ولكن تكمن المشكلة في أن مثل هذه الكتب قد تتوفر كمراجع للآخرين طالما أنها مطبوعة ومسجلة ولم يطالبها الناس بالحجة والمنطق والتوثيق في إثبات ما يقولون فمن لا يعرف تاريخ الشعب الإرتري الحقيقي يستخدم هذه الكتب في التوثيق لدراساتهم وأبحاثهم وهنا تكمن المشكلة ولمثل هذا نكتب ونقول ونطالب بتجويد كتبنا التاريخية وغيرها والا نترك التاريخ رهواً ليسجل كل ما يمليه عليه من إستطاع إليه سبيلا. هذه مسؤولية وطنية جماعية.
ملحوظة:
لم اتعاطف من قبل مع جبهة التحرير الإرترية ولا مع المناضل عبدالله إدريس وربما يذكر البعض منكم سجالاتي مع المرحوم المناضل عمر جابر عمر عندما طالبته بتمليكنا الحقائق حول جبهة التحرير بإعتبار أن جيل الثورة بدأً في الإندثار دون أن نعرف منهم الحقيقة الكاملة حول اسباب ما انتهت إليه إرتريا ووصفني وقتها بالبومة المشئومة ولا أستبعد بعد هذا المقال حصولي على القاب جديدة ولا أبالي الحقيقة لكنني مدينة لهذا الكتاب بأن جعلني أتعاطف مع جبهة التحرير ويستميل عبدالله إدريس عقلي وقلبي بعد سنوات طويلة من رحيله فهو في ذمة الله ويحتاج لمن يرد غيبته.
نعم السياسة في معظمها لا تحتاج للأخلاق والشفافية ولكن التاريخ يفعل… كان من تدابير هذا الكتاب أن يصب في مصلحة الشعبية فصبّ من حيث لا يدري في مصلحة الجبهة ولا أظن أن الشعبية يعجبها ذلك…! وإن كان من توصيات تقبل من مثلي لمثلكم فهي مراجعة كل فصول الكتاب بدقة وتلافي ما يمكن تلافيه في الطبعات القادمة إن كان ولابد، وعلى الله قصد السبيل.
للتواصل مع الكاتبة: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.