ترجمة وتقديم الأستاذ: موسي عَوِلْ خير - كاتب إرتري  تأليف الكاتب الإريتري: تسفاي قبرآب

بينما كان القسيس يواصل عملية الحفر استمر في توجيه الاسئلة قائلاً:

• ولكن لماذا ارتبط اسم سلالة سمرچون بعد موسي mussi؟

• صحيح أننا نعرف باسم "عد موسي" ولكننا لا ننتمي إلى عد موسي الأولى التي حدثت مواجهات بينها وبين أبناء طوقي، لأن تلك العرقية غير موجودة اليوم، إلا أن أسلافنا تبنوا الاسم بعد أن تمكنوا من القضاء على عد موسي، أما نحن ننتسب إلى موسي بن فرم حق، رد عليه نور النبي.

• لم أفهم ما الذي تعنيه؟

• يحكى أن عد موسي كانوا مقاتلين شرسين ومشاكسين، قاموا بمضايقة حلحل وبقوس، لطخوا أيديهم بالدماء حتى في سنحيت، واعتادوا على إثارة الفتن أينما ذهبوا، قاموا بقتل "طوقي" عندما كان عائداً من زيارة ابنه في حلحل إلى أهله في "عدي تكليزان" فقام أبناء طوقي للثأر منهم، عندما اجتمع عد ورع و عد إيتين وعد تيدروس وعد همجاي متحالفين فيما بينهم، ثم نفذوا غارة على عد موسي فدمروها عن آخرها، ونحن من عد همجاي، وهكذا فإن الأسر الأربعة التي تحالفت للقضاء على عد موسي قررت فيما بعد أن ترث إسم عد موسي، لأنهم لا يريدون نسيانهم، أما بقايا عد موسي ففضلوا أن يموتوا وهم يقاتلون بدلاً من أن يطلبوا العفو والرحمة وهكذا قضوا عن آخرهم.

توقف القسيس الشاب قليلاً عن الحفر، فجلس على الأرض ومسح عرقه ثم أضاف: "هناك الكثير من الأحداث التاريخية في بلادنا، وأحياناً عندما يتم تناقلها من شخص لآخر بشكل شفهي تضاف لها روايات جديدة لتبتعد عن الحقيقة كثيراً، في العصور القديمة نشأت مشكلات عديدة بسبب الروايات التي أضيفت إلى كتابنا المقدس، وكذلك اليوم يوجد الكثير من الأحداث التاريخية الشفهية التي تحتاج إلى تدقيق وتصحيح".

على كل هذا ما أخبرنا به آباؤنا، رد عليه نور النبي.

هل تعلم بأن جد سمرا كان قسيساً أرثوذكسياً؟

الله كريم، لقد أخبرونا بأن المصريين لم يعتدوا على المسلمين لأنهم يخافون الله، أما أولائك القادمون من الجنوب لم يكونوا يميزوا بين مسلم ومسيحي، فقد أحرقوا المنازل ونهبوا المحاصيل، كما ذبحوا الأغنام والجمال وصادروا الحيوانات التي تتحمل المشاق لكي ينقلوا بها كل هذه المنهوبات، لم يفرقوا بين قريب أو بعيد، لقد استحقوا غضب واستياء أهالي حلحل عن جدارة واستحقاق.

أراد القسيس تبرير ما قام به القادمون من الجنوب والتخفيف من إستياء نور النبي منهم فقال: "هذا كله بسبب ضعف وانحدار كنيستنا ليس إلا"
سأل نور النبي القسيس بصوت خافت فقال: كيف عرفت كل هذا؟ من أين أنت؟

أنا من بيت أسقدي، رد عليه القسيس: هل بيت أسقدي عندهم مسيحيون أرثوذوكس؟

عندما غيرت المنطقة دينها، فإن القليل من الأسر بقيت على الديانة الأرثوذوكسية، وكما قلت أنت فإن المزارعين سئموا من دفع الضرائب والإتاوات لقطاع الطرق، كان ذاك زمناً رديئاً.

ولكن الجفاف لم يضرب بيت أسقدي بشكل قوي كما فعل بنا، وأن الاتاوات التي تأتيهم من التقري ضمنت لهم الاستمرار على حالهم، الألبان من أبقار وأغنام التقري أبقت حلوقهم مبتلة، ولكن لو استمر الجفاف على هذه الوتيرة فإن التقري لن يجدوا ما يكفي لسد رمق بيت أسقدي، وأن الاتاوات التي كانوا يدفعونها لهم سوف تقل بالتدريج وهذا يعني أن كليهما في نهاية المطاف سيهلكان لا محالة، لدي مخاوف من أن تتعرض البلاد كلها إلى إبادة.

لا، الله رحيم وكريم، لن يحرمنا الله من كرمه، فإن أفعاله خفية لا ندركها نحن، لن يقضي الله على من خلقهم على هيئته.

أرخى نور النبي يديه في يأس ثم قال:

ربما تكون هذه أيامنا الأخيرة، أنا بلغت درجة كبيرة من اليأس، إن لم يتمكن هذان الطفلان من تجاوز هذه الكارثة فإن سلالتنا سوف تصل إلى نهايتها، هل ارتكبنا بعض الخطايا غير المقصودة؟ كيف لسلالتنا أن تنتهي بنور النبي؟

استمر نور النبي في همهماته بصوت منخفض قائلاً:

أنت ذكرت في بداية حديثك أمراً عميقاً جداً، ففي مثل هذه الأوقات المأساوية نرى أن الجنس البشري كله ليس سوى جنس واحد خلقه خالق واحد، وفي مثل هذه الظروف فإن الله لا يميز بين مسلمين ومسيحين، فهو يعاقب الجميع بعدالة، إذا لم يكن هناك إله واحد، فإن الجنس البشري لا يمكن أن يتشارك في مثل هذه المصائب، وإن الأمر الأساسي الآن كيف يمكن الحفاظ على هؤلاء الأطفال من مخالب الموت، هل سيبقى معنى لهذا العالم كله إذا لم يتم انقاذ هؤلاء الأطفال؟

حتى عندما يبقى بعيدا عن القسيس كان نور النبي لا يزال يتحدث: ليحفظنا الله، ما عسانا أن نقول غير هذا؟ الحمد لله، بارك الله في لطفك، نسأل الله أن يجنبك الشر، ليباركك الله.

ثم واصل نور النبي رحلته إلى مصوع.

نواصل بمشيئة الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة

• السابق
• التالي