فاطمة موسي للدهشة اكثر من وجه

بقلم الأستاذ: عبدالقادر مسلم - أديب و روائي ارتري  المصدر: المحور نيوز

طائر البلانفورد جاثم على الصخور يهاجر شتاءً من أعالي جبال إرتريا يجوب سهولها وجزرها

هجرة البلانفورد 2

المتناثرة بزهيد حرف يبدأ مشروع شاعرتنا فاطمة موسى زهداً أنار قنديلاً يرتنح من سكر الأبيات ونسيجاً مغنى من تواشيح الهجرة والحنين ولعل فطنة الشاعرة بالغة الأثر حين اختارت ثيمات شديدة الالتصاق بالروح (طائر صغير هزيل مموج بلون الخريف) كدلالة سقم والبحر ساحة قربان مؤجل. يكاد قلبي يعتصر ألماً حين قرأت القصيدة الافتتاحية (تنادي الأرض في روحي. كظمآن بحرمان. إلام القهر في ظلي. وفيم الابن سجاني) أحسبها كاهنة تنثر أسئلة وجودية على رفات شباب اقتيدوا إلى حتفهم حين تتجلى في اخر شطر.

فكم لاقوا بها ذلاً
وكم عاشوا بخذلان
وكم تاهوا بساحات
وكم خفوك عنواني… فهذا التيه يسحرهم إلي البحر كقربان!

وللتأمل وقفة تعلق فيها شاعرتنا تمائم الفلاح وكأن المشهد يشي بأمل يتقد بوحاً مختلفاً هذه المرة فبداية هذه القصيدة بلا ولا تلك وإن كان مؤداها النهي إلا أنها تستكين إلى الرجاء في وقع موسيقي يعيد أحياء الأمل رددتها كأغنية شعبية.

لا تنضب لا يليق ببئر قديم أزلي أن ينضب
هنالك في عمق الروح طفل عفوي البوح
بسمة بلسم على الجروح..

هذا النسق تبدع فيه السمراء الأنيقة فاطمة موسى وأجدها تنظم الكلمات على وقع ناي مشروخ كنايةً عن دقة النظم بحيث تستحيل القصيدة كنشيد طروب مفعم بمعاني إنسانية رفيعة,أنا نصير هذا اللون من الشعر وأجده خير نهج تسلكه فأن كان لي اسداء نصيحه أن تستمرأ هذه اليافعة على درب قصيدة البيت الواحد فهي مدهشة حين تسحب ذهن المتلقي إلي نهاية مدهشة.

وتأتي التغريبة الإرترية كغرض أصيل في متون هذا الديوان لكن بشكل مختلف عن الأعمال الأدبية الأخرى ذات الصلة فهنا ثورة رجل / عهد الأسفار / هجرة البلانفورد / زمان الخطايا / طال السهر.. عناوين لقصائد تتماهى أو تكاد تصبغ التغريبة الإرترية بلون بهيج خليط شجن وثورة.

ما تلبث أن تعود من المهجر إلي الوطن الخراب إلي الحالة الإرترية الاستثنائية، ولأن العاطفة الأصيلة تلوك في وجدان الشاعر فتظهر على السطح مصداقاً لمقولة (أول القصيدة كفر) فتحكي بلوعه قصة الشعب وقصة الشاعر في كيفية مهيجة للصراخ

شاعرنا
حاك من نسيج الوجع
حروف وشكل صوراً ورموزاً تبرق
هو لا يجيد الصمت بعد الترهيب
ولا حياكة لغة الكذب والتملق بعد التهديد والوعيد..

تجدر الإشارة إلى أن الشاعرة فاطمة موسى مهاجرة من الجيل الثاني حيث عاشت مراحل التكوين الجديد بين وطن مفقود ووطن بديل حياتين بين رجاء فقدته وأمل حاولت الامتزاج به وتلك الهواجس المصاحبة لحياة المهجر كان لها نصيب من بوح تأملي في قصيدة (وحدة).

إين أنت من هذا الخواء؟
أرتجف وحيدة في هذا العراء
أذكر يدك تلوح وبوح الملح على شفتيك مودعاً

ما يميز شعر فاطمة تلك الصور التركيبية بحيث لا تغادر اللحظة ذهن المتلقي وتجاور سحائب الخيال، فهي تصيغ مشروعاً مختلفاً عما آلفناه وأعتقد أن قصائدها ستحلق ليس ببعيد حين تغنى.

فمرحى إلي أولئك الذي ظن العالم انهم هامش أولئك الذين أخذوا جل اهتمامها وكتبت من أجلهم.. وهنا تتجلى القيم السامية للشاعر وفاطمة حالة إنسانية مؤرقة ومتناثرة فهي الأم والشاعرة والناشطة الحقوقية وتلك التوليفة أخرجت لنا هذا الديوان فهو نتاج صراع قوى متفوقة عربية والمانية وانجليزية فكان البوح بلغتها الأم فانتصرت لذاتها ولروحها..

Top
X

Right Click

No Right Click